الحلقة ـ 13 ـ |
أبو سفيان: يا معشر يهودا تعلمون أن أحب الناس إلينا هو مداعاتنا على عداوة محمد.. وأنتم ولا شك منهم جمعنا بكم عدو واحد مشترك هو محمد.. ونحن معكم فيما جئتم من أجله وسيكون لقاؤنا على أبواب يثرب في الموعد الذي اتفقنا عليه.. |
حيي: بورك فيك يا أبا سفيان وأنتم يا قادة قريش وزعماؤها.. إن اليهود لن ينسوا لكم هذه اليد البيضاء.. والآن نودعكم ونحن مطمئنون لنكمل مهمتنا مع القبائل المجاورة للمدينة.. |
أبو سفيان: مع السلامة والملتقى في يثرب.. |
(موسيقى الرحيل تختلط بهمهمات وغمغمات المسافرين نسمع بعدها صوت مكرز بن حفص يقول): |
مكرز: وهاهي الشائعات تتبلور وتتجسد يا سهيل ويأتيكم اليهود مستنجدين مستصرخين يبذلون المال بسخاء لكل من ينصرهم على محمد.. |
سهيل:المهمة شاقة يا مكرز والموضوع خطير جداً.. |
مكرز: ولكن قريشاً ليست وحدها في الميدان يا أبا يزيد.. فاليهود معها بأموالهم وأنفسهم والقبائل المجاورة ليثرب أيضاً.. |
سهيل:الخطورة تكمن في ذلك.. |
مكرز: كيف يا سهيل كيف؟ |
سهيل:هل يستطيع أبو سفيان قيادة هذا الحشد من الناس المتباينين في طباعهم وأهوائهم وأساليب قتالهم؟.. |
مكرز: عبء القتال سيقع على قريش وأحلافها يا أبا يزيد.. أما اليهود فقتالهم بأموالهم والأعراب يقاتلون حين ترجح الكفة مع المنتصر بغية النهب والسلب.. |
سهيل:كلام سليم يا مكرز.. هذا الذي تقوله.. ولكن الذي يزعجني ويقضي مضجعي هو قدرة أبي سفيان على القيادة.. |
مكرز: إني أراها فرصة العمر للقرشيين للقضاء على محمد ودين محمد.. أما الشك في قيادة أبي سفيان فيمكنكم التغلب عليها بتشكيل مجلس منكم يدير دفة المعركة مع القائد العام أبي سفيان.. |
سهيل:وهنالك شيء يحز في نفسي ويجعلني أغص بريقي هو أن نتعاون مع اليهود على قتال رجل هو وأصحابه من دمنا ولحمنا.. إننا إن قضينا على محمد فسنقع تحت رحمة اليهود.. |
مكرز: ولكن محمداً لو يستطيع القضاء على قريش ما تأخر ساعة.. |
سهيل:ولكنه لن يستعين باليهود أو يكون مطية لهم في سبيل الوصول إلى هذا الهدف.. |
مكرز: ونحن القرشيون لن نكون مطية لليهود.. لقد كان اليهود في هذه المنطقة قبل ظهور محمد ودين محمد فلم يستطيعوا السيطرة علينا.. |
سهيل:ولكنهم سيطروا على يثرب وعلى القبائل المحيطة بيثرب وأدخلوا عدداً من العرب في دينهم.. فإذا قضينا على محمد في المعركة المرتقبة فسيمتد نفوذ اليهود إلى مكة وما جاورها.. |
مكرز: لا تسرف في خيالك يا أبا يزيد.. لنقض الآن على محمد وأصحابه وبعد ذلك سترى أننا سوف نقضي على اليهود إن آنسنا منهم أية محاولة للسيطرة على مقدراتنا.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى تختلط بأجراس الدواب وهمسات الراكبين نسمع بعدها صوت حيي بن أخطب يقول): |
حيي: هانحن نقترب من مضارب عيينة بن حصن الفزاري الأحمق المطاع.. |
سلام: يجب أن تتحملوا يا قوم جفوة عيينة وغلظته في سبيل الوصول إلى أهدافكم.. |
حيي: إن شر الناس من وادعه الناس اتقاء شره.. هكذا روي عن محمد أنه كان يقول عن عيينة بن حصن الفزاري.. |
سلام: ولكن من السهل إقناعه لبساطة تفكيره ومفاهيمه للأمور.. |
حيي: وعيينة جشع يحب المال حباً جنونياً.. |
سلام: الجشع من ابرز صفات الأعراب فلا عجب إذا ما كان عيينة كذلك فهو أعرابي قبل كل شيء وبعد كل شيء.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عيينة يقول): |
عيينة: أرى غباراً يتكشف أحياناً عن أناس يمتطون حميراً هم لا شك من اليهود.. أسرعوا لملاقاتهم وأتوني بهم.. |
(نسمع أجراس الدواب تختلط بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت حيي بن أخطب يقول): |
حيي: أنعمت صباحاً يا شيخ فزارة.. |
عيينة: أنعمت صباحاً أنت ورفاقك يا حيي.. |
حيي: بورك فيك يا سيد غطفان وقائدها.. |
عيينة: لكأني بكم قادمون من مسافة بعيدة فإعياء السفر يظلل وجوهكم وأجسادكم.. |
حيي: صدقت يا عيينة.. نحن آتون من مكة من عند أبي سفيان.. |
عيينة: لا شك أنكم كنتم هناك لأمر هام.. |
حيي: بلى يا عيينة بلى.. |
عيينة: أظن الأمر يتعلق بمحمد.. أليس كذلك؟ |
حيي: هل أحد غير محمد شغلنا الشاغل في هذه الأيام بل شغل الجزيرة كلها.. |
عيينة: ولكن بيننا وبين محمد معاهدة عدم اعتداء وبموجب هذه الموادعة سمح لنا بأن نرعى في أرض تابعة للمسلمين.. |
حيي: ولكن اليهود مستعدون لتعريضكم وتجزل لكم العطاء..! |
عيينة: كيف يا حيي كيف إنها معاهدة.. |
حيي: ولكننا جئنا لننقذكم من محمد وسلطان محمد.. |
عيينة: هل اتفقتم مع قريش على هذا؟.. |
حيي: أجل يا عيينة وتواعدنا على اللقاء عند يثرب في الأيام القريبة القادمة.. |
عيينة: قريش معكم.. |
حيي: ورب موسى معنا وجميع اليهود بأموالهم وأنفسهم إننا نريد أن نستأصل المسلمين من جذورهم وعلى رأسهم محمد ودين محمد.. |
عيينة: وما هو ثمن اشتراك غطفان معكم؟.. |
حيي: ندفع لكم تمر نخل، خيبر لسنة واحدة.. |
عيينة: قبلنا.. قبلنا.. ضعوا مواثيقكم عليه.. |
حيي: سنفعل إذا ضمنت لنا أن جيش غطفان الذي سيشترك معنا ومع قريش لا يقل عن ستة آلاف.. |
عيينة: أعدك وأعطيك موثقاً مني على ذلك.. |
حيي: وأنا باسم جماعتي اليهود سأدفع لكم ثمر نخل خيبر لسنة واحدة.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت أبي سفيان يقول): |
أبو سفيان: العبء ثقيل والمسؤولية ضخمة يا هند وقد وضع اليهود ثقتهم في فعسى أن أكون عند حسن ظنهم بي.. |
هند: المهم التجهيزات والعتاد ووفرة التموين ودقة التنظيم يا أبا سفيان.. |
أبو سفيان: سنحشد أربعة آلاف مقاتل وسنعطي اللواء لقمان بن أبي طلحة العبدري وقيادة الفرسان لخالد بن الوليد.. |
هند: وأنت ستتولى قيادة الجيش.. |
أبو سفيان: نعم يا هند.. ولكن.. |
هند: ولكن ماذا يا أبا سفيان؟.. |
أبو سفيان: عسى أن أستطيع السيطرة على الأعراب ورئيسهم الأحمق المطاع عيينة بن حصن الغزاري فهو أعرابي جلف وفيه فظاظة وغلظة.. |
هند: ولكن كياستك وهوادة طبعك ستروض غلظته وفظاظته.. |
أبو سفيان: ثم اليهود.. |
هند: اليهود.. ما بهم يا أبا سفيان؟.. |
أبو سفيان: أخشى تقلبهم وعدم ثباتهم.. |
هند: ولكنهم هم الذين استصرخوا بكم وهم الذين استنفروكم وأثاروكم وزودوكم بالمال والعتاد.. كيف تخشاهم.. |
أبو سفيان: والله ما أدري يا هند ولكن أتهيب اليهود دائماً وأسيء الظن بهم مهما يظهرون من حسن نية.. |
هند: أزمعت وأجمعت يا أبا سفيان وحشدت واستنفرت وأسمعت الجزيرة قاصيها ودانيها بأنك عازم على القضاء على محمد ودين محمد فلم يبق هنالك مجال للتردد فسر ولا تجعلها بدر الثالثة.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية سريعة نسمع بعدها مكرز بن حفص يقول): |
مكرز: متى تواعدتم مع اليهود للخروج لقتال محمد؟.. |
سهيل:بداية شهر شوال القادم.. |
مكرز: الوقت يسرع واستعداداتنا لا تواكب هذه السرعة.. |
سهيل:هذا التقاعس هو من جملة ما أخشاه على هذه الحملة.. |
مكرز: وقبائل غطفان أما جاءكم خبر من اليهود أنها ستشترك منكم؟.. |
سهيل:لما يأت بعد.. ولكن أؤمن بقدرات الخبيث حيي بن أخطب على إقناعهم وجرهم إلى حرب محمد.. |
مكرز: المال يا أبا يزيد موفور لدى اليهود وهو أشهى طعام لاجتذاب الأعراب وغير الأعراب.. |
سهيل:صدقت يا مكرز صدقت فها نحن يجرنا المال أيضاً وننساق بجنون لحرب محمد.. قد نكون مدفوعين إلى حد ما بعدائنا محمد ولكن المال هو الذي اجتذبنا وجعلنا طوع بنان حفنة من اليهود المحملين بالمال.. |
مكرز: لا أدري ما هو موقف هند بنت عتبة وصفوان بن أمية.. |
سهيل:موقف صفوان تبين يوم لقائنا الأول مع اليهود.. إنه مع سيده أبي سفيان يميل حيث يميل.. |
مكرز: وهند بنت عتبة.. |
سهيل:لو لم تكن هند متحمسة وراضية ما خرج أبو سفيان على الناس بهذا الحماس الجنوني ولا طلب من خمسين رجلاً من بطون قريش أن يذهبوا إلى الكعبة ويلصقوا أكبادهم بها ويتعلقوا بأستارها متعاهدين على أن لا يخذل بعضهم بعضاً وأن يكونوا يداً واحدة على محمد ما بقي من قريش رجل واحد. |
مكرز: والله إن لم تأت قريش بنتيجة في هذه الحرب التي تهيأت لها كل أسباب النصر فلن تقوم لها قائمة بعدها. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عبد الله بن رواحة يقول): |
ابن رواحة: يا لفكرة الخندق من عمل حربي رائع.. إنه يوحي بأن التجمع الوثني اليهودي كبير يا عباد.. |
عباد: بلى يا بن رواحة بلى إنه يربو على العشرة آلاف.. |
ابن رواحة: إذن فهي معركة حياة أو موت بالنسبة للمسلمين.. |
عباد: أجل يا أخي أجل.. وقد تحزب القرشيون واليهود وقبائل غطفان ضد النبي صلَّى الله عليه وسلم وضد رسالته.. |
ابن رواحة: ولكن الله سينصر دينه وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.. |
عباد: في الحقيقة يا بن رواحة يجب أن نفرغ من حفر الخندق قبل وصول قوات الأحزاب.. |
ابن رواحة: صدقت يا عباد صدقت.. ولكن ألا ترى ما يفعله المنافقون جماعة رأس الفتنة عبد الله بن أُبي ابن سلول.. إنهم لا يشتغلون بإخلاصهم.. إنهم يتهربون ويذهبون بدون استئذان من رسول الله صلَّى الله عليه وسلم.. |
عباد: إن المنافقين أشد بلاء علينا من الأحزاب فهم أعداء داخل صفوفنا وإنقاذهم يحتاج إلى جهد كبير في الوقت الذي يجب أن نحشد جهودنا ونجند طاقاتنا لمواجهة جيوش الأحزاب الجرارة.. |
ابن رواحة: لقد نذرت نفسي يا عباد بن بشر لمراقبة هؤلاء المنافقين ومعرفة حركاتهم وسكناتهم واتصالاتهم المريبة.. |
عباد: إنه مما لا شك فيه أنهم على علاقة واتصال باليهود وبمشركي قريش والأعراب ولكننا لا نملك الدليل المادي.. آه يا ليته في أيدينا كنا تخلصنا منهم إلى الأبد.. |
ابن رواحة: ثق يا بن عباد أني مترصد لهؤلاء المنافقين وعامل بكل ما أستطيع على إحباط خططهم ومؤامراتهم بإذن الله.. |
عباد: شد ما أخشاه يا ابن رواحة أن ينقض بنو قريظة المعاهدة المعقودة بيننا وبينهم والتي تنص على أن يحاربوا معنا إذا ما هوجمنا.. |
ابن رواحة: نحن لا نطلب منهم القتال معنا بل نريدهم ألاَّ ينقضوا العهود وينضموا إلى صفوف إخوانهم اليهود.. |
عباد: أخشى ما أخشاه أن يؤثر حيي بن أخطب فيهم فيحملهم على نقض العهد وعندها سيكون وضع المسلمين خطيراً فالأحزاب من الأعلى ويهود بني قريظة من الأسفل.. |
ابن رواحة: ولكن الله معنا.. ولن يخذلنا.. |
عباد: صدقت يا بن رواحة.. ما أروع ما نظمت حين قلت: |
اللَّهم لولا أنت ما اهتدينا |
ولا تصدقنا ولا صلينا |
فانزلن سكينة علينا |
وثبت الأقدام إن لا قينا |
|
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية تختلط بقرع الطبول وصهيل الخيل وقعقعة السلاح نسمع بعدها صوت هند بنت عتبة تقول): |
هند: يا له من جحفل جرار رائع يا أبا سفيان.. ما خرجت قريش بمثله.. |
أبو سفيان: صدقت يا هند.. إن جيش قريش حوالي الأربعة آلاف مقاتل بما فيهم الفرسان.. |
هند: أرجو أن يوفق خالد بن الوليد لفتح ثغرة في صفوف المسلمين كالتي فتحها يوم أُحد فكانت سبباً للنصر المؤزر بعد أن كاد يكون هزيمة شنعاء.. |
أبو سفيان: خالد بن الوليد عبقرية فذة لها قدرة عجيبة على اقتناص الفرص بالكر والفر والمداورة حتى تلوح الفرصة فينقض على الخصم وينتزع منه النصر.. |
هند: ما هي أخبار محمد وأصحاب محمد؟ |
أبو سفيان: المعلومات التي لدينا تتواتر بأن المسلمين يحفرون خندقاً ليحميهم منا.. |
هند: هذه ظواهر الخوف والهلع يا أبا سفيان.. |
أبو سفيان: صدقت يا هند صدقت لو كانت لدى محمد القوة الكافية لخرج للقائنا كما فعل في بدر وأُحد ولكن.. |
هند: ولكن ماذا؟.. |
أبو سفيان: ولكن سندفن في هذا الخندق محمداً وأصحاب محمد ودين محمد. |
|