شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الإنسان والأديب عمر عبدربّه
فقد الوطن شخصية اجتماعية وإدارية وأدبية وهو الوالد المرحوم الشيخ عمر عبدربه، (1333-1430هـ)، وبالنسبة إلى جيلنا يُعتبر الفقيد رمزًا من الرموز المضيئة التي كان من المفترض أن تُكرّم قبل رحيلها إلى عالم الآخرة وإذا كان هذا التقصير قد حصل في حقّ مثل هذه الشّخصية فإنه من المفترض أن نتدارك ذلك بقليل من الوفاء بعد رحيله، ولقد عرفت شخصيًّا اسمه من خلال زاويته الشّعرية التي كانت تحتل موقعًا هامًا في صحيفة عكاظ وبعنوان "بلديات" وكانت تعالج بلغتها العامية كثيرًا من المشاكل الاجتماعية، وقد كتب هذا الضرب من الشعر شُعراء كبار من أمثال حمزة شحاتة، وأحمد قنديل، وحسن الصّيرفي، وإن كان ارتبط أكثر بالشاعر القنديل الذي حدثني المرحوم عبدربّه بأنه هو الذي شجّعه على كتابته واستمر الفقيد يكتبه بعد رحيل “القنديل” ليملأ الفراغ الذي خلفه رحيل القنديل واختفاء هذا الضرب من الشعر الذي أثبت المرحوم الأستاذ عبدالسلام السّاسي في كتابه الموسوم "الشعراء الثلاثة في الحجاز" والذي طبع في مكة المكرمة سنة 1368هـ، نموذجًا منه وهي قصيدة كتبها الشاعر شحاتة على نسق حوار بين شخصيتين متخيلتين وهما أحمد شوقي وداعية السلام الهندي غاندي، ولعلّ شحاتة أراد كعادته أن يرمز إلى ما هو أبعد من ذلك، وتقول بعض أبيات هذه القصيدة:
سلام النيل يا غاندي
وهذا الزهر من عندي
ولو ساعفني الدهر
لقابلتك في الهند
ولكني كما تدري
فقير عاثر الجدّ
أضعت البيت والقرشين
في التهليس والجد
وربما كان شحاتة عن طريق هذا الضرب من فنون الشعر أن يرثي حظّه العاثر، مع ما كان يتمتع به من ثقافة وألمعية وذكاء، ونحن إذ نستمع إليه يمكننا معرفة ما كان يريد الإلماح إليه، فيقول مُعميًّا ورامزًا:
فأرثيك وترثيني
لعل رثاءنا يجدي
وقد ضيّعني قومي
وقدمًا أنكروا جهدي
وما بددت من وقت
وما فرقت من نقد
وهل في أمّة يشقى
بها الأحرار من رشد
كان المرحوم عمر عبدربه صديقًا لكل من شحاتة وقنديل وربما يكون مع الأستاذ عبدالحميد مشخص آخر الرواة لحقبة زمنية شهدت حراكًا أدبيًا واسعًا وخصوصًا في ما يتّصل ببواعث المعركة الأدبية، التي كان طرفاه كل من شحاتة والعواد وانقسم الوسط الأدبي آنذاك، إلى معسكرين، ولكن في خاتمة حياتهما كما يذكر الأستاذ الأديب محمد صالح باخطمة في كتابه الممتع "حمزة شحاتة.. أيام معه" قد تجاوزا تلك الخصومات وكان ذلك في القاهرة وبحضور الأستاذ باخطمة.
لقد كان الأستاذ عمر ضمن هذه الزمرة الأدبية ولم تشغله المناصب الإدارية التي شغلها ومنها مدير مالية جدة عن تعاطي الأدب، بل كان منزله في البغدادية والنُّزلة مفتوحًا للأدباء من جميع الأجيال وفي مقدمتهم الأساتذة أحمد قنديل، وعلي حسين عامر، وياسين طه، وقد كنت أتردّد عليه مع زميلي الدكتور راكان حبيب وسألناه يومًا عن شاعر برز في حقبة العواد وشحاتة والقنديل وهو محمد سعيد العتيبي؛ فروى لنا بعضاً من نتاجه الشّعري وذكر أنه صاحب موهبة أيضًا في إبداع الشعر "الحلمنتيشي"، ولعل ولعه بالثقافة والفكر والأدب هو الذي قاده إلى المشاركة في تأسيس شركة تهامة كما ذكر ذلك الأستاذ والإعلامي المعروف محمد سعيد طيّب في تأبين له عن الفقيد نشرته الزميلة البلاد.
هناك جانب هام في حياة الشيخ عبدربّه وهو أنه كان واحدًا من الشخصيات التي تسعى للصّلح في المجتمع، وكان يقضي جلّ وقته في مكتبه بالبغدادية لهذا الهدف السّامي والنّبيل وكان المرحوم مع الأستاذ حسن عبدالحي قزاز لا يبخلان بجاههما عند ولاة الأمر لقضاء حوائج من تُنكرهم الأرض، فلقد كانا يعتبران أن للجاهة زكاة وهنيئًا لمن يؤدّي مثل هذه الزّكاة وذلك السعي الحميد في ميادين الخير.
رحم الله الوالد الأستاذ "عمر" وتقبّله في الصالحين والعزاء لأهله وأبنائه ومحبّيه.
 
طباعة
 القراءات :269  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 99 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.