شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((القُفَّة)) في سوق ((النخاولة))..
فك (يحيى) طرف ((دِكّة)) سرواله، ليسطع المجيدى في يده، والتفت اليّ يقول:
:ـ. هادا المجيدى ياعزيز تاخده، ونشترى القفة اللى تبغاها... لكن ترى لا تقول لأحد انى انا اللى اعطيتك هوه... والتفاريق اللى تفضل بعد ما نشترى القفة، خليها معاك... بس... ترى ما ابغا احد يدرى ابدا... ابدا... انى انا اللى أعطيتك المجيدى.
ودار في ذهني شيء عن حرصه على ان لايدرى احد انه الذي اعطانى المجيدى ؟؟؟ وجدت نفسى امام لغز... ترى ما الذي يجعله يخشى ان يعلم احد الأمر... تناولت المجيدى منه... والتزمت الصمت، ونحن نمشي معا... ورآنى ازلق المجيدى في الجيب الجانبي، فحملق في وجهي مندهشا وهو يقول:ـ.
:ـ. الله ؟ !! انت بتحط المجيدى في جيبك ؟؟؟
:ـ. ايوه... لازم احطه في جيبي.. يعني تبغانى احطه فين ؟؟؟
:ـ. تمسكه في يدك...
:ـ. ليه ؟؟؟
:ـ. هادا ياعزيز مجيدى... يعنى فلوس كتير... ولو انفتق الجيب... اولو شافه واحد من العيال، يمكن يتضارب معاك، وياخذه.
وكما أراد، اخذت المجيدى من الجيب، واطبقت عليه في يدى اليسرى... وعندما وصل المناخة، عن طريق (العينية)، انطلقنا معا إلى منطقة تظللها اشجار النبق الكبيرة، وقد انتشر تحت الظلال عدد من النسوة ملثمات، لا تظهر الا عيونهن، وامام كل واحدة انواع من السلال الصغيرة، المصنوعة من سعف النخيل، واهمها المراوح، وهذه نوعان: احداهما مزخرف، ملون، صغير الحجم، وقد رزم كل ست منها معا في رزمة... والآخر بلون السعف الطبيعي أكبر حجما، وقد رزم كل ثلاثة منها معا في رزمة... وقد عرفت فيما بعد أن النوع المزخرف والملون هو الذي يستعمل للترويح وتجفيف العرق، في المجلس، وهو الذي يقدم أو يعد للضيوف... أما النوع الثاني الأبيض، وذو المقبض الأكثر طولا وسُمْكا، فللاستعمال في المطبخ... للترويح على الفحم بعد اشعاله في (الكانون) أو في (المِنْقَل)... والى جانب المراوح هناك (المكانس) وهي ايضا نوعان، الأول لكنس الغرف والاثاث كالسجاد والطوالات والمساند الخ... والثاني لغسل حجر الدرج، والمراحيض، والدهاليز، وفسحات الديوان والقاعة. ثم هنالك الزنابيل باحجام والوان مختلفة، ثم إلى جانب هذه المصنوعات من سعف النخيل، زنابيل تعرض فيها.
أنواع من هدايا ونفحات البساتين أتعثر حتى اليوم في تصنيفها، وفي الأسم الجامع الذي يحتويها... اذ ليست خضروات أو بقولا تؤكل طازجة أو مطهوة... وانما هي من مطالب الترف والرفاه التي يندر أن يخلو بيت في المدينة منها، وعلى الأخص في أوائل فصل الربيع... بل قد تتواجد حتى في الفصول الأخرى، اذ تحرص السيدات على تجفيف الكثير منها، وحفظه في علب من الصفيح، أو في أكياس صغيرة من الأقمشة السميكة. ومنها أو في مقدمتها جميعا، (الورد) بأنواعه التي قد تتقارب ألوانا، ولكنها تختلف في فوح عبيرها. وقد لا أبعد إذا قلت أنها تُنتقي من أغراس معيّنة في بساتين معروفة، يعرفها السادة الذين يتسوقونها بأنفسهم... والبائعة التي تعرض هذه الورود، تُباين أو تُمايّز بينها، بان تخص الانواع الممتازة بحاويات تصنع من لحاء النخل تشبه القارب. وهذه لها ثمن قد يبلغ أضعاف ثمن الانواع المعتادة التي تبيعها غَرفاً مِلء الكف... ومن هذه الهدايا والنفحات، النعناع، بنوعيه: (المغربي) و (المديني)، وقد يسمونه (الحبق)... ثم الفُل بنوعيه المشهورين، (المغربي)، و (البلدي)... وهناك تلك النبتات، التي يسمّونها: (الدوش)... و (اللَّمام) و (العِطْرة)... أمَا النوامي، فهو نوامي ورق الليمون... والتسمية دقيقة، لأنها وصف للورقة الصغيرة، أو انبثاقها في الفرع من أغصان شجر الليمون . وقد يذكر رصفائي من الشيوخ ، أريج هذه الورود والنبتات يعبق بها الجوفي تلك المنطقة تحت ظلال أشجار النبق الكبيرة، التي يفترشها هؤلاء النسوة بمعروضاتهن بعد صلاة الفجر، والى رأدِ الضحى. وقد لا ينسون أيضا شقشقة ألوف العصافير، وتغريد النغاري، وهديل القمري على أغصان هذه الأشجار، في بكرة الصباح وعند الغروب، إذ لم يكن ما يمنع أن يتغنّى بها الجوّ كلّه، في تلك الأيام التي لم تعرف بعد ضجيج السيارات، وأبواقها و (تفحيطها)، وقد عصف اليوم بكل لمسة من لمسات ذلك الحنو الروحي الغامرفي كل أرجاء البلد الحبيب وآفاقه.
ومع يحيى، والمجيدي في يدي اليسرى، أخذنا نتنقلّ في المنطقة، نلتمس (القفّة) فلا نجد لها أثرا... وحين رأينا طفلا أسمر، يحمل واحدة على رأسه، تقدم منه يحيى وسأله أين يبيعونها؟؟؟ فاجأنا الطفل بأنه يريد أن يبيع هذه التي يحملها فهل نرغب في شرائها؟؟؟ فطلب منه يحيى أن يضعها على الأرض، لنتفقّدها... كانت ملاحظة يحيى أنها ليست مبطّنة بجلد المعيز أو الخِرفان... فهي لا تستحق أكثر من ربع مجيدي.
ما كاد الطفل الأسمر يسمع هذا الكلام من يحيى، حتى أنتفض وأنتزع القفه من الأرض وهو يقول:ـ
:ـ. مين اللي قال لك اني صارقها؟؟؟ روح أنت وهوّه دوّروا على اللي تقدروا تضحكوا عليه...
والواقع أني أنا أيضا قد استغربت، وأحسست أن يحيى قد أغضب الطفل، فكان له أن ينتفض، ويتصرف، بما بدا كأنهّ شروع في ضربنا بعصا كانت في يده... ولكن يحيى بدا غير مبال بشيء، وأخذ يقول:ـ.
:ـ. ولا تزعل... وهاد نص مجيدي براسه.
وهدأت ثائرة الطفل، وبدا كأنهّ يفكر ثم قال:ـ.
:ـ. اسمع أنا اشتيريتها قبل شهر باتناشر قرش من واحد من جماعتنا... تدفع خمستاشر قرش؟؟؟
وسرعان ماالتفت اليّ يحيى، وهو يقول:ـ
:ـ. خمستائر قرش... ولا تزعل... هاتى المجيدي يا عزيز.
وتناول المجيدي منّي واتجه إلى أحدى النسوة، يعرض عليها أن (تصرف) له المجيدي ـ والصرف يعني ما يسمّى في مصر ((الفكِّة)) ـ. وشرعت المرأة تعد القروش بعد أن أخذت المجيدي وانتهت الصفقة... أخذ الأسمر خمسة عشر قرشا، وناولني يحيى الباقي قروشا وهو يقول:ـ
:ـ هيّا تعال نشتري شويّة (حَلَوي) وسكرية...
ثم أردف يقول:ـ.
:ـ. ومادام اشتريت القفة اللي بتدوّر عليها... هيّا شيلها على رأسك. وعسى نلتقي واحد أفندي، يِشِّيِلك المقاضي، ونروح معاه... وتستفتح.
وأخذنا نمشي، والقفة على رأسي... والقروش في جيبي... ولمح يحيى بائع الحَلَوى وهو (النبق الممتاز).. فأسرعنا إليه، واشترينا بهللتين... كمية كبيرة أخذنا نلتهم حباتها بشهية ونحن نمشي في اتجاه سوق عامرة بالدكاكين الكثيرة إلى يمين الخارج من باب المصري... ومع أني سعدت كثيرا بالقُفة، الا أني لا أخفي أني أحسست بالحرج أو (الكسوف) من حملها على رأسي... اذ يحدث ذلك لأول مرة في حياتي... أمّا يحيى فقد كان يتحدث اليّ ـ وهو يلتهم حبّات النبق ـ عن الأجرة التي سوف يدفعها من أحمل له مشترياته، وانها في العادة لا تزيد عن ثلاثة قروش... ولكن ـ إذا كان الأفندي سخيا ـ قد تصل إلى ربع مجيدي... فإذا أتيح لي أن أعمل لاربعة من الأفنديات، فاني أستطيع أن أجمع إلى صلاة الظهر ـ ربمّا ـ مجيدي (براسه).
ولا أدري كيف خطر لي أن أسأله:ـ.
:ـ. أنت يا يحيى كانت عندك قفة وأشتغلت؟؟؟
ففرقع ضحكة، استغرق فيها لحظات ثم قال:
:ـ. وكيف أقدر أشيل قفة على رأسي ـ زيّك ـ ولو شافني سيدي حسين يقتلني...
:ـ سيدك حسين أبو أمّك؟؟؟
:ـ. لأ.. سيدي حسين هوّه أخونا الكبير... وهوّه اللي نخاف منّه... كلّنا.
:ـ. مين كلّكم؟؟؟
:ـ. كلّنا.. أنا وأخوتي.. وكرايمي... وحتى أمّنا.
:ـ. طيب وأبوك؟؟؟
:ـ. أبونا... الله يرحمه... مات من زمان...
:ـ. وأمّك يا يحيى، ما اتجوّزت بعد أبوك ما مات؟؟؟
وفرقع ضحكة خفيفة وهو يقول:ـ.
:ـ. تتجوّز؟؟؟ كيف تتجوّز وهي حرمة عجوزة... لمّا أبويا مات كان سيدي حسين هوّه رجّال البيت... امّا سيدي أبو أبويا.. دا خلاص... طول نهاره على السجادة... ماله شغل بأحد أبدا.
:ـ. لكن يا يحيى... ليه سيدك حسين، لو شافك شايل القفة، يقتلك؟؟؟
:ـ. عشان عيب.
:ـ. كيف عيب؟؟؟ ليه عيب؟؟؟
:ـ. اللي ما أدرى عنّه... لكن لمّا ـ من زمان ـ شلت الزنْبيل ـ الزنبيل.. مو القفة ـ لواحد من جيراننا، كانت بطنه بتوجعه وما هو قادر يمشي ـ ووصلّت له الزنبيل للدهليز... أعطاني ربع مجيدي... وما دسّيته... كنت فرحان... وعرف الحكاية سيدي حسين قام ((رَجَّني)) علقة عند الله خَبْرها... وأخذ ربع المجيدي، وودّاه للرجال... أصلها حكاية كبيرة... ومن يومها عِرفْت حكاية العيب هادي....
:ـ. طيب... ولكن... ولكن أنت تبغا تشتغل وتجيب فلوس؟؟؟ تشيل قفة زيّي ولا ماتبغا؟؟؟
:ـ. أقول لك الحق... أنا ما لميّت هادا المجيدي اللِّي سلّفتك هوّه الا عشان اشترى قفة، وأشتغل وأجيب فلوس... ولما عرفت أنك تبغا تشتغل، قال لي عقلي خلاص... تشتري أنت القفة وتشتغل، وتجيب فلوس... ولمّا تعطيني المجيدي أشتري أنا كمان وحدة... ونشتغل مع بعض... بس كل واحد في سوق بعيد عن الساحة.. عن بيوتنا... عشان سيدى حسين مايشوفنا.
: ـ. طيب.. وكيف لمّيت هادا المجيدى ؟؟؟ وليه بتقول لى ماأقول لأحد أنك سلّفتنى هوّه ؟؟؟
:ـ. لمَّيت المجيدى... من العيديات... ومن الهللة والهللتين اللى من أمى، ومن سيدى أبو أبويا... وكمان من سيدى حسين... ماكنت اصرف ولا قرش... إلين لمَّيتْ التفاريق اللى بها جبت المجيدى... لو درى سيدى حسين، ولاّ حتى أمّى أنّه عندى... ماعندهم غير العلقة... وما يصدّقوا أبدا انى لمّيته من العيديات والهللة والهللتين...
:ـ لكن ليه... ليه يا يحيى تبغا تشتغل وتجيب فلوس؟؟؟
وهنا التفتت اليّ وقال:
: ـ. اقول لك، وما تقول لأحد؟؟؟
: ـ. لا... ما اقول لاحد ابدا..
:ـ. ابغا اشتغل واجيب فلوس عشان همّا ناويين يدخلوني الكتّاب... وانا ما ابغا الكتّاب ابدا... وفي هادي الأيام بيقولوا الكتاتيب انفتحت... وكمان المكتب، اللي كانت القراية فيه بالتركي... سارت في هادي الأيام بالعربي... وهادا زي الكتاتيب فيه ((الفُقَها))، اللي ما عندهم غير ((الفَرْش))...
:ـ. يعني انت ما تبغا القراية؟؟؟
: ـ. لا... ما ابغا القراية.. اصلوا سيدي أبو ابويا، طول أيامه قاعد على السجّادة وفي يدّه الكتاب... بس يقرا... ويقرا... في النهار يقرا... وفي الليل كما يقرأ.. وما يخرج من البيت ابدا... وانا ابغا اشتغل... ابغا أشوف الناس... واقول لك على سر كمان ؟؟؟ وما تقول لأحد؟؟؟
: ـ. لا... ابدا ما اقول لأحد...
: ـ. سيدي حسين، هوّه اللي شايل البيت... يعني هو اللي يصرف علينا... من يوم موت ابونا، وهو بيشتغل... ويجيب فلوس... طيب ليه انا كمان ما اشتغل واجيب فلوس؟؟؟
: ـ. طيب لكن... سيدك حسين بيشيل قفّة؟؟؟
وهنا فرقع ضحكة استغرق فيها إلى حد أنّه اضطر إلى السعال ووضع يديه على بطنه.. ثم قال:
: ـ. لا يا عزيز... همّ كل الناس ما عندهم شغل الا يشيلوا القفة؟؟؟ سيدي حسين بيشتغل كاتب، عند واحد تاجر... وكمان هوّه اللي ماسك المخزن حق التاجر... هوة اللي (يبرِّز) الأكياس للحُمّال.. طول النهار يشتغل... يعني بيتعب... والفلوس اللي بيعطيله هيّه التاجر ما تكفينا... يعني انا ابغا اساعده. لكن ما ابغاه يدري
: ـ. طيب... لكن ليه ما تتعلّم القراية، عشان تشتغل زي سيدك حسين؟؟؟
: ـ. لا لا... الله لا يقدّر... اصلك انت ما تدري عن ((الفُقَها))... عن (الفَرْش) بالجريد الاخضر وبالخيزرانة الرفيعة اللي يبلّوها في الموية... واحد من اصحابي اهله دخلوه كتّاب اسمه كتاب (القبّة) في المناخة... ((الفَقي)) والعريف، فرشوه بالجريد، وبالخيزرانات... وكل يوم... عشان ما يحفض اللوح.... قام شرد... ماهو عن الكتاب بس... لا. دا شرد عن بيتهم... وضاع... ومالقيته الا الحكومة بيشتغل في العوالي... يسوق حمار السواني..
والتزم الصمت لحظات، ثم التفت اليّ وهو يضحك قائلا:ـ.
: ـ. يا بختك انت... امّك وعمّك طردوك... ومالك اخ كبير زي سيدي حسين... يعني ما في احد يقول لك، لاتشيل القفّة... ولا احد يدخلك الكتاب...
ثم، فجأة هتف بي يقول:
: ـ. شوف... شوف... هاداك الافندي، واقف عند الدكان... بيشترى... وما في يده زنبيل... يعني لازم تشيل له المقاضي في قفتك هيّا امشي قوام..
ومشينا معا... وبسرعة كما اقترح.... ووقفنا خلف الافندي الواقف يتسوّق. كانت القفة على رأسي... وفي نفسي احساس بالأرتياح، ووجدتني احسب عدد المرات التي سأقوم فيها بحمل ما يتسوّقه الافنديات...وكان يحي إلى جانبي صامتا لا ينبس ببنت شفة...
وفرغ الرجل من تسوّق حاجاته، التي تجمّعت قراطيسها وأوعيتها ومنها زجاجات، و (قربة صغيرة)، ـ عرفت فيما بعد انها مملؤة بالسمن البلدي، تُشتري من البدو، كما هي وقد لا تخونني الذاكرة، اذا قلت انهم كانوا يسمّونها (العُكَة)... فيقولون (عُكة السمن).. وربما (عُكة العسل)... لأن البدو هم الذين كانوا يزوّدون الاسواق بالسمن والعسل... واعجب مافي حكاية (العُكَك) هذه... انها تؤخذ من البدوى أو تشتري منه، دون أي شك في محتواها... فهو موثوق به إلى اقصى حد... وحتى الذين يتسوقون هذه العُكَك، من التاجر... لا يخطر لهم ابدا ان يشكوا في محتواها من السمن أو العسل... باستثناء الوزن... فلكل عُكة وزنها بالطبع.
والتفت الافندي، ورأى القفة على رأسي، فهتف:ـ.
: ـ. خلاص... آخذ المقاضي معايا، مادام التقينا الحامل... نزّل قفتك يا ولد... حطها على الأرض...
واسرعت فانزلت القفة ووضعتها على الأرض كما طلب... واخذ الرجل يضع فيها مشترياته وتبرّع يحي، بمساعدته، في نقل ما تصل اليه يده من البسطة أو هي مقدمة الدكان.. ولكن في هذه اللحظة، بدا للرجل، ان يلقي نظرة عليّ، ثم على يحيى... اخذ يتمعّن في نظرته الينا... بل توقف عن وضع ما بقي من المشتريات في القفة... أو تردد فترة.. وهو مايزال يتمعّن في وجهينا، وفي ثيابنا... ثم قال:ـ.
: ـ. من متى انت وهوّه بتشتغلوا حُمّال؟؟؟
ولم ادر بماذا اجيب.. ولكن يحي تطوّع للأجابة فقال:
: ـ. يا عمّي لا تخاف... انا وأخويا هادا... نوصّل لك المقاضي... نمشي وراك... قدّامك... زي ما تؤمر..
: ـ. بأقول لكم.. انتو من متى بتشتغلوا حُمّال؟؟
: ـ. من زمان يا عميّ... من زمان... بس كنّا بنشتغل (جُوّة المدينة)... ما اشتغلنا هنا في المناخه الا هذا اليوم.
: ـ. طيّب انتو اولاد مين؟؟؟ ايش اسم ابوكم.
: ـ. ابو ناميّت يا عمّي... مات من زمان...
ولا ادري الاّن، ما الذي اطلق لساني على التو لاقول للرجل:
: ـ. انا يا عمّي ابويا مسافر... سافر من زمان... ولسّه ما رجع.
وهنا... ضحك الرجل ضحكة خفيفة وهو يقول:
: ـ. لا... انت وهوّه يا ولد شاردين من الكتّاب... باين عليكم شردْتو... وجيين تشيلوا حملة... لازم تقولولي فين اهلكم... فين ساكنين؟؟
وهنا ارتفع صوت التاجر من مكانه في الدكان ليقول: ـ.
:ـ. صدقت (يا سيِّد).. شوف هادا اللي كان شايل القفة، حوايجه نضيفة.. وكمان لابس كندرة وشرّاب... وهادا التاني... ماشي حفيان.. لكن تيابه هوّه كمان نضيفة... وعلى راسه طاقيّة (سُنّارة)...
وعاد (السيد) كما ناداه صاحب الدكان يقول:
:ـ. يا ولد انت وهوة... ما تقولو لي فين ساكنين؟؟؟؟
ثم بدا يتفرّس أو يتمعّن وجه يحي ليقول: ـ.
: ـ. بس... بس... عرفتك انت... دحّين اشوف سيدك حسين... انت اخو حسين موكده؟؟؟
وما كاد يحي يسمع اسم اخيه الأكبر، حتى شدّني من يدي وهو يقول:
: ـ. امش... اجري... اجري قوام...
ورحنا نجري في الشارع وننعطف من باب المصري إلى ما يسمّى (جوه المدينة) وان كان الرجل لم يحاول ان يلحق بنا... أو يطاردنا كما ظللنا نتوهّم..
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :779  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 55 من 86
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج