شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
طفلة قرأَت.. فبَكَتْ!..
وهذه الطفلة التي لما تبلغ الثانية عشرة من عمرها نمت إلى عرق.. فاحترم أبوها العراقة، وضع بين يديها الكتاب فيه سير الأبطال.. أبطال الإيمان الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ولقد كان الموضوع الذي قرأته في هذا الكتاب من كتب السيرة أكبر من سنها.. أي من فهم مداركها ولكنها وبالعراقة عربية على السنام.. مسلمة على الذروة زكت عواطفها وتزاكى ذكاؤها لأنها نشأت في أحضان الصلاة وفي حضانة الحماية للصلات.
فإذا هي قرأت قصة أمين هذه الأمة.. فاتح الشام المتفضل على دمشق. وقد دخلها ابن الوليد خالد ((سيف الله)) حرباً من ذلك الباب الذي كسر، بينما أبو عبيدة دخلها من الباب الذي فتح له. فجيرون.. جلق.. دمشق. ذات أبواب دخلها أبو عبيدة.. فأبى إلا أن يجعلها المعتصمة بالصلح لا المغتصبة بالحرب. وخالد سمع وأطاع لتكون دمشق بعد أول عاصمة في الملك المسلم..
وقرأت الفتاة كيف أن أبا عبيدة عامر بن الجراح قتل أباه في بدر. كان يتجنب الشرك أو هو التقرب للمشركين كان يلاحق ابنه.
فكلما تجنب أبو عبيدة.. كان أبوه يتعرض إليه يستعرض سلاحه عليه فاضطر أبو عبيدة.. أو نصره إيمانه ألا يسأل عن القربى فقتل أباه كما قتل عمر بن الخطاب خاله العاص بن هشام بن المغيرة. كما قتل الخصمان.. إختصموا دفاعاً عن الإسلام. قتلوا الخصمين إختصموا في سبيل الشرك.
فالخصمان هاشمي في الإسلام وعشمي في الشرك مع أن كلاً منهما ابن عم الآخر فهاشم وعبد شمس أخوان شقيقان توأمان ولكن فات المشرك أن يتواءم مع ابن عمه المسلم.
قرأت الفتاة ذلك عن أبي عبيدة رضي الله عنه فبكت فاخرة بمجد الآباء لا تنحر نفسها بحقد الذين أبوا ألا يكونوا بعد الزمن الطويل يتلمظون بالأحقاد، من أجل مارق أو مفارق.. أبت الفتاة إلا أن تكون وكأنها فاطمة بنت عتبة بن ربيع التي حين آمنت وضعت الأحقاد تحت قدميها، فلم تستكثر بنسبها العالي أن تتزوج المولى عبد أخيها سيدي سالم المتولي مولى أبي حذيفة الشهيد في حرب الردة.
قرأت الفتاة فأحببت لها أن تقرأ سيرة عبد الله بن عبد الله بن أبي ((ابن سلول)) حين أرضى رسول الله سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم يوم صنع بأبيه أشد إهانة من القتل. فقد كان أبوه عبد الله بن أبي بن سلول رأس الخزرج.. كانوا ينظمون له الخرزات يتوج ملكاً على أبناء قبيلة الأوس والخزرج.. وحتى اليهود الذين كانوا له يوم كان خليفاً لهم.
فالإبن سيدي عبد الله بن عبد الله بن سلول كان هذا الإبن مؤمناً لا تأخذه في سبيل الإِسلام وفي سبيل الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لومة لائم.
وفي غزوة المريسيع - وقد كان فيها كرب كارب - إختصم غلام مهاجر مع غلام أنصاري فتصايحا.. يا للمهاجرين يا للأنصار.. وكادت تشب فتنة ولكن الإِيمان أطفأها، فإذا ابن أبي رأس النفاق يقول الكلمة الفاجرة ((ما نحن ومحمد إلا كما قالت العرب: سمن كلبك يأكلك)) وأردف بكلمة نزلت في القرآن الكريم. قصها الله على المسلمين أنطقه بها نفاقه: ((لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل)) وقال عمر بن الخطاب جلواز رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: دعني أقتله فقال نبي الرحمة الموحَى إليه: لا، لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه.
وبعد أن وصل النبي صلَّى الله عليه وسلم يدخل المدينة وعلى الثنية أقبل الإبن المؤمن عبد الله بن عبد الله بن أبي أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا رسول الله بلغني أنك قتلت والدي والأنصار تعلم أنه ليس من هو أرضى مني لأبيه، وأخشى أن يقتله أحد أصحابه فأقتله فأدخل النار، فقال نبي الرحمة صلَّى الله عليه وسلم لا فقال عبد الله والله يا رسول الله لن يدخل أبي المدينة حتى يمر تحت سيفي هذا ويقول: أنك أنت الأعز وهو الأذل، ومشى عبد الله الابن يقف على الثنية يسل سيفه.. يشرعه في وجه أبيه قائلا:ً والله لن تدخل المدينة حتى تقول أنك أنت الأذل ورسول الله صلَّى الله عليه وسلم هو الأعز وفعلها.
فما أدري أي حمد أي شكر أي مجد لهذا المؤمن لا يسأل عن الحرمة القربى.. لأن حرمة الإيمان هي التي سألت.. ولكن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم أكرم الإبن عبد الله حين استغفر لأبيه ودفنه وكفنه فكان ذلك الوفاء من رسول الله بل والجزاء من الله ثم كان المنع، فلم يستغفر رسول الله صلَّى الله عليه وسلم لأحد بعد.
ولهذه البنت كتبت وللشباب كلهم راجياً ألا ينسوا أمجادهم وألا يتذكروا أحقادهم.
والخاتمة في هذا الثناء.. نعمة من نعم الله على عبده أبي عبيدة في قوله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ (المجادلة: 22).
أي نعمة أكبر من هذا؟!
رضي الله عن أبي عبيدة.. وعن أخيه عبد الله بن عبد الله بن أبي.. وعن أصحاب رسول الله أجمعين..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :862  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 865 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الشعرية الكاملة وأعمال نثرية

[للشاعر والأديب الكبير أحمد بن إبراهيم الغزاوي: 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج