شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الأستاذ محمد عبد الله مليباري ))
ثم تحدث الأديب والكاتب المعروف الأستاذ محمد مليباري مشاركةً في الاحتفاء بضيف الاثنينية الدكتور فهد العرابي الحارثي فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الذي هدانا إلى الحق المبين، وأرسل للأميين رسولاً للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد: فإن إحساساً متوثباً منتعشاً زرعه في تطلعاتي المتأملة المبتهجة أخي وصديقي الأستاذ عبد المقصود خوجه صانع هذه الأمسيات الأدبية، الاجتماعية، الإِدارية، الاقتصادية، الدبلوماسية. لا تضيقوا ذرعاً من هذا الحشد من الكلمات التي أردت أن أسمي بها بعض مظاهر حضارتنا التي نعيشها تحت مظلة عهدنا الميمون المزدهر. لقد كنت على حق عندما عددت كل هذه المظاهر، فما من مظهر من هذه المظاهر إلاَّ وكرم هنا في شخصية من الشخصيات. وقد كان بوسعي أن أجمع كل هذه المسميات في مسمى واحد أو في كلمة واحدة وهي الثقافة.. الثقافة بالمدلول العام الذي أراه، الثقافة هي مستوى كفاية الفرد اجتماعياً وتعليمياً وصحياً، ومستوى إنجازاته الخاصة أدبياً وإبداعياً وفنياً.
- لقد قلت إن عبد المقصود زرع إحساساً متوثباً في تطلعاتي، فمتى كان ذلك؟ كان ذلك ليلة الاثنينية الماضية حينما وجه دعوته إلى رواد هذه الاثنينية أو الاثنينيات لحضورها معلناً أنه سيكون ضيفنا الليلة الأستاذ الدكتور فهد العرابي الحارثي.
- وأردف قائلاً في إغراء دعائي ولعل للمليباري كلمة. إنه قول فيه استحفاز تحريشي، وهو استحفاز عاشه تربصي الرشيق لليلة كهذه الليلة، تجمعني وأخي الدكتور فهد العرابي الحارثي مائدة يحفها الوئام والحب والكلام. لا تنزعجوا من كلمة كلام.. هذه التي أقحمتها في هذه العبارة فالكلام غير اللغة عند دي سيسور، وعند جاكبسون مؤسس مدرسة الشكلانيين في روسيا، وعند المتأثر به شومسكي وغيرهم ممن أقاموا الألسنية، فقعد على مقاعد دراستها بعض المثقفين المفتونين منا بها.
- إنني عندما أقول مفتونين أعني الفتنة بالذات، فالألسنية فتنة، الألسنية كمنهج، أو كعلم على اختلاف النظريات ومع فروعها التحليلية، والتحريرية، والتشريحية، والتفكيكية وما إلى ذلك. اتخذها بعض التغريبيين ليطعنوا قراءاتنا لتراثنا وأكبر تراث لنا هو القرآن الكريم. دعوكم من ذلك الذي قال في محفل يوماً ما أننا لا نستطيع أن نقول عن القرآن تراثاً، لأن التراث هو ما يتوارثه الوارثون من مورثهم الذي قضى نحبه والله حي لا يموت، فلذلك القرآن ليس تراثاً، ولكن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب. [الآية الثالثة والخمسين من سورة غافر]. ويقول الله سبحانه وتعالى: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفيناهم من عبادنا. [الآية 32 من سورة فاطر]. إذن القرآن تراث والقراءات التي تأتي بها الألسنية قراءات فتنة وضلال. التفكيكية منهج من المناهج الألسنية أخذها محمد داركون ليجمع بينها وبين الأيديولوجية التاريخية، ويقرأ لنا الفكر الإِسلامي في كتابه "الفكر الإِسلامي قراءة تاريخية"، فقرأ بعض آيات من القرآن من سورة التوبة، ومن سورة الأحزاب، قراءة أراد بها أن يطمس كل القراءات التي تقيم لنا شريعتنا، وتقيم لنا منهجنا الإِسلامي الصحيح.
- أليس الألسنية فتنة كما قلت؟ فقد قعد على مقاعدها بعض مثقفينا المفتونين. أعود إلى تربصي لهذه الليلة، إنه تربص ليس فيه تلاوم، أو تناهر، ولا تخاصم، ولا تشاجر. كما ينتظر البعض اليوم هنا وفي مقدمتهم الصحفيون، ومعهم المشرفون على الصفحات المتخصصة الملحقات الأدبية، والثقافية، الأربعاء ملحق المدينة. إنني أرى في بريق عيونهم ومضة هذا الانتظار النهم، ولكني سأفوت الفرصة عليهم. قلت: إن تربصي ليس فيه تلاوم، أو تناهر، ولا تخاصم، ولا تشاجر وإنما فيه تجانف ثقافتي وهي مطيتي عن جو اليمامة كتجانف ناقة الأعشى وهي مطيته فيما يقول:
تجانف عن جو اليمامة ناقتي
فما بعدت من أهلها لسوائكا
 
- لقد عرفت الدكتور فهد العرابي الحارثي من قراءتي لمقالاته التي كان يرسلها من باريس حينما كان يعد رسالة الدكتوراة هناك، فأحببت فيه أسلوبه الأنيق، الرشيق، الرقيق، الدقيق. وأعجبني فيه طموحه المتدافع لإِقامة وعي ممكن في ذاكرة المثقفين ببلادنا، والوعي الممكن دائماً يضج بأفكار حضارية متطورة منطلقة.
- وبالفعل حينما عاد وأصبح مشرفاً على مجلة اليمامة، أقام الوعي الممكن بجانب الوعي المقيم الذي ينمو أو تنبثق منه أصالتنا. وقد كان بذلك رائداً في مجالنا الأدبي والصحفي. وأصبحت اليمامة بكل إمكاناتها التي ذللها الدكتور فهد العرابي الحارثي، مجلة بعيدة عن النمط الذي ألفناه فيها، فقد أقام الوعي الممكن بجانب الوعي المقيم، فكانت بذلك رائدة من رائدات الصحف عندنا.
- وهكذا انطلق الوعي الممكن في كثير من صحفنا وعلى رأسها اليمامة، وجريدة عكاظ، وجريدة الرياض وما إلى ذلك هنالك برز إلى الساحة جيل جديد، جيل أراد أن يتخطى الوعي الممكن إلى الوعي المتحرر، الوعي المتحرر من كل القيود، ومن كل السلطات القاعدية من نحو وصرف وبلاغة، وما فيها من بيان وبديع، وسلطة القاعدية العروضية التي وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي. ووقعت الواقعة ونشبت المعركة بين جيل الوعي المتحرر ولا أقول الوعي الممكن، والوعي المقيم بين جيلين شابين لأني أعتبر نفسي شاباً ولكن شاب مكتهل. وتوقدت الساحة، فكانت معركة أدبية لم يشهد مثلها تاريخنا الأدبي المحلي، واستمرت المعركة أكثر من خمس سنوات وهدأت. وخمد أوارها ولكن.. لم ترقد نارها، لأن القضية الأولى لم تحل بعد لذلك فإنني سأصوغ القضية في صيغة سؤال موجه إلى أخي الدكتور فهد العرابي الحارثي: هل من شروط التطور الحضاري، والتقدم أن نأخذ أفكار صانعي هذا التطور؟ كما نأخذ منتوجاتهم الصناعية كالسيارة مثلاً، لأننا متى أخذنا أفكارهم ولنقل الأفكار الأدبية والمذاهب الأدبية وما إلى ذلك ودعونا عن القضايا الأخرى والأفكار الأخرى الآن.
 
- إننا حينما أخذنا السيارة مثلاً استغنينا عن الجمال والبغال والحمير. فهل يعني أننا إذا أخذنا الألسنة مثلاً نستغني عن سيبويه والخليل بن أحمد الفراهيدي؟ إنني أرجو أن يكون في جوابه الحل كله أو بعضه لهذه القضية، ومتى حلت القضية انتهت المعركة وعلينا أن نبحث عن معركة أخرى وفقنا الله وإياكم لما فيه الصلاح، والرشاد، والسداد، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :654  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 93 من 230
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج