شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حديث الأسبوع - 1 - (1)
مؤتمر اللجنة الثقافية وخطاب الدكتور طه حسين
بقلم: عبد الوهاب آشي
لقد كان هذا الأسبوع حقاً أسبوع العلم وتكريم رجاله، فهذا الدكتور طه حسين مجرداً من كل لقب غير لقبه العلمي الرفيع - يجول مكرماً في الحفلات والنوادي بجلاله العلمي، وعظمته الفكرية. وهذه الفئة الممتازة من رواد الفكر والثقافة العربية مكرمة تشد أزره في المهمة الجليلة التي قدموا من أجلها إلى هذه البلاد. فاستمتع بنوها بما شهدوا من محافل العلم الباهرة، وما سمعوا من تليد وطريف الثقافة العربية والعالمية الواسعة.
ولسنا الآن بسبيل سوق عبارات التعريف أو الإطراء والثناء على هذا العالم الكبير ورفاقه، فما من دار تؤوي قارئاً عربياً دون أن يكون لقلم عميد الأدب العربي وأسفاره فيها أثر أي أثر، وما هز المحافل الأدبية والعلمية في هذا العصر بآرائه الحرة وتوجيهاته الجريئة أديب عربي مثله، ومهما اختلف حكم الناس فيه إنه لا شك ولا جدال فذ في جيله عظيم في أدبه وعلمه وفضله، وأما رفاقه فهم النفر الغر الذين شاركوا في ميادين الثقافة والتربية والمعرفة بسهم وافر، وإن من واجبنا - حكومة وشعباً - أن نهتبل فرصة وجودهم بيننا. فنغنم ما وسعنا أن نغنم من فيض أفكارهم وآرائهم الناضجة في مختلف النواحي العلمية والأدبية والثقافية عامة، لندعم بها كياننا التعليمي. ونغذي بها عقول أبنائنا في دور العلم والتربية لتتفتح أعينهم في حياتهم المستقبلة على أضوائها وصواها فيسيرون بقدم ثابتة لا تضلهم الأهواء، ولا يبلبلهم اصطخاب المبادئ والمذاهب في هذا الكون الذي يتعارك فيه البشر ليدرك كل حزب الوجهة التي هو موليها. ويفرح بما يناله فيها من مغانم.
ولنقف بالقراء نستجلي ما شنف به أسماعنا رئيس هذا المؤتمر الدكتور طه حسين من خطابه التاريخي الذي ألقاه يوم افتتاح الدورة التاسعة لمؤتمر اللجنة الثقافية للجامعة العربية في هذه البقاع المقدسة مشرق الوحي الإلهي. ومهبط الدين المحمدي دين العلم والثقافة والحرية الفكرية السليمة.
يقول الدكتور طه حسين:
((يجب أن نبذل أقصى الجهد في سبيل العلم والثقافة وتنمية الحضارة الإنسانية، وخدمة الإنسان حيث هو إنسان)) ((وأن نكون هداة وقد أمرنا الله أن نكون هداة وقد إئتمننا على دينه بنشره ما وجدنا إلى نشره سبيلاً، وأمرنا أن نكون دعاة إلى الخير آمرين بالمعروف مسارعين إلى الخير نصنع هذا كله لا لشيء إلا لنكون جديرين بهذا الدين الذي حمله العرب فاحتملوه وأذن فمن الحق علينا أن لا نكتفي بتعليم أنفسنا وتثقيف شعوبنا)) ((أريد للعرب أن يفتحوا أبوابهم ونوافذهم وقلوبهم للعلم والثقافة مهما يكن مصدر العلم والثقافة)).
بهذه العبارات الفياضة السامية وبهذا الأسلوب القوي الآسر، وبهذا البيان المشرق الواضح، يدعونا الدكتور طه حسين دعوة خالصة مخلصة إلى واجب جد خطير. ويلهب نفوسنا وقلوبنا وعقولنا التي قد يكون ران عليها الركود والجمود بحماسته وإيمانه ورحابة أفقه، ويدفعنا إلى أن نكون هداة مصلحين مشربين بحب الخير للخير نفسه. نغمر الخلق بالتسامح والعدل اللذين لا يفرقان بين إنسان وإنسان. ونبذل الهداية والمعرفة لطالبها لأي فريق انتسب وفي أي بقعة كان. وإن هذه لهي دعوة الحق الشاملة التي ينادي ويفخر بها الإسلام. دين العلم والثقافة والحرية والسلام.
ولا يكتفي الدكتور طه بأن يدعونا هذه الدعوة الصارخة حتى يحملنا المسؤولية، وأية مسؤولية؟ مسؤولية الانطواء والانزواء مسؤولية الخمول والتهاون. فيقول في صراحة صارمة ((لقد نشر آباؤكم دين الله في الأرض. فاجتهدوا في أن تكونوا حماة هذا الدين الذي نشره آباؤكم، واحذروا أن تطغى الحضارات الأجنبية على أمم إسلامية لا تحسن لغة القرآن. احذروا أن تطغى هذه اللغات وهذه الحضارات على تلك الأمم. أن تكون أعلم بلغات الأوروبيين وحضاراتهم منها بلغة العرب والقرآن وثقوا بأنكم تقصرون في ذات الإسلام وفي ذات الله إذا لم تحافظوا على ما قدم آباؤكم من التمكين للإسلام في البلاد الإسلامية غير العربية. مع أنكم تعلمون أن الله لا يأمركم بهذا وحده وإنما يأمركم بنشر الإسلام في كل مكان ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً. ولا سبيل إلى نشر الإسلام حقاً إلا إذا عنيتم باللغة والعلم والثقافات على اختلافها)).
بخ بخ! أي شر أدهى وأمر من طغيان اللغات والحضارات الغربية على أمم إسلامية قصر العرب في واجبهم نحوها؟ أية طعنة طعن بها الإسلام أمعن وأعمق من تلك الثقافات المادية التي أذاعها المستعمرون والمبشرون يهاجمون بها الإسلام والمسلمين؟ وإنا لنرى آثارها المتغلغلة واضحة في كثير من البلاد الإسلامية بل والعربية، فقد أصبح كثير من المسلمين العصريين المتنورين غرباء عن دينهم، بهرتهم الحضارة الغربية والمدنية الأوروبية بمعارفها وثقافاتها وفنونها، فآمنوا بها، وولوا وجوههم قبلها، وكانوا أشد حرباً على الإسلام من غير المسلمين وهم أبناء أمة إسلامية، وكان غنم المستعمرين بهذا التحول فيهم غنماً هائلاً، ولقد كان للعرب عذر يوم لم يكن أمرهم بيدهم، والدنيا حرب عوان عليهم، والجهل سائد في ربوعهم - في عدم العناية بأمر الأمم الإسلامية بينهم، أما وقد انجلت القمة، وعاد للعرب كيانهم المرموق وصوتهم المسموع، فمن الواجب المحتم علينا وعلى العرب جميعاً أن نشارك الأمم الإسلامية آلامهم وآمالهم، وأن نهيب بهم إلى التعاون معنا في التمسك بلغة وهدى القرآن وأن نبعث إليهم من رجالاتنا أولي العلم والثقافة والعزم ليبصروهم بما في القرآن من حكمة بالغة وهدى قويم وإنه يدعو أنصاره دائماً إلى التدرع في الحياة بالعلم والحق والقوة، يمجد السعي والعمل، ويكره البطالة والكسل، ويدعو إلى الغناء والطموح، ويمقت الترهب والخنوع وإن الأرض لله يورثها عباده الصالحين العاملين، وإنا لواثقون أتم الوثوق أن المسلمين إذا فهموا دينهم حق الفهم لا يرضون به بين الأمم مهما سمت وعلت بديلاً، ولا يبغون في هذه الحياة غيره سبيلاً، وأذاعوه بين الملأ وناضلوا عنه نضالاً جليلاً.
بخ بخ ! إنها لمسؤولية عظمى يحملنا إياها الدكتور طه، وليس لنا عذر أمام الله والناس في تقصيرنا تجاهها، وإنه لتحذير عنيف من عاصفة تجرف العقول والفهوم الإسلامية بزيغها وزيفها، وليس أضر على الأمم من العقول إذا ضلت والفهوم إذا ندت، والويل كل الويل للسادرين الذين هم في غفلتهم يعمهون .
تعقيب بسيط:
لقد أسرتني كلمة الأستاذ الأديب عبد الله بن إدريس وتعقيبه على وصفي حفلة الشباب الجامعي لزملائه بأنها حفلة (بسيطة في مظهرها ومرآها) بمعنى أنها متواضعة وصغيرة، وأود أن أوجه نظر الأستاذ الكريم بأني قصدت هذا الوصف بهذه الكلمة (بسيطة) عمداً ولكن لا لتدل إلى المعنى الذي قصد، وإنما لتدل على أنها حفلة غير مركبة ولا معقدة كتلك الحفلات التي تتباهى بفخامة بهارجها وزيناتها المركبة المعقدة، لا لتبهج النفوس البسيطة الزكية وإنما لتخلب الأنظار ليس إلا، ولعمري أن الحفلة لم تكن متواضعة بما حوته من أريحية مستفيضة، وما أقيم فيها من مأدبة فاخرة، وليست صغيرة بما ضمت من عدد وفير من المدعوين ولكنها بسيطة وبسيطة حقاً لما تجلى فيها من عدم الكلفة والتصنع، ولعلّ هذه الكلمة على ما أظن - ولا أدري مقدار ما تدل على ما أعنيه لدى زملائنا اللغويين الغيورين - أدت ما عنيته لدى القراء الكثيرين ، وسبق أن قلت إني من أنصار التجوز قصد الإفصاح وعدم المعاظلة، وغفر الله لي.
ثم إني لأنكر على الأستاذ ما نسبه إلي - سامحه الله - من الخوف من الأستاذين - العطار والأنصاري - حيث خصصتهما في ترجيح أو اختيار (الطباعية أو المطبعية والتصحيح أو التصويب، والأغلاط أو الأخطاء) فإني لم أعرف قط بين إخواني بالخوف والجبن وإن كنت أميل إلى تجنب مواطن الشغب والملاحاة البغيضة حفظاً للكرامة والإخاء، وما خصصتهما في مقالي ذلك إلا لأني لم أجد من زملائي الأدباء من عني عنايتهما بتعقيب الأخطاء اللغوية في كتابة الكتاب، ومحاربة الصيغ والأساليب المتهافتة، وإني أرحب بزميل آخر كالأستاذ ينزل إلى الميدان فنستفيد منه ما نحن عنه ساهون، وفوق كل ذي علم عليم؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :801  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 130 من 143
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء التاسع - رسائل تحية وإشادة بالإصدارات: 2007]

الغربال، تفاصيل أخرى عن حياة وآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه - الجزء الثاني

[تفاصيل أخرى عن حياة وآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه: 2009]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج