شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
صبغة الأممية.. ما أخذت وما أعطت
.. إخوتي الأبناء.. الأساتذة الآباء:
لعلّي لم أغرب بهذا العنوان، فالحوار المبسط ينبغي أن يكون واضحاً.. لا إغراب فيه. ما هي الصبغة؟
هي في التعريف المفسر لها: الدين، الفطرة، أو هي كل ما يتقرب به إلى الله.
وهي في الفهم الواقع الآن: الطابع.. ينطبع عليه الإنسان في تحركه الذاتي وفي حركته نحو البناء الحضاري.. فالإنسان المتكلم أو الضاحك قد أخذ من الكلام ومن الضحك إشراقة النفس.. تتطلع إلى شيء جديد دائماً.
فالحضارة.. ارتقاء الإنسان من بيئة بدائية.. سواء كان واحداً في كوخ، أو قبيلة في قرية. فالقبيلة إلى شعب صناعة حضارية، والشعب مع شعوب أخرى تسكن أرضه.. تتكلم لغته في مصير واحد تتكوّن أنه صانع حضارة، فبكل ذلك تتكوّن الأمم.. من قبائل إلى شعوب.. إلى أمم، ويعني ذلك أن الحضارة تلقائية الحوافز كصبغة.. كطابع، فالكلمة تدعو إليها.. تبرز الحوافز.. تتطلب أن تبرز واقعاً، والضحك صبغة على الحضارة.. أعني التلوين لها كإبداع في الفن، أو هي فن الإبداع.
إن العلم ليس تمرداً، ولكنه تطوير.. نظرية تلغي نظرية. أما الفن فتمرد يصنع الجديد زخرفاً على القديم، فليس من الفن إلغاء الفن.. فالعلم تطور والفن تجديد.
فأدبنا اليوم في هذه البساطة أحسبه شيئاً جديداً.. تعبيراً عن حضارته الحاضرة، ولكنه التكامل مع ماضيه.. لأن العلم صناعة لوسائل الحضارة والفن صانعها.
إن الفن - أدباً وشعراً وزخرفاً - صانع الحضارة لأنه التعبير عن الحوافز، والتجسيد للآمال، والإعراب عن الواقع.. فالفن صانع الحضارة تأخذ منه وهي تعطيه، ولكنها - وإن لم تلغ ما انتهى إليه - فإن تلقائية الحوافز تتطلب صناعة فن جديد.
من هنا.. تطور الفن إلى أشكال ليس فيها الرديء، وليس فيها الباطل لأن الفن تحتضنه الحضارة حتى إذا انتشى جاءت الحضارة بكل النشوة فيها إنشاء جديد لفن جديد.
.. إخوتي: من هنا نبدأ في تحليل العنوان.. ما دمنا قد قعَّدنا قاعدة في هذه المقدمة.
أنتم اليوم في كيانكم الكبير شعب عربي، وأنتم فيما سبق حتى في الجاهلية الجهلاء كنتم شعباً له خصائصه.. لكن حاضركم وماضيكم جعل منكم الآن، وأنتم الشعب فيما مضى وفيما هو الآن، صناعة أمة عربية وصنّاع أمة إسلامية.
فالعرب البائدة، والعرب فيما بعدهم.. لم تحرموا أن تكونوا منهم، ولم تحرموا أن تكونوا لهم.. حتى لو اختلفت عقائدهم.. فاختلاف العقائد لم يقض على روابط الأممية لأن اللغة.. لأن الأرض.. لأن المصير أخضع ما صنعته العقائد المختلفة من خلاف.. كما أن الحروب التي شنت على الأمة العربية في أحقاب التاريخ، والكوارث، والعذاب.. كلها لم تلغ الأمة العربية.. لأن الارتباط بكل المقومات لأي أمة قد ربطكم.
انظروا إلى الأرض العربية الآن، وانظروا إلى الأرضين الأخرى التي هي من أرض الأمة الإسلامية، فإنكم ستجدون أن كل من سكن الأرض العربية هو من صناعة أرضها، ولغتها، ومصيرها.. بينما الأرض المسلمة، وقد كاد أكثرها أن يتغرب، جاءت طبيعة كل الشعوب وحتمية ما تصنعه الأرض مبعداً عن العروبة، وإن لم يستطع ذلك إبعادها عن الأمة الإسلامية.
فالإنسان العربي مطبوع على الأممية بطبيعة الأرض واللغة وبالإسلام أصبح طابعه أن يصبغ الأرضين التي فتحها الإسلام.. لصبغة الأممية وهو بها، ولها، ومعها.. صانع الأممية المسلمة.
.. إخوتي: ماذا أخذت منكم الأممية الإسلامية؟
لقد أخذت منكم أن كانوا مسلمين.. أصبحوا قرآنيين.. أبدلهم الله بالمسجد، والمدرسة بدلاً عن الهيكل والكنيسة والبيعة والكهوف.. أي إنكم وقد حملكم الله نشر دينه، وشرفكم بأن بعث رسوله من أنفسكم وأنزل قرآنه بلغتكم.. حملكم الله ذلك حين أهَّلكم لها.. للدعوة الإسلامية.
فلو لم تكونوا الأهل لها بالأهلية الواعية.. لساناً عربياً مبيناً.. سيفاً في يد الفارس.. منها للدين الجديد.. جهاداً وإيماناً.. وتطلعاً.. كما قال خالد بن الوليد في غزوة ذات الخنافس:
(والله لو لم نحاربهم على الدين لحاربناهم على هذا الريف)..
فسلطان الرسالة قمة الأمة، والخلافة ذروتها.. بهذا الوعي مسلماً وعربياً.. صنعت الأمة الإسلامية الحضارة الوسيط على الأرض بحوافزها التلقائية، وبدعوة الإسلام قبل كل شيء.. فالإسلام هو في هذا التعريف: إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وليس أطيب من أن يتفوق المسلم في عقيدته، وسلوكه، وحضارته.. فالحضارة هي الكيان وهي السياج.. حضارته الوسيط كوّنت إشراقة النور على الإنسان كله.. تلقَّفها الغرب فجاءت حضارته الجديدة.
عطاء كبير كان بذله من بلدكم هذا.. من إنسانكم. هذا ما أخذوه، ولكن، ماذا كان عطاؤهم لكم؟
هل أنبش التاريخ فأقول: أعطيتم إمبراطورية أميّة في دمشق، فإذا هي لا تعبأ بكم، وأنتم أعرف بما جرى. وأعطيتم إمبراطورية العباسيين فما أعطتكم شيئاً.. كأرض. تعرب عطاء الإمبراطوريتين كان عطاء للإمبراطورية الإسلامية عطاء للاعبه.
فمن هذا الاعتبار.. حرماننا من العطاء كعرب.. هو وجداننا العطاء منهم كمسلمين.. لأن هذا البلد - أعني أنتم - قد حفظتكم الأممية الإسلامية كشعب من شعوبها، وإن لفظكم سلطان الحكم كأرض في حاجة إلى بناء حضارة جديدة.
.. إخوتي: الأممية الإسلامية أخذت منكم أن لا ينسب إليكم أي إمام منكم.. كما أخذتم أنتم أن لا ينسب إليهم - أي إلى شعوبهم - أي إمام مسلم. لقد تبادلنا الأخذ والعطاء.
فمالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل، والخليل بن أحمد، وجابر بن حيان، والمتنبي، وأبو تمام والبحتري.. أئمة وشعراء من الأمة الإسلامية.. هذا أخذهم.. أما أخذنا فلن نقبل إلا أن يكون أبو حنيفة، والبخاري ومن إليهما، وابن الرومي ومهيار، وابن سيناء والفارابي.. والخوارزمي، إلا أنهم عباقرة عرب.. فالعرق فيهم قد ألغته اللغة، وازدهرت الإسلامية في لسان هؤلاء، وتآليفهم.. منهم كأقرانهم من العرب رجال العروبة.. علماء الإسلام..
لست في هذا أتنكر للأممية، وإنما أريد أن نكون على أمر واضح في بنائنا الحضاري.. نعتز بالأمة المسلمة على صورة من التضامن.. كما أنه لا ينبغي أن ندعو إلى إلغاء عروبتنا، فهذا البلد وطنيته الإسلام لأنه ليس صاحب مقام كريم إلا بالإسلام، وإن وطنيته أيضاً هي العروبة، ولا ازدواجية في ذلك. وكما قلنا من قبل: إن قالوا نحن العرب فإننا على السنام، وإن قالوا نحن المسلمون فإننا على الذروة.
أرجو ألا نبخل بالعطاء.. فعطاؤنا الجزيل فيما سبق هو أخذ الأمة الإسلامية وأخذنا من الأمة الإسلامية هو عطاؤهم لنا، وعطاؤنا لأنفسنا.
بالحب قلت ذلك، ولن تكون حضارة إلا بالحب، ولن يكون فن إلا بالحب، ولن تسود جماعة إلا بالحب، ولن تسعد أسرة إلا بالحب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :734  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 795 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج