شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مصطفى العقاد والدور الكبير في تغيير الصورة النمطية عن المسلمين
كانت الشخصية اليهودية بطمعها وجشعها قد رُسمت من خلال رواية ويليام شكسبير "تاجر البندقية" (The Merchant of Venice)، ولكن صعود نجم السياسي والروائي اليهودي إسحاق ديزرائيلي وإبداعه في الفن الروائي وخصوصًا لجهة ما نشره من روايات عدة قبل عام 1850م، قد استطاعت أن ترسم شخصية جديدة قوامها التطلع والرومانسية عن الشخصية اليهودية كما عرفت شخصيات يهودية طريقها إلى الإعلام مثل "حاييم وايزمان" Chaim Weizman والذي قدم إلى بريطانيا مهاجرًا من روسيا عام 1904م.
وفي مدينة "مانشستر"، التي درس فيها الكيمياء، تعرف إلى محرر صحيفة "مانشستر جارديان" C.P.Scott والذي قدمه إلى السياسي المعروف ديفيد لويد جورج، واستطاع وايزمان إقناع زعيم الأحرار "لويد جورج" ووزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور بالقضية اليهودية، فحملاها نيابة عن اليهود داخل البرلمان الإنجليزي وخارجه، وتأسيسًا على ذلك يمكن القول إن شخصيتي ديزرائيلي ووايزمان قد أدتا دورًا عن طريق الإعلام كتابة، وتحريرًا، ونشرًا في الترويج للشخصية اليهودية، بدلاً من تلك الشخصية التي اختزنت ملامحها في العقلية الغربية وهو ما يثبت أن العداء للسامية منبعه الفكر الغربي وممن يقرون بذلك المستشرق اليهودي بيرنارد لويس، لقد ظل الغربيون لفترة طويلة لا يعرفون شيئاً عن الشخصية العربية إلا ما قدمه لهم مترجمو قصص ألف ليلة وليلة وعضد ذلك ما كتبه بعض الرحّالة والذين كان معظمهم يرسم صورة مشوهة للعربية ويستثنى من ذلك الرحالة والأديب الإنجليزي سير ريتشارد بيرتن (1821-1890م).
ولقد أدرك المرحوم المخرج السينمائي مصطفى العقاد أهمية المادة السينمائية في إعطاء صورة صحيحة عن الإسلام، فكان إخراجه لفيلم "الرسالة" الذي يحكي قصة الرسالة الخاتمة ونبيها المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، الذي أضحى في هذا الزمن النكد يتعرض لحملة شعواء منطلقها الحقد والكراهية من بعض المحسوبين على أبناء العروبة والإسلام ممن عميت بصائرهم وأظلمت قلوبهم وساءت أفعالهم، واستطاع العقاد، رغم الاختلاف آنذاك حول بعض ما جرى التركيز عليه من مادة الفيلم، نعم لقد استطاع العقاد أن يقدم خدمة كبيرة لدينه عجز أولئك الذين سفحوا دمه ظلمًا وضلالاً عن تقديمها رغم أوهامهم المضللة بأنهم وحدهم الذين يملكون تفسير مقاصد هذا الدين واستبدالهم بسماحته ورحمته ورقته غلظة وقسوة وجفوة تنأى عنها الطباع السليمة وبقي لهذه الرسالة الخاتمة والعادلة والرحيمة أعداء ممن ينتسبون إليها على ضفتي الطريق في أقصى يمينه وأقصى يساره، ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون، قام العقاد بعرض فيلم الرسالة في قلب العواصم الغربية وأتذكر أنه في أواخر السبعينيات الميلادية. كان الإنجليز يستبدلون بتذاكر المسرح الإنجليزي الخاص بروايات شكسبير تذاكر يتهافتون عليها لرؤية فيلم "الرسالة" ومثل الفيلم انعطافة جديدة في المجتمع الغربي وتزامن مع دخول نجم (البوب) المشهور كات ستيفينز الإسلام والذي ألقى محاضرة في عام 1980م في جامعة لادنبره عاصمة الشمال الاسكتلندي والتي اعترف فيها أنه وجد الحقيقة التي كان يبحث عنها عندما دخل المسجد وذكرني ذلك بموقف محمد أسد صاحب كتاب (الطريق إلى مكة) والذي كان يهوديًّا، وكان يركب القطار في فلسطين فسمع قرآناً يتلى، ولإجادته العربية فلقد وجد المعاني التي تتضمنها سورة "ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر" تنطبق حقيقة على الواقع المعاش، وأن كلامًا كهذا لا يمكن أن يصدر عن بشر؛ بل عن مصدر يعرف حقيقة البشر وهو المصدر الإلهي. وانتقل العقاد للتعريف بعدالة القضايا العربية فعرف الغربيون من خلال فيلم "عمر المختار" عن مآسي الاستعمار الأوروبي ما لم يستطع أحد قبل أن يكشف المستور فيه، وكانت الشجاعة قد دفعت الكاتب والسياسي والمسرحي الإنجليزي سيرجيم مورتمير Jim Mortimer ليقول إن الماضي الاستعماري للمملكة المتحدة لا يمكن أبدًا أن يكون موضع افتخار لأبنائها، وهذا الاعتراف الذي أزعم أنني سمعته بأذني في مطلع الثمانينيات الميلادية في المؤتمر السنوي للمؤسسة العمالية بزعامة "مايكل فووت" آنذاك، لم يكن ليتحقق لولا أن جهودًا مخلصة، وأعمالاً درامية متقنة، وفكرًا فنيًا خلاقًا، من مثل ما قام به العقاد في أفلامه التي هزّت الصورة النمطية عن العرب والمسلمين في الفكر الغربي ودفعت الكثير للتساؤل عن الإسلام وجوهره الحقيقي، يشاء الله أن يستشهد العقاد قبل أن يحقق أمنيته في إخراج فيلم القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي الذي حرر القدس بعد أن وقعت في الأسر الصليبي لمدة ثمانين عامًا، وإذا عد المخلصون والمجاهدون من أبناء العروبة والإسلام في هذا العصر، فإن اسم مصطفى العقاد يحتلّ موقعًا متقدّمًا بينهم فلقد استطاع أن يقتحم غابة هوليود التي تخصصت في الأفلام المعادية للعرب والمسلمين، وأن يخرج منها تلك الزهور اليانعة، والثمرات الحلوة الناضجة من مثل الرسالة وعمر المختار، فرحم الله العقاد والعزاء فيه لأمة العروبة والإسلام جزاء ما قدم.
 
 
طباعة
 القراءات :200  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 97 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.