شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ذو الخلصة - ذو الكفين
(انظر ص 73 هامش رقم 1)
تمهيد:
تباينت روايات المؤرخين، واختلفت أراؤهم عن ذي الخلصة ومكانها والقبائل التي كانت تعظمها:
رواية الأزرقي 1)
فقال الأزرقي: نصب عمرو بن لحي الخلصة بأسفل مكة...
(انظر ص 73 من هذا الكتاب)
رواية ابن الكلبي 2)
وقال ابن الكلبي: وكان من تلك الأصنام، ذو الخلصة وكان مروة بيضاء منقوشة عليها كهيئة التاج، وكانت بتبالة بين مكة واليمن، على مسيرة سبع ليالي من مكة، وكان سدنتها بنو أمامة من باهلة بن أعصر، وكانت تعظمها وتهدي لها خثعم وبجيلة وأزد السراة ومن قاربهم من بطن العرب من هوازن ومن كان ببلادهم من العرب بتبالة: وذو الخلصة اليوم عتبة باب مسجد تبالة.
(الأصنام ص 34 - 36)
رواية ابن هشام 3)
وذكرها ابن هشام فقال: قال ابن إسحاق: وكان ذو الخلصة لدوس وخثعم وبجيلة، ومن كان ببلادهم من العرب بتبالة؛ قال ابن هشام ويقال ذو الخلصة.
(سيرة ابن هشام ج1 ص30)
رواية الشامي 4)
وقال عبد الله بن محمد بن يوسف الدمشقي المشهور بالشامي: ذو الخلصة محركة وبضمتين بيت كان يدعى (الكعبة اليمانية) لخثعم، كان فيه صنم اسمه الخلصة.
(السيرة الشامية المعروفة بسبل الهدى والرشاد)
رواية ياقوت 5)
وأضاف ياقوت إلى الروايات المذكورة ما يلي:
الخلصة: مضاف إليها ذو بفتح أوله وثانيه ويروي بضم أوله وثانيه، والأول أصح... والخلصة في اللغة نبت طيب الريح يتعلق بالشجر له حب كعنب الثعلب وجمع الخلصة خلص... وقيل: كان معناه في تسميتهم له بذلك أن عباده والطائفين به خلصة. وقال القاضي عياض المغربي: ذو الخلصة بالتحريك وربما روى بضمها والأول أكثر، وقد رواه بعضهم بسكون اللام وكذا قاله ابن دريد، وهو بيت صنم في ديار دوس، وهو اسم صنم لا اسم بنية وكذا جاء في الحديث تفسيره... وقيل هو الكعبة اليمانية التي بناها أبرهة بن الصباح الحميري وكان فيه صنم يدعى الخلصة فهدم... وقيل: كان ذو الخلصة يسمى الكعبة اليمانية، والبيت الحرام الكعبة الشامية.. وقال أبو القاسم الزمخشري: في قول من زعم أن ذا الخلصة بيت كان فيه صنم نظر، لأن ذو لا يضاف إلا إلى أسماء الأجناس... وقال ابن حبيب في مخبره كان ذو الخلصة بيتاً تعبده بجيلة وخثعم والحارث بن كعب وجرم وزبيد والغوث بن مر بن أد، وبنو هلال بن عامر، وكانوا سدنته بين مكة واليمن بالعبلاء على أربع مراحل من مكة وهو اليوم بيت قصار فيما أخبرت... وقال المبرد: موضعه اليوم مسجد جامع لبلدة يقال لها العبلات من أرض خثعم (معجم البلدان ج3 ص 453 - 458).
رواية الهمداني 6)
وقال الهمداني: ذو الخلصة بناحية تبالة (صفة جزيرة العرب ص 127)
رواية الأصبهاني 7)
وقال الأصبهاني: ذو الخلصة وثن من أوثانهم (الأغاني ج9 ص 7)
رواية ابن منظور 8)
وقال ابن منظور: الخلص شجر طيب الريح له ورد كورد المرو، طيب زكي قال أبو حنيفة أخبرني إعرابي أن الخلص شجر ينبت نبات الكرم يتعلق بالشجر فيعلق وله ورق غير رقاق مدورة واسعة، وله وردة كوردة المرو، وأصوله مشربة وهو طيب الريح وله حب كحب عنب الثعلب يجتمع الثلاث والأربع معاً وهو أحمر كخرز العقيق لا يؤكل ولكنه يرعى... وذو الخلصة موضع يقال أنه بيت لخثعم كان يدعى كعبة اليمامة، وكان فيه صنم يدعى الخلصة فهدم... هو بيت كان فيه صنم دوس وخثعم وبجيلة وغيرهم، وقيل: ذو الخلصة الكعبة اليمانية التي كانت باليمن.. وقيل: ذو الخلصة الصنم نفسه.. (لسان العرب).
رواية الزبيدي 9)
وقال الزبيدي: (بعد أن ذكر رواية الدينوري عن نبات الخلص كما في اللسان) وذا الخلصة محركة وعليه اقتصر الجوهري، ويقال: بضمتين حكاء هشام وحكى ابن دريد فتح الأول وإسكان الثاني وضبطه بعضهم بفتح أوله وضم ثانيه والأول الأشهر عند المحدثين، بيت كان يدعى الكعبة اليمانية ويقال له: كعبة اليمامة وهو الذي في أصول الصحاح، وقوله لخثعم: هو الذي اقتصر عليه الجوهري وزاد غيره ودوس بجبيلة وغيرهم... (وبعد أن ذكر رواية الحافظ ابن حجر قال:) والصحيح أنه صنم كان أسفل مكة نصبه عمرو بن لحي وقلده القلائد وعلق به بيض النعام وكان يذبح عنده: كان فيه صنم اسمه الخلصة، وقيل ذو الخلصة: الصنم نفسه، قال ابن الأثير: وفيه نظر لأن ذو لا تضاف إلا إلى أسماء الأجناس أو لأنه كان منبت الخلصة النبات الذي ذكر قريباً. (تاج العروس).
رواية ابن حجر 10)
وقال الحافظ ابن حجر: (بعد أن ذكر حديث غزوة ذي الخلصة وسنأتي على ذكرها): ذو الخلصة: اسم للبيت الذي كان فيه الصنم، وقيل: اسم البيت الخلصة، واسم الصنم ذو الخلصة، ثم قال (بعد ذكره رواية ابن المبرد المارة الذكر) ووهم من قال أنه كان في بلاد فارس... وقد وقع ذكر ذي الخلصة في حديث أبي هريرة عند الشيخين في كتاب الفتن مرفوعاً: لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة، وكان صنماً تعبده دوس في الجاهلية والذي يظهر لي أنه غير المراد في حديث الباب، وإن كان السهيلي يشير إلى اتحادهما، لأن دوساً قبيلة أبي هريرة ينتهي نسبهم إلى الأزد، فبينهم وبين خثعم تباين في النسب والبلد، وذكر ابن دحية أن ذا الخلصة المراد في حديث أبي هريرة كان عمرو بن لحي قد نصبه أسفل مكة (الخ رواية الأزرقي)، وأما الذي لخثعم فكانوا قد بنوا بيتاً يضاهون به الكعبة فظهر الافتراق وقوى التعدد والله أعلم (فتح الباري. غزوة ذي الخلصة).
وقال أيضاً: (بعد أن ذكر لاتقوم الساعة... الحديث وذو الخلصة طاغية دوس التي كانوا يعبدونها في الجاهلية، زاد معمر بتبالة.. وأن عليه الآن بيتاً مبنياً مغلقاً... وقال ابن التين: فيه الأخبار بأن نساء دوس يركبن الدواب من البلدان إلى الصنم المذكور، فهو المراد باضطراب ألياتهن ويحتمل أن يكون المراد أنهن يتزاحمن بحيث تضرب عجيرة بعضهن الأخرى عند الطواف حول الصنم المذكور (فتح الباري: كتاب الفتن).
رواية النووي 11)
وقال النووي: بعد ذكره لحديث: لا تقوم الساعة الخ أما قوله أليات فبفتح الهمزة واللام ومعناه أعجازهن جمع ألية كجفنة وجفنات، والمراد يضطربن من الطواف حول ذي الخلصة أي يكفرون ويرجعون إلى عبادة الأصنام وتعظيمها، وأما تبالة فبمثناة فوق مفتوحة ثم ياء موحدة مخففة وهي موضع باليمن وليست تبالة التي يضرب بها المثل ويقال: أهون على الحجاج من تبالة، لأن تلك بالطائف. وأما ذو الخلصة فبفتح الخاء واللام هذا هو المشهور حكي القاضي فيه في شرح المشارق ثلاثة أوجه أحدها هذا، والثاني بضم الخاء والثالث بفتح الخاء وإسكان اللام قالوا: وهو بيت صنم ببلاد دوس (شرح صحيح مسلم كتاب الفتن).
. . . .
تحقيقاتنا:
هذه خلاصة الروايات التي ذكرها المؤرخون حول (ذي الخلصة)، ويتضح للقارئ منها أن الآراء متشعبة والروايات متباينة. وجدير بنا - قبل أن نفند هذا الاختلاف - أن نبدأ بذكر تحقيقاتنا الخاصة المتعلقة بهذا الموضوع.
الطواغيت:
فنقول: كانت العرب اتخذت مع الكعبة طواغيت وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة لها سدنة وحجاب، وتهدي لها كما تهدى للكعبة، وتطوف بها كطوافها بها، وتنحر عندها كما تنحر عند الكعبة، وهي مع ذلك تعرف فضل الكعبة المشرفة عليها لأنها بناء إبراهيم الخليل عليه السلام ومسجده (البداية والنهاية ج2 ص192 وبلوغ الأرب ج2 ص229).
البيوت المشهورة:
مثل اللات وذي الخلصة، وكعبة غطفان، وكعبة نجران، وكعبة شداد، ورئام (الاكليل ص84).
وقد أشار الأزرقي إلى بعض هذه البيوت في بحثه المار الذكر كما أشار إلى ذي الخلصة التي هي مدار بحثنا هذا:
ذو الخلصة:
ذو الخلصة. بفتح الخاء واللام كما قال ياقوت والجوهري وعياض، وهو المشهور عند قبائل السراة في هذا اليوم.
اشتقاقه:
أما اشتقاقه، فلم نهتد إليه بالتأكيد، وإنما نرجح رواية ياقوت حيث قال: معناه في تسميتهم له بذلك أن عباده والطائفين به خلصة.
هل كان بيتاً؟
كان ذو الخلصة بيتاً فيه نصب تعبد يقال له الكعبة، وهو الأشهر عند المحدثين والمؤرخين، ورواية جرير بن عبد الله البجلي أنصع برهان على ذلك (صحيح البخاري غزوة ذي الخلصة)، وهي القول الفصل، لأن أهل مكة أدرى بشعابها.
أسماؤها الأخرى:
وكانت تسمى أيضاً الكعبة اليمانية، كما جاء في حديث جرير، واتفق عليه المؤرخون ولكنهم اختلفوا في صحة تسميتها بـ (الكعبة الشامية) لأن المعروف أنهم كانوا يسمون بيت الله الحرام (الكعبة الشامية) وعلى هذا اتفق المؤرخون.
ونقل الزبيدي وابن منظور عن الجوهري أنها كانت تسمى (كعبة اليمامة) وهذا وهم من الجوهري أو تحريف من الناسخ، فالفرق بين بين (اليمامة) و (اليمانية) والمكان مختلف.
وكانت تسمى (بيت ذي الخلصة) أيضاً، وعلى هذا وقع الإجماع.
ونرجح أنها كانت تسمى (الولية)، والولية مشتقة من الولي ومعناه المحب والنصير وقد ورد هذا الاسم في البيت الأول من أبيات الخثعمية التي سنذكرها فيما بعد حيث قالت:
*وبنو أمامة بالوليه صرعوا*
ويؤيد ذلك أن العوام من المسلمين ما برحوا يسمون المقامات والمزارات بهذا الاسم حتى الآن.
الاستقسام بالأزلام:
وكانوا يستقسمون عند ذي الخلصة على الطريقة التي ذكرها الأزرقي؛ ولما خرج امرؤ القيس بطلب بثأر أبيه استقسم عنده فخرج له ما يكره فسب الصنم؛ ورماه بالحجارة وأنشد:
لو كنت يا ذا الخلص الموتورا
مثلي وكان شيخك المقبورا
لم تنه عن قتل العداة زورا
فلم يستقسم عنده أحد بعد حتى جاء أمر الله بالإسلام وهدمه جرير (الأصنام ص35 ومعجم البلدان ج3 ص475، والأغاني ج8 ص68).
ولكن جاء في حديث جرير بن عبد الله البجلي أنه لما قدم اليمن كان بها - أي بذي الخلصة - رجل يستقسم بالأزلام، وحديث الباب يدل على أنهم استمروا يستقسمون عنده حتى نهاهم الإسلام (فتح الباري: غزوة ذي الخلصة).
سرية البجلي:
ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، وأسلمت العرب، ووفدت عليه وفودها، قدم جرير بن عبد الله البجلي سنة عشر المدينة، ومعه من قومه مائة وخمسون رجلاً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسائله عما وراءه فقال: يا رسول الله قد أظهر الله الإسلام وأظهر الأذان في مساجدهم وساحاتهم، وهدمت القبايل أصنامها التي كانت تعبد قال: فما فعل ذو الخلصة؟ قال: هو على حاله قد بقي، والله مريح منه إن شاء الله، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هدم ذي الخلصة: فما أطال الغيبة حتى رجع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هدمته؟ قال: نعم والذي بعثك بالحق، وأخذت ما عليه وأحرقته بالنار فتركته كما يسوء من يهوى هواه، وما صدنا عنه أحد.
(الطبقات الكبير ج1 ق2 ص77،78).
وأما رواية صحيح البخاري عن هذه الغزوة فهي:
وقال جرير بن عبد الله البجلي: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تريحني من ذي الخلصة فقلت بلى، فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس، وكانوا أصحاب خيل، وكنت لا أثبت على الخيل فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضرب يده على صدري حتى رأيت أثر يده على صدري، فقال اللهم ثبته واجعله هادياً مهدياً، قال: فما وقعت عن فرس بعد، قال: وكان ذو الخلصة بيتاً باليمن لخثعم وبجيلة فيه نصب يعبد يقال له: الكعبة، قال: فأتاها فحرقها بالنار وكسرها (صحيح البخاري. انظر أيضاً غزوة ذي الخلصة في كتب الأحاديث والسيرة).
وقد قالت امرأة من خثعم لما هدم البجلي بنيان ذي الخلصة:
وبنو أمامة بالولية صرعوا
ثملا يعالج كلهم أنبوبا
جاؤوا لبيضتهم فلاقوا دونها
أسداً تقب لدى السيوف قبيبا
قسم المذلة بين نسوة خثعم
فتيان أحمس قسمة تشعيبا
(الأصنام ص36 ومعجم البلدان ج3 ص475)
آثار الخلصة:
والذي يبدو لنا أن البجلي لم يقو على هدم بنيان ذي الخلصة كلها لضخامته، أو أنه اكتفى بهدم قسم منه أو بهدم الأوثان التي كانت فيه، وبقاء جدران البنيان قائماً كما يتبين من التفاصيل التي سنذكرها فيما بعد يؤيد رواية ابن حبيب والمبرد ومعمر.
اضطراب الأمن:
ولما اضطرب حبل الأمن في جزيرة العرب، في العصور الأخيرة، وافتقد القاطنون فيها الراحة والطمأنينة، وساد الفقر والإملاق في البلاد، أحست النفوس بالرغبة في التبتل والتنسك، وشعرت الأرواح بالحاجة إلى ملجأ تفزع إليه.
الرجوع إلى ذي الخلصة:
فانقلبت إلى حياتها الجاهلية الأولى بالتمسك بالبدع والخرافات، وعادت إلى التمسح بالأحجار والأشجار، وكانت دوس ومن يجاورها من القبايل في الطليعة فرجعت إلى ذي الخلصة تتمسح بها، وتهدي لها وتنحر عندها.
شجرة العبلاء:
وكذلك صارت تفعل عند شجرة كانت تصاقب ذي الخلصة تسمى (العبلاء).
جدرانها الباقية:
ولما استولى جلالة الملك عبد العزيز الفيصل آل سعود ملك المملكة العربية السعودية، على الحجاز في عام 1343هـ، عين عبد العزيز بن إبراهيم أميراً على مقاطعة الطائف، وانتدبه لقيادة حملة سيرها جلالته لإخضاع القبائل القاطنة في سراة الحجاز.
وبعد أن أخضعت الحملة قبائل زهران النازلة في الوادي المعروف باسمها خرجت إلى جبال دوس وذلك في شهر ربيع الثاني من عام 1344 هـ وكان في دسكرة (ثروق) جدرات بنيان ذي الخلصة لا تزال قائمة، وبجانبها شجرة العبلاء فأحرقت الحملة الشجرة، وهدمت البيت، ورمت بأنقاضه إلى الوادي فعفي بعد ذلك رسمها وانقطع أثرها. ويقول أحد الذين رافقوا الحملة، أن بنيان ذي الخلصة كان ضخماً بحيث لا يقوى على زحزحت الحجر الواحد منه أقل من أربعين شخصاً وأن متانته تدل على مهارة وحذق في البناء.
وقال لنا أحد شيوخ بني زهران أن بنيان الخلصة كان تاماً، ولما استولى الإمام سعود الكبير على عسير في الربع الأول من القرن الثالث عشر هدم قسماً منه وبقيت جدرانه قائمة إلى عام 1344 كما ذكرنا.
قبيلة دوس:
أما قبيلة دوس التي ينسب إليها بيت الخلصة فهي دوس بن عدثان - بضم العين وسكون الدال وثاء مثلثة ونون بينهما ألف - ابن عبد الله، ودوس مصدر دست الشيء أدوسه دوساً ودست الطعام دوساً معروف والاسم الدياس وهذه الياء واو انقلبت لانكسار ما قبلها.
ودوس بطن من زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله من الأزد (الاشتقاق لابن دريد ص291 وسبائك الذهب 276، وتاج العروس).
أفخاذ دوس:
وأفخاذ دوس المعروفة اليوم هي اثنان: بنو منهب وبنو فهم.
وقد ذكر السويدي نسبهم فقال:
1) بنو منهب بن دوس بن عدثان ومنهم وهب بن عبد الله الشاعر.
2) بنو فهم بن غنم بن دوس بن عدثان ومنهم جزيمة الأبرش بن مالك أول ملوك الحيرة (سبائك الذهب ص77).
تقيم قبائل زهران في أواسط جبال الحجاز على محاذاة الليث شرقاً وتؤلف هي وغامد (1) مقاطعة واحدة باسم إمارة غامد وزهران ومركزها بلدتا الباحة والظفير.
بلاد دوس:
وتقع ديارها بين بني مالك من الشمال وغامد من الشرق وزبيد من الجنوب والجنوب الغربي، وذوي بركات وذوي حسن من الغرب وتمتد في الغرب إلى ما يقرب من ساحل البحر بمقدار 25 ميلاً (قلب جزيرة العرب ص153،73).
أما قبيلة دوس فهي تقيم في الجهة الشمالية من هذا الوادي، وهي نازلة في قسم من جبال السراة كان يسمى (سراة دوس) (صفة جزيرة العرب ص119) وتعرف اليوم بـ (جبال دوس) أو (فرعة دوس) وبينها وبين الطائف أربعة أيام.
وفرعة دوس هذه هي جبال منيفة صعبة المرتقى؛ وعرة المسالك، وهي بلاد زراعية ومن أهم حاصلاتها البر والشعير والعنب واللوز والموز والعسل.
وفي جبال دوس واديان كبيران أحدهما يسمى (وادي قرن) وثانيهما يسمى (وادي رمس) ولا يوجد في فرعة دوس أماكن جديرة بأن تسمى مدناً وإنما هنالك قرى قليلة العدد أكبرها (ثروق) المارة الذكر. وهي واقعة بين قرن ورمس، وتقطن فيها بنو منهب.
وقرية ثروق هي قديمة العهد ورد ذكرها في كتب الأقدمين:
ثَرُوقْ:
قال عنها الزبيدي: (ثروق كصبور) أهمله الجوهري وصاحب اللسان وقال الصاغاني: قرية عظيمة لدوس.
وقال عنها ياقوت: ثروق. مرتجل لم أر هذا المركب مستعملاً في كلام العرب وهو اسم قرية عظيمة لبني دوس بن عدثان... جاء ذكرها في حديث حممة الدوسي وفي حديث وفود الطفيل بن عمرو... وهي قرية عظيمة فيها منبر. وقال رجل من دوس في حرب كانت بينهم وبين بني الحارث بن كلب:
قد علمت صفراء حوساء (2) الذيل
شرابة المخض تروك القيل
ترخى فروعاً مثل أذناب الخيل
إن ثروقاً دونها كالويل
ودونها خرط القتاد بالليل
وقد أتت واد كثير السيل
(معجم البلدان ج3 ص12، وتاج العروس)
أسماؤها الأخرى:
وقد جرت عادة العرب إطلاق الجزء على الكل، فمن هذا القبيل إطلاقهم اسم ذي الخلصة على بلدة ثروق، ذكر ابن سعد في ترجمة أم شريك قال: أسلم زوج أم شريك وهي غزية بنت جابر الدوسية من الأزد وهو أبو العكر فهاجر إلى رسول الله مع أبي هريرة مع دوس حين هاجروا - قالت أم شريك فجاءني أهل أبي العكر، فقالوا لعلك على دينه قلت أي والله أني لعلى دينه، قالوا لا جرم والله
ذو الخلصة:
لنعذبنك عذاباً شديداً فارتحلوا بنا من دارنا ونحن كنا بذي الخلصة وهو موضعنا.
(الطبقات ج8 ق2 ص111)
الولية:
وكانوا يسمون البلدة المذكورة أيضاً (الولية). والولية اسم ذي الخلصة كما مر. وقد قال ياقوت: الولية موضع في بلاد خثعم أوقع بأهله جرير بن عبد الله البجلي حيث حرق ذا الخلصة.. قالت امرأة منهم: *وبنو أمامة بالولية صرعوا*
(معجم البلدان ج8 ص434)
العبلاء:
وكانوا يسمونها (العبلاء) أو (العبلات) كما جاء في رواية ابن حبيب والمبرد، ويؤيد ذلك وجود مروة بيضاء في بيت ذي الخلصة (الأصنام ص36) وشجرة أرطي بجانب البيت المذكور، وقد ذكر أصحاب المعاجم أن هذا النوع من الشجر يسمى (العبلاء) كما أن المروة البيضاء من الحجر الأبيض تسمى كذلك العبلاء، وهذا الاصطلاح لا يزال معروفاً بين سكان جزيرة العرب حتى هذا اليوم.
العبلات الثلاثة:
وفي بلاد الطائف والسراة ثلاثة أماكن تسمى العبلاء:
(الأولى) هذه وهي من شجر العبلاء.
(الثانية) في بلاد بلحارث وهي مروة بيضاء.
و (الثالثة) بين ركبة وسوق عكاظ وهي مروة بيضاء أيضاً، وكنا ذكرنا (في الهامش رقم 1 - ص73) أن ذا الخلصة بالعبلات المحاذية لركبة، هذا وهم منا فليصحح.
تبالة:
فمن هذه الإيضاحات يتضح للقارئ أن ذا الخلصة كان في قرية (ثروق) التي كانت تسمى أيضاً (ذو الخلصة) و (الولية) (والعبلات). ويخطئ من يقول أنها بتبالة، فإن تبالة تبعد عن جبال دوس مسيرة ثلاثة أيام وهي واد كبير يمتد من بلاد خثعم الواقعة في الجنوب الشرقي من وادي زهران إلى ديرة بلقرن التي كانت تسمى بنو القرن، (صفة جزيرة العرب ص70) والمصاقبة لوادي بيشة وتقطن في طرفيه قبائل عديدة من خثعم، والقول بأن ذا الخلصة كان عتبة تبالة أقرب إلى الصحة.
وتقع بلدة (تبالة) في وسط هذا الوادي، وسكانها قبيلة (يُكْلُبُ) وهي أكبر القبائل النازلة في الوادي المذكور وقبيلة (يكلب) قحطانية واسمها محرف عن (أكلب بن عفير بن حلف بن خثعم) وإليها ينسب أيضاً فيقال (وادي تبالة) و (وادي يكلب). وهو ذو تربة خصبة، وزراعة مهمة ويحتوي على ثلاثين قرية أكبرها تبالة. والبلدة المذكورة - أي تبالة - هي التي يضرب بها المثل فيقال: (أهون على الحجاج من تبالة). وقد ذكر ياقوت والنووي وغيرهما أن تبالة موضعان، أحدهما باليمن وهي المقصودة في بحث ذي الخلصة، والثاني بتهامة وهي التي يضرب بها المثل.
وقد ذكرنا فيما سبق ما ذكره النووي ونذكر فيما يلي ما قاله ياقوت عنها: قال تبالة. بالفتح قيل تبالة التي جاء ذكرها في كتاب مسلم بن الحجاج موضع ببلاد اليمن وأظنها غير تبالة الحجاج بن يوسف، فإن تبالة الحجاج بلدة مشهورة من أرض تهامة في طريق اليمن أسلم أهل تبالة وجرش عن غير حرب فأقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيدي أهلهما على ما أسلموا عليه، وجعل على كل حالم ممن بهما من أهل الكتاب دينار أو اشترط عليهم ضيافة المسلمين، وكان فتحها في سنة عشر وهي مما يضرب المثل بخصبها. قال لبيد:
فالضيف والجار الجنيب كأنما
هبطا تبالة مخصباً أهضامها
وفيها قيل أهون من تبالة على الحجاج.. قال أبو اليقظان: كانت تبالة أول عمل وليه الحجاج بن يوسف الثقفي فسار إليها فلما قرب منها قال للدليل: أين تبالة وعلى أي سمت هي؟ فقال: ما يسترها عنك إلا هذه الأكمة، فقال لا أراني أميراً على موضع تستره عني هذه الأكمة أهون بها ولاية، وكر راجعاً ولم يدخلها فقيل هذا المثل...
(معجم البلدان ج2 صحيفة 357)
قلنا وهذا وهم وغلط، فإنه لا توجد في جزيرة العرب بلدة تسمى (تبالة) غير التي في تهامة عسير المارة الذكر.
القبائل التي كانت تعظمها:
هل كانت ذو الخلصة لقبيلة دوس خاصة أم أنها كانت مشتركة بين قبائل مختلفة؟ جرت عادة العرب في جاهليتها أن تشترك بضع قبائل في عبادة بيت واحد، فتختص كل قبيلة أو قبيلتين بطاغوت واحد تضعه بجانب طواغيت القبائل الأخرى في هذا البيت المشترك، وقد رأينا الأزرقي وابن الكلبي يشيران إلى ذلك في مواضع مختلفة من أبحاثهما. وقد انتهجت القبائل التي ورد ذكرها في مقدمة بحثنا هذا، المنهاج نفسه بالاشتراك في عبادة بيت ذي الخلصة، وفي إقامة الأوثان المختلفة فيه كما أشار إلى ذلك جرير بن عبد الله البجلي، لذلك لم يكن ذو الخلصة لدوس وحدها أو لخثعم وحدها وإنما كان لقبائل عديدة وبذلك تنتفي شبهة الرواة بكونه صنماً أو بيتاً، كما أنه لا يبقى مجال لقول
تباين النسب والبلد:
الحافظ ابن حجر في سياق غزوة ذي الخلصة أن ذا الخلصة المذكور في حديث لا تقوم الساعة حتى... قد يكون المراد منه غير الذي هدمه جرير البجلي، لأن
السراة:
بين خثعم ودوس تبايناً في النسب والبلد، وهذا وهم من الحافظ ابن حجر فإن اختلاف النسب والدار لا ينفي الاشتراك في عبادة بيت واحد كما مر. أضف إلى ذلك أن قبائل خثعم وبجيلة والحارث والأزد وغيرها ممن ورد ذكرها على لسان الرواة كانت نازلة في سراة الطائف، وسراة عسير وتهامة (صفة جزيرة العرب صفحات 122،121،120،119، 116،112،71وغيرها)، ولا تزال بطون هذه القبائل وأفخاذها تسكن في هذه المنازل نفسها، وهي تصاقب وادي زهران وتطيف به من جهاته الأربعة، وجبال دوس قائمة في القسم الشمالي من وادي زهران كما ذكرنا.
رواية الأزرقي:
وقد ذكر الأزرقي أن ذا الخلصة كان صنماً بأسفل مكة، وعنه نقل المؤرخون هذه الرواية؛ وغير بعيد أنه كان في ضاحية من ضواحي مكة صنم بهذا الاسم فكسر يوم فتح مكة المكرمة، أو أنه كان في قرية الخلصة التي قال ياقوت عنها أنها في مر الظهران المعروف اليوم بوادي فاطمة، فرجح الأزرقي وجود هذا الصنم في القرية المذكورة لاتحاد اسمهما، أما اليوم فلا توجد قرية تسمى الخالصة في الوادي المذكور؛ وإنما يوجد في هذا الوادي خيف يسمى (عين الخلص) ويقول المعمرون من أهل الحجاز أن مر الظهران، أو وادي فاطمة كان يحتوي على ثلاثماية وستين خيفاً، درست أكثرها، ولم يبق منها إلا خمسة وأربعون فقط.
القليس:
وذكر ياقوت رواية بأنه يقال أن ذا الخلصة هو الكعبة اليمانية التي بناها أبرهة وهذا خطأ صريح لم يقل به أحد من المؤرخين، فإن التي بناها أبرهة هي القليس بصنعاء اليمن، وبقيت أطلالها شاخصة إلى زمان أبي العباس السفاح كما ذكر ياقوت نفسه (معجم البلدان ج7 ص156).
رواية ابن بشر:
نقلنا في الصفحة (263) رواية الزهراني عن ذي الخلصة، وأنها هدمت في عهد الإمام سعود الكبير، وقد اطلعنا فيما بعد على رواية لابن بشر تؤيد قول الزهراني إلا أنه يختلف وابن بشر بأن هدمها كان في عهد الإمام عبد العزيز والد الإمام سعود وهو الأصح عندنا:
قال ابن بشر (في حوادث 1230) وساروا - أي الترك - إلى بيشة ونازلوا أكلب وأطاعوا لهم (كذا) ثم ساروا منها إلى تبالة وهي البلد التي هدم المسلمون فيها (ذا الخلصة) زمن عبد العزيز بن محمد بن سعود وهو الصنم الذي بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله البجيلي فهدمه، فلما طال الزمان أعادوه فعبدوه (عنوان المجد ج1 ص180).
....
ذو الكفين:
وذكر الأزرقي صنم ذي الكفين (ص78) ولم يبين القبيلة التي ينسب إليها، ولكن ابن الكلبي وياقوت قالا: كان لدوس ثم لبني منهب بن دوس (الأصنام ص30 ومعجم البلدان ج7 ص267) وأتى الديار بكرلي ببيان أوضح من ذلك فقال: وهو صنم من خشب كان لعمرو بن حممة (تاريخ الخميس ج2 ص109) وعمرو هذا هو والد الطفيل الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذي الكفين فهدمه وحرقه.
ويتراآى لنا أن ذا الكفين كان في بيت آل حممة وهو الأرجح عندنا وأنه لم يكن في (ثروق) وإنما كان في قرية أخرى حتى اقتضى الأمر لإرسال الطفيل لكسره والله أعلم بالصواب.
تراجع المصادر الآتية علاوة على ما ذكرناه:
(الروض الأنف ج1 ص256 (عمدة القارى) ج7 ص60 و ج8 ص388 (الاستيعاب) ج1 ص89 (شرح المواهب اللدنية) ج3 ص32 (تاريخ الطبري) ج3 ص173 (تاريخ الخميس) ج2 ص138.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :4066  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 106 من 288
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.