شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
نُسخٌ أتاحتها الطفرة
إذا كان هناك من ينسب إلى الطفرة سوءات أو سيئات تسللت إلى المجتمع، فأصبحنا نعاني من ردود فعلها ولكن بغفلة أو غياب ذهن عن خطرها على مستقبلنا على المدى الطويل، فإن من الحق والإنصاف أن لا ننسى أن الطفرة، كانت وراء الكثير الذي يصعب حصره من معطيات التقدم التي لم نكن لنحلم بها لولا ما أتاحته هذه الطفرة من الإمكانيات، التي ندر أن وجدت في أي مجتمع في التاريخ الحديث.
ومن البدهيات التي لا مجال للمماحكة فيها، أن ما نسميه (الطفرة) لم يكن سوى وفرة المال في حدود تعتبر (أسطورية) بالنسبة للمئات، الذين لم يكونوا يحلمون بالألف ريال فإذا بهم يلعبون بالملايين... وهذه الملايين جاءت دون جهد أو معاناة... جاءت قيمة لقطعة أرض موروثة ومنسية، أو اشتريت بما لا يزيد على ألفين أو ثلاثة آلاف.
ووجود الملايين رصيداً في البنوك عاملُ إغراءٍ أو حتى إقناع بالتوسع في متع الحياة ومباهجها، ومنها السفر إلى بلدان كان السماع بها أو عنها شيئاً يشبه حكايا ألف ليلة فما أسهل أن يطير إليها (المليونير)، وأن يرى في هذه البلدان نماذج من الحياة لم يجد ما يمنع أن يتخذها... أن ينقلها إلى بيئته، فالدارة نموذج فيه هذا التقسيم الراقي أو المتقدم من بهو أو قاعة للاستقبال، ومن غرف للنوم، ولكل غرفة أو غرفتين دورة مياهها، ثم منطقة الطهو والأكل، وقاعة الطعام لعدد موفور من الضيوف، وهذا بالإضافة إلى حمام السباحة الخ... وعدد السيارات المترفة، تنتظره بسائقها، والأخرى تنتظر السيدة، وبسائقها أيضاً وللأبناء سياراتهم يقودونها بأنفسهم، وهي قد أهديت لهم إما بمناسبة النجاح، وإما على مجرد وعد بالنجاح...
كل هذا ليس أكثر من نَسْخٍ لما رآه صاحب الرصيد الضخم في البلدان التي أتيح له أن يطير إليها وأن يرى هذا النموذج المتقدم أو المتطور للحياة التي يستطيع أن يحياها ما دام المال تحت اليد، وهو يتكاثر وينمو، إذا كان قد هداه الله إلى تجارة، رابحة، وما أكثرها ونحن نراها تملأ المراكز التجارية الضخمة، التي كانت هي أيضاً نُسَخاً لنماذج في بلدان لعلّها لم تصل إلى المستوى الذي نشهده الآن، إلا بعد عقود عديدة من السنين. بينما نحن نشهدها تقوم وتفتح أبوابها، وتعرض الأصناف المتميزة من سلعها، في فترة سنوات تقل عن العشر.
فمن حسنات الطفرة إذن أنها أتاحت لنا أن نَنْسَخَ صوراً (طبق الأصل) لما نراه في بلدان أتاحت لنا الطفرة أن نراها. ولكن مع هذه الحسنات، كانت هناك السوءات أو السيئات ومنها - على سبيل المثال - الإسراف الذي يبلغ حد (السَّفَه) والتعلق بالمظاهر، إلى حد التخلف العقلي... فالفستان الذي تظهر به الفتاة، في حفلة، تُدعى إليها، ولا تقل قيمته عن خمسين ألف ريال ولا بد أن يكون من منتجات باريس، وفستان (الفرح) الذي تتجاوز قيمته المليون من الريالات أو الدولارات، ولا تظهر به العروس إلاّ في تلك الليلة، ثم يعلق في خزانة الملابس (إلى الأبد) والساعة التي يرتفقها (المليونير)، ولا تقل قيمتها عن مئتي ألف ريال، لأنها مرصعة بالماس وغالي الجوهر... ولا أتحدث عن السيارة التي ترتفق شهراً أو شهرين، ثم تهجر، وتجيء أخرى، وكل منهما من مستوى ما فوق المئة والخمسين ألفاً...
كل هذه سوءات دون شك... كان يمكن أن تُغتفر، ويُغض النظر، لو أن صاحبنا هذا مدَّ يده إلى الرصيد بمبلغ يبني مدرسة، أو عمارة للعاجزات عن دفع أجرة المسكن، أو أقام معماراً أوقفه للإنفاق من إيراده على سبعة طلاّب يدرسون التقنية العالية، التي لن نصل إلى مستوى متطور حقيقي في مسيرتنا بدون توافرها.
أمّا ردود الفعل السيئة على تنشئة الأبناء، فحكاياتها طويلة ومتعددة وهي من عوامل الاستفزاز الخطيِر في نفوس المئات أو الألوف الذين يقفون في طوابير طلب العمل، ولا يجدونه رغم المؤهلات الجامعية... وأصف هذا الاستفزاز بأنه خطير، لأنه حين يتراكم تتكون له قدرة على رفض الواقع، وهو ما نرجو أن لا نصل إليه. بفضل الله ثم بحكمة أولي الأمر.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :602  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 97 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج