سلاماً (عميدَ الشعر) أُهديه وافياً |
وأُزجي إليك العاطفات مناجيا |
حملتُ الشعـورَ المحـض فـي القلب زائراً |
وأفرغتُه كأساً من الحب صافيا |
وكانت (دمشـقٌ) شاهَـد الوجـد يلتظي |
بأعماقي الحرَّى يرومُ التلاقيا |
أحيّيك يا ابنَ (الكوفتين) وإنها |
ترى فيكَ نجماً (للفراتين) زاهيا
(1)
|
وأُنبيكَ أن الروحَ منها شجيّةٌ |
وقد أبعد النجمُ المحلّقُ عاليا |
وأن الَّذي صاغ العقودَ (جواهراً) |
لأعناقها ما زال عنهنّ نائيا |
* * * |
أحييكَ يا ابن (الرافدين) وأنها |
لفي محنة ساقت إليها الدواهيا |
تفشّى بها جورٌ أحالَ ضفافَها |
جحيمـاً ووجَـه الصبح كاللّيـل داجـيا |
أُنَبِّيك عن حالِ (العراق) وأهله |
وعن (طغمة) قد أوردته المهاويا |
بأرضٍ يمورُ الخيرُ تحت أديمها |
و(نهرين) ما زالا غداقاً جواريا |
تجدْ (رُضَّعاً) جفّت ضروعٌ تقيتُهم |
فماتوا على (الأثداء) غرثى بواكيا |
و(جيلاً) على البلـوى يشـبُّ ويغتـذي |
على الحقد زاداً حين يُصبح طاويا |
و(جيشاً) بأطراف الدُنـى شـتَّ شملهُـم |
يجوبون في شرقٍ وغرب منافيا |
وما زال (رأسُ الـداء) مَـنْ قـاد أهـلَنا |
إلى ذروة المأساةِ حيّاً وباقيا |
يعبُّ الدما كأساً دهاقاً وتُشتوى |
بأسياطه منَا الظهورُ دواميا |
وقد كرّم اللَّهُ العبادَ بلطفهِ |
بخلقٍ تجلَّى في الخليقةِ راقيا |
فجذَّ (عدُو اللَّه) أطراف خلقه |
وآذانهم بغياً وقد كانَ عاتيا
(2)
|
وصارت (بلاد الرافدين) مقابراً |
وعاد الأسى فيها إلى الموت حاديا |
وألقى بها داءٌ عضالٌ جرانهُ |
وقد عزّ أن تلقى طبيباً مداويا |
وقد صار يكفيها من الداء أنها |
غدت لا ترى عنـه سـوى المـوت شافيا |
* * * |
سلاماً كما رف النسيمُ وهلّلت |
زهورُ الرُّبا إذ هبَّ رخواً معافيا |
ومرحى لفكرٍ أنت لآلاءُ مجده |
أنرتَ به الأجيال للخير هاديا |
وشوقاً إلى روضٍ من الشعر نفحُهُ |
يُشيعُ الشذى في (الغوطتين) قوافيا |
علـى حينَ مـا زالت بـ (بغدادَ) عصبـةٌ |
تمدّ القوافي للضلال مراقيا |
تغني لـه لصق التراب أنوفُها |
لتُهدى قصوراً يزدحمنَ ملاهيا |
فبعـضٌ لـ (ضحـّاك) الأساطير راقـصٌ |
وبعضٌ بكفّيه يُقيت الأفاعيا
(3)
|
و(أنـتَ) الَّذي أفنى مـعَ النـاس عمـرَهُ |
ويمناهُ أعلت راية الشعب عاليا |
(حباكَ العراقُ السمـحُ أحسنَ مـا حبـا |
به شاعراً للحق والعدل داعيا) |
(ومنّاكَ حفلاً حين تمضي مودّعاً |
يجوّد فيه المنشدودن المراثيا)
(4)
|
* * * |
(أبا الشعر) لا تغضـبْ فبغدادُ لـم تـزلْ |
على ضيمها تهفو إليكَ كما هيا |
وفيها رواةُ الشعر تحدو فخورةً |
بما قلتَ فيها خفيةً أو علانيا |
وأن العراق الحقَّ ليس طغاته |
بل الشعب يجزي الخالدين المعاليا |
يـرى فيك نـجمَ الصبـح يرقـب ليلَـهُ |
مشيراً إلى فجرٍ يشق اللياليا |
* * * |
ومـا زال مـن (يـوم الشهيدِ) و (جعفر) |
بأرجائه للآن صوتك داويا
(5)
|
وما زلت كابوسَ الطغاةِ تُخيفُهم |
وإنْ صرتَ عوداً هدّه الداء ذاويا |
* * * |
أبا الشعر مجداً أن عمراً تصرمت |
لياليه آلاماً وما كنتَ شاكيا |
ومرحـى لدربٍ رحـتَ تطـوي شعابـه |
نصيراً لحقٍ أو لجورٍ معاديا |
وقد كان سجناً تستخفُّ بسوره |
فتهزأ بسجّانٍ وتهجو (زبانيا) |
تنقّلتَ في شتى ديار قصّية |
وعانيتَ فيها غربة أو منافيا |
وحيداً تجوبُ الدرب إلاَّ حُشاشةً |
وعزماً يصدّ السيل يلقاكَ عاتيا |
* * * |
دع العمرَ يجري إنَّ جنبيكَ أطبقا |
علـى (خافق) كالطير مـا انفـكَّ شاديا |
تجاوزتَ (تسعيناً) وقد زدن (أربعاً) |
وعيناكَ لم تبرح ترودُ الأمانيا |
ولو أن (حسناءاً) تُدلُّ بحسنها |
عليكَ لهزّت منك قلباً مناغيا |
وأهديتَها من روضة الشعر باقةً |
وطارحتَ عينيها الهوى والأغانيا |
* * * |