شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بالحوار وليس بسواه تبلغ الأمة وحدتها واجتماع كلمتها
حدّد فريق من كبار علماء المملكة العربية السعودية مهبط الوحي وموئل الرسالة عند لقائهم بكبار رجال الفكر والقانون في أوروبا وذلك في عام 1392هـ - 1972م، وكان يرأس الجانب السعودي فضيلة الشيخ محمد علي الحركان رحمه الله وكان ممن ضمهم الوفد فضيلة المشائخ الشيخ راشد بن خنين، الشيخ عمر بن مترك، الشيخ محمد بن جبير رئيس مجلس الشورى حالياً والشيخ عبد العزيز المسند، والشيخ محمد المبارك رحمه الله والذي كان يدرس في كلية الشريعة بمكة المكرمة وغيرهم. حدد هذا الفريق المؤلف من هذه الشخصيات العلمية التي لا غبار على توجهاتها الدينية والعلمية والفكرية المبادىء الإسلامية العالمية التالية:
أولاً: المبدأ الذي حددته وجهرت به شريعة القرآن حين توجهت إلى البشرية معلنة نداء الله لبني الإسلام في كلمة الله المقدسة القائلة: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (الحجرات: 13).
ثانياً: المبدأ الذي ختم به رسول الإسلام دعوته وحياته في أعظم حشد اجتمع في الحج الأكبر ليقول لهم ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى.
ثالثاً: وأخيراً المبدأ الذي أوصى به رسول الإسلام في نفس ذلك الجمع الحاشد داعياً إلى السلام وأنه من لوازم الإيمان ومحذراً من سفك الدماء وأنه من لوازم الكفر بالله فقال: لا تعودوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض معلناً بذلك شريعة الله في الناس إذا آمنوا به كما جاء في القرآن الكريم يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً (البقرة: 208) .
انظر: ندوات علمية حول الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان في الإسلام، رابطة العالم الإسلامي، ط2: 1411هـ - 1990م، ص 106.
ويسأل الإنسان نفسه لماذا لا يستطيع المسلمون عكس هذه المفاهيم في خطابهم الدعوي والإعلامي وبدلاً من أن ينقلوا هذه المفاهيم والمبادىء الإنسانية السامية في المجتمعات الغربية فإن خطابهم كان موسوماً في كثير من الأحيان بالشدة والغلظة والقسوة وبدلاً من أن يحتوي قاموس الداعية على كلمات هي من صميم جوهر الإسلام، مثل السلام، الرحمة، العدالة، التآلف، التعاضد، حسن الظن بالآخرين، جواز الاختلاف فيما هو داخل في فروع الشريعة الإسلامية وليس في منطلقاتها الأساسية.
نعم لقد كان خطاب بعض طلاب العلم في العالمين الإسلامي والعربي بعكس ما هو ضد ذلك وبما يبرز وجهاً متجهماً وغاضباً - جاعلاً من نفسه محور الإيمان الحقيقي - وما سواه موسوم بالشرك والبدعة والفسوق وتسمع الخطيب في عدد من مساجد العالم الإسلامي والعربي، فلا يمكنك أن تحصي مثل هذه العبارات القاتلة لروح التسامح والآخاء والمحبة، والعاملة بفاعلية على نشر روح الفرقة بين أفراد أمة تنطق بالشهادتين وتؤدي ما يترتب عليها من تكاليف شرعية معروفة، وكأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ورد في خطاب علماء من خيرة هذه الأمة المحمدية والذي حذر فيه من سفك دم المسلم لأخيه المسلم،(لا تعودوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض كأن هذا القول النبوي المحذر لهذه الأمة لم يمر على بعض من تصدوا للدعوة ونصبوا أنفسهم قضاة على عقائد الناس، أو أنهم مروا عليه ولم يستوعبوه كما لم يستوعبوا غيره، مع أن علماء السلف الصالح تنبهوا لمخاطر هذه الفتن التي جنت على الأمة الإسلامية من قبل بعض طلاب العلم المتنطعين فهذا الإمام السلفي التوجه يذكر في كتابه المعروف (السيل الجرار): (اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في دين الكفر، لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية عن طريق جماعة من الصحابة إن من قال لأخيه (يا كافر) فقد باء بها أحدهما، هكذا في الصحيح، كما وضع العلماء المحققون ضوابط عديدة في هذا الشأن حتى لا تنتشر هذه الفتنة التي قد تجني على الأمة وتفكك وحدتها، وتوهن من قدراتها وتسبب في انتشار البغضاء والحقد بين أبنائها وأفرادها ولهذا فإن عالماً وفقيهاً وداعية كبيراً مثل الشيخ عبد الرحمن السعدي تحدث عن هذه الضوابط حديثاً علمياً وموضوعياً ربما كان من الأجدى لبعض طلاب العلم وخطباء المساجد في العالم الإسلامي أن يقفوا عليه ويتدبروا مقاصده ومعانيه، لقد قال فضيلة الشيخ (السعدي) رحمه الله في كتابه (طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول) ما نصه: (ولا يلزم إذا كان القول كفراً أن يكفر كل من قاله مع الجهل والتأويل، فإن ثبوت الكفر في حق الشخص المعين كثبوت الوعيد في الآخرة في حقه، وذلك له شروط وموانع).
لقد أخرج فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، وعضو هيئة كبار العلماء كتاباً فريداً ومتميزاً في مضامينه وأسلوبه وهو (أدب الخلاف) وهذا الكتاب يعكس سعة أفق الشيخ ابن حميد، ولقد ورث ذلك عن أبيه فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن حميد والذي كانت حلقته تمتلىء كل عشية في المسجد الحرام من حول بئر زمزم إلى عتبة باب السلام كما يوضح الفهم العميق لدى الشيخ صالح لمقاصد الشريعة وأحكامها وأدابها، وحبذا لو اقتنى بعض طلاب العلم وخطباء المساجد نسخاً من هذا الكتاب القيم وقرأوه حق القراءة حتى لا تنفلت الألسنة منهم وبدون ضوابط بعبارات التكفير والتفسيق والتبديع، وأورد هنا بعضاً من الأفكار الهامة التي أوردها الشيخ صالح بن حميد في هذا الكتاب القيم: (يجب الجد في السعي من أجل إحياء الأخوة الإسلامية الحقة لتلتقي الأمة بفئاتها وجماعاتها على نصرة دين الله حباً فيه وولاء لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم انتماء يستعلى على كل انتماء، والخطاب في هذا اللقاء أيها الأخوة موجه إلى أهل العلم والفكر... علماء وطلبة علم، تطرح القضايا والمسائل على بساط البحث، ويبذل الجهد في تمييز الصواب من الخطأ، يحترم رأي كل مجتهد سواء كان مخطئاً أو مصيباً، والتحامل على المجتهد أو تجريحه مسلك في العلم منكور، وخطؤه لا يبيح النيل من عرضه، ولا يسوغ تلمس المعايب للبرءاء، والتشهي بإلصاق التهم بالناس).
لقد كثر الحديث أخيراً عن الحوار بين العالمين الإسلامي والغربي وهو أمر جيد ولكن أليس الأولى أن تتحاور الأمة ممثلة في فئاتها الدينية المختلفة مع بعضها البعض وتلتقي عند كلمة سواء، وتهجر إلى الأبد هذا القاموس الذي طغى على الخطاب الديني.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :630  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 358 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج