شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأديب والرَّاوية عبدالسلام السَّاسي وجهوده في نشر الأدب السعودي
 
تحدث الأستاذ محمد عمر العامودي في زاويته بالصحيفة المدينة الغرّاء عن دور الأديب عبدالسلام بن طاهر السَّاسي، في حفظ كثير من تراثنا الشعري؛ ومن أهمه تلك القصائد الموسومة بدرجة عالية من الحدة والجرأة، والتي كانت نتاج واحدة من أهم المعارك الأدبية في بلادنا بين الأستاذين محمد حسن عوّاد وحمزة شحاتة -رحمهما الله-. ولعلّ الجيل الصاعد لا يعرف كثيرًا عن دور السَّاسي ومجايليه في الارتقاء بالحركة الأدبية في بلادنا، ولربما اختلفت الأدوات والوسائل التي ساهم بها كل فرد من جيل الرواد في تلك النهضة الأدبية والفكرية والثقافية، وكانت البداية المتألقة عندما قام الإنسان النبيل محمد سرور الصبان -رحمه الله- بجمع إنتاج بعض ناشئة ذلك العصر بين دفتي كتاب أسماه "أدب الحجاز"، وكانت طبعته الأولى في 20 رمضان سنة 1344هـ، وبين يدي الطبعة الثالثة من الكتاب (سنة 1383هـ ـ دار الأصفهاني بجدة)، وكان هذا الكتاب بمثابة أول بيان جماعي لجيل من الروّاد: من أمثال: محمد حسن عواد، وعبدالوهاب آشي، ومحمد عمر عرب، ومحمد سعيد العامودي، وعبدالوهاب نشَّار، وحامد كعكي، وعبدالله فدا، ومحمد بياري، ومحمد علي رضا. ولعل في مقدمة إحدى مقطوعات العواد النثرية ما يمكن اعتباره بيانًا أدبيًا لذلك الجيل. فهو يقول في مقدمة مقالة بعنوان: مَن هو الحر العصري؟ "لا تطرفَ، ولا تمردَ، ولا تفرنج، ولا جمودَ، ولكن حرية عصرية تحارب الوهم، وتسعى إلى الحقائق. [انظر: أدب الحجاز، جمعه ورتبه: محمد سرور الصبان، ط3، 1383هـ، ص: 113].
أمّا كتاب الأديب والشاعر والمصلح الأستاذ محمد حسن عواد، والموسوم "خواطر مصرحة"، والذي نشره في سن مبكرة من حياته -أي حوالي العشرين- فقد صدر سنة 1345هـ، وبين يدي الطبعة الثانية من الكتاب والصادرة عن دار المدني بجدة سنة 1380هـ / 1961م، وكنت قد طرحت على الزملاء في نادي جدة الأدبي إصدار طبعة جديدة من هذا السفر الهام الذي ضمنه العواد كثيرًا من رؤاه في الحياة والفكر والأدب، ويمكن القول إن العواد سبق عصره في كثير من طروحاته الإصلاحية والفكرية قبل ما يقرب تسعين عامًا.
ولابد أن نشر أدب الحجاز، وخواطر مصرحة، قد أغرى الأديبين الرائدين محمد سعيد عبدالمقصود، وعبدالله بلخير لإصدار كتاب أكثر شمولاً لدائرة أدباء تلك الحقبة، فقاما -رحمهما الله- بتأليف الكتاب المعروف "وحي الصحراء"، والذي قدم له الأديب المصري المعروف الدكتور محمد حسين هيكل، ولقد اتسعت دائرة مَن عُني الكتاب بنشر إنتاجهم الفكري والأدبي وامتدت هذه الدائرة لكل من جدة والمدينة المنورة، ولم يبق على قيد الحياة من تلك الكوكبة الرائدة سوى معالي المفكر والأديب السيد محمد حسن كتبي -أمد الله في حياته- والمولود في مكة المكرمة سنة 1329هـ، وهو من أسرة علم وفضل بالبلد الحرام، وبرز منهم في الحقبة الماضية فضيلة شيخنا السيد محمد أمين كتبي -رحمه الله- والذي كان متبحرًا في علوم اللغة والأدب، وترك تراثًا ضخمًا من الشعر ذي الصياغة المحكمة والمجودة، ومعظمه في مدح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الشيخ القارئ زيني بويان يروي ذلك الشعر العذب عنه -وخصوصًا- عندما اعتزل الناس في أخريات حياته، وكان مضرب المثل في الورع والتقوى والزهد.
وفي عام 1368هـ برز اسم الأديب الرائد عبدالسلام بن طاهر السَّاسي، وهو كذلك من أسرة علم وأدب، وفيهم الشيخ الطيب السَّاسي المولود بالمدينة المنورة سنة 1310هـ، وكان مشرفًا على تحرير صحيفة (القبلة) في العهد الهاشمي، ثم مديرًا لصحيفة أم القرى، وعضوًا بمجلس الشورى في العهد السعودي -وهو والد أستاذنا الدكتور عمر الطيب السَّاسي- أمّا الشيخ عبدالله السَّاسي والمولود كذلك بالمدينة المنورة سنة 1328هـ، فلقد كان من رجالات التربية والتعليم في بلادنا وكان من آخر المناصب التعليمية التي أُسندت إليه عمادة كلية المعلمين بمكة المكرمة!! [انظر: سلسلة السير والآثار العلمية، الكتاب رقم (8) والصادر عن جامعة أم القرى، بإشراف الدكتور صالح جمال بدوي، سنة 1426هـ /2005م].
كان بروز اسم الأستاذ عبدالسلام السَّاسي من خلال كتابه الموسوم "الشعراء الثلاثة في الحجاز" محمد حسن عواد، حمزة شحاتة، أحمد قنديل، وصدر الكتاب سنة 1368هـ، وهو مصدر رئيس من مصادر الأدب السعودي الحديث، وإذا كان كل من العواد والقنديل، قد اشتملت بعض المصادر الأدبية الأخرى على نتاج أدبي وشعري لهما، فإن كتاب "الشعراء الثلاثة" يعتبر أول وآخر مصدر في تلك الحقبة يتضمن إنتاجًا لواحد من أبرز أدبائنا ذيوعًا وشهرة، وهو حمزة شحاتة، وهو واحد ممّن أجادوا إضافة إلى فني الشعر والنثر فنونًا أخرى أشار إليها الأستاذ الكبير عزيز ضياء في دراسته التي قدمها لمؤتمر الأدباء الأول المنعقد في مكة المكرمة سنة 1394هـ بعنوان "في أدبنا قمة عُرفت ولم تكتشف" ثم نشرها، كما أتذكر أن المرحوم الأستاذ عبدالعزيز الرفاعي، قام بنشرها في السلسلة التي عنيت بنشر كثير من إنتاج أدبائنا وشعرائنا، وفيما يدخل في جهود الأستاذ السَّاسي الأدبية، ذلك الكتاب الذي حمل اسم "نفثات في أقلام الشباب الحجازي" بتقديم محمد سرور الصبان، وإذا كانت الطبعة الأولى من الكتاب، اعتمادًا على التذييل الموجود بمقدمة الصبان، قد صدرت سنة 1355هـ. وتحتوي مكتبتي على نسخة منها، والطبعة تحمل اسم المكتبة العزيزية ومطبعتها بمصر، فإن هذا التاريخ يلتقي مع تاريخ صدور الطبعة الأولى من كتاب "وحي الصحراء"، حيث يذكر الأستاذ والأديب عبدالمقصود خوجه في الطبعة الثالثة من الكتاب 1428هـ / 2007م، بأن الطبعة الأولى من الكتاب والذي كان والده الأستاذ الأديب محمد سعيد عبدالمقصود ركنًا أساسيًا في نشره مع صديقه الأستاذ الشاعر عبدالله بلخير، إن تلك الطبعة الأولى من ذلك السّفر الهام كانت سنة 1355هـ / 1936م.
ولعلّ كلاً من الأساتذة: هاشم زواوي، وعلي حسن فدعق، وعبدالسلام السَّاسي، والذين جمعوا مادة كتاب "نفثات" قد شعروا بشيء من التهميش من جيل الروّاد، فقدموا إنتاجهم في هذا الكتاب الذي لم يبخل عليهم -آنذاك- الشيخ الصبان بتقديم ذكر فيه "أن الكتاب يدل على وجود روح جديدة في ناشئتنا تبشر بخير، ويدل على أن تفكيرهم سوف يأخذ طريقه إلى الاعتدال متى تولته قيادة حكيمة".
استمر نشاط الأستاذ عبدالسلام السَّاسي الأدبي، حيث أصدر في سنة 1377هـ كتابًا بعنوان "نظرات جديدة في الأدب المقارن وبعض المساجلات الشعرية"، وضم الكتاب إجابات لعدد من الأدباء، وفي مقدمتهم الشاعر محمود عارف، الذي برز اسمه لأول مرة في المصادر التي عُنيت بالأدب في تلك الحقبة، كما نجد بعض أسماء أخرى تنتمي لأجيال أدبية لاحقة مثل الأساتذة: عبدالفتاح أبومدين، وأحمد جمال، ومحمد أمين يحيى، إضافة إلى علَمين من أعلام الروّاد وهما: محمد حسن عواد، ومحمد سعيد العامودي، كما ضم مختارات شعرية لكل من السرحان، وعواد، وشحاتة، وقنديل، ومن أهم القصائد التي تضمنها هذا الكتاب قصيدة السرحان: الدودة الأخيرة، وسر الطبيعة للأستاذ العواد، وماذا تقول (شجرة لأختها)، و(رجع الصدى) للأستاذ شحاتة، وتشترك هذه القصائد في سمة واحدة وهي الرمزية الخاصة والنزعة الفلسفية كما ذكر ذلك الناقد الكبير عبدالله عبدالجبار.. [انظر التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية، ط11، 1959م، ص(231-242)].
في عام 1370هـ -1951م، أصدر الأستاذ السَّاسي كتابه "شعراء الحجاز في العصر الحديث"، وقد أثارت المقدمة التي كتبها الأستاذ حمزة شحاتة ضجة كبيرة عند صدور الكتاب، حيث تنصّل "شحاتة" من كتابة المقدمة، ويذكر أستاذنا عبدالله عبدالجبار أن السَّاسي لجأ لي مستنجدًا، يا أستاذ تعلم الحقيقة، وتعرف كاتبها، فأقف منه موقف المتفرج، موقنًا أن حمزة قد دبّس السَّاسي في أحد مقالبه الطريفة. [انظر: مقدمة كتاب: قراءة نقدية في بيان حمزة شحاتة الشعري، د. عاصم حمدان، المطبعة المحمودية، 1424هـ]، وصديقنا الأستاذ محمد سعيد طيب يعلم دوافع تنصّل شحاتة من كتابة المقدمة، وكان شاهدًا مؤتمنًا على تفاصيلها.
وبعد أقل من عقدين من الزمن أصدر الأستاذ السَّاسي الموسوعة الأدبية والتي ترجم فيها لمعظم أدباء الوطن، وصدر الجزء الأول منها سنة 1388هـ، والجزء الثاني، سنة 1394هـ، وتحمل النسخة التي بين يدي توقيع المرحوم السَّاسي نفسه تشجيعًا منه لشداة الأدب آنذاك، ولقد توقف في الجزء الثاني من هذا العمل الأدبي الهام، والذي يعد كذلك مصدرًا من مصادر الأدب السعودي، عند حرف الطاء والذي صادف أن تقع تحته ترجمة الشاعر المرحوم طاهر زمخشري.
أمّا الجزء الثالث من هذه الموسوعة، فقد صدر عن نادي الطائف الأدبي، سنة 1400هـ، وتضمن ترجمات 21 أديبًا وشاعرًا، كلهم ممّن تبدأ أسماؤهم بحرف العين، إضافة إلى أديب واحد يبدأ اسمه بحرف الغين، وهو الأديب المرحوم غالب أبو الفرج.
لم يكرّم الأستاذ عبدالسلام في حياته وخصوصًا في مؤتمر الأدباء السعوديين الأول المنعقد بمكة المكرمة سنة 1394هـ، فلعلّ وزارة الثقافة والإعلام ممثلة في وزيرها الشاعر والمثقف الدكتور عبدالعزيز خوجه، ووكيله للشؤون الثقافية الزميل الدكتور عبدالعزيز السبيل، أن تنصف السَّاسي بعد مرور ما يقرب من ثلاثين عامًا على وفاته، والتي كانت يوم الأربعاء 23 ذي الحجة عام 1401هـ، 22 أكتوبر 1981م، وذلك بتكريمه في مؤتمر الأدباء الثالث، كما نتطلع أن يقوم الأستاذ الأديب عبدالمقصود خوجه بإعادة طباعة مؤلفات المرحوم السَّاسي كما فعل جزاه الله خيرًا مع العديد من جيل الرواد والأجيال التي لحقتهم.
 
 
طباعة
 القراءات :400  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 98 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الجمعية النسائية الخيرية الأولى بجدة

أول جمعية سجلت بوزارة الشئون الاجتماعية، ظلت تعمل لأكثر من نصف قرن في العمل الخيري التطوعي،في مجالات رعاية الطفولة والأمومة، والرعاية الصحية، وتأهيل المرأة وغيرها من أوجه الخير.