شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الشيخ عمر محمد جاد وتَأريخٌ مُضيء
ـ يَأْتِيني صَوْتُ الصَّديق عبد المحسن حِلِّيت مُوهَناً وَحَزيناً يَحْمِلُ العزاءَ في وَاحدٍ مِنْ عُلَماءِ المسجد النَّبوي الشَّريف ومِن البقيَّة الصَّالحةِ فيها، وأكرّرُ ما قَلْتُه مِنْ قبل، لقد تساقطتْ أغْصانُ دَوْحةِ العُلماء الذين كَانُوا مِنْ سعةِ الأُفق بحيث لم يُؤْثر عنهم خِصَام أوْ شَطَط، أو حَجْر على الرَّأْي الآخر، وكانُوا مِن الفَهْمِ بمقاصِدِ الشريعة فلم يُؤْثَر عنهم هذا القَامُوس الذي بَدَأَ في الانتشار والخَوْفُ كبيرٌ مِنْ اتِّساعِهِ على أُمَّة الإِسلام، قَامُوسُ ((التَّكفير))، و ((البِدْعةِ)) و ((الشِّرْك)) فحمداً ((لله)) الذي جَعَلَ رحمته شاملةً لجميعِ النَّاسِ، واختصَّ - وحْدَهُ - بمصيرٍ العباد، فمفاتيح الجنة بيديه - تقدَّس عَزَّ وجل عن النَّظائر والأشْباه، ولم يُحذِّرْ المصطفى - صلى الله عليه وسلم - مِنْ شَيءٍ كَما حَذَّرَ المُسْلمُ مِنْ رَمْي أخيه المُسْلِمَ بكلمةِ الكُفْر، ولقَدْ كان - صلى الله عليه وسلم - خُلُقهُ القرآن، كما رَوَتْ أُمُّ المؤمنين السيَّدة عائشة - رضي الله عنها - وهذه آياتٌ مُحْكماتٌ تُجسِّدُ أخلاقَهُ وشمائلَهُ الكريمة فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (آل عمران:159).
ـ تفتحْت أعينُنا في بَلَدِ المصطفى - صلى الله عليه وسلم - عَلى علماءِِ تفقَّهوا في كتاب الله، ورووا أحاديثَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مَعْرفة ودرِايةٍٍ، وكانت حلقتا الشَّيخين الكريمين محمد الأمين المختار الشَّنقيطي و ((عمر محمد جاد فلاَّتة)) مِن أَبْرزِ الحلقاتِ، وكان يُؤمُّها الخاصَّةُ من الناس، ويفيدُ منها العامَّةُ - أيضاً - ولستُ مُبَالِغاً في القَوْل إذا مَا قُلْتُ: إنَّ حلقة الشَّيخ ((عمر جاد)) هي مِنْ أقدم الحلقات إنْ لم تكن أقدمها، ولم يَحْصُر الشّيخ عمر - نفسه - في جانب واحدٍ فتعدَّدتْ مواهبُهُ وبَرَع في كثير مِن العلوم، ولا تشعر وأنتَ تتحدث إليه - رحمه الله - بحرج أو خوْف، وذلك لتلك السَّماحة التي كانتْ تتَبدَّى بوضُوحٍ علَى وجْههِ وكان جاهُهُ مَبْذُولاً للنَّاس - جميعاً - في بلد المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ولقد أخْبرني صديقي المرحوم ((معَاذ بن عثمان فُلاَّتة)) أنَّ الشيخ عمر ورفِيقهُ الشيخ الحافظ محمد الثَّاني - أطال الله بقاءَهُ - لا يَسْمَعَان عنْ مريض إلا وزَارَاهُ، ولا مُحتاج إلاَّ واسَيَاهُ.
ـ وتعودُ بِي الذَّاكرةُ إلى حوالى عِقْدين مِنْ الزَّمن عندما تُوفي زميلُنا ((أيّوب حسن فلاتة)) - شقيق الدكتور عمر حسن - فجاء الشيخ عمر وكان يقف بجانبه الشيخ محمد عثمان قلادةَ - شافاه الله - وحثَوْنَا التُّراب على شابٍ اختارَهُ الله وهو في مَيْعةِ الصِّبا وريْعان الشباب، فإذا الشيخ ((عمر جاد)) يرفع يديه ويدعو للمتوفى، وكنا نُؤَمِّنُ على دُعائِهِ ودمُوعنا تتفطَّرُ حسْرةً على الفقيد.
ـ ثم ينتقلُ إلى رحْمة الله - الشَّيخ محمد الصَّاوي، فيقفُ الشيخ في البقعة الطاهرة ويرفع صوته قائلاً: (اليوم فقدتْ المدينة خَيْرَ المُجوِّدِين لكتاب الله)، وعندما توفي أستاذُنا ((محمد الطيب إدريس))، وكان مِنْ خيرة الناس في البلد الطاهر - فعزَّيتُهُ فيه عَنْ طريق الهاتف فإذا الكلماتُ تخرج مِنْ لسانِهِ مَمْزوجَةً بالدَّمع ليقول لي: لقد كان الأقْربُ مِنْ بيننا إلى فِعْل الخيرات، وبوفاةِ ((الشيخ عمر)) تَفْقِدُ الأُمَّةُ رجُلاً مِنْ رجالاتِ العِلْم النَّافع، ويأْتي الفَقْدُ في زَمَنٍ كثُر فيه الخَلْطُ، والهَرْجُ والمرِجُ، فاللَّهم ارْحمهُ وتداركنا بألْطافِكَ.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :720  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 316 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[صفحة في تاريخ الوطن: 2006]

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء التاسع - رسائل تحية وإشادة بالإصدارات: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج