شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أحمد محمد جمال في ذاكرة البلد الأمين
ـ هذه كلمات أكتبها عن رجل قرأته كاتباً، وأصغيت إليه مدرساً، ونعمت به صديقاً، وأحببت فيه صبره وثباته منذ أن نشأ في الأرض المباركة إلى اليوم الذي احتضنته فيه حجونها ومعلاتها جاراً لصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخديناً لأهل الصديق والمعرفة.
ـ ربع قرن من الزمن مضى منذ قرأت لأحمد جمال - رحمه الله - (مكانك تحمدي) - و(ماذا في الحجاز؟) و(سعد قال لي)، فهزت كلماته الأعماق مني وأثارت فيّ شعوراً بالغربة في التعرف إليه، وأستبين منه ما أشكل عليّ من القضايا. فرد في زاويته التي كان يكتبها بصحيفة (المدينة). ولما رأيت مقالته مذيلة باسمي أخذني فرح طفولي عميق واجتاحتني مشاعر التطلع إلى معرفة الروّاد من أدبائنا في تلك الحقبة كأحمد عبد الغفور عطار، وضياء الدين رجب ومحمد سعيد العامودي، ومحمد حسين زيدان - رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته - ومرت الأيام فإذا أنا طالب في كلية الشريعة أتنقل بين (الشعب) و(الشامية) و(سوق الليل). وفي هذا الحي الأخير، عرفت أخاه الأكبر المرحوم الأستاذ صالح جمال. فإذا السمات متقاربة، ابتسامة لا تفارق المحيا، وتواضع ينم عن عراقة البيت الذي ينتمي إليه هؤلاء الكبار من الرجال. كبار فيما يكتبون، وكبار فيما يفعلون، وكبار في حبهم وعطفهم على الآخرين، وحضرت يوماً منتدى للأدباء فإذا أنا برجل طويل القامة، مشرق المحيا، كأنه في العشرينيات بينما كان يومها قد تجاوز الخمسين من سني عمره الحافل بصالح الأعمال. رأيته فاشرأبت أعناقنا - نحن معشر الطلاب - لنرى هذا المثال الذي ينقل خطواته في تؤدة وثبات ويستلم براءة الريادة من الفقيد الأستاذ حسن بن عبد الله آل الشيخ - رحمه الله - ولكن الأيام لم تطل بي حتى قابلته بين الصفا والمروة وأنا بصحبة رجل المروءة والفضل الشيخ عبد الله محمد بصنوي - رحمه الله، فإذا برائد الكلمة الطيبة يتوقف يحيي شيخاً أحبه الكبار والصغار في البلد الحرام. وإذا الوالد البصنوي بصوته الخفيض وحياته المعروف يقدمني له فإذا هو يتذكرني وإذا أنا في نشوة وسرور كبيرين. يحتضنني رجلان لم أذرف الدمع في حياتي كما ذرفته عليهما. ولقد تذرف الدمع عيون ثم تنسى بعد أمد يطول ويقصر. ولكن حزني دائم وطرفي هامل على أبي محمد - وأردد قائلاً: هل يجود الزمان بمثل هؤلاء الرجال؟ وأتذكر فجأة بيت الشاعر السيد محمد حسن فقي - أمد الله في عمره - الذي قاله في رثاء صديقه - حمزة شحاتة - رحمه الله -
إن الذي خلق الحياة حفيلة
بالشر، أنقذنا ببعض خياره
كثيرة هي المواقف التي لا تفارق ذاكرتي عن هذا الفقيد ولكنّ موقفاً من بين هذه المواقف لن أنساه ما حييت وكثيراً ما استشهدت به على وفاء هذا الرجل وكريم خلقه، وصفاء سريرته، فلقد غبت عن الأرض التي أحببت والقوم الذين ألفت سنين، كنت فيها طائراً غريباً، ونفساً سجينة، وشوقاً محرقاً ولعلّ صحيفة كتبت خبراً عن حصولي على الدرجة العلمية، فإذا البريد.
فماذا أقول عنك لا تكفيني مجلدات ويكفي أنك الأديب والمفكر والكاتب الإسلامي الذي لا يخاف في الله لومة لائم والأستاذ المتواضع المؤدب بأدب القرآن فكنت القدوة الصالحة لأبنائك وأحبائك.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :655  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 320 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.