شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الرافعي في الحجاز
مصطفى الرافعي
للأستاذ محمد حسين زيدان
ليست هذه الكلمة رثاء أرثي به الفقيد ولكنها حادثة وقعت لنا بسببه فأحب إخواني نشرها ليعلم الناس مكان الفقيد من نفس شباب الإِسلام والعرب في كل قطر ومصر.
كنا أربعة نسمر حول مائدة فانتحى اثنان منا يتذاكران اللغة الإنكليزية وجلس آخر يقرأ - يقرأ ضحى الإِسلام - أما أنا فكنت أكتب موضوعاً لجريدة (المدينة) وجاء صديق يحمل (الرسالة) ولم نكن قرأنا هذا العدد الذي يحمل، إذ تأخر وصوله فقلت: الرسالة الرسالة! هاتها. فتصفحت الافتتاحية وخطوتها إلى كلمة الأستاذ أحمد أمين. فالأستاذ المازني، ثم إني قرأت للرافعي (( أمراء للبيع )) فلما وصلت إلى منتصف المقال ألقيت الرسالة وقلت لأصدقائي (( هلموا إليَّ - هيا بنا نؤمن ساعة - أقرأ لكم الرافعي )) فقالوا: اقرأ اقرأ. فأخذت أقرأ وهم سامعون ساهمون. يسمعون البيان، بيان الرافعي. ويعجبون بالبطولة، بطولة الشيخ بن عبد السلام ويهزءون بالقوة الغاشمة والإِمارة الكاذبة والجهل الفاضح وما انتهينا من المقال حتى ملأ الإِعجاب أفئدتنا. وهذا حالنا كلما قرأنا لأبي السامي. ومن تصاريف القدر وأعاجيبه أنه لم تمض لحظة حتى وافانا البريد فطالع أحدنا (أم القرى) وفيها الخبر الفاجع المحزن خبر وفاة الفقيد. فنزل علينا كالصاعقة ولقد كدنا لا نصدق، قبل لحظة كان الرجل حيًّا يسمعنا بيانه وإيمانه ويطالعنا بعجيب من البطولة والصراحة والصرامة في الحق وتأييد الحق. والآن هو ميت نسمعه أنين الحزين وبكاء المتألم، وطفق أحدنا يبكي ويقول: لكم العزاء في الرافعي فقد حرمنا نحن الناشئة أديباً كبيراً نتعلم منه البيان والأدب العالي والنبل والفضيلة، حرمنا هذا في زمن اتجه أدباؤه إلى إرضاء الساسة والعامة، والعامة هم عصا الساسة يسوقون بها هؤلاء الأدباء، وإن كان هؤلاء الساسة لا يتحركون إلا بما يرضي العامة لأنهم يستمدون سلطتهم على مقدرات الأمة وشؤونها من هذه العصا العوجاء (( الرأي العام )) وما هو الرأي العام (( يرحم الله قاسم أمين )) - قلت: حسبك فقد آلمتنا وأبكيتنا قال: أكتب حادثنا وحديثنا في جريدة (المدينة) ليعرف هذا وإني أعرفك لا تستطيع أن تكتب راثياً فالرثاء شعر ولست بشاعر، وإنما أنا أبكي الفقيد بدموعي وفؤادي المحترق. قلت: أعرفك بكاء وإني لعاجز. ولكن اسمع وما أردت أن أكون دونه - اسمع لقد انهدمت الدعامة الرابعة من دعائم (الرسالة) بموت الرافعي وإنا لنرجو أن تعود، فهي اليوم تقوم على ثلاث دعائم، قال: لم أفهم فأفصح، قلت: يا هذا ألا ترى أن دعائم الرسالة أربع:
العاطفة والشعر، فالعقل والعلم، فالتجربة والتهذيب، فالإِيمان والفضيلة:
رجل العاطفة والشعر الزيات يكتب بعاطفته من قلبه وحنينه وأنينه ليلهب عواطف الأمة ويوقظ شعورها ويوقد حماسها فتتجه نحو المثل الأعلى. يفعل هذا لأن فيه طبيعة الشاعر الملهم المتألم المتأمل.
ورجل العقل والعلم أحمد أمين يكتب بعقله وعلمه ليثير عقل الأمة وليزيد في علمها من علمها وتراثها فتسير في طريق العقل النير والعلم الممحص، يفعل هذا لأن فيه طبيعة القاضي النزيه والعالم المخلص.. ورجل التربية والتجربة المازني يكتب من تجاريبه ودراسته للنفس والأمة ليهذب من أخلاق الشباب، فيسير على ضوء التجربة من حوادث الماضي، يفعل هذا لأن فيه طبيعة الأستاذ المربي.
ورجل الإِيمان والفضيلة الرافعي يكتب بإيمانه وعقيدته ليدافع عن إيمان الأمة ويثبت إيمان الأمة وعقيدتها، فتسير بنور الإِيمان ثابتة العقيدة طاهرة المبادئ جريئة في الحق صريحة في نبذ الباطل، يفعل هذا لأن فيه طبيعة المسجد وشيوخ المسجد، ولأن فيه أثراً من وراثة الأسرة المجيدة والبيت الرفيع من الفاروق رضي الله عنه إلى عبد الغني وعبد القادر وأمين وعبد الرحمن ومصطفى صادق. أسمعت ووعيت؟ قال: سمعت وزد. قلت: وإن هذا الارتباط بين كتّاب الرسالة بدون تعمل وتعمد من أعاجيب نهضة الأمة ورغبة الأمة وتوفيق الرسالة، فهي قد لفظت وتركت غير هؤلاء الذين شذوا عن هذه المبادئ وضمت من سار على نهجها وخطتها تركت غير هؤلاء عن غير قصد ولا عمد، وإن زعموا أنهم تركوها حاسبين أنها محتاجة إليهم مع أنها في غنى عنهم، فليسوا هم أصحاب رسالة وإن أيدوها بموقفهم السلبي ومناقضتهم، فإن جلاء الحق لا يظهر إلا بمزاحمة الباطل، أسمعت ووعيت؟ قال: هذا صحيح فزدني. قلت: ماذا أزيدك؟ وأخذتني عبرة وطفقت أنشد بيت الرافعي الذي يرثي به أحمد تيمور باشا، وما أحقه أن يرثى به.
تأتي المصائب كالتقليد في نسق
أما مصيبتنا هذي فتخترع
وبعد فهذه حادثة واقعة وحديث جرى ما زدت في ذلك شيئاً، ويرحم الله أبا السامي فقد ناضل عن الأدب وجدد في البيان. إنه خلاق المعاني وملك الألفاظ يتلاعب بها كيف يشاء. ناضل عن الأدب حتى كاد يستقر، ودافع عن الدين والقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم دفاعاً يجزيه الله عليه أحسن الجزاء إنه ولي الرحمة والغفران.
محمد حسين زيدان
 
طباعة

تعليق

 القراءات :761  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 735 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج