شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الطفل الحارس
استيقظ ((خالد)) من نومه وهو يرتعش.. كانت برودة جهاز التبريد عالية، واكتشف أن الغطاء الذي يتقاسمه مع زوجته قد استباحته ((إلهام)) لها.. وتدثَّرت به.
كان ضوء ((الأباجورة)) مطفأ، والظلام حالكاً.. ذلك يعني أن الفجر لم يقترب بعد، وأنه قد استيقظ من البرد. وقام يتخبط في السرير، وفي دولاب الملابس الضخم، وسحب باب غرفة النوم وهو يتجه إلى المطبخ.
شعر بعطش شديد. شرب، وتذكر ابنه ((فارس)). فكَّر أنه قد يكون ظمآناً مثله. سكب الماء في الكأس، واتجه إلى سرير طفله. فوجئ أن السرير خال من ((فارس)). قلق وهو يسأل نفسه:
ـ ترى.. أين ذهب الولد؟
مسح غرف ((الشقة)) بحثاً عنه، دون جدوى، ومازال يمسك بكأس الماء.
عاد إلى غرفة النوم ليوقظ ((إلهام))، أو... لعل ((فارس)) مشى إلى غرفتهما ونام.
أضاء ((الأباجورة)).. وعقدت الدهشة لسانه!؟
رأى ((فارس)) ينام في وسط السرير، بين الأب والأم، و ((إلهام)) تحوطه بذراعها وتغطيه معها. ابتسم وهو يهمس لنفسه:
ـ وأنا أقول محتار فين الغطاء، وليه السرير ضيِّق الليلة!؟
وضع كأس الماء على الطاولة بجانب رأس زوجته، وأطفأ النور، بعد أن سرق جزءاً من الغطاء ليتقي برودة الغرفة، وحاول أن يسترجع نومه!
وفي صمت الليل، وهدير ((المكيِّف)).. كان يبتسم، وهو يسترجع موقفاً من الشهور الأولى لابنه ((فارس)).
كان ((خالد)) يومها فرحاً بأن ابنه بدأ يحاول الكلام بعد فترة تسميها أمه ((المناغاة))!
حمل طفله بين يديه، وأخذ يقذف به إلى أعلى ويتلقَّفه، و ((فارس)) يقهقه، ويخرج من صوته كلمات لم يكن والده يفهمها. وضع ((خالد)) فمه في أذن ((فارس)) وهو يقول له: قول ((بابا)).. ((بابا))!
ـ قالت أمه ((إلهام)): ما تترك الولد على راحته.. لا يقول في الأول: ((ماما)) كده!
ـ قال لها: وليه ماما؟.. بابا في الأول!
ـ قالت: لازم يقول ماما.. الأم هي اللي بتتعب وبتسهر وبترضع وبتقلق، وحنانها أضعاف حنان الأب، وإلاَّ ما هي حقيقة دي ياسي خالد؟
ـ قال: لمعلوماتك.. أنا مرة قرأت أن أول حرف ينطقه الطفل، هو حرف ((الباء)).. يعني: بابا، لأنه أسهل في النطق من حرف ((الميم))... يعني: ماما!
ـ قالت ضاحكة: معلومة منحازة، كاتبها واحد راجل.. لكن هناك يا أستاذ مجموعة من علماء النفس في نيويورك قالت: إن الطفل يولد وعنده استعداد غريزي لحب الآخرين، وعلى رأس الناس كلهم أمه، والأم بتقوم بدور كبير في تنمية هذا الشعور أو إحباطه بواسطة التربية النفسية السليمة!
ـ قال: أوه.. دخلنا في الفلسفة، كده طبيعي وعفوي بيقولوا إن الولد يطلع لأبوه.. ده حتى شبهي!
ـ قالت: ما اختلفنا إنه يطلع لأبوه.. إنما أول كلمة هي ماما، لأن الطفل ملتصق بأمه، وعلى سبيل المثال: إنت بترضعه، بتاخده في حضنك بمقدار ما بأخده أنا؟.. طبعاً لأ. وبكده تسمح تقفل الموضوع؟
استدار ((خالد)) من استلقائه على ظهره فوق السرير، واستقبل ابنه النائم في الوسط بينه وبين أمه، وأخذه إليه.. احتضنه. وطبع قبلة على وجنته، وتحرك ((فارس)) يهمهم في نومه، وسمعه يقول: ماما!
ابتسم مرة أخرى، وهو يتطلع إلى وجه ابنه الملائكي، وكأنه يود أن يقول له:
ـ ماما برضه يا ابن......!!
وأحاطه بذراعه، ونام.
* * *
تنبه ((خالد)) من نومه على صوت ((إلهام)) وهي توقظه، وتحرِّكه من كتفه ليصحو.
تطلع إليها ثانية، وفجأة. جذبها من ذراعها، وأسقطها بجانبه على السرير، وهي تحاول الخلاص منه متوعدة:
ـ يا مجنون.. العمل يفوتك، إنت اتأخرت في النوم!
ـ طبعاً.. لأني طول الليل صاحي أتأمل جمالك!
ـ يا الله صباح خير. أنت نايم على جنبك الشمال؟!
ـ لأ وأنت الصادقة.. نايم على ظهري، لأني عجزت أن أتقلب على الشمال أو على اليمين.
ـ ليه يا حبيبي.. جنوبك بتوجعك؟!
ـ جنوبي، والا جنبي الشمال؟.. يا شيخه حرام عليكي، دا حتى السرير ضيِّق!
ـ طيب بسيطة.. نغيِّره ونشتري سرير أعرض!
ـ أخ.. يا برودك يا آدمية، يعني عاملة نفسك بلهاء؟!
ـ يا خالد.. يا حبيبي، الفطار برد، والعمل ينتظرك، وما يهون علي يخصموا عليك!
يقذف ((خالد)) بالغطاء جانباً، واتجه إلى الحمام.
وأمام مائدة الإفطار.. كانت ((إلهام)) تتطلع إلى وجه زوجها وتكتم ضحكة تكاد أن تفلت!
لاحظها خالد، وأطال النظر إليها.. حتى اضطرها أن تطلق سراح ضحكتها. قال:
ـ طبعاً تضحكي.. مقلب معتبر، لكن معليش.. الليلة موعدنا..
ـ يا حبيبي ما قصدت. أنا عارفة إيه اللي ضايقك.. تقصد ((فارس)).. ما هو حبيبك؟!
ـ حبيبي نعم.. إنما عنده سرير، وبعدين أنا ما أحب أدلِّع الأولاد!
ـ أصله يا حبة عيني.. كان طول الليل بيتقلب، وكان جسمه سخن مسكين. خفت عليه وكمان تعبت من كثر ما أقوم وأقعد أغطيه، وأتحسس جبينه.. قلت أحسن أنوّمه جنبنا، أضمن!
ـ قصدك تنوميه في وسطنا؟!
ـ ما هو كله واحد يا حبيبي.. خصوصاً وإنك خلاص نمت.
ـ طيب.. يمكن أصحى؟!
ـ ما هو علشان لما تصحى تلاقي لافتة ممنوع التجول على السرير!
ـ والله عال.. أول أحكام عرفية فوق سرير الزوجية، والحارس: طفل!
ـ أحلى حرَّاس هم الأطفال. اتخيل كده لو حاول مجتمع أنه يعالج مشكلة غياب الآباء عن بيوتهم؟!
ـ نعم.. يعمل إيه المجتمع؟!
ـ علشان يضمن بقاء كل أب داخل البيت في الأوقات المخصصة للأسرة، يعني بعد أوقات العمل.. يقوم المجتمع يعيِّن حراس من الأطفال يوقفهم على باب البيت، ويمنع خروج الأب في وقت الأسرة المخصص!
ـ ما شاء الله.. أفكارك ديكتاتورية!
ـ ليه.. هو فيه أحلى من الأطفال؟!
ـ لأ.. لكن، لما نخلي الطفل في شكل حارس، أو في وظيفته.. يتحوَّل الطفل إلى سجَّان. والأطفال أبرياء.. ليه نعقِّد الأطفال بهذه المهنة؟!
ـ يعني الأطفال ماراح يتعقَّدوا في الوضع ده؟!
ـ أي وضع؟.. أنت بتتخيلي أشياء خطيرة!
ـ خطيرة صح، إنما أتخيل لأ.. بدليل: إنه بالفعل هناك آباء بدأوا يهملوا بيوتهم، لا يسألوا عن أطفالهم، ويمكن ما يشوفوا أطفالهم بالأيام.. لأنهم إما مشغولين ب ((البزنس))، أو مشغولين بالسَّفر للصفقات والأعمال، أو مشغولين في داخل البلد بالسَّهر!
ـ حلو... طيب والأمهات؟ ما هو هناك أمهات أيضاً وصل التسيُّب عندهن لدرجة الإهمال لأطفالهن!
ـ كيف.. فسر لي النقطة دي؟!
ـ أفسر.. إن شاء الله لما تجي عندك الخادمة أذكرك. وحيث إن الخادمة لم تصل إليك حتى الآن، فعليك أن تتذكري من صاحباتك.. من اللي عندهن خادمات، وكيف أن الأم تترك طفلها أو أطفالها للخدم.
ـ لكن أنا أختلف.
ـ الآن بتختلفي.. لكن لما تشوفي الراحة، تبدئي ترمي كل حاجة على الخادمة.. حتى أطفالك!
ـ يا ساتر.. أنت حاقد!
ـ لأ.. أنا واقعي، باعطيك شريحة من المجتمع.
ـ أعطيك شريحة من الخبز!
ـ معليش أنت بتسخري.. بس أنا شبعت خبز وكلام، ولازم أسرع إلى عملي.
ـ لا تنسى تعقِّب على معاملة الخادمة!
ـ أيوه.. فاكرة الموضوع هذا بالضبط، إنما كيف نمت أنا البارح، وكيف بردت، ما هو مهم للسيدة الجميلة!
ـ يا سيدي آسفة.. أنا كنت أظن أنك تفرح لما تشوف ابنك نايم جنبك.
ـ معلوم أفرح.. لأنه كان نايم على شكل كيس رمال في جبهة حربية!
ـ يا باي عليك.. دا ابنك؟
ـ والله العظيم أحبه، إنما مكان نومه في سريره، وأنا غلس.. ما أحب أحد يشاركني في سرير نومي.
ـ بس أنا بأشاركك؟!
ـ أكبر إنسانة تجيد الجدل أنت، لأنك تعرفني أن الزوجين شخص واحد.
ـ أحبك يا غلس!
ـ أحبك يا... يا جنتي اللي حارسها طفل!؟
ـ وايه؟.. أجمل طفل!
ـ لما نشوف اللي في بطنك طلع إيه كمان!؟
ـ اللي في بطني بنت حسب أمنيتك!
ـ بس البنات ما هم حلوين في شكل شرطيات!
ـ نشوف لما تجي تطلع إيه؟!
ـ لأ.. البنت شكل تاني.
ـ روح يا شيخ اشتغل.. قال شكل تاني.
ـ شوفي نفسك.. تعرفي الشكل تاني!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1174  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 79 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.