شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
الأحد الموافق: 26/6/1408هـ
في تكريم الأستاذ محمد حسين زيدان
أقام نادينا حفلاً متواضعاً.. تكريماً للأستاذ الأديب محمد حسين زيدان في يوم الأحد 26/6/1408هـ، تحدث فيه لفيف من أصدقائه ومعارفه، منهم معالي الأستاذ عبد الله بلخير، والأساتذة عزيز ضياء، وعمر بهاء الأميري والسيد هاشم زواوي، والدكتور عبد الله مناع، والشاعر الأستاذ/محمد هاشم رشيد، والشاعر الأستاذ/محمود عارف، والأستاذ: عبد المقصود خوجه، والأستاذ الدكتور عبد الله الغذامي، وعبد الفتاح أبو مدين.
كما بدأ هذا التكريم بدراسة موجزة عن أدب المحتفى به كتبها الدكتور/بكري شيخ أمين من جامعة الملك عبد العزيز - كلية الآداب - قسم اللغة العربية. وقد كانت ليلة جميلة، طفحت بمشاعر الود ووفاء الحب، واختتمت بكلمة المحتفى به. وكانت الكلمات التي ألقيت ارتجالاً ما عدا ما كتبه الدكتور بكري شيخ أمين، وبعض كلمة الأستاذ عزيز ضياء كانت مكتوبة، لأنه لم يتوقع حضوره، فكتب الكلمة، أو أملاها على الأصح من الرياض لتلقى نيابة عنه. ولما حضر ارتجل كلمات. ثم ألقى الكلمة المكتوبة.
وفي الصفحة التالية (( أو المقابلة )) .. كلمة الدكتور بكري شيخ أمين، وفيها تعبير عن الاحتفاء.. والمحتفى به.
الأحد 26/6/1408هـ
في تكريم الأستاذ/محمد حسين زيدان
للدكتور: بكري شيخ أمين
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإِنسان ما لم يعلم. والصلاة والسلام على خير من نطق بالضاد، وهدى العالم إلى سبل الرشاد.
أمَّا بعد: إخوتي وأخواتي.. أيها السادة والسيدات الأكارم.
لعلّ الواجب يقتضيني أولاً إزجاء الشكر كبيراً إلى الأستاذ الكبير عبد الفتاح أبو مدين.. رئيس هذا النادي الأدبي، إذ تفضل فكلفني أن أكون في طليعة كوكبة متحدثي هذه الأمسية المتلألئة، وتلك ثقة غالية، ويد كريمة، لا أنساها له أبداً، وذلك أمر.. عليَّ طاعته.. فالمحب لمن يحب مطيع.
أيها الحفل الكريم:
إن اجتماعنا اليوم، في هذا المكان البهيج، ونحن نسعى إلى تكريم أستاذ ومعلم، وأب وأديب، ومدماك من مداميك نهضة الأدب والفكر، في هذه الأرض المباركة، المضمخة بالأريج سمة حضارة، ورمز كرامة ومبعث اعتزاز. فالأمة الكريمة هي التي تقدر أبناءها الذين بذلوا من أجلها وسهروا، وحرسوها. والأمة الهلوك هي التي تكفر حق الكرام من أبنائها، وحق كل من أسهم في رفع شأنها وراية مجدها. فهنيئاً لهذا الوطن بهذا الحفل، وبورك في الذين سعوا وجدوا حتى يبلغ التكريم أهله ومستحقه.
وإنا إذ نجتمع هذه الليلة لنقدم كلمة الشكر والحب إلى أحد رجالات هذا البلد.. تمدد على ساحاتها الأدبية والفكرية طولاً وعرضاً ما يزيد على نصف قرن.. فإنما نكرم فيه صفة العلم الذي كرمه الله، وأوجب تكريمه، ونطيع الله فيما أوجب وأمر.
أيها السيدات والسادة!
التكريم الحق الذي يخلد الذكر، يكون في جمع آثار المكرم وفي نشرها، النشر العلمي الصحيح، ثم في دراستها الدراسة الموضوعية (الأكاديمية) الرصينة، وتقويمها التقويم العادل.. هذا بالإضافة إلى التكريم المادي الذي يبدو في مهرجان حافل، أو كلمة طيبة، أو جائزة سنية، أو غير ذلك من أمور.
ولعلّي أغتنم هذه المناسبة المباركة فأهيب بالسادة العلماء الأفاضل، المشرفين على الدراسات الإِنسانية العليا أن يوجهوا طلابهم إلى هذا المهيع، ويقوموا في ظل إشرافهم وتوجيههم بهذا المطلب الوطني والخلقي، حتى إذا جاء طلاب العلم من الأجيال القادمة وجدوا أمامهم مئات الدراسات العلمية النفيسة، تتحدث عن أعلام أمتهم، وبناة نهضتها، ورواد حضارتها، وحينئذ يستطيعون أن يصلوا الحاضر بالماضي، ويقرنوا الطارف بالتالد، ويتبينوا موقعهم في السلم العلمي، ويعرفوا ما إذا كانوا يتقدمون، أو يتأخرون، أو يقفون جامدين.
وليس هذا المطلب الأمل بعيداً أو غريباً عن حقل الدراسات الإِنسانية العليا، ولعلّ أصدق شاهد عليه لو وقفتم على فهرس عناوين بعض جوانب الدراسات العليا.. في كثير من الأقطار العربية العالمية، إذن لوجدتم عشرات العناوين، إن لم نقل مئاتها، تنصب على أدباء ذلك البلد وعلمائه، ثم بعد ذلك، على أدباء غيره من البلاد وعلمائه.
كم من دراسة انصبت على أحمد شوقي أو حافظ إبراهيم أو جماعة أبولو، أو عباس محمود العقاد، أو إبراهيم المازني، أو مصطفى صادق الرافعي، أو أحمد حسن الزيات، أو زكي مبارك، أو بدر شاكر السياب، أو فدوى طوقان، أو عمر بهاء الأميري أو عمر أبو ريشة، أو بدوي الجبل، أو الأخطل الصغير، أو خليل مطران، أو ميخائيل نعيمة، أو جبران خليل جبران، أو الشاعر القروي، أو معروف الرصافي أو الطيب صالح، أو نجيب محفوظ، أو طه حسين، أو خليل هنداوي؟
إن في هذا البلد علماء وأدباء وشعراء وفحولاً، يستحقون أن ينسابوا في فهارس الدراسات العليا، وأن تدور حولهم دراسات ودراسات.. لا يقلون قيمة وإنتاجاً عن سواهم، وقد لا يزيدون.. لكنهم، على كل حال، جديرون أن يكرموا وتكريمهم هذا ليس لهم فخره، وإنما هو للتراب والأرض والوطن من أقصاه إلى أدناه.
أيها الصحب الكرام سيدات وسادة:
من حقكم في هذه الليلة البهيجة، وأنتم تحتفلون بتكريم الأستاذ محمد حسين زيدان أن تقفوا على الجوانب العامة الكبرى التي أطرت حياته، والعوامل المختلفة التي رفعته إلى مرتبة التكريم والاحتفاء والتقدير.
ومن هذه الجوانب، نبيح لأنفسنا كشف بعض الأسرار، ونشر بعض الأخبار، وقراءة بعض الآثار.
تقول كتب تاريخ الأدب التي تعرضت لترجمة الأستاذ زيدان إنه ولد سنة 1327هـ/1909م، ويبدو أن معظمها كان متكئاً على ما جاء في العدد الخاص بالأدباء لمجلة المنهل، بمناسبة اليوبيل الفضي لهذه المجلة الطيبة. وأكشف لكم الليلة عن سر صغير حول عمره، قد لا يحب كشفه، ولكنا نود مداعبته، فلقد أوردت الموسوعة الإِنكليزية التي عنوانها ((من هو في السعودية))؟ في طبعتها الثالثة سنة 1983/1984 والتي أصدرتها تهامة بأن ولادته كانت سنة 1322هـ/1905م إذ زادت على ما جاء في المنهل أربع أو خمس سنوات.
ولا بأس على أستاذنا، سواء أكان من مواليد عدد المنهل أم من مواليد موسوعة تهامة. فالجميع هنا، بل في كل مكان، يدعون الله أن يمتعه بالصحة والعافية، ويزيده فضلاً وعطاء، ويطيل عمره في الصالحات قولاً وعملاً.
أيها السادة:
ولد محمد حسين زيدان في المدينة المنورة، أي في بلد النور والعطر والشذا، والهدى ومأزر الإِيمان، وعاصمة الحب والمحبة والمحبين.. وتلك أول جائزة حباه الله بالتشريف بها.
وإني إذ أهنئه على الولادة في هذه المدينة، أسأل الله ألا يحرمني من الثواء في بقيعها. ويرحم الله عبداً قال آمينا.
تقول المصادر: إنه درس في المدرسة الراقية الهاشمية في المدينة المنورة، ومنها تخرج. لكنها تغفل جميعاً الموطن الآخر الذي فيه درس وتعلم وتأدب، وهو المسجد النبوي الشريف. ولعمري إنه والمسجد الحرام يعدلان يومذاك المستوى الجامعي وما فوق الجامعي، في الحلقات التي كانت تعقد في كل ركن من أركانهما.
زيدوا على ذلك أن الله جل جلاله وهبه حب القراءة وصداقة الكتاب، فهو مدمن قراءة. أمضى حياته كلها وهو يقرأ، حتى لقد قال مرة: ((كنت في الماضي أقرأ لأتعلم، أما اليوم فأنا أقرأ لئلا أتألم)).
ونتساءل: ماذا قرأ زيدان؟
الجواب عسير، ويخيل إليّ أني لا أستطيع أن أحيط علماً بكل ما قرأ، حتى لو سئل زيدان ذاته هذا السؤال لعجز عن الجواب. بيد أنا نستطيع أن نتلمس الجواب من خلال ما تشف عنه كتاباته، وآثاره المنشورة، والمذاعة والمتلفزة، ومن خلال أحاديثه العابرة والمرتجلة.
إن كثيراً من الدارسين يلجأون إلى تلمس العوامل الثقافية المؤثرة في الأديب، ليس من خلال ما يقرأونه عنه في كتب التاريخ أو الأدب فحسب، وإنما من خلال ما يتبدى في ثنايا نتاجه، ويكشف عن نفسه، حتى ليمكن للدارس أن يعرف من خلال شعر المتنبي أو المعري أكثر ما اطلعا عليه من علوم ومعارف.
إنكم - أيها السادة - تستطيعون أن تقدروا مستوى ثقافة إنسان من خلال حديثه أولاً، فإذا ما قرأتم له، و سمعتم منه، استطعتم أن تكتشفوا جوانب أخرى من ثقافته، ومدى معارفه، وسعة أفقه أو ضيق نظرته.
هذا الرجل الفاضل الذي اجتمعنا هذه الليلة لنزف إليه كلمة ود وشكر ولنحييه على ما قدم لهذا البلد. بل للناس تجمعت فيه ثقافات شتى. هذه الثقافات هي كتب تراثنا، وأكاد أقول: إن ثقافته المتينة بنت الكتب الصفراء، منها رضع، وعليها بنى أسس أدبه وفكره ووجدانه، ولولا هذه الكتب العظيمة لما كان الزيدان كما هو عليه اليوم، ولما كان كما رأيتموه أو سمعتموه أو قرأتموه.
وما هذه الكتب التي أعنيها إلا الكتب المسلمة التي عرضت علوم الإِسلام والمسلمين، وحضارة الإِسلام والمسلمين، فيها انطوى كل شيء نعتز به، وفيها استقر كل مجد لهذه الأمة منذ أقدم أيامها.
ثقافة هذا الرجل هي ثقافة الأدب في مفهومه التراثي، وهو الذي يعني: الأخذ من كل علم بطرف.
كان الأديب في الماضي يعرف شيئاً من علوم القرآن الكريم والفقه والأصول والحساب، وتاريخ الأمم والمسالك والممالك والفلك، وشيئاً من علم الحيوان والنبات والبحار، وشيئاً من الطب وتاريخه والأطباء والأعشاب والعشابين، كما يعرف أكثر عن الشعر وتاريخه والأدب ورجاله، والشعراء وطبقاتهم، والكتاب ودرجاتهم وأخبارهم والنقاد وأعلامهم، والسير والتراجم والأساطير، والأمثال، والحكايات، ويحفظ من ذلك وعن ذلك الشيء الوفير.
ذلك كان الأدب في عرف الجاحظ وابن قتيبة وابن رشيق وسواهم من العلماء السالفين.
الأستاذ زيدان/ من خلال ما تشف عنه آثاره - أديب في عرف القدماء ولقد أبانت آثاره عن هذه الموسوعة العامة الجامعة.
أما ثقافته المعاصرة، فنظن أنها لا تقل عن ثقافته التليدة، وإن جرؤت على القول بأنها قد تكون أوسع وأرحب، ويخيل إليّ أن عمله في الصحافة في مدى نصف قرن أو يزيد كان بعض أسباب هذه السعة والشمول.
أيها السادة:
كنا نتحدث عن ترجمة حياة الزيدان، ووقفنا عند دراسته في المدرسة الراقية الهاشمية المدنية، واستطردنا إلى موضوع الأدب والثقافة، وآن لنا أن نعود إلى النقطة التي وقفنا عندها لنقول: إنه بعد أن تخرج من هذه المدرسة التحق بسلك التعليم، فدرس مادة التاريخ والعلوم الإِسلامية في مدرسة الأيتام، وأمضى في ذلك عامين، ثم هجر التعليم إلى الوظيفة الحكومية، فتوظف في وزارة المالية بمكة المكرمة، وفي مديرية شؤون الحج، وتقلب في عدد من الوظائف فيهما حتى بلغ أعلاها مرتبة، ثم بدا له أن يستقيل نهائياً، ويحال على التقاعد وتم له ذلك، وهو ما يزال في شرخ الخامسة والأربعين.
كتب عن هذه المرحلة كلمة قال فيها: ((بقي أن تعرف أنت ومن إليك أن شر أيامي وأردأها الأيام التي كنت فيها موظفاً عبداً، وجهلت بسببها الكثير، وتعلمت منها ما جعلني أشفق على الفكر أن يوظف، يضيع وراء خشب، ويذوب زمانه في تقليب الأوراق ((روتينياً)) يشرح بما يلزم أو ينفذ ما يلزم مشروحاً من غيره.. يجري وراء رئيس مشغول، فلا يتلقى جواباً إلا من وراء الأكتاف، في الدهليز الموصل من الصالون إلى باب السيارة. وخير أيامي تلك الأيام التي كنت فيها معلماً، ولا أحسبني إلا فيها هذه الأيام)).
لنقف عند هذه المرحلة وقفة متأنية، نتساءل عن أثر هذا العمل الوظيفي في تفكيره وثقافته وسلوكه، ويبدو لنا أن العمل في مديرية شؤون الحج، والتعامل مع الحجاج بشكل مباشر أو غير مباشر، وهم الوافدون من كل صقع ويحملون ألواناً من التفكير والثقافات والسلوك.. له أثره الكبير في كل أعماله الأدبية.
ولسنا ندري هل كان يزاول بعض الكتابات آنذاك أو كان في طور الإِعداد النفسي والقراءات الجادة، دون أن يكتب شيئاً، وإذا كنا نجهل الجواب فلأن الأستاذ زيدان لم يؤرخ آثاره التي نشرها في الكتب، ولم يذكر نشرها وصدورها.
بعد مرحلة الوظيفة يبدو أن الأستاذ زيدان نزل بكليته إلى ميدان الصحافة، وكأنه كان معروفاً بأدبه أو غدا مشهوراً بقلمه، ومقروءاً بين الناس، ومقدراً في الأوساط العلمية والاجتماعية والحكومية، لولا ذلك ما أسندت إليه إدارة تحرير جريدة البلاد أولاً، ثم رئاسة تحريرها ثانياً، ثم تولي رئاسة تحرير جريدة الندوة.. أمداً مديداً.
إن عمل الأستاذ زيدان في الحقل الصحافي المسؤول جعله دائم الاطلاع على ما يجد في قلب المملكة من أمور وقضايا، وما يجري في البلاد العربية والعالمية.
من هنا.. أو من هذا الجانب تدفق فيه رافد ضخم من الثقافة والمعلومات، رافد قد لا يكون زيدان تقصده عامداً، وإنما جاءه منقاداً يجرر أذياله..
على أن هذا يجب ألا ينسينا رغبته الدائمة في القراءة وبخاصة في حقلي التاريخ والأدب اللذين يهواهما.
أيها السيدات والسادة:
إن شغف من نحتفي به الليلة بالتاريخ وتتبع الأحداث وحب الاستقصاء، دفع الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ - تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته - إلى تعيينه عضواً في مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، وقد كان رحمه الله رئيس مجلسه، ثم أضاف إليه رئاسة تحرير مجلة الدارة، وهي - كما لا يخفى عليكم - مجلة فصلية أكاديمية محكمة، تعنى بتراث المملكة وفكرها، والجزيرة العربية والعالم العربي والإِسلامي، مما له صلة بالجزيرة العربية. ولا يزال الأستاذ زيدان رئيس تحريرها إلى يومنا هذا. ((والآن قد يقول قائل: أين هي آثار زيدان المطبوعة والمنشورة والمذاعة.. وهل جمعت أو ضاعت أو هي بين بين؟
وجواباً عن هذا التساؤل نقول/ إن كثيراً وكثيراً جداً من آثار هذا الرجل مطوية في بطون الصحف والمجلات وعبر أبقات الأثير، لم يجمعه صاحبه، ولا جمعه سواه، وإنه لينتظر الشباب الدارسين، والأساتذة المشرفين الموجهين، والأكاديميين العلميين، ليقوموا بهذه المهمة، وينهضوا بهذا الواجب الشريف.
قليل من تلك الآثار ظهر على صورة كتب.. وها نحن. أولاء نعدد أسماء ما وقفنا عليه.
(1) كتاب ((سيرة بطل))، وهو ترجمة لسبعة وسبعين صحابياً وصحابية، تناولها المؤلف تناولاً خفيفاً، إذ كان همه إبراز نواحي العظمة أو العبرة في المترجم له، واستخلاص المثل الأعلى من حياته وسلوكه.
(2) ((تمر وجمر))، هذا كتاب في عدة أجزاء، رأيت ثلاثة منها، أصله بعض المقالات التي كتبها في مناسبات مختلفة، في جريدتي البلاد والندوة، وقبلهما في البلاد السعودية، تحت عناوين: تمر وجمر وقراقيش. وفي صدر هذا الكتاب قال الزيدان: ((نحب أن نعيد لهما الحياة في تعبير الهامش الذي يكتب)) والتمر والجمر والقراقيش زاد البدوي وعدته، والبداوة التي أحن إليها في بيت شعر نشأت فيه ((أرضعتني فيه أم، وحضنتني به جدة، وأعزني خال، وحماني أب، وبكت عين عم علي في يوم قاسٍ، ولاعبت فيه أترابي في فنائه. ذلك البيت من الشعر أعرف مكانه الآن في ((حوش خميس)) في المدينة المنورة)).
(3) ((ثمرات قلم))، ظهر هذا الكتاب وهو يحمل الرقم ((28)) من سلسلة الكتاب العربي السعودي، من إصدارات مؤسسة تهامة سنة 1401/1981م كتب له الأستاذ عبد الله جفري مقدمة، حاول فيها تحليل قلم زيدان وفكره، وكشف عن جوانب جديرة بالاهتمام.
(4) ((كلمة ونصف))، هذا الكتاب الضخم من إصدارات تهامة، حمل الرقم 58 في سلسلة الكتاب العربي السعودي، نشر سنة 1402هـ/1982م وكتب مقدمته المرحوم سباعي عثمان.
(5) ((خواطر مجنحة))، من منشورات تهامة سنة 1404/1984م، وقد حمل الرقم 128 في سلسلة الكتاب العربي السعودي. وهو كما يظهر من عنوانه - خواطر وجدانية، اهتزت لها مشاعر الكاتب، وارتعش لها فؤاده ارتعاشة عصفور بلله القطر، فنقلها إلى كتاب مجموع.
(6) ((محاضرات عن التاريخ والثقافة))، وهذا من منشورات ((عالم الكتب)) بالرياض القسم الأول من الكتاب كان بعض المحاضرات والأبحاث التي ألقاها في عدد من جامعات المملكة، أو في المراكز الثقافية أو في النوادي الأدبية، أو في المؤتمرات العالمية المعقودة في قلب المملكة، أو في دول الخليج العربي، أو في إحدى العواصم العالمية في مؤتمر يحضره كثير من المستشرقين.
أما القسم الثاني: فإنه تكرار لبعض ما نشر في كتاب (سيرة بطل، وكم نود أن لو حذفت هذه التراجم المكرورة من هذا الكتاب).
(7) ((عبد العزيز والكيان الكبير))، إنه كتاب في تاريخ مؤسس هذا الكيان الكبير، فيه أفاض زيدان في سيرة الباني العظيم، ورسم الآفاق الكبرى التي بلغتها المملكة في عهده، وعهد من تولى حمل الأمانة بعده.
أيها السادة والسيدات:
أسلوب الأستاذ زيدان أسلوب فريد ومتميز، له نكهة خاصة، وشخصية متميزة، يكاد يعرفه القارئ، ولو لم يوقع الكاتب باسمه عليه.. إنه أسلوب بسيط، سهل، واضح لا تعقيد فيه ولا غموض ولا التواء.
بعض الناس يجد فيه لوناً من التكلف البديعي، ولا سيما في أسلوب القلب على طريقة ((عادات السادات سادات العادات))، أو على أسلوب الجناس المسجع، وبعض آخر من الناس يرى أنه صورة قريبة من أسلوب مصطفى صادق الرافعي، وأحياناً هو قريب من أسلوب عباس محمود العقاد.. ويضيف بأن في أسلوب هذين العملاقين الرافعي والعقاد شيئاً من التعقيد أو الجزالة، التي تستعصى على الفهم السهل السريع.. وكذلك أحياناً يكون أسلوب الأستاذ زيدان.
ونحن في هذه الليلة البهيجة لسنا في صدد دراسة أسلوب هذا الأديب، وتحليله وبيان ماله أو عليه وإنما نحن في عرس المحبة، وزفة آيات الثناء والاعتراف بالجميل.. مع أنا نقر ونعترف بأن الله أبى أن يكون الكمال إلا له ولكتابه العزيز، أما بقية الخلق فهم بشر، يخطئون ويصيبون.. ولكل مجتهد نصيب.
أيها الإِخوة الكرام:
لعلّي أكون منصفاً إن قلت لكم: إن أجمل ما يكتب زيدان، وأحلى ما يكون في موقفين: حين يتحدث في التراث والبطولات والأبطال وبناة هذا الكيان الكبير، وحين يتحدث في الحب.
أما حين يتحدث عن واقع الأمة العربية، أو عن تفاهة بعض الشباب وبعض ما اتخذوه من سلوك وعادات، يستحي منها الخلق العربي الأصيل، فإنه يفيض بالمرارة.. وتشعر أن السعير يتدفق في الحروف.. وأن الدمعة تكاد تظهر فوق السطور..
أيها الأحبة!!
لنقف معاً عند الجانب الأحلى لحظة.. لعلّها تجلو صدأ قلوبكم من متاعبها.. ويحلو سماعها لدى أستاذنا كاتبها.. وإن كانت مرة المذاق في يوم من الأيام.. مؤلمة له في ساعة.. إلا أنها تلذه في آخر المطاف.. لأنه هو الذي يقول ويردد دائماً كلمة جبران: ابتغوا اللذة في الألم، وابتغوا الألم في الحب.
قال الزيدان:
لا أدري كيف وضعتني الوحدة على الوسادة ساعة أن أرحت رأسي أنطق الكلمة التي لم أنطق بها وأنا طفل (يا أمي) لقد كنت طفلاً، ماتت أمي، ولم أقل لها (يا أماه) لأنني لم أعرف معنى الأم، وإن كنت حظيت بحنان الأمومة. لم أقل (يا أماه) في طفولتي الخضراء، وفي شبابي النضر، وفي كهولتي، فكيف أقولها اليوم في شيخوختي؟
وامتلكني حزن، كأنما الشيخ قد عاد طفلاً جديداً، فالشيخوخة طفولة مستجدة، أتحدث إلى المخدة، وأنا لم أكن قد تحدثت إلى أمي.
كانت طفولتي خرساء، لا عن مرض، وإنما لأن أمي ماتت، ولم تقل لي ((تاتي.. تاتي.. خطي العتبة..)).
لم أقل (يا أمي)، الكلمة التي يفرح بها الطفل، وتفرح بها الأم، وكلمة (يا أبي) قلتها آلاف المرات، لكنني اليوم وإن استعذبت أن أقولها فقد أمضني الكرب أن لم أقل (يا أماه).
وكلمة (يا حبيبي) لم أجرؤ أن أقولها لواحدة، أو لأي أحد، بل كنت أقول (يا عزيزتي).. (يا سيدتي).. (يا غاليتي).. (يا فاغيتي)، كأنما كلمة (الحبيبة) قد سلبتني أياها كلمة (يا أماه) التي حرمتها.
ولست جازعاً من هذا السلب، فالأم هي الحب، فكأنما هي، حين ضاعت مني أضاعت اسمها الثاني (الحب).. اسمها الثاني (الحبيبة).
وانتصبت أبتعد عن المخدة.. أطرد الفكرة الحزينة.. أنادي إحدى بناتي (تعالي يا أماه)، فالبنت أم أبيها وفي شمائل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذكروا أنه ينادي ابنته فاطمة الزهراء بقوله الكريم وعاطفة الأبوة الراحمة (يا أم أبيها)، كما كان يقول صلى الله عليه وسلم لحاضنته سيدتي أم أيمن (يا أماه).
أيها السادة:
لا أريد أن استقصي جميع جوانب الأدب والفضل في الأستاذ محمد حسين زيدان.. وإن كان هناك كثير من القول.. لكني أوثر أن أترك هذا المنبر لمحبين كثر، يتوقون إلى التعبير عن زخم عواطفهم، وإزجاء آيات الشكر إلى صديق عمرهم.
أيها السيدات والسادة.
هذا الرجل أحب.. وأفاض قلبه مشاعر حب، ودفق إخلاصاً للتراث، والدين، والعروبة، والوطن، ورجال البلد المؤمنين، والشباب، والناس جميعاً.
نثر حبه بسخاء طوال حياته، وعطر به دنيانا، وأفرح كثيراً من عشاق الكلمة الصافية.
أفيضوا عليه التكريم والتقدير، وأدعوا الله أن يكلأه بعين رعايته، ويمده بآلاء الصحة والعافية، ويجزيه عما قدم خير الجزاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
د/بكري شيخ أمين
 
طباعة

تعليق

 القراءات :923  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 736 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

المجموعة الكاملة لآثار الأديب السعودي الراحل

[محمد سعيد عبد المقصود خوجه (1324هـ - 1360هـ): 2001]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج