شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حفل تكريم الشيخ أبي تراب الظاهري (1)
قال: كما تعودت أن أتكلم سواء كان الكلام قد فرض عليَّ أو رغبته، وجدت المقال والقول ذا سعة، ولكن عالمنا، أستاذنا، تلميذنا أبا تراب قد أغرقني بما قال، وبما سرد علينا من ذلك العلم الجمّ والرصيد الفخم، فإذا أنا غارق أكاد أعجز عن الكلام، ولكني أستمد القوة منه فكم كان هو قوة لي، وعوناً لي لقبته بالأستاذ التلميذ لا لأنه تلميذ لي، وإنما لأنه يشرف كأستاذ بقدر ما يشرف بأنه تلميذ... دائماً هو طالب العلم، دائماً يتعلم. ينسى أنه يعرف كذا وكذا فلا يدعي... فإذا ما سألته وجدته قد رجع. لا يتراجع أمام أي حجة وإنما هو يقدم إقداماً قوياً فيأتيك بالحجة. أبو تراب بقية الناس... بقية الذين عرفناهم من كابر العلماء في المسجد النبوي كالعزيز بن الوزير، وحمدان بن الونيس، وحسين أحمد، وإبراهيم لبري، وأحمد البرزنجي. كنا إذا سمعناهم وما اقل أن نسمعهم، فقد كان صغر السن يمنعنا من أن نكون خلطاء لهم... ولكن كنا إذا سمعناهم، عجبنا لما يقولون، فجاء أبو تراب على هذا النحو. جاء عالماً مجلياً، قد أوتي الفطنة في أن يتعقب الأخطاء، لا لأنه يغضب على أحد و يريد أن ينافس أحداً، ولكن يريد أن يتنفس بالمعرفة، أن يتنفس نصيراً للحق، ما عجزت عن مسألة إلا وجدته حاضر الإجابة، فأنا في عشوتي هذه هو بصري، وهو بصيرتي، فكم أنا مدين له بما يبصر لي وبما يُبصرني.
أبو تراب أريد أن أستملح معه فأحكي عنه أضحوكة، لقد كان مُصَحَّحاً في جريدة البلاد وما أقل ما يٌعطي الكريم من الوظائف أو غيرها فهل كنت أنا وغيري نرأسه؟ نرأسه بحكم التقليد أو بحكم الوظيفة ولكن كان هو يرأسنا بالعلم والمعرفة، في إحدى المرات نشرت الأخبار عن الخلاف بين يوغسلافيا، وإيطاليا، وألبانيا... الدول التي على بحر الأدرياتيك... عن المنطقة التي اسمها التيرول فعزَّ على أبي تراب أن نكتب التيرول بدل البترول، فغير كلمة التيرول بكلمة البترول، وإذا فؤاد ناظر حفظه الله، وكان المسؤول في وزارة الخارجية يتحدث إليّ هاتفياً ويقول: يا أستاذ ألا تُفرقون بين التيرول والبترول؟ قلت له: والله قد فرقنا ولكنَّ أستاذنا أبا تراب لا يعرف التيرول وليس له علاقة بالجغرفة في أوروبا... هو عالم إسلامي، ولغوي فأحب أن يصحح ولا يعرف إلا البترول وأوقعنا في هذه المشكلة اللغوية عفا الله عنه.
هذا الرجل الجهم في ألفاظه اللغوية الذي نبتعد عنه إذا ما أغرب ما أشدَّ قربنا له وأنيساً، رفيقاً، حَنَّاناً. لم تأخذ منه الهند التي نشأ فيها أن كان جافياً أو غليظاً وإنما أخذته رقة هذا البلد، أبو تراب لا تحسبوه إلاّ وكأنه قد نشأ في مكة أو نشأ في المدينة، فهو غَزل وهو مُترف حتى وهو يعيش الشظف كان مترف الفكر، مترف الأنس، مترف العلاقة، لأن الترف ليس في الجيب إنما الترف في القلب، الترف في الوجدان، كم من فقير وكم من شظف يعيش الترف. هذا مصطفى حمام ما كان رجلا إلا أفقر الفقراء ولكن ما أشد ظرفه وما أقوى ترفه: الترف في النفس وأبو تراب كان مع الشظف ترفاً أيما ترف. أعجزني عن أن أفيض، فأعتذر وأسأل الله أن يطيل عمره، وأن يديم عليه التوفيق، وأن لا يحرمني حَبَاءه، وأن أكون في حياتي دائم التطلع إليه والأخذ منه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :584  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 24 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.