شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مسيرة التاريخ العربي بين ابن خلدون وأمين مدني
على شرف صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة أقيم حفل (جائزة أمين مدني للبحث في تاريخ الجزيرة العربية) وذلك في سنتها الرابعة وقد حاز الجائزة في تلك السنة كل من الأستاذ عاتق عيث البلادي، ودارة الملك عبد العزيز. وبالرغم من أن أعمال الأستاذ أمين مدني تؤكد مكانة مؤلفها كعلم من أعلام بلادنا، فهو حاضر ما دار الحديث أو البحث في تاريخ الجزيرة العربية وآدابها، إلا أن هذه المناسبة تعزز هذا الحضور وتدعونا للتأمل في مؤلفاته الجليلة. وسوف أتناول فيما يلي ناحية مهمة من نواحي دراسة أمين مدني للتاريخ.
يعتبر ابن خلدون 732 - 908هـ (1332 - 1406هـ) أهم من أرخ للحضارة الإسلامية من المؤرخين المسلمين القدماء، إلا أن ابن خلدون تنبَّه لقضية هامة من قضايا تدوين التاريخ ألا وهي المبالغة في نقل الصورة.. وقد ذكر ابن خلدون، ولع الناس بالمبالغة قائلاً: ((وقد نجد الكافة من أهل العصر إذا فاضوا في الحديث عن عساكر الدول التي بعدهم أو قريباً منه، وتفاوضوا في الأخبار عن جيوش المسلمين أو النصارى، أو أخذوا في إحصاء أموال الجبايات وخراج السلطات ونفقات المترفين، وبضائع الأغنياء الموسرين، توغّلوا في العدد وتجاوزوا حدود العوائد وطاوعوا وساوس الإغراب، فإذا استكشف أصحاب الدواوين من عساكرهم، واستنبطت أحوال أهل الثروة في بضائعهم وفوائدهم، واستجليت عوائد المترفين في نفقاتهم، لم تجد معشار ما يعدونه وما ذلك إلا لولع النفس بالغرائب، وسهولة التجاوز على اللسان والغفلة على المتعصب والمنتقد (1) .
وقد تنبه المؤرخ الموسوعي أمين بن عبد الله مدني (1328 - 1404هـ)، إلى وجوب الحذر والحيطة عند كتابة التاريخ، إلا أنه نفى ما يردده بعض المستشرقين عن التاريخ العربي القديم.. ففي الجزء الأول من كتابه المعروف (العرب في أحقاب التاريخ) يقول المؤرخ المدني ((أنا أنكر قيمة التحقيق المتأخر، وما يفرضه الشك والحذر من حرص وتريث، وفي الوقت نفسه أنا لا أعتقد أن بحوثنا التاريخية العربية القديمة كلها بحوث أسطورية تافهة لا وزن لها في معايير كتابة التاريخ في العصر الحاضر، فلو كنت أعتقد ذلك لما أقدمت على بذل ما استطعت في تتبع ما وصل إليه جهد رواد الباحثين عن تاريخ جزيرتنا الغالية الخالدة، ولما أقدمت على تنقية ما جمعته من بطون مؤلفات التاريخ الضخم منها والمختصر، العربي منها والمعرّب، ومقابلة الظن الحديث بالرأي القديم، وتحقيق ما أمكن تحقيقه من هذا أو ذاك)) (2) .
لقد أخذ السيد أمين على عاتقه كتابة التاريخ العربي كتابة موضوعية وهي مهمة صعبة كما يذكر الأستاذ محمد المدني، الأستاذ بجامعة الأزهر والعميد السابق لكلية الشريعة، تلك الصعوبات التي تعترض الباحث في التاريخ العربي القديم بقوله عند تقديم الجزء الأول من موسوعة ((العرب في أحقاب التاريخ)): (وما من شك في أن تاريخ العرب القديم منطوٍ على كثير من الخبايات والمجاهل التي ترهن السالكين، وتحير المدلجين، وأنه قد توارد على الكتابة في هذا التاريخ أصناف من الناس، منهم الذين لا يرون في العرب إلا أوزاعاً من الخلق كانوا في قديم الزمن أصحاب أشعار وأوبار، وسكان بواد وقفار تدور بين حل وارتحال، وليست لهم جامعة تجمعهم، ولا أهداف تدفعهم وإنما همهم أن يجدوا ما يُقيتهم ويعيشهم ولو كان فيما يصيدون من حيوان أو يجوشون من ضب (3) .
وإذا كان الجزء الأول من موسوعة العرب في أحقاب التاريخ ((التاريخ العربي وبدايته)) قد صدر في عام 1385هـ - 1965م، فإن الجزء الثاني الغربي أخذ عنوان التاريخ العربي ومصادره ((صدر عن دار المعارف حوالي عام 1391هـ - 1971م، وخصصه الكاتب للتقصي في المصادر العربية التاريخية في مراحلها الأولى، وهو يعترف بقيمة هذه المصادر والحاجة إلى البحث العلمي المجرد حولها، فيقول عن ذلك ((وكذلك فرض عليَّ البحث أن أعرف حقيقة النصوص التي اعتمد عليها مؤرخو الشرق العربي، وفرضت عليّ معرفة حقيقة النصوص أن أفرد لكل مصدر من مصادر التاريخ فصلاً خاصاً يوضح ما هو جدير بالإيضاح، ويناقش ما هو خليق بالمناقشة، والإيضاح والمناقشة ألزماني بأن أعود إلى العصور القديمة، وأنظر بمنظار أبنائها وأقف مع آرائهم في كل مكان ظهر فيه نشاط علمي ذو أثر في دعم الدراسات التاريخية وتطويرها، وأبحث معها في أمهات قضايا التاريخ ومصادره (4) .
ولهذا نجده في هذا الجزء المخصوص للتقصي عن المراجع الأولى في تدوين التاريخ العربي، يتحدث عن الأوائل من روّاد التفسير والمغازي والنساب في القرنين الأول والثاني من الهجرة مثل كعب الأحبار، وعبد الله بن عباس، وعبيد شهرية، وعروة بن الزبير، وإبان بن عثمان، ومحمد بن مسلم الزهري، ومحمد بن إسحاق، كما يعقد فصلاً آخر من نقاد الشعر الجاهلي ورواة أيام العرب من أمثال أبو عمرو بن العلاء، وحماد الراوية، وأبو العباس المفضل الضبي، وخلف الأحمر وأبو عبيدة معمر بن المثنى.
ويخص الأستاذ أمين مدني المؤرخ العربي ابن خلدون بمبحث خاص متعرضاً فيها لما كان يدعى بشكوك ابن خلدون، وكيف أن الدراسات التاريخية المعاصرة أزاحت النقاب عن ذلك وبهذا يربط مؤلفنا بين طرق ومناهج تدوين التاريخ العربي في الماضي والحاضر، مؤكداً على حقيقة هامة وهي أن القديم ضروري في عملية البحث التاريخي لكن يجب عدم التوقف عند ذلك بل يجب الانطلاق في ميدان التاريخ الذي عرف مناهج وطرق جديدة يتوجب على الباحث الأخذ بها واعتمادها وسيلة في الوصول إلى الحقائق برؤية عربية أصيلة لا تنكر لجهود السابقين ولا تنغلق على ذاتها أو دائرتها المحدودة يقول المؤلف عن ابن خلدون ومنهجه، وما بعد المنهج الخلدوني ((أما ابن خلدون فهو أقدم مؤرخ وضع الرواية التاريخية على مشرحة النقد، وأن ابن خلدون ككل ناقد أخطأ وأصاب فيما نقده من الروايات وأنا لا أريد أن أتعرض لأخطاء ابن خلدون التي تحدث عنها ناقدوه، ولكن ألفت النظر إلى أن الكثير من شكوك ابن خلدون لم يبق لها محل في بحوث المؤرخين في عصر الدراسات الأثرية (5) .ويحدد السيد أمين في الجزء الثالث من موسوعته القيّمة والهامة والموسوم (التاريخ العربي وجغرافيته) الباعث وراء بحثه الجغرافي في هذا بقوله: ((والآن أضع جغرافية الجزيرة العربية بين يدي القارئ على صفحات هذه الحلقة الثالثة وأضع بين يديه جهداً بذلته في سبيل جمع الأقوال التي تناقلها الذين ألفوا في جغرافية البلاد العربية وتاريخها، والوصول إلى ما يقصده أصحابها (6) . فلإزالة تخرصات المستشرقين الذين كانت كتابات الكثير منهم تخدم أهداف المشروع الاستعماري الغربي - الذي ما زال مستمراً حتى الآن فيما نشاهده من احتلال عسكري وفاشي صهيوني لأرض فلسطين العربية والمسلمة وبتواطؤ غربي مكشوف - وضع المؤلف هذا الجزء الثالث من موسوعته والتي بلغ عدد صفحاتها حوالي (1650)، وقضى معظم حياته الحافلة بالعطاء الفكري والأدبي في تدوينها، لإزالة هذه التخرصات والشكوك والتشويهات المعتمدة، ولأجل أن يكون القارئ على بيِّنة مما يقرؤه لم يبالغ - المؤلف - كما ذكر في مقدمتي الجزءين السابقين، ((التاريخ العربي وبدايته))، و ((التاريخ العربي ومصادره))، ولم أغمَّ عليه النتائج التي توصلت إليها، ولم أدع أنها كاملة سليمة من كل ما تتعرض له البحوث التاريخية مما قد يراه القارئ خطأ، فكثيراً ما بعدت الشقّة بين وجهة نظر الكاتب ورأي الناقد، فأنا إذا كنت أدافع عن وجهة رأيي، فالقارئ - اليوم - وفي الغد هو الحكم بيني وبين من اختلف معي في الحاضر، ومن يختلف معي غداً في النتائج التي وصلت إليها (7) .
يتحدث السيد أمين بكل تواضع وشفافية، ومع أن عمله هذا وأعماله الأخرى الفكرية والثقافية تؤهله لأن يكون أحد أشهر المؤرخين العرب في العصر الحديث، ويوضح هذا الأسلوب أثر التنشئة الدينية الصحيحة التي تلقاها في جامعة الإسلام - الحرم النبوي الشريف - على أيدي علماء أجلاء وموسوعيين من أمثال الشيخ محمد الطيب الأنصاري، والسيد أحمد فيض آبادي - مؤسس أقدم مدرسة نظامية في المدينة المنورة - وهي دار العلوم الشرعية، والشيخ إبراهيم برِّي، والد شاعر المدينة الكبير عمر برِّي (8) .
جائزة أمين مدني
أنشأها أبناء السيد المؤرخ أمين مدني عام 1409هـ، تكريماً لوالدهم وإبرازاً لجهوده في البحث التاريخي الذي أثرى به المكتبة العربية، تصدر الجائزة عن نادي المدينة المنورة الأدبي، وينحصر موضوعها في البحث في تاريخ الجزيرة العربية وجغرافيتها والدراسات المتعلقة بها، وتهدف الجائزة إلى تشجيع النشاط البحثي في هذا المجال وتأصيل التراث والإسهام في تعميق معرفة الأجيال القادمة بتاريخها وحضارتها وتراثها، وحفز هممهم على التعرف عليه والتأمل في أبعاده.
هيئة الجائزة
تشكل لجنة علمية من الباحثين والمختصين للإشراف على دراسة البحوث المتقدمة لنيل الجائزة واختيار الأفضل منها.
الفائزون بجائزة أمين مدني:
فاز بها مناصفة في عام 1414هـ كل من:
1 - أ.د محمد عيد الخطراوي، رئيس قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية التربية جامعة الملك عبد العزيز - فرع المدينة المنورة (سابقاً)، عن مجموعته التاريخية، (المدينة المنورة في العصر الجاهلي وصدر الإِسلام).
2 - أ.د صالح لمعي مصطفى، مدير مركز إحياء تراث العمارة الإسلامية القاهرة، عن كتابه، (المدينة المنورة، وتطورها العمراني، وتراثها المعماري).
وفي عام 1416هـ فاز بها مناصفة كل من:
1 - أ.د محمد بن سعيد الشعفي، عميد كلية الآداب بجامعة الملك سعود بالرياض، عن كتابه: (تجارة جدة الخارجية في الفترة بين 1840 - 1916م).
2 - د. محمد أحمد الرويثي، الأستاذ المشارك في كلية التربية بجامعة الملك عبد العزيز - فرع المدينة المنورة (سابقاً)، عن كتابه (الموانئ السعودية على البحر الأحمر، دراسة في الجغرافية الاقتصادية).
وفي عام 1418هـ فاز بها أ.د سعد بن عبد العزيز الراشد، وكيل وزارة المعارف المساعد لشؤون المتاحف والآثار، عن أعماله في الكشف الأثري للمدن والموانئ الإسلامية في الجزيرة العربية وعن دراساته المنشورة وأعماله التنقيبية في منطقة الربذة.
وفاز بالجائزة في سنتها الرابعة 1421هـ كل من:
1 - الأستاذ عاتق بن غيث البلادي الباحث في الجغرافيا والتاريخ والنساب وجغرافية الجزيرة العربية وذلك عن موضوع، المدن الإسلامية في الجزيرة العربية ((تاريخ وحضارة)) ولإنتاجه العلمي المتواصل وتأليفه سلسلة مؤلفات عن مكة المكرمة وتاريخها وجغرافيتها وأوديتها وشعرائها.
2 - دارة الملك عبد العزيز وذلك عن موضوع، تأثير الدعوة الإصلاحية التي قامت في منتصف القرن الثاني عشر الهجري في وسط الجزيرة العربية على النهضة العربية الحديثة، وكذلك لدور الدارة في خدمة تاريخ المملكة العربية السعودية وجغرافيتها وآدابها وآثارها الفكرية.
أمين مدني في سطور
هو السيد أمين بن عبد الله مدني، أحد أعيان ومؤرخي وأدباء المدينة المنورة، ولد عام 1329هـ، من أسرة عرفت بالعلم والأدب فجده لأمه ((أحمد البرزنجي)) مفتي الشافعية بالمدينة المنورة وعضوها في مجلس ((المبعوثان العثماني)) أما والده السيد عبد الله مدني فقد كان من وجهاء المدينة ورجالاتها البارزين، وكان مجلسه يضم أهل العلم والأدب، تلقى تعليمه الابتدائي في المدارس النظامية ثم انتقل إلى الحرم النبوي الشريف فتلقى علوم الدين واللغة والأدب والتاريخ على يد شيوخها. يعد من رعيل الرواد المؤسسين لنهضة الجزيرة العربية. له مؤلفات كثيرة من التاريخ، والثقافة الإسلامية، والنحو، وأدب الرحلات، منها ما هو مطبوع وما هو معد للطبع. وكان له مجلس علمي يرتاده مجموعة كبيرة من أدباء المدينة المنورة ومثقفيها وضيوفه والمهتمين بالتاريخ والأدب وقد ظل المجلس قائماً حتى وفاة صاحبه عام 1404هـ.
من أهم مؤلفاته: كتاب التاريخ العربي وبدايته، والتاريخ العربي ومصادره، التاريخ العربي وجغرافيته، توفي عام 1404هـ.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1569  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 280 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.