(( كلمة سعادة الأستاذ عبد الفتاح أبي مدين ))
|
ثم أعطيت الكلمة لسعادة الأستاذ عبد الفتاح أبي مدين، رئيس النادي الأدبي الثقافي في جدة، فقال: |
- الحمد لله الَّذي له ما في السماوات وما في الأرض وأرجوه سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم من القليل وأصلي وأسلم على خير خلقه وخيرته من البشرية جمعاء سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين وبعد: |
- سيدي الأستاذ الدكتور بدوي أحمد طبانة: نرحب بك باسم الجمع أجمل ترحيب، وأصدقه، وأعمقه، وأطيبه، وأخلصه..؛ ويكفيك عزاً أن تكون أستاذ كرسي بعد عز الإسلام عقيدةً، ومسلكاً، ومنهاجاً، وأنت تملأ كرسيك بعلمك، ومعارفك، وثقلك الثقافي؛ الأكاديميون يدركون مدلول أستاذ كرسي بمفهومه العريض في عمق العلوم والمعارف، أما السطحية فهي خواء وهواء وجفاء، ولولا أنني أؤثر الحسنى لزدت الحديث إيضاحاً، ذلك أن الكثير منا يحملون شهادات كبيرة في مسمّاها، ولا أقول عليا لا يعلمون شيئاً، لأنهم رضوا بأن يكونوا مع الخوالف؛ أما أستاذنا الكبير الدكتور بدوي فهو علم وبيده مشعل من نور، لأنه علم في تخصصه، ومعارفه، ودرسه، وقبل ذلك وبعده في خلقه، وهو المحك الَّذي يتكىء عليه قبل كل شيء، ما عدى عقيدته؛ وأنَّ الحق سبحانه وتعالى عندما أثنى على رسوله صلى الله عليه وسلم قال له: وإنك لعلى خلق عظيم وهو كذلك، لأنه رحمة الله للعالمين، فكيف لا يكون ذا خلق عظيم؟ وقال له في موضع آخر من الكتاب العزيز: ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك. |
- أقول ما أكثر الكراسي الخالية، ذلك لأن الهندام وحده لا يملؤها، وإنما تملؤها المعارف والعلوم، وفي الأرض علم كثير وثقافات كثيرة، غير أننا ما أكثر ما نقول وما أقل ما نعمل، ونحن نحتاج إلى شيء مهم جداً جداً، وهو أن ننتصر على أنفسنا، وأن نلتزم الصدق، وقد أمرنا أن نكون مع الصادقين، ونهينا أن نقول ما لا نفعل في كتابنا العزيز، ونحن قد عرفنا ولكننا لم نلتزم: إننا غافلون، إننا لم نرتق إذا لم نرتق في صدقنا، ولم ترتق عقولنا وهوانا، وإن الهوى ليضل عن سبيل الله، نسأل الله السلامة والعافية. |
|
- إن أستاذنا الدكتور الكريم الَّذي نحتفي به الليلة في هذه الدار العامر بأهلها..، ملء إهابه ثقافة، وسجاحة خلق، وأدب نفس، ووفاء لدرسه ومتلقيه..، ولقد آلمني حين سمعت منه نحو عقد من الزمن - وقد آنسنا ليشاركنا في ليلة من ليالينا، وقد كان ضيفنا الصديق الوفي الأستاذ الدكتور عز الدين إسماعيل -. قال لي أستاذنا الدكتور بدوي - وما أمر تلك الكلمات في نفسي وربما في نفسه - إن طلابه الَّذين يعلمهم لا يحفلون به، وذلك حين قدر تلك الدعوة المتواضعة من النادي ليشاركنا سمرنا، وقد تذكرت أمير الشعراء أحمد شوقي - يرحمه الله - في قوله: |
|
- قم للمعلم وفه التبجيلا
(1)
.. وترحمت على أولئك من طلبة العلم الَّذين كانوا يقدرون، ويكبرون، ويحترمون شيوخهم وأساتذتهم إلى درجة إكرام وتقدير الآباء، لأنهم كانوا أبناء بررة مؤدبين، ذلك أنَّ التربية تسبق مرحلة تلقي العلم وتصاحبه وتسير معه، إنه أدب النفس قبل أدب الدرس، وما أكثر ما يجنح أحد غير عابىء فيطلق العنان لتلك الكلمات التي لا تعني شيئاً، وهي أن الزمن تغير وأن العصر غير العصر، وليتنا نصدق القول ونقول: إننا نحن من تغير؛ ذلك إن الزمن وعاء ونحن فيه نقول ذلك ونحن نردد وندرك: (تعيب زماننا والعيب فينا)
(2)
، وإذا تغيرت الأشياء من حولنا فهل نقبل ونرضى أن تتغير القيم وتنحط، وأن ننسلخ من أخلاقنا الحميدة ومثلنا؟ إذن ماذا بقي لنا وفينا ومعنا؟ |
|
- إننا نخطىء حين نركن بقناعاتنا إلى الانسلاخ عن الأخلاق التي هي قيم الحياة المثلى، وأعود إلى أمير الشعراء أحمد شوقي في بردته وهو يمدح خاتم الرسل - عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم - وأقول: إن كل ثناء من البشر هو دون ذلك الخلق العظيم في الكمال البشري لخير خلق الله مهما قال القائلون، فشوقي يقول: |
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه |
فقوِّم النفس بالأخلاق تستقم |
والنفس من خيرها في خير عافية |
والنفس من شرها في مرتع وخم |
|
|
- والحديث عن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم عطر وهوى أرقى من أي هوى، ونحن في محفل أدبي نتحدث فيه عن البلاغة أمام علم من أعلامها نحتفي به، لأنه أهل لهذا التقدير؛ وهذا الاحتفاء في هذا الملتقى الكريم وفي المحافل الأدبية، يجنح المتحدثون نحو توجهات شتى لإثراء الملتقى الثقافي بجذاذات من معارفهم؛ وبمناسبة ذكر شاعرنا أحمد شوقي ومدائحه النبوية، أذكر أنني سمعت بيتاً للإمام البوصيري صاحب البردة، وهو من هو حُبّاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وآل البيت؛ وقد سمعته من إمام من أئمة البلاغة العربية اليوم، وهو فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، خلال درسه في تفسير الكتاب العزيز لذلك التخريج اللغوي الرائع؛ وإنه لفتح من الله لعبد من عباده منَّ به عليه وأعطاه وألهمه، فكان تنزيلاً من التنزيل على حد ذكر التعبير الَّذي ينسب إلى الزعيم سعد زغلول - رحمه الله - أنه قال عن كتاب لإمام من أئمة العربية هو الأستاذ: مصطفى صادق الرافعي رحمه الله. |
|
- وبيت البوصيري الَّذي سمعته من الشيخ الشعراوي عبر التلفاز لو أخذت في شرح بلاغته، وجمال بيانه، وأبعاد معانيه، وروعة نسقه..، لشغلت ليلتكم هذه بهذا الحديث، وما أمتعه من حديث عمقه الثناء على خير خلق الله صلى الله عليه وسلم ونسيجه البلاغة والبيان..، ذلك أنَّ كل كلمة فيه تستهوي الكاتب والمتحدث، هذا الحس أن يغدو مفتشاً عن معطيات البلاغة، والمعاني، وجمال البيان..، عله يؤدي شيئاً من المعنى الَّذي ذهب إليه الشاعر وإلى أسراره؛ وهيهات أن يبلغ شأوه رؤيةً، وحساً، وتأثراً، وهوىً؛ وأنا أمام إمام من أئمة البلاغة.. فلا أجرؤ على التطاول في تجاوز حدي، لأني تلميذ محدود المعطيات من تلاميذه الكثر النابغين وغير النابغين، والرجل صح منه العزم فأدى أمانته، وأتقن درسه ووصله إلى أبنائه، ونصح لهم، وعلم، ووفي..؛ ومعذرةً في هذا الاستطراد، ولعلها عدوى الأستاذ العميد طه حسين - رحمه الله - وهو نفسه يشكو الشكوى نفسها ويردها إلى صديقه الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني؛ إن بيت البوصيري في سيد الخلق صلى الله عليه وسلم الَّذي عنيت هو: |
كالزهر في ترف والبدر في شرف |
والبحر في كرم والدهر في همم |
|
|
- ولن أتوقف أمام كل لفظ من هذا الدر المكنون مغنىً ومعنىً، تأدباً مع إمام من أئمة العربية الأستاذ الدكتور بدوي أحمد طبانة، وأنَّ الَّذي يقرأ مؤلفات أستاذنا في مختلف فنون الأدب والبلاغة - وقد بلغت أربعة وعشرين مؤلفاً مطبوعاً، وأربعة تحت الطبع - الَّذي يقرأ هذه الكتب يكبر أستاذنا، وثقافته، وكتبه، ودرسه؛ وليعذرني الأستاذ الدكتور بدوي إن لم أطنب في الحديث عنه، وأنه لرجل كريم يحتفي به رجل كريم في بيت كريم، يقدر الكريم، ويحتفي به، ويسعى إليه، ويشكره على كريم استجابته وتشريفه؛ ذلك هو السخاء، والجود، والوفاء، والود، والحب. |
|
- والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
|