شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حفل تكريم الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين (1)
أعطيت الكلمة للأستاذ الكبير محمد حسين زيدان فقال:
بسم الله الرحمن الرحيم.. ما كنت أحسب أن أبا مدين يعتنق الصدق، بهذه الحفاوة وبهذا الإصرار، فأول الصدق أنه لم يستح من الشظف الذي عاشه، فلئن جاعت معدته فإنه بهذا الجوع قد أشبع عقله وفكره، يتيم بلا معين إلا الله سبحانه وتعالى، ثم إلا عون خاله، الرجل الذي كنا نحترمه ونكبره مصطفى بدر الدين، والذي أصبح له صهر في هذا البلد ومكان، فكما ذكر من أصهاره صالح بوقري، وكما لم يذكر فإن صهره عبد الرحمن محمد سرور الصبان، هذا الرجل كان كريماً مع كل من كان يعرفه وكنت أعرفه أيضاً، وكان رجلاً حازماً جازماً لعلّه قد صنع من عبد الفتاح أبي مدين بعض الإصرار، وكل التحدي الذي فيه، فكان مصطفى بدر الدين أيضاً لبيباً صارماً. الصدق في أبي مدين عزمت في نفسي أن أتحداه.. فأنا أعرف تاريخ بلدي المدينة المنورة، أعرف مواليدها وشبابها، كنت أظن أن أبا مدين يخفي مولده في بني غازي، يذكر أنه نشأ في المدينة، أو وُلد في المدينة كما عرفنا عن غيره ممن لم يذكر أين ولد، وإنما قال أنه مديني وهكذا...
هذا الصدق في أبي مدين هو عنوان الرجولة فيه، ما بنغازي، ما المدينة، ما مكة، ما تونس، ما دمشق، ما مصر... إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (الأنبياء: 92)... دين واحد، لسان واحد، أرض واحدة، لئن فصلها البرزخ فإن القناة وصلتها، سواء أكان شرق السويس، أو غرب السويس، كلنا أمة واحدة، لعلّه تأثر بعمر المختار، ابن بلده، ذلك الشيخ الذي جاهد. أذكر أن أحد علماء شنقيط قال لي مرة، أو قلت له أنا مرة: أنتم يا علماء الشنقيط قد حجزتم أنفسكم في شعر القدامى من أصحاب المعلقات والهذليين، فتحداني فقال: نحن إذا قال المحدثون مثل هذا البيت حفظنا له، وأنشد:
لكن أخو خيل حمى صهواتها
وأدار من أعرافها الهيجاء
فقلت له: هذا البيت لمحدث هو شوقي في عمر المختار... تصوروا كأنما أسمع عامر بن الطفيل، أو زيد الخير، أو خلد بن عامر، يقولون مثل هذا الشعر. شاعر تركي أنشأته البيئة العربية عربياً فما أفصح... البيئة هي الطابع... الإنسان ورقة بيضاء، البيئة تطبعه فتجعل التركي عربياً، فلئن كان العرب أعرافاً فإن العروبة استعراق.. ومن كان عربياً مثل شوقي الذي يقول:
لكن أخو خيل حمى صهواتها
وأدار من أعرافها الهيجاء
لو لم نقل شوقي لقلنا شاعر جاهلي عامر بن الطفيل، أو زيد الخير، هذه النشأة الليبية والولادة الليبية والعرق الليبي فيه البداوة، والبداوة لا تنحرف عن الصدق لأنها تأتي من الطبع، وجاء في البيئة الصادقة، البيئة العاشقة لعلّكم لا تعرفون أن تربة المدينة تربة غَزلة، تربة الحب، أتحدى ولا ينكر عليَّ الأستاذ عزيز أني لم أجد مدنياً إلاّ وقد عشق إلا وقد أحب، ذلك لأن المدينة تُربة غزلة، الصدق الليبي والحب المدني جعلا من أبي مدين هذا الرجل الذي قست عليه الحياة فإذا هو يلين صخرها، يصبح رجلاً ممتازاً بيننا... ما كنت أعرف من قصته ما قال... كم لقي من العذاب ولكنه عذاب ذاق فيه طعم العذوبة بالنجاح... بالصبر وبالتحدي..
أنا صاحب علاقة مع ليبيا لعلّي لا أريد أن أذكرها ولكن أذكر شيئاً واحداً زعيمها الذي نال استقلالها بمعاهدة مع الإنجليز بشير السعداوي، كان صديقاً لي، عرفته من أحمد الدالي وفهمي الحشَّاني. أذكر بكل الفخر أنَّنا على فانوس في بيت فهمي الخشَّاني أصلحنا بينه وبين أحمد باشا المُريضي أحد زعماء الثورة الليبية، وفي بيتي على فانوس نمرة ((2)) أصلحت بينه وبين محمد بك المنتصر... وكنا... وقد خوت جيوبنا من المال وراتبي (35) ريالاً في دار اليتام... كنت أنا وفهمي الحشَّاني نجمع من الحجاج مرة (60) جنيهاً ذهباً، ومرة (600) جنيه ذهباً أرسلناها لبشير السعداوي في دمشق... أذكر لبشير عندما جاء وأنا مدير شؤون الرياض يأخذ قائمة حساب يصرف له، وقد زارني، قلت له هنيئاً استقلال ليبيا ولكن لا تكن عمدة في مصطبة السياسة كما كان سعد زغلول... سر مع جيش السنوسي لئلا يخطفه غيرك. فقال كلمة أريد أن أسجلها... اسمع لولا ما أعطانا محمد سرور الصبان لما نلت استقلال ليبيا.. قلت له ذلك عطاء الصبان ولكنه من عطايا عبد العزيز لأني أعتقد أن الصبان لم يفعل ذلك معكم إلا برضا الملك عبد العزيز... كلام يجب أن يقال... كلام يجب أن يثني على رجال ماتوا يرحمهم الله.
أنا أهنئ نفسي بصداقة عبد الفتاح أبي مدين... فله فضل عليَّ... إنه عرفني قبل أن أعرفه... حين ذكر بعضهم الذين أسسوا جريدة المدينة وقاموا بتحريرها، نسي أو تناسى أو أراد أن يجحف بحذفي منها فانتصب يرد عليه، وإني لعاتب على صديقي عثمان حافظ أنه لم يشر إلى ذلك وأنا كنت شريكه المكلف بتحرير الجريدة، ولكن عبد الفتاح هو الذي نصرني... لعلّكم تسألون كم كنا نتقاضى ونحن نحرر جريدة المدينة... هل كنا نتقاضى عشرة ريالات، أو عشرين ريالاً أو مائة ريال في الواقع لم نتقاض شيئاً أبداً..
والسلام عليكم ورحمة الله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :572  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 23 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج