شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
النرجسية في توجهنا التراثي
ليس في هذه الأيام فقط، بل وربما على التحديد خلال السنوات العشر التي نعيش آخرها... بل منذ بدايتها - دخل معظم المثقفين - بمختلف مؤهلاتهم الأكاديمية ابتداء من البكالوريوس وانتهاء عند الدكتوراه أو حتى ((الاجريجاسيون)) - في أجواء - ولا أقول أنفاق - ما أسميه ((نرجسية تراثية))، نشرت أجنحتها حتى لتكاد تحتوي أو تستوعب حتى أولئك الذين كان المفروض، أنهم برصيدهم من الخلفيات الثقافية الأكاديمية، قد تجاوزوا مراحل حالة (الانقياد) لاندفاع التيار الجارف، لأنهم - بذلك الرصيد - قادرون على أن يروا فيما تشعه منارات الفكر المعاصر دروباً للتواؤم مع معطيات هذا الفكر والتعامل معه. وليس فقط لموقعهم كمؤهلين لقيادة الحركة الفكرية بل لقيادة عناصر تُعَدُّ بدورها للاضطلاع بمسيرة الفكر، في بلد يعيش إنسانه (المثقف) على مشارف القرن الواحد والعشرين.
وقبل أن نتحدث عن (نرجسية التراث) يحسن أن نقف عند مفهوم ((النرجسية)) نفسها،... قد لا يحتاج المثقفون إلى الوقوف عند مفهومها، ولكن قد لا تستغني عنها بعض شرائح الشداة والناشئين من القراء... وبإيجاز شديد، يمكن القول إن (النرجسية هي تعشق الذات والتيه والإعجاب بها) والأصل فيها، أسطورة ذلك الفتى الإغريقي الجميل، الذي رأى صورة وجهه في الماء، فعشق صورته الجميلة. وعشقته آلهة الماء فرفض حبها فحكمت آلهة العدالة أن يغرق في الماء لتحوله إلى زهرة هي (زهرة النرجس)...
وطوال ما يقرب من عشر سنوات - وربما أكثر - تفشت في مدارك المثقفين في العالم العربي بل وحتى عند أكابرهم، ما أسميه (نرجسية التراث)... بمعنى تعشق الموروث التراثي، إلى حد التماس - ولا أقول ادعاء - أصول وجذور كل عطاء حضاري معاصر، في الموروث من التراث... ولا مأخذ قطعاً، على من يلتمس هذه الأصول والجذور في العلوم - والتطبيقية منها على الأخص - كالطب، والصيدلة، والفلك والرياضيات - ومنها الجبر وحساب المثلثات والكيمياء، ولكن هذه الأصول والجذور مع التسليم بوجودها ومع حقنا في الاعتزاز بأنها من موروثاتنا التراثية، يجب أن لا ينسينا ما بذل من جهد وما أنفق من أموال للتطوير والإضافات الكبيرة الهائلة التي بلغت بهذه العلوم مستواها المذهل الذي نعيشه، في ألوف المخترعات والمبتكرات، التي نعجز للأسف عن صنع حتى التافه البسيط منها... وحين تطفح أنهر الصحف والمجلات عندنا بمقالات وبحوث مطولة يحاول كتابها ومؤلفوها تأكيد أن ما نراه ونعايشه من عطاء التقدم والتفوق الحضاري - الآلي والعقلاني - إنما هو في الأصل من موروثنا التراثي... فإني أخشى أن هذه ((النرجسية)) يرخي حوافز طموحنا بل ويثبط عزائمنا أو تطلعنا إلى اقتحام الحاضر والمستقبل بالتوصل إلى القمم الشامخة الشاهقة التي بلغها العلم، ولا يزال ينطلق، إلى ما وراءها، ليس في أعالي الفضاء فقط، بل وفي أعماق الأرض والبحار.
ويتزايد ويتضح هذا التوجه التراثي، أو هذه ((النرجسية التراثية))، في مجال الموروث الأدبي، ومنه النقد، واللغة، وفنون القول، التي تطرحها مدارس النقد في العالم المتقدم. وتتعنصر النرجسية عندنا فتتصدى وتقف في وجه التعامل مع الجديد بنوع من التعصب، والإصرار على أن ما عندنا من موروثنا يكفينا ويغنينا عن الأخذ، أو حتى التعامل المعقول من هذا الجديد، لتطوير ما لدينا ووضعه على خط المسيرة الفكرية في العالم... ونحن - أردنا أم أبينا - جزء من هذا العالم المنطلق إلى القمم... ولا معنى أو مبرر من أي نوع، للزهد أو استنكاف التطلع إلى بلوغ تلك القمم.
أسميها (نرجسية)، ولا أخفي أنها تجعلني أتوجس، أن تكون هي المعوِّق الأخطر في تطلعنا إلى التطور والنمو... في كل مجال، وعلى كل صعيد.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :866  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 30 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثاني - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج