شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
برامج الحشرات في التلفزيون
ليس الترفيه بالضرورة غناء أو رقصاً أو دراما... ولكنّه، ليس أيضاً إثارة لمشاعر التقزّز أو الرعب وعلى الأخص حين تتقدم إليك هذه الإثارة، وأنت مع أطفالك على مائدة العشاء. وأنا قد لا أختلف عن كثيرين أمثالي في الإحساس بالتقزّز، بل وحتى الرعب، حين أرى بعض الحشرات، وفي مقدمتها (الخنفساء).
والتلفزيون فيما يبدو، لا يضع في حسابه مشاعر أمثالي، حين يقدّم برامجه العلمية الموسّعة، ومنها تلك الحلقات التي قدّمها عن أنواع من الحشرات. ولا بد لي أن أسارع إلى الاعتراف بأنها حلقات مثيرة فعلاً، إذ ترى في عالم الحشرات ما يذهلك من تصرفات تدرك معها عظمة الخالق سبحانه، فلا تملك إلاّ أن تردد، سبحان الله العظيم.
وخلال بضعة الأيام الماضية، كنت أجلس مع الأطفال إلى مائدة العشاء فإذا بعيون الصغار مسمّرة على التلفزيون، وحين ألتفت أرى ما الذي شدّهم إلى هذا الحد وجدت أنّه هذا البرنامج العلمي عن الحيوانات، وهو في هذه المرة عن الحشرات... وكانت الكاميرا تلعب ببراعة في التركيز على التفاصيل الدقيقة، التي تنقلك إلى عالم أسطوري رهيب وبدَا لي أن أفضل ما أفعل أن أغلق التلفزيون، فأنا - كما قلت - لا أطيق أن أرى الحشرة في حجمها الطبيعي، فكيف والكاميرا تعرضها مكبّرة عشرات المرات، بحيث تملأ الشاشة بكل ما تجمّع لها من أسلحة الإرهاب... ولكن ما كدت أنهض عن المائدة، وأتقدم من الجهاز حتى تعالت احتجاجات الأطفال، إذ هم لا يرحّبون ببرنامج ترحيبهم ببرامج الحرب والقتال أو أي برنامج مرعب كبرنامج الحشرات هذا.
واضطررت راغماً أن أعود إلى مقعدي، وأن أتوخّى أن لا تقع عيناي على البرنامج الرهيب، بل بلغ بي الأمر إن غادرت المائدة، متنازلاً عن الوجبة، إذ لم يكن مما يتّفق أن أتناول طعامي مع هذه الحشرات.
وأخشى أن أقول إن توقيت أمثال هذا البرنامج غير موفّق، خصوصاً وأن موضوعه قد تكرّر أكثر من مرة خلال الأسبوع، فلو أن قسم التنسيق في التلفزيون لاحظ أنّه يقدّم والناس على موائد العشاء، لاختار له وقتاً آخر، ولعلّ أفضل وقت له، هو وقت العصر إلى الغروب حيث جمهور الأطفال في انتظار ما يثيرهم،حتى ولو كان برنامج الحشرات.
* * *
لا بد أن نفهم أن هناك ما يشبه تناسباً طردياً بين مؤشرات ونذر تمزّق الصف العربي، وبين ما تقدم إسرائيل على اتخاذه من القرارات العدوانية المتحدّية... بحيث ترتفع نسبة هذه التحديات ويتعاظم حجمها، كما يتعاظم طابع الوقاحة والاستهتار فيها، كلّما تزايد وتكرر انهيار الكيان العربي الواحد، بما يطرأ عليه من عوامل التصدع والهدم التي تمارسها وتحمل معاولها أنظمة يخبو كل ذكاء عبقري فيتراجع عاجزاً عن فهم ما يمكن أن تخرج به من إصرارها على ممارسة الهدم والتدمير.
والمشجب التقليدي، الذي اعتدنا أن نعلّق عليه هزائمنا أمام العدو، هو مكائد الصهيونية والإمبريالية، وهو دعم هذه الإمبريالية للعدو بكل ما يتيح له أن يمعن في تحقيق مآربه وأطماعه. ومع التسليم المطلق بأن كل ذلك واقع وصحيح مئة في المئة فإن الصحيح والواقع مئة في المئة أيضاً، إننا ظللنا نكتفي بملء الأجواء العربية بل والعالمية بالكلام، أو بـ(السلام)... بالبطولات المايكروفونية، نحشوها بالدعاوى الجوفاء وبالتهديد والوعيد، يتلاحان يوماً بعد يوم، وينكشفان عن هراء وخواء، مؤكداً ما أصبح يستغني عن التأكيد، وهو أننا لا نضحك على أحد سوى جماهير أمتنا، ولا نحقق غرضاً أو مطلباً سوى التغرير المفضوح بهذه الجماهير التي لم تعد تجهل هي أيضاً شيئاً من حقيقتنا الهزيلة البشعة وإن كانت تعجز عن رفضها، بواقع ضعفها أمام نظام لا يجيد إنجازاً كما يجيد أعمال القمع والإرهاب، تتجاوز القانون باسم القانون، وتعبث بالعدالة باسم العدالة، لأنها النظام الحاكم القاهر على أن يفعل ما يشاء كما يشاء وعندما يشاء...
لقد أقدمت إسرائيل على اتخاذ قرار بضم مرتفعات الجولان إلى ما تسميه أرض إسرائيل. وفي تصريحات مناحم بيجين ما يفيد أن التفكير في اتخاذ هذا القرار قد بدأ منذ تقدم به أحد الأحزاب الصغيرة في الكنيست . ولكن القرار هزم في حينه، وتريثت حكومته وقتاً، إلى أن طاب لها أن تتخذه اليوم، وأن تدعمه بسرعة موافقة الكنيست التي لم يسبق لها مثيل.
وارتفعت صيحات الاستنكار والرفض من الدول العربية، بل وارتفعت معها صيحات مماثلة من دول أخرى، ومع الصيحات، مارسنا تصرفنا التقليدي، وهو تعليق هذا التحدي المستهتر، بمكايد الصهيونية والإمبريالية، وتحميلهما مسؤولية الواقعة الدولية الخطيرة. وليس من شك في أننا سنواصل الاستنكار والرفض، وسوف تظل مايكروفونات الإذاعة تلعلع بالكثير من المعتاد من التهديد والوعيد الخ...
ولكن أليس من الطبيعي، مع هذه الحمى، أن نتساءل: هل كانت إسرائيل تستطيع أن تقدم على هذا القرار، أو هل كانت مكايد الصهيونية والإمبريالية قادرة على ما نتهمها به لو أن مؤتمر القمة في فاس خرج بقرار إجماعي، يبلور الموقف العربي الموحّد، ويضع الإمبريالية - وهي هنا الولايات المتحدة الأمريكية - أمام مسؤوليتها مسؤولية الدول الدائرة في فلكها من صيانة السلام في العام؟؟؟
خرجت الدول العربية من قمة الساعات الخمس، بالصورة التي خرجت بها، هزالاً وانهياراً وتمزّقاً، فكان ذلك هو ما يلائم التصرف الذي أقدمت عليه إسرائيل... وهو أيضاً ما يلائم الإمبريالية لإعطاء الضوء الأخضر لأي تصرف يمكن أن تقدم عليه إسرائيل.
بعبارة أخرى... ما الذي تخشاه إسرائيل، أو الإمبريالية، ما دامت الساحة العربية كلّها فارغة خاوية، تصفر فيها رياح الفرقة والخلاف، وتملأها بطولات المايكروفون وحده ليس غير...
 
طباعة

تعليق

 القراءات :690  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 205 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج