شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

الرئيسية > كتاب الاثنينية > كلمات معالي الدكتور محمد عبده يماني في الاثنينية
 
في الاحتفاء بمكة المكرمة عاصمة الثقافة الإسلامية (1)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله أنه ما اندثرت عكاظ حتى أكرمنا الله بانبعاث عكاظ الثانية في هذا الملتقى الذي نسميه الاثنينية وما هو إلا بعكاظ نحيي فيها ذلك التراث الذي نسعى جميعاً للاعتزاز به، وخصوصاً في تلك الجوانب العلمية والأدبية والثقافية، لكني لا أخفيكم أني تأثرت من كلمة اختيار مكة المكرمة كعاصمة للثقافة الإسلامية، ومن يجرؤ على اختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية؟ لقد اختارها الله قبل الناس عاصمة لكل شيء في الدنيا، فمن يجرؤ أن يدعي أنه سيختارها عاصمة للثقافة؟ إنما نحن نحيي هذه الذكرى ونعتز بهذه المدينة الطيبة الطاهرة، هذه المدينة التي أكرمها الله سبحانه وتعالى فاختارها مكاناً لأول بيت وضع للناس، ومن هنا نلاحظ أن أبانا إبراهيم لم يبنِ الكعبة من عدم، ولم يبدأ ببناء الكعبة من عدم، ولم يبدأ ببناء الكعبة وإنما رفع القواعد الموجودة، ما يدل على أن هذه الكعبة المشرفة قد وجدت منذ وجد الناس على الأرض، إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِين (آل عمران: 96) هذا معناه أن هذا البيت وجد منذ اللحظات التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون هناك أناس على الأرض، ولهذا عندما هبط أبونا آدم عليه السلام ورأى الملائكة تطوف بالبيت سألهم ماذا تقولون؟ قالوا نقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، قال وأتموا: ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم شاء الله أن يكون البناء التالي الأساسي هو لشيت عليه السلام، هذا البيت عندما ندقق علمياً في مكانه في مكة المكرمة نلاحظ أن مكة المكرمة تحيط بها جبال تبلغ أعمار هذه الجبال في مكة المكرمة وما حولها وحتى في منطقة عرفات والكر، هذه الجبال تبلغ من العمر بين سبعمائة وخمسين وثمانمائة مليون سنة، عمر هذه الصخور حسب ما قدرناها جيولوجياً ونحن لسنا كأصحاب البنوك يهمنا القرش والقرشين فنحن نحكي بالملايين، لكن الشيء الذي يهمنا هو أنه ما ورد أول ما ظهر على هذا الكون هو مكان البيت ثم انتشرت الأرض بعد ذلك، وأن أول جبل برز هو جبل أبو قبيس، كما يروي ذلك سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه، فيما رواه البيهقي، أي إن هذا الجبل الشاهق أبو قبيس أحد الأخشبين الذين قال عنهم صلى الله عليه و سلم: أن ملك الجبال سألني إن كنت أرغب في أن أطبق عليهم الأخشبين بعد أن فعلوا ما فعلوا برسول الله، فقال الرحمة المهداة: لا.. لعل يظهر من أصلابهم من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
فنشاهد هذه الجبال المحيطة بمكة المكرمة، يتخللها هذا الوادي الذي هو أحدث منها والذي فيه البيت والوادي هذا كان وادياً عميقاً جيولوجياً، ولكن مع مرور السنوات الطويلة وملايين السنين اندثر وامتلأ، ولذلك نرى الجبال اليوم أقل سموًّا مع أن الوادي عمر وادي مكة المكرمة كعمر البحر الأحمر ثلاثين مليون سنة، أي أنه حديث نسبة إلى هذه الجبال التي تحيط به.
مكة المكرمة عندما ننظر بعمق في هذه المدينة الطيبة الطاهرة نلاحظ أنها نور أضاء بكل شيء وأن الله قد نوَّرها، منذ اللحظات الأولى مع أن المدينة المنورة الحبيبة إلى الله والحبيبة إلى رسول الله لم تنوَّر إلا عندما قَدِم عليها المصطفى صلى الله عليه و سلم، كما قال أنس بن مالك عندما دخل سيدنا محمد أضاء كل ما في المدينة، مكة المكرمة عندما نقف وننظر في ذلك التأريخ المشرق لهذه المدينة علمياً وثقافياً ونلاحظ أن هناك لحظات إيمانية مرت بالرجال والنساء، الذين أقاموا في هذه المدينة، هذا أبونا إبراهيم يأتي بامرأة ضعيفة هاجر ويتركها، وليس معها إلا سقاء بسيط من ماء، ثم يحاول أن يسير خارج مكة المكرمة، فتلحق به وتقول: لمن تتركنا يا إبراهيم؟ فلا يرد عليها عليه السلام، ثم تسعى فتقول له: أو أمرك الله بهذا؟ قال: نعم: قالت: إذن لا يضيعنا. إيمان هذه المرأة في هذه البلدة شاء الله به أن ينبع ذلك الماء الذي جعله الله سبحانه وتعالى معجزة وهدية لجبر خاطر هذه السيدة بإيمانها العميق فغرست هذه المدينة مكة المكرمة، لحظة من لحظات الإيمان ولهذا نلاحظ أن السيدة هاجر رضي الله عنها عندما قالت هذا القول بهذا الإيمان العميق أكرمها الله بزمزم فهي من شدة الفرحة أخذت تزم زمزم زمزم زُمِّي فقال صلى الله عليه و سلم ليت هاجر لم تزم زمزم لكانت جعلت مكة المكرمة بكاملها بحيرة ماء من زمزم، ولكن تلك إرادة الله عزَّ وجل.
نأتي في تلك اللحظات التي نشعر فيها بأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذه المدينة الخالدة هذه المدينة التي اختارها الله لكل هذه المعجزات يأتي رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا يعبد صنماً، ويتحنَّث في غار حراء، وقليل من الناس يعرفون أن الغار تحنث فيه عبد المطلب، جد النبي صلى الله عليه و سلم في هذا المكان، والرسول صلى الله عليه و سلم كان يبقى فيه لأيام عشرة أو خمسة عشر يوماً وقد يمتد إلى شهر وهذه المرأة الخالدة تذهب إليه بالطعام والشراب ولا ترسل خادماً ولا ترسل خادمة وهي ثرية، تريد أن تطمئن بنفسها عليه، ثم تصدح بتلك الكلمات الخالدة عندما يأتيها دثريني، زمليني، تقول له: والله لن يخزيك الله أبداً! تقسم بمن؟ تقسم بالله عزَّ وجلَّ. إنك لتصل الرحم، كما ذكر أخي الحبيب محمد إسماعيل جوهرجي في قصيدته.
ثم نشاهد لحظات إيمانية عظيمة عندما أدركت قريش الخطر الذي يهدد هذه البنية ففزعوا إلى أبي طالب أن يكفيهم محمداً فيذهب إليه ويحاول معه فتأتي المقولة الخالدة: والله يا عمَّاه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أعود عن هذا الدين ما فعلت هنا اللحظات الإيمانية التي علَّم بها رسول الله صلى الله عليه و سلم الأمة وكانت منبعاً للثقافة الحقة ثقافة علمت الأمة / الصحابة الذين ضاقوا من كثرة صبرهم، فقالوا له يا رسول الله: أليس هناك من مخرج فيتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم ويقول لهم: إن الله منجز هذا الأمر ولكنكم قوم تستعجلون. إيمان صادق وهذا أبو بكر الصديق الرجل الذي صبر واحتسب في مكة المكرمة عندما يلاحظ أن هناك محاولة أمر بالهجرة فيسأل النبي صلى الله عليه و سلم الصحبة وتأتي القصة ويذهب إلى غار ثور وهناك يدخل في الغار فيشاء الله أن يأتي عنكبوت فيسدَّ باب الغار وتبيض الحمامة الوحشية وقريش عرب لا يمكن أن يقبلوا أحداً أن يقول أحد دخل من هنا كيف يدخل والعنكبوت.. فلذلك وقفوا عند الغار وقالوا هنا وصل، المرّي قال إما أن يكون صعد إلى السماء، أو نزل إلى الأرض، انظر إلى سيدنا أبي بكر الصديق وهو في الغار يقول له: يا محمد لو نظروا تحت أقدامهم لرأونا، ما أروع اللحظات الإيمانية يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما، لحظات إيمانية في هذه المدينة الخالدة، حتى عندما تعاقب الزمن ونجد أن الرجال والنساء لهم تلك القدرة على الصبر، ولهم تلك القدرة على التعبير، هذه أسماء بنت أبي بكر (ذات النطاقين) التي كانت تأخذ الطعام وتشق رداءها شقَّين حتى سمِّيت (ذات النطاقين) يأتي الزمن ويجور عليها حتى يأتي الحجاج ويعلِّق ابنها عبد الله في المطاف ويقول إذا مرَّت أسماء من هنا فأخبروني ماذا تقول، يريدها أن تبكي، يريدها أن تنتحب، يريدها أن تترجَّى، فتقول مقولتها الخالدة: "أما آن لهذا الفارس أن يترجَّل" قال ادفنوه ستذهب مثلاً، وبعد أن دفن يقول الراوي لقِيَها في شعب علي، فتعرَّض لها وهو يعرف مكانتها، لكنه اقترب منها وقال: يا أسماء كيف ترين صنيعي بابنك عبد الله ابن الزبير؟ قالت: يا حجاج أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك، قال: ليتني لم أسألها، ليتني لم أسألها، وعندما أتم بناء الكعبة وبقي التراب خشي أين يضع التراب؟ ولا يعلم أحداً أحقَّ ولا أفقه من أسماء، فأرسل إليها وقال: اذهبوا فاسألوها الحجاج يسألك أين يضع بقية التراب؟ فقالت لهم وقد كُفَّ بصرها رضي الله عنها: قولوا له يعيدها إلى بطنها أعاده الله إلى بطن أمه، فالقوم استكثروا الكلام وخشوا أن يقول الحجاج كيف يعود إلى بطن أمه؟ وفي تعبيرها نوع من الشتيمة فقالوا تقول أسماء أدخله في الكعبة، قال قاتلكم الله ما هذا بكلام أسماء، قولوا ما قالت؟ قالوا أما وقد أصررت تقول أعيده إلى بطنها أعادك الله إلى بطن أمك، قال: يا مغفل إنها تدعو علي بالموت فالأرض هي أمي.
أحداث في هذه المدينة عجيبة وأحداث كبيرة، صنعت منها بإرادة الله ذلك المركز الثقافي ثم توالت الأزمان وتعددت الأحداث ونأتي لنرى هذا الحرم المكي الشريف وقد أصبح يعج بعلماء من أهل مكة المكرمة من الفقهاء ومن القراء يفد إليه الناس من أقاصي الأرض ليتعلموا عندهم في الحرم، في كراسي الحرم، ويفد علماء ليُعلّموا في الحرم، فأصبحت تلك الجامعة الثقافية العظيمة، هذا الحرم المكي الشريف كلما تعمقنا ونظرنا في تلك الأحداث نشاهد ونلاحظ أن مكة المكرمة لم نخترها نحن، ولكن اختارها الله من فوق سبع سماوات لتكون عاصمة للثقافة بل للثقافات في أنحاء المعمورة كافة، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
 
طباعة
 القراءات :251  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 106 من 142
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.