شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الاستماع إلى الموسيقى... ومن غير ليه
بعضُهم يمازحني - إذا لاحظ أني نسيت موضوعاً، أو اسم كتاب أو حتى اسم شخص أعرفه - يمازحني فيقول (إن ((الأستيكة)) في دماغي، أو هو ((نافوخي)) كما يطيب لإخواننا في مصر أن يقولوا هي المسؤولة عن هذا النسيان، لأنها في هذه المرحلة من عمري، قد نشطت فأخذت تمحو الكثير مما كان في أيام زمان... وسالف العصر والأوان) والأستيكة في لهجة إخواننا المصريين هي التي نسميها نحن (المسّاحة) من المطاط، أو غيره لمحو ما يكتب بالقلم الرصاص على الورق أو بالطباشير على السبورة.
والواقع أني أدخل مرحلةً من نشاط الذاكرة جدير بأن ألتفت إليه، وهي أن (الاستيكة إياها حين تمحو من الذاكرة أحداثاً منذ يوم أو أسبوع أو حتى سنة، فإنها تعيد إلى وعيي أحداثاً، وأسماء أشخاص وأماكن، في بلدان بعينها، بل وحتى مشاهد ومواقف، بكل ما دار فيها من حوار، إضافة إلى ما سمعته من ألحان وأعمال موسيقية كنت أتوهّم أنها تلاشت من الذاكرة ولن تعود، ومنذ دهر طويل.
وعنوان كلمة اليوم، يقول إن موضوعها هو الاستماع إلى الموسيقى... وأغنية (من غير ليه) للموسيقار محمد عبد الوهاب.
ولا بد أن أبادر فأقول إن ((الاستماع إلى الموسيقى)) ليس عملاً تلقائياً، يمكن أن يحسنه المرء بدون تعليم أو تدريب. وشاهدي على ذلك هو استماعي إلى الموسيقى الغربية... وهنا تعيد الذاكرة إلى وعيي، أيام كنت أعمل في إذاعات الهند منذ ما يقرب من أربعين سنة. إذ كان مما يُطلب مني أن أكتب برامج، أو تمثيليات، وأن أخرجها أيضاً... وفي الإخراج الإذاعي لا بد من الاعتماد على (المؤثرات الصوتية) ولكن قبل ذلك على الموسيقى التي تصوّر الموقف الدرامي بمختلف متغيراته ومنعطفاته... واكتشفت مع مسؤوليتي عن إخراج النص، أني لا أجد في الموسيقى العربية، ما يحقق الغرض. ولكني - في نفس الوقت - لا أعرف شيئاً عن الموسيقى الغربية... وصارحت المسؤول بجهلي بالنسبة للموسيقى الغربية، فكان مما قاله، هو أن أقضي ما لا يقل عن ساعة كل يوم في الاستماع إلى الأعمال الموسيقية في مكتبة الموسيقى، وسأجد على كل (أسطوانة) اسم المؤلف، وقائد الأوركسترا الخ... وكان... حرصت على أن أقضي في الاستماع أكثر من ساعتين يومياً... مع تسجيل اسم المؤلف، وقائد الأوركسترا... ولا أذكر الآن كم من الأعمال سمعت... وكم مرة كنت أعيد الاستماع إلى عمل بعينه لمؤلف من المؤلفين. وبعد أن كنت أستمع لأتعلم وأتدرّب، أصبحت أحرص على الاستماع لأستمتع... لأحلم، وأحلّق في آفاق وأجواء يتعذّر تصوّرها، ولكنّها مع ذلك كأنها دنيا من الألوان والرؤى في كون بعيد قريب. وقد يكون مما آسف له، أني مع إدمان الاستماع إلى الموسيقى الغربية، قد فقدت الكثير من الاستمتاع بالاستماع إلى الموسيقى العربية، وخاصّة الصوتية - وأعني الغناء - باستثناء فيروز وأم كلثوم، والموسيقار محمد عبد الوهاب في أعماله الكبيرة، مثل الجندول... والكرنك... والنهر الخالد الخ...
وفي حديث منذ ليلتين، مع الدكتور عبد الله منّاع دار الحوار بيني وبينه عن أغنية الأستاذ محمد عبد الوهاب الأخيرة التي اكتسحت (لولاكي) وغيرها من الأغاني الشبابية. وهي (من غير ليه)... والمنّاع شديد التعلّق بعبد الوهاب، معجب بفنه وأستاذيته، إلى الحد الذي جعله يرى في أغنية (من غير ليه) عملاً يستحق أن يكتب عنه مقالاً ينشره في ((المرايا)) التي سوف تصدر خلال أسابيع من القاهرة.
وقد رفض المنّاع بإصرار، أن يكون الأستاذ محمد عبد الوهاب، قد أخفق في أن يشعر بمعاني أكثر من مقطع من مقاطع الكلمات التي كتبها ((مرسي جميل عزيز))... كنت أرى - ولا أزال - أن إحساس الموسيقار بهذه المعاني، كان (بارداً)، فجاءت الأغنية، محاولة لمزاحمة الأغنية الشبابية بالتوزيع الأوركسترالي، ولكنها لم تعبّر عن مشاعر الشاعر في كلماته. ولكن لا بد أن نسجّل للأستاذ محمد عبد الوهاب، في أدائه لهذه الأغنية أن صوته، وقد تخطى الثمانين أجمل كثيراً من صوته، في أيام شبابه.
ومن هنا تطرح قضية الاستماع إلى الموسيقى، وأنها ليست عملاً تلقائياً، وإنما هو علم أو على الأقل (تدريب).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :715  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 29 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.