شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بين الولاء للهوية الثقافية والتنصل منها
توفي - في شهر يوليو من عام 1991م - الروائي اليهودي الأصل، والأمريكي الثقافة ((إسحاق ببيتفيش سنجر)) ، ولقد سبق لهذا الكاتب الذي يُدعى ((بحكواتي أرض اليديش)) أن حصل على جائزة ((نوبل)) للآداب سنة 1978م وهو في سن الرابعة والسبعين.
ولسنا - هنا - في مجال الحديث عن حياة هذا الكاتب، ولكن نود التركيز على الجوانب الفكرية والثقافية، التي ظل ((سنجر)) وفياً لها طوال حياته، فهو من ناحية شكّل - مع مجموعة من الكتّاب اليهود - دعائم ثقافة ((الفيتو اليهودي)) الذي كان يتنفس حياته، عن طريق ((اليدشية)) ، وهي اللغة اليهودية القديمة، والمتكوّنة - في الأصل - من عناصر ألمانية وعبرية وسلافية.
ـ عن طريق هذه اللغة عمل ((إسحاق سنجر)) وأخوه ((يهوشوا)) ورفاقهما من الكتّاب اليهود، على المحافظة على الثقافة اليهودية، وتقديمها للمجتمعات اليهودية، قبل أن تنقض على الأرض المسلمة والعربية ((فلسطين)) وتقيم عليها ذلك الكيان العنصري.
ولقد علّل ((سنجر)) اختياره مع أخيه الكتابة باللغة اليدشية بأنها ((اللغة التي نتكلمها في مطبخ أمي)) فهي - من وجهة نظر الكاتب - اللغة المحملة بالذكريات والتقاليد والأساطير، كما ذكرت ذلك صحيفة ((لوموند)) الفرنسية، وقام ملحق صحيفة ((العلم)) الثقافي (24 أغسطس 1991م) بترجمته عنها.
ويضاف إلى هذا الولاء الثقافي للغة اليدشية، التي كتب بها، من قبل عدداً من رواياته الكاتب اليهودي المعروف ((فرانز كافكا)) Franz - Kafka فإن عالم ((سنجر)) الروائي يركز - بالدرجة الأولى - على المفاهيم اليهودية الدينية، والواقع الصهيوني المعاش، سواء اتصل الأمر بالمرأة الروسية التي اعتنقت اليهودية ((العبد)) ، أو الفتاة اليهودية، التي تكثلكت (نسبة إلى الكاثوليكية) عن حب ((تاج الريش)) أو بالسارق التائب ((ساحر لوبلين)) وهو في هذا التخييل الفانتازي - لا يخرج عن النمط الكتابي عند جميع الروائيين اليهود، الذين عاشوا في المجتمعات الغربية، قبل نشوء الكيان الصهيوني، مثل: بينجامين ديزرائيلي (Benjamin-Disreali) (1804 - 1881م) أو فرانز كافكا Franz-Kafka)). وبشروا - في كتاباتهم الروائية - بميلاد هذا الكيان، أو أولئك الذين عاشوا بعد نشوء هذا الكيان، وظلوا متعصبين للغتهم الأصلية اليدشية، ولثقافتهم اليهودية، ولم تستطع الحضارة الغربية (لغة، وثقافة) أن تذيبهم في بوتقتها، أو تنال من تميزهم الفكري، وخصوصياتهم الثقافية، مما تدل عليه أعمال الشاعر اليهودي السوفيتي ((جوزيف برودسكي)) (Joseph Brodsky) الفائز بجائزة ((نوبل)) للآداب لعام 1988م الذي كان من حيثيات منحه هذه الجائزة: عدم فقدانه لسماته الشخصية في الفكر واللغة، والشكل الإِبداعي أيضاً.
فعلى الرغم من إجادته للغة الإِنجليزية فعملية الإِبداع عنده لا تتم إلا في إطار من لغته الأصلية، وفكره اليهودي.
ـ إن كثيراً من الكتّاب العرب الذين عاشوا في المجتمعات الغربية، قد تخلوا - طواعية - عن لغتهم العربية، بينما ظلوا محسوبين على فكرنا وثقافتنا، وفي الوقت ذاته أناطوا بأنفسهم دوراً مشبوهاً، وهو النقل الآلي للجوانب السلبية في المجتمع العربي، وتعميق أبعاد الصورة المترسخة في الفكر الغربي عن الفرد العربي، وهي صورة - بلا شك - غير مشرقة، وعالم مليء بالتناقضات والسلوك غير الحضاري.
وخير من تطوع لحمل هذه الرسالة السلبية للغرب عدد من الكتّاب، الذين اختاروا اللغة الفرنسية وسيلة تمكّنهم من نقل هذه الإِبداعات للفكر الآخر وثقافته، وهي إبداعات كثيراً ما هللت لها الصحافة العربية، وملاحقها الثقافية والأدبية، وكأنها سبق حضاري عظيم، ولا بد أن تقفز - إلى أذهاننا - في هذا السياق أسماء عديدة، مثل: الطاهر بن جلون، والطاهر وطَّار، ومحمد شكري، ورشيد بوجدرة.
ـ إن الكاتب العربي الذي قد تفسح له الصحافة الغربية مكاناً في عالمه، وترحب بعض دور النشر العالمية بتقديم إنتاجه إلى القارئ الغربي وتخصص مؤسسات معينة جوائز هي - في العرف الغربي - من الدرجة الثانية أو الثالثة أو الأخيرة، لا تفعل ذلك احتفاء بإبداع عربي يعمل على مد الجسور بين الثقافتين العربية والغربية، ويضع الثقافة العربية وفكرها في المكان اللائق بها، كثقافة ساهمت في صنع المنجزات الحضارية العالمية، وفكر كان له دور فاعل في الربط بين الثقافات المتعددة، كما تعدى ذلك الدور إلى الإِضافة المتميزة، والإِبداع الذاتي.
ولو كان لهذا الإبداع المحتفى به من قيمة حقيقية لاستطاع أن يغير - ولو إلى درجة معينة - بعضاً من ذلك التصور السلبي، والنظرة البغيضة تجاه كل ما هو عربي ومسلم!
بينما نجد - في المقابل - أن الكتّاب اليهود، الذين لم يتخلوا عن لغتهم، مثل ((إسحاق سنجر)) الذي أتينا على شيء من سيرته الأدبية، رفعوا - في كتاباتهم - من شأن الفرد اليهودي، وجعلوه في الموضع الذي لا ترتقي إليه الشبهات، والمكانة السامية المرتبطة، بكل ما هو حضاري ومقبول من جهة النظرة الغربية.
ولعلّ هذا هو السر الحقيقي وراء تقديس الفرد الغربي للشخصية اليهودية، وتعاطفها العميق مع قضاياها، وتعضيدها لها في كل مطالبها وأهدافها، التي لا تتوانى المؤسسات الرسمية الغربية في تحقيقها لها، معتبرة تلك المطالب هدفاً من أهداف المجتمع الغربي نفسه، وذلك لتداخل الأهداف الغربية واليهودية في كل واحد لا يتجزأ، ونظرة شاملة تتوحد من خلال منظور حضاري، استطاع تشكيله الكتّاب اليهود، بتواصلهم مع ثقافتهم الأصلية، وكرّسوا - في سبيل تحقيقه - كل مواهبهم، وقدراتهم الإبداعية.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :814  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 240 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج