(( كلمة المحتفي سعادة الأستاذ عبد المقصود خوجه ))
|
ثم تحدث الأستاذ عبد المقصود خوجه، فقال: |
- بسم الله الرحمن الرحيم. |
- أحمُدُك اللهم كما ينبغي لجلالِ وجهك، وعظيمِ سلطانك؛ وأصلي وأسلمُ على خيرِ من علَّم وسيد من أعلم، خاتَم أنبيائِكَ، صفيِّكَ وحبيبِكَ.. سيدِنَا محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبِه وسلم. |
- أيها الأحبة: |
- السلام عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه. |
|
- وأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم - مجدداً - في أُمسية من أمسِيَات الدِّفْءِ والمحبة.. أمسيةٍ تأتَلِقُ بنورِ العلمِ، ونور الإيمان، ونورِ الخيِر العميم، الَّذي أنعم به علينا الحقُّ (سبحانه وتعالى) عندما أنزل علينا الكتابَ ما فرّطَ فيه من شيء.. قال تعالى: وما من دابةٍ في الأرض ولا طائرٍ يطير بِجَنَاحيه إلاَّ أممٌ أمثالُكُمْ ما فرّطنا في الكتابِ من شيءٍ ثم إلى ربهم يُحْشَرُون [الأنعام: 38]. |
|
- كم يسعدُنا - أيها الأحبةُ - أن نحتفِيَ من خلال هذه الاثنينية بضيفِنَا الكبير سماحَةِ الشيخ مختار السلامي مفتي تُونُس، والحديثُ عن ضيفِنَا ذو شجونَ.. فهو رجلُ علمٍ ورجلُ فُتْيَا، وَأَحْسَبُ أنَّ كليهما من الأمانةِ التي عرضها الحقُّ (سبحانه وتعالى) على السماواتِ والأرضِ والجبالِ، فأشْفَقْنَ منها وأَبَيْنَ أن يَحْمِلَنَهَا، وحملها الإنسان.. كما أنَّ الحديثَ عن ضيفِنَا لن يبتعدَ عن قاعدةِ أولِ سفيرٍ وَمُفْتٍ (بالمعنى المعاصر) بعثه سيدُنَا محمدٌ صلى الله عليه وسلم إلى اليمن.. حين تأهّبَ الصحابيُّ الجليلُ معاذ بن جبل للسفر إلى اليمن ليفقِّهَ الناسَ في دينهم، فسأله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بماذا تحكُمُ بينَ الناس؟ فقال: بكتابِ الله؛ قال فإنْ لم تجدْ؟ قال فبسنةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال فإن لم تجدْ؟ قال أجتهدُ رأيي ولا آلو؛ قال فلذلك بعثتكَ. |
|
- هذا الحديثُ الشريفُ فيه قاعدةٌ عظيمةٌ وعلمٌ كثير، قد لا يسمح الوقتُ للاسترسال فيه، ولكن عموماً فقد وَضَعَ الأُسُسَ التي يتمُّ بها الحكمُ و الفُتْيَا، ونحن الآن - بكل أسفٍ - نَمُرُّ بوقتٍ تجرَّأَ فيه كثيرٌ من الناس على الفُتْيَا بغير علمٍ ولا هُدى، ونصّبُوا أنفسَهُمْ علماء، وفقهاء، وأصحابَ حَلٍّ وربْطٍ في أمورٍ أَبْعَدَ ما تكونُ عن مدارِكِهِمْ، وجعلوا من الفُتْيَا مصدراً للظهورِ في المجتمعات، وَتصدُّرِ المجالس، ونظروا إلى إرضاءِ غرورِهِمُ الذاتي، دون اهتمامٍ بتضييعِ مصالحِ العباد، وتصديعِ بُنْيَانِ المجتمع. |
- غير أنَّ هذه العُصْبَةَ - ولله الحمد - رغمَ اسْتِشْراءِ ضررِها، قد تصدَّى لها مَنْ نبذَهَا وما زال يَنْبُذُهَا ويكبِتُ مَرَامِيَهَا، وقيض اللهُ (سبحانه وتعالى) رجالاً وهبُوا حياتَهُمْ لحمايةِ هذا الدينِ القيِّم، والسيرِ على المحجةِ البيضاءَ لَيْلُهَا كنهارِهَا، لا يزيغُ عنها إلاَّ هالك. |
- وضيفُنَا العلامة سماحةُ الشيخ مختار السلامي - ولا أُزَكِّي على اللهِ أحداً - من هؤلاءِ الرجالِ الَّذين صَدَقُوا الوَعْدَ، وحملوا أعباءَ الأمانةِ والمسؤوليةِ التي نذروا لها أنفُسَهُم؛ تعلّم العلمَ وعَمِلَ بهِ، ولعله مِنَ الاثنين اللَّذين يجوزُ حَسَدُهُمَا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلاَّ في اثنتيْن: رجلٍ آتاه الله مالاً فسُلط على هَلَكَتِه في الحق، ورجلٍ آتاه الله الحكمةَ فهو يقضي بها ويُعلِّمها" وبعلمِهِ وعِلم أمثاله من أصحابِ الفضلِ، يمكن تجاوزَ المرحلةِ الحَرِجَة التي يمرُّ بها العالمُ الإسلامي، ويَتِمُّ الخروج من عنقِ الزجاجةِ إلى رحابةِ العلْمِ الَّذي أنشأنا أَوَّلَ مدارسِهِ وجامعاتِهِ، ومنها انبثق النورُ لِيَعُمَّ معظَمَ العالَمِ المعروفِ في ذلك الوقتِ، من الصيِن شرقاً إلى الأَنْدَلُسِ غرباً، حملَ مشاعِلَ النورِ رجالٌ كالبلايا على ظهورِ المطايا، ليس لهم من هدفٍ في الحياةِ غَيْر إبلاغِ كلمةِ التوحيدِ إلى مُخْتَلِفِ أرجاءِ المعمورة، لم تُزِغْ قلوبَهُم ثروةٌ أو جاهٌ أو سلطانْ، فكلُّ ما فوقَ الترابِ ترابُ. |
- وهكذا سارت بهم الدنيا من نصرٍ إلى نصر إلى أن تغيَّرَتْ أهدافُهُم، ووسَّدُوا الأمرَ غيرَ أهلِهِ، فزالت دولتُهُم ولكنها ستعودُ بإذنِ الله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولن تَزَالَ هذه الأمةُ قائمةً على أمرِ الله، لا يضرُّهُم مَنْ خَالَفَهُمْ حتى يأتِيَ أمرُ الله". |
- نسألُ الله (سبحانَه وتعالى) أن يهيِّئَ لنا من أَمْرِنَا رَشَداً، وأن يجعلَنَا مِنَ الَّذين يسمعون القولَ فيتَّبِعُون أَحْسَنَه، وأن يُكْثِرَ مِنْ أمثالِ سماحةِ شيخِنَا العلامةِ الكبير، وأن يوفِّقَهُ لما يحبُّ ويرضى، ويُعِيَنُه على أداءِ مَهَامِّهِ الجسيمَةِ، وينفعَنَا بعلمِهِ وفضلِهِ، ويجعَلَ كلَّ ذلك في ميزانِ حسناته. |
- أيها الأحبة: هذه هي أمسيتُنَا الأخيرة، ومسكُ الختامِ للجزء الأول من نشاطِنَا في هذا المَوْسِم، وسنعاودُ التواصلَ - بإذنَ اللهِ - بعد شهرِ رمضَانَ المبارك وعطلةِ عيدِ الفطر، راجياً الباري أن يعيدَ هاتين المناسبتين الكريمتين عليكم بالخيِر والسعادة، وعلى هذه الأمةِ التي هي خيرُ أمةٍ أخرجتْ للناس، والعالَمُ الإسلاميُّ قد ضمَّد جراحَهُ، وحمل رسالتَهُ الأولى.. رسالةَ التوحيدِ، التي تَوَّجَتْهُ على شعوبِ العالَمِ قاطبةً، وأعْطتهُ السيادَةَ والقيادَةَ والريادَة..؛ آمِلينَ أن نلتَقِيَ - إن شاء اللهُ في أول أمسيةٍ قادمة - يوم 12 شوال 1415هـ، لتكريم معالي الدكتور أحمد محمد علي أمين عام رابطةِ العالم الإسلامي؛ متمنياً لجمعِكُمْ الطيبَ قضاءَ أجملِ الأوقات مع ضيفِنَا العلامة سماحةِ الشيخ مختار السلامي، الَّذي لبَّى - مشكوراً - دعوةَ الاثنينيةِ، وَقَدِمَ من تُونُسَ الخضراءِ ليُمْتِعَنَا بلقائِهِ، والتزوُّدِ مِنْ علمِه. |
- وقبل أن أختتم كلمتي، أرحب بسعادة السفير التونسي، الَّذي شرفنا في هذه الأمسية مع سعادة قنصلها؛ كما سعدنا في هذه الأمسية بضيف كبير عرفتموه قبل الآن علماً من أعلام المنابر، ورجلاً من رجالاتها، كان سفيراً لتونس، وكان خير علم لها في المملكة العربية السعودية وأينما سار، ولا أزكي على الله أحداً، معالي الدكتور عبد السلام المسدي؛ وهذه الليلة - أيضاً - سعدنا بأستاذنا الكبير الدكتور محمد بن سعد بن حسين، الأستاذ المعروف والناقد الكبير؛ وأرحب بكم - جميعاً - فرداً فرداً، وأتمنى لكم وقتاً طيباً؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
|
|