شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلقة ـ 1 ـ
(أصوات تهليل وتكبير وكر وفر وقعقعة سلاح وسقوط قتلى وأنين جرحى وأصوات تقول):
أصوات: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده.
صوت صادر من مكان بعيد: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (الأنفال: 26).
سعد: كان يوم بدر نصراً مؤزراً للمسلمين على المشركين. لقد كنا قلة مؤمنة ضد كثرة مشركة فأيدنا الله بنصر من عنده. وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا.
جابر: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (سورة البقرة:249)
سعد: صدق الله العظيم.. هيا بنا يا جابر نشاهد أسرى بدر وفيهم صفوة من رجال قريش - البارزين وفيهم من ذاق من إخواننا المهاجرين على أيديهم صنوف التعذيب والتنكيل.
جابر: هيا بنا يا سعد فإني أريد أن أشهد خطيب قريش وصوتها المجلجل على المنابر..
سعد: أتعني سهيل بن عمرو يا جابر.
جابر: بلى يا سعد بلى.. إنه سحبان قريش كما يقولون عنه.
سعد: وكيف عرفت أنه بين أسرى بدر..؟
جابر: سمعت سعد بن معاذ سيد الأوس يذكره في مجلسه..
سعد: لقد شوقتني لرؤيته. أسرع إليه. أسرع..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت شاس بن قيس اليهودي يقول):
شاس: أكاد أتهم بصري يا أم اسحق..
أم اسحق: لا مجال للاتهام يا شاس فالحقيقة واضحة كالشمس في رابعة النهار.
شاس: صناديد قريش وفي مقدمتهم سهيل بن عمرو وعمرو بن أبي سفيان، ونوفل بن الحارث، والوليد بن الوليد وغيرهم من سادات مكة وقادتها قد شدت أيديهم إلى الوراء يتعثرون في خطاهم بين أفواج الأسرى من القرشيين. وأعجب من هذا يا أم اسحق.
أم اسحق: أي شيء أعجب من هذا يا شاس..
شاس: قلة من المسلمين لا يزيد عددها على ثلاثمائة وسبعة عشر رجلاً تنتصر على ألف من قريش فيهم القمة والصفوة من زعماء قريش.
أم اسحق: العقيدة يا شاس العقيدة أهم أسباب النصر. لقد خاض المسلمون هذه المعركة وهم على يقين بالفوز والظفر.
شاس: كيف يا أم اسحق.. كيف..؟
أم اسحق: الموت أو الشهادة عند المسلمين وهي التي يدخلون بها الجنة ويعيشون فيها حياة أفضل من عيشة الدنيا من جميع الوجوه أو النصر الذي يعودون به من المعركة مرفوعي الرأس موفوري الكرامة..
شاس: صدقت يا أم اسحق صدقت.. أتذكرين واقعة عزرا اليهودي..
أم اسحق: لا أذكر يا شاس لعلّ ذلك كان قبل زواجي بك. قصها علي..
(نقلة صوتية وزمنية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت شاس يقول):
شاس: عزرا! إليّ يا عزرا..
عزرا: هاأنذا بين يديك يا شاس.. مرني بما تريد..
شاس: أرأيت يا عزرا هذا التجمع الهائل بين الأوس والخزرج.
عزرا: بلى يا شاس. بلى.. إنه حشد وأي حشد..
شاس: أكنت تحلم أن ترى الأوس والخزرج في مجلس واحد يتحدثون فيه إخواناً متحابين.
عزرا: لا ورب موسى يا شاس..
شاس: إن محمداً. ويلي من محمد. ليتني أشرب من دم محمد..
عزرا: ليتني معك يا شاس. لقد وحد بين الأوس والخزرج فأصبحوا صفاً واحداً وقلباً واحداً.
شاس: آخ. آخ. من لي بتمزيق هذا القلب وتفريق هذا الصف.
عزرا: لقد اجتمع ملأ بني فيلة بيثرب فلا ورب موسى ما لنا معهم من قرار.. صدقت يا شاس صدقت صدقت.. ما الرأي؟ ما العمل؟
شاس: أعمد إلى هؤلاء المجتمعين من الأوس والخزرج فاجلس معهم.
عزرا: حسناً وبعد.
شاس: ثم أذكر لهم يوم (بغاث) وما كان قبله وأنشدهم بعض ما تقاولوا فيه من أشعار.
عزرا: يوم بغاث أتعني المعركة الطاحنة الشهيرة التي دارت بين الأوس والخزرج قبل ظهور محمد بن عبد الله..
شاس: أجل يا عزرا. أجل.. أذكرتها..؟
عزرا: كيف يا شاس..؟ لقد حفظتني جدتي كثيراً من الأشعار التي قيلت من الطرفين المتحاربين.
شاس: جدتك كحيلة..
عزرا: بلى يا شاس بلى..
شاس: كانت شاعرة وراوية للشعر وروائع النثر. سر في مهمتك وأنا سأرقب ما تسفر عنه محاولتك.
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى وأخيراً صوت رباب نسمع بعده عزرا يغني)..
عزرا:
أتاني حديث فكذبته
وقيل خليلك في المرقسِ
فيا عين بكى حضير الندى
حضير الكتائب والمجلس
ويوم شديد أوار الحديد
تقطَّع منه عرى الأنفس
صليت به وعليك الحديد
ما بين سلع إلى الأعرس
فأودي بنفسك يوم الوغى
ونقي ثيابك لم تدنس
أصوات: ويلك يا هذا لا تنكأ الجروح..
صوت: دعوه يقول الحق..
صوت: لقد ثأرنا من حضير..
أصوات: كذبت. لقد كان الظفر لنا نحن الأوس عليكم..
أصوات: إن شئتم رددناها جذعة..
أصوات: قد فعلنا. قد فعلنا موعدكم الظاهرة.
أصوات: يا للأوس؟ يا للأوس! السلاح.. السلاح..
أصوات: يا للخزرج! يا للخزرج.. السلاح.. السلاح..
شاس: بورك فيك. بورك فيك. يا لك من داعية.. حق لليهود أن يفخروا بك.
عزرا: لقد أديت مهمتي وإني ذاهب للنوم والأحلام اللذيذة.
أصوات: السلاح! السلاح..
شاس: وقعت الفتنة.. نشبت الحرب. ما أشد شوقي للفتنة.
(موسيقى حربية تختلط بصهيل الخيل وقعقعة السلاح وصليل السيوف وأصوات تقول):
أصوات: السلاح! السلاح!.. يا للأوس! يا للخزرج. أعيدوها جذعة.
شاس: يا لها من أصوات ترن في أذني أحلى وأعذب من مزامير داود.
عزرا: (يصرخ) شاس! شاس!
شاس: ما بك يا عزرا؟ لقد عدت مسرعاً وكنت أظن أنك تقضي على أجمل الأحلام.
عزرا: بل قل أية أحلام مرعبة..
شاس: ماذا تقول يا عزرا..؟ لعلّك ما زلت تحلم بفناء الأوس والخزرج.
عزرا: بل بفناء اليهود..
شاس: أي كلام تهذي به يا عزرا..؟
عزرا: بطل سحري وسحرك يا شاس وجاء محمد بعصاه يلقف ما صنعناه.
شاس: كيف يا عزرا. افصح برب موسى..
عزرا: بلغ محمد الخبر فخرج مسرعاً فيمن معه من المهاجرين إلى مكان تجمع الأوس والخزرج ليعمل على إخماد نيران هذه الفتنة..
شاس: أرأيت محمداً وهو يسارع إلى أرض المعركة..
عزرا: رأيته بأم عيني ورب موسى..
شاس: الويل لليهود من محمد. الويل لهم من محمد. إنه قادر على إطفاء نار هذه الفتنة.
عزرا: هلمّ بنا نشده ماذا سيفعل محمد.
شاس: إنني أقرأ النتيجة وكأنها مكتوبة أمام عيني..
عزرا: من يدري فقد لا يستطيع سحر محمد أن يفعل فعله هذه المرة.
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى وصوت أقدام المشائين وهمساتهم وأخيراً نسمع صوت شاس يقول):
شاس: انظر يا عزرا.. انظر. محمد. يقف بين الطرفين المتنازعين خطيباً.
عزرا: صه يا شاس واسمع إنه يقول يا معشر المسلمين. الله. الله. أبعدوا الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام.وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية. واستنقذكم به من الكفر، وألف به بين قلوبكم..
أصوات: صدقت يا رسول الله. صدقت يا رسول الله..
أصوات: إنا لله وإنا إليه راجعون (أصوات بكاء تعقبه).
عزرا: إن الطرفين الأوس والخزرج يسترجعون ويبكون ويعانق بعضهم بعضاً وهاهم يعودون أدراجهم مع محمد وكأنه لم يكن هنالك شيء.
شاس: أما قلت لك يا عزرا. الويل لليهود من محمد. الويل لهم من محمد.
(نقلة صوتية وزمنية تختلط بموسيقى نسمع بعدها صوت أم اسحق تقول):
أم اسحق: أرأيت مبلغ إيمان هؤلاء القوم بمحمد. أرأيت كيف عاد الصفاء بسرعة بينهم. إن هذا الصفاء مستمد من صفاء العقيدة وقوتها.
شاس: أجل يا أم اسحق. أجل. وقد أردت بهذه القصة أن أؤيد ما قلته عن صدق العقيدة.
أم اسحق: أترى يهوداً تثبت أمام هذا المد العقائدي الجارف وقد بعدت عن عقيدتها وكادت تجنح إلى عبادة الأوثان.
شاس: إذا ظللنا على ما نحن عليه فمصيرنا إلى الزوال إلى الزوال السريع يا أم اسحق. ولكن..
أم اسحق: ولكن ماذا يا شاس؟
شاس: أرى أنه إذا تضافرت جهودنا مع جهود جماعة عبد الله بن أبي بن سلول فقد نستطيع الصمود أمام المد المحمدي.
أم اسحق: ربما يا شاس ربما ولكن إلى حين.
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت جابر يقول):
جابر: الويل لهؤلاء اليهود يا سعد.. لقد غمروا المدينة بأراجيفهم ودسهم وأباطيلهم حتى كادت أعصاب من تخلف من المسلمين عن شهود بدر تتحطم.
سعد: أنسيت المنافقين يا جابر.. إنهم لا يقلون ضراً وأذى للمسلمين عن اليهود..
جابر: المنافقون في رأيي أشد بلاء على المسلمين من اليهود بحكم تظاهرهم بالإسلام.
سعد: ولكن اليهود أشد مكراً من المنافقين وأقدر على الإيذاء لما امتازوا من دراية وخبث.
جابر: سواء اليهود أو المنافقون فكلاهما بلاء على الإسلام ولا سيما والإسلام في أول إشراقة بالمدينة.
سعد: أخشى ما أخشاه أن تتوحد جهود اليهود والمنافقين ضد الإسلام.
جابر: أراك تظن أن اليهود والمنافقين لم يفتوا بعد على الكيد لهذا الدين وللرسول محمد صلَّى الله عليه وسلم إذا كنت متشككاً فابعد عن فكرك الشك وتأكد أن الكفر ملة واحدة.
سعد: صدقت يا جابر. اليهود ماضون في التشويش على النبي ودعوته بما ينشرون من شكوك وريب حولها وحول حاملها كذلك المنافقون يثيرون المتاعب بإقامة العراقيل ونشر الأراجيف وبث الفرقة في صفوف المسلمين. ولكن الله يكبتهم دائماً ويجعل جميع محاولاتهم عقيمة.
جابر: الله معنا.. الله معنا.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1639  التعليقات :0
 

صفحة 1 من 58
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.