شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هُتَافٌ منْ باب السَّلام؟ (4)
توقظه المواجع من نومه، لم يُؤْذِن الفَجْرُ - بَعْدُ - بالطُّلوع ولكن - آلاتُ - جَلْب المياه من الآبار تنبعث في صوت متميز من بين غابات النخل الكثيفة والممتدة على الضفة اليمنى من مجرى سيل ((أبي جيدة)) والفتى يعرف من بين أسماء تلك الحدائق الغناء، بستان ((الطَّيبيَّة)).
الحدائق أو البساتين وبالتعبير البلدي ((البلدان)) تُثْمر أرْضُها رُطباً جنياً، وفاكهة طيبة، وورداً يتغنى برائحته وحمرته أصحاب القلوب الرقيقة، وفُلاًّ نَاصِعاً ونديّاً تمتزج فيه الصُّفرة بشيء من البياض المُحبَّب إلى النَّفْس وكثيراً ما رَأَى ((الفَتَى)) أهل الأرض الغزلة يصنعون عقوداً تتعانق فيها حُمرة الورد مع نصاعةِ الفل، ثم يضعونه في جيد عروس تُزَفُّ بالدُّف.
الجدة (...) المرأة الصالحة و الكاملة والكريمة - رحمها الله - والتي كانت تسكن ((حوش المغربي)) في زقاق الطيار - كثيراً - ما ارتفع صوتها بمديح المصطفى - عليه صلوات الله وسلامه - في السالمية، والفيروزية، والمصرع، وبستان أم الشجرة، وعُرس لا يتوج بحضور تلك السيدة التي تغذَّيتُ من حنانها، وارتويتُ من لَبنِ ((السِّعْن)) المنتصب من باب دارها، ذلك العرس أو هذا الفرح يعد ناقِصاً.
أتعلمينَ - يا جدَّتَاه - أن ابنك طوَّحَتْ به أيَّامٌ قاسيةٌ ونأى به دَهْرٌ عن الأهْلِ والرِّفاق، ويسترجع صدى الأيام التي كنت تَهْمسين فيها بسمعه عن شيء من هذا ورائحة عبقة تنبعث من رحبة الدار التي يعمرها تهليلٌ وتكبير ينطلق من روح صفت، ونفس تطهرت ولسان عف وزكي.
الشهر شهر الرحمة ((رمضان)) واليوم ((جمعة)) والمكان مسجد المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، يرتفع التكبير من المقام لصلاة ((الميت)) تتزاحم الأقدام لحمل جثمان أحد رجالات البيت الحرام، ولا تسعفني الذاكرة إذا ما كان الرجل الذي حملوه إلى بقيع الغرقد في ذلك اليوم المبارك هو الشيخ سالم جان شاه - رحمه الله - عمدة أهل ((السلمانية))، ذلك الحي المطل على شعبة النور، ومقام السيدة في الحجون، أم هو رجل آخر.
رآهم الفتى - يومها - ينثرون شيئاً من الوَرْد حَوْل الرجل الذي أحبَّ التُّربةَ المباركة كبقية أهل الحرم فاحتضنته الذرات الطاهرة من أجل ذلك الحب الإيماني العميق، إنه الحب الذي تعبدت به دروب هذه الحياة واستقام به شأنها، واغتسلت به النفوس التي سرى في شرايينها وامتزج بعروقها، وعكست الوجوه والحياة صفاءه وإشراقته.
اليوم - يا بُني - لا تزال المواجعُ - نفسها - تدْفَعُ الكرى عن عيني أبيك اللَّتين فقدتا من حدة النظر ما فقدتا، وأنه ليتطلع على يوم يهنأ فيه بالقليل من النَّوْم الذي لا يُعكِّر صَفْوَه عبء يحس أنه يقيد منه الخطى ويثقلها، ويَذهَبُ بجمالِ الحياةِ ودهْشَتِها التي أمضى أيامه ولياليه متطلعاً لنيْلها وراكِضاً للإمساك بها، وكلما شعر أن طيفها الجميل اقترب منه، باعدتْ بينه وبينها مواجعُ الروح، ومتَاعِبُ النفس، وجفوةُ الدهر كثيراً ما أحس بقسوته ووطأته، إلا أنه يبقى لأبيك - دوماً في رحمة الله مَطْمَع، وفي كَرمِه وعَفْوه ملاذ وملجأ.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :643  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 107 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الشعرية الكاملة وأعمال نثرية

[للشاعر والأديب الكبير أحمد بن إبراهيم الغزاوي: 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج