شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
برناردشو، وجائزة نوبل... والديناميت
يصعب أن أوجز لمحة عن حياة الكاتب ((جورج برنارد شو))، في مجال هذه الكلمة... مثل هذه اللمحة مهما أوجزت، لا بد أن تستغرق أكثر من خمسين صفحة من كتيب صغير، وتظل رغم ذلك لمحة موجزة أشد الإيجاز. وذلك، لأنه الكاتب الذي تعامل مع الحياة في أوسع آفاقها، وعايشها بكل متناقضاتها، بالضاحك الساخر من جوانبها، وبالعابس المتجهم من فصولها ومراحله معها.
يكفي أن أذكر أنه ولد في عام 1856، في مدينة دبلين ورحل في عام 1950. ويوم أُعلن خبر رحيله كنت في نيودلهي، ومن عادتي أن أستقبل كبرى صحف الهند منذ الصباح الباكر، فإذا بالصفحة الأولى كلّها تنعيه بمانشيت، ليس فيه إلا اسمه، وصورته، وتاريخ وساعة وفاته متأثراً بكسر ساقه الذي تعذّر على العلاج. وعندما ذهبت إلى مكتبي في إذاعات الهند كنت أرى في أيدي الرائحين والغادين في الممرات إلى مكتبي، الصحف التي حملت خبر رحيله، وبنفس حجم الصفحة الأولى... واللافت للنظر أن من الذين كانوا يعكفون على قراءة النعي فراشين أو خدما، تتوهّم أن لا علاقة لهم بالأدب أو الفن ولكن الحقيقة أنهم مثقفون، يتابعون حركة الفكر، ليس في الهند فقط، بل في العالم الناطق باللغة الإنجليزية... والهند كانت ولا تزال تعتبر اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية، أو اللغة الأولى التي لا بد أن يعرفها الجميع - ذكوراً وأناثاً - ولا ننسَ أن لغات الشعب الهندي أو الشعوب الهندية تتجاوز اثنتين وعشرين لغة (تكتب وتقرأ).
أما عن جائزة نوبل التي استحقها ((شو)) في عام 1925، وضجّ بخبرها العالم باعتبارها رمزاً لتقدير أدبه وأعماله ومسرحياته (الخمسين)، وأبحاثه النقدية التي تناولت ما كان يصدر من الكتب، وما كان يكتب من الأعمال (الموسيقية) ويعزف في أرقى القاعات والمسارح المخصصة للموسيقى (وقد جمعت هذه البحوث النقدية للموسيقى وحدها في ثلاثة أجزاء ضخمة)... فقد كانت المفاجأة التي هزّت ضمير العالم، وكأنها أيقظته من إغفاءاته الطويلة، أن جورج برنارد شو قد رفضها، بل أعاد أمر صرفها له من أحد البنوك، قائلاً (تعاد إلى الذين اخترعوا (الديناميت).
وأثارت المفاجأة جماهير من الذين استهولوا التصرف، بحيث بلغ عدد الرسائل التي تلقاها من المعجبين بتصرفه، خمسين ألف رسالة، ولكن من هذه الرسائل، ما استوقفه، واحتفظ به بين ما يعن له أحياناً أن يحتفظ به من رسائل قراء مقالاته، وتعليقاته، رسالة طبعت وصدرت في كتاب ألّفته ((فيفيان اليوت)) بعنوان (عزيزي مستر شو) وهي رسالة يقول كاتبها: (لقد رفضت استلام جائزة نوبل، وهي ذلك المبلغ الضخم، ماذا كان يمنع أن تستلمها وتوزّعها على الكثيرين الذين لا تكره أن تساعدهم... وما دمت تستطيع أن تستغني عن المبلغ فإني أظن أنك تستطيع أن تقرضني 1500 جنيه أدفعها بعد ثلاث سنوات).
وما انهمر عليه بعد فوزه بهذه الجائزة، وإعادتها إلى (مخترعي الديناميت) من طلبات المساعدة، والاقتراض، كان في حد ذاته شاغلاً، يستنفد الكثير من وقته... وفي الكتاب صورة، لساعي البريد وهو يحمل الرسائل والطرود، التي ترسل إليه... وتستلمها منه مدبِّرة منزله... إنها لكثرتها، تنقل في صندوق في عجلة الساعي كل صباح.
ومع أنه قد بلغ الرابعة والتسعين من العمر عندما رحل عن الدنيا، فقد كانت له في السنوات الأخيرة من حياته سكرتيرة شابّة، هي التي تعنى بهذه الألوف من الرسائل، تقرؤها وتختار له ما تُرجّح هي أنه لا يرفض قراءتها... ومع أنه يملي عليها رسائله فتكتبها كاتبة الآلة، فقد أثر عنها أنها كانت دائمة الابتسامة... حين تراه يقف أمامها، ساخراً بما قرأ، ويملي هذه الردود، التي كانت كثيراً ما تباع، وتجد من يشتريها من المرسل إليهم بمبالغ طيبة.
وإذ أقرأ، الرسائل والردود التي يكتبها إلى قرائه، في هذا الكتاب الممتع ومع التعليقات، التي تناثرت هنا وهناك، عن الجائزة التي أعادها إلى (مخترعي الديناميت) أتساءل، كم من الذين منحوا هذه الجائزة وملأوا العالم ضجيجاً وزهواً بفوزهم بها، خطر له أن يتذكّر أنها تمنح من (الذين اخترعوا الديناميت)؟؟؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :673  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 31 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج