الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > > الحلقة العشرون

الحلقة ـ 20 ـ

مكرز: أخشى ما أخشاه يا أبا جندل هو..

سهيل:هو ماذا يا مكرز..؟

مكرز: هو أن لا يذهب أبو جندل إلى محمد بهذا العدد من المسلمين.

سهيل:ولكن إلى أين تراه يذهب؟..

مكرز: لست أدري يا أبا جندل لأن أبا جندل هرب ومعه سبعون رجلاً من المسلمين المستضعفين الذين خرجوا من جحورهم بعد صلح الحديبية..

سهيل:نحن نطلب من محمد أن يسلمنا أبا جندل إذا جاءه أما المسلمون الآخرون فأولياؤهم أحق بمطالبة استردادهم من محمد..

(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت هند بنت عتبة تقول):

هند: أعلمت بخبر فرار أبي جندل بن سهيل بن عمرو في سبعين من المسلمين..

أبو سفيان: خبر فظيع كهذا.. هل يخفى على أحد يا هند..

هند: مخاوفك من صلح الحديبية يا أبا سفيان تتراءى لي وتتجسد أمامي..

أبو سفيان: هذا أول الغيث يا هند..

هند: صدقت يا أبا سفيان. هذه النتائج الأولى للاختلاط الذي هيأه صلح الحديبية ومكَّن المسلمين المستخفين بمكة أن يخرجوا إلى النور وأن يقوموا بنشاط تجلت بوادره في غرار أبي جندل مع سبعين منهم.

أبو سفيان: لو عرفنا مصير هؤلاء الفارين إلى محمد لطالبناه بتسليمهم ولكن..

هند: ولكن ماذا..؟

أبو سفيان: ولكنني أخشى ألا يذهبوا إلى محمد بل إلى الأمكنة التي تمر منها قوافل قريش فيقطعوا عليها الطريق..

هند: ولكنهم قلة يا أبا سفيان وحرس قوافل قريش تستطيع القضاء عليهم.

أبو سفيان: أتستطيعين أن تمنعي الأعراب المنتشرين على طول طريق القوافل من الاشتراك مع هؤلاء الفارين.

هند: صدقت يا أبا سفيان. الموضوع نهب وسلب وهذه هي التجارة التي يعيش عليها الأعراب..

أبو سفيان: ثم لا يمكننا أن نتهم محمداً بأنه ضالع مع هؤلاء الفارين أو الأعراب المشتركين معهم لأننا لا نستطيع معرفة أسماء القبائل المشتركة..

هند: ولو عرفت يا أبا سفيان أمستعد أنت لمحاربتهم؟..

أبو سفيان: لا يا هند.. لأن الاشتباك معهم سيجرنا إلى الاشتباك مع محمد وبالتالي إلى نقض معاهدة الصلح التي لم يجف مدادها بعد.

هند: خلقتم لأنفسكم مشكلة بمعاهدة الحديبية كنتم في غنى عنها لو سمحتم لمحمد بزيارة البيت..

أبو سفيان: عجيب ما تقولينه يا هند.. لقد كنت ترفعين عقيرتك منادية بصد محمد عن زيارة البيت..

هند: هذا صحيح.. لأني كنت كغيري من القرشيين أجهل خفايا معاهدة صلح الحديبية ولو كنت أعلم ما تدخلت..

(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت أبي بن كعب يتلو خطاباً على رسول الله صلَّى الله عليه وسلم).

أبي: يا محمد قد عرفت ما شارطناك عليه من رد من قدم عليك من أصحابنا فابعث إلينا بصاحبنا.

أبو بصير: يا رسول الله لست لهم بصاحب ولست قاصراً حتى يكون لأزهر بن عبد عوف والأخنس بن شريف الثقفي حق في استردادي.

عباد: إنه يقول حقاً يا أبي بن كعب.

أبي: صه يا عباد بن بشر فرسول الله يقول: يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما علمت ولا يصلح في ديننا الغدر. وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً فانطلق إلى قومك.

أبو بصير: يا رسول أتردني إلى المشركين يفتنوني في ديني..

أبي: وهاهو رسول الله يقول له. انطلق يا أبا بصير فإن الله سيجعل لك ولمن حولك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً فاذهب معهما.

عباد: ما أعلم وفاءك يا رسول الله.. لقد عاهدت فيما خفرت عهداً ولا أضعت وفاءً..

أصوات: الرجل يكون خيراً من ألف رجل يا أبا بصير. الرجل يكون خيراً من ألف رجل يا أبا بصير..

أبي: ليت أبا بصير يستمع إلى هذه الأصوات ويفعل ما توحي به يا عباد..

عباد: أتظنه غبياً إلى هذا الحد. ستسمع عما قريب أنه أفلت من آخذيه..

أبي: ألم يبشره رسول الله صلَّى الله عليه وسلم بأن الله سيجعل له ولمن معه من المستضعفين فرجاً ومخرجاً.

(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى تختلط بأجراس الدواب ووقع أقدامها نسمع بعدها صوت أبي بصير يقول):

أبو بصير: ألا نرتاح بذي الحليفة يا خنيس فقد أضناني السفر..

خنيس: ولكننا لم نتجاوز بعد حدود المدينة يا أبا بصير.

أبو بصير: ولكني أشعر بتعب ونصب شديدين أخشى إذا ما أجبرتموني على السفر ألا أصل مكة إلا وقد هلكت..

خنيس: حسناً يا أبا بصير.. فليكن ما تريد..

أبو بصير: الراحة لك يا خنيس ولمولاك لازمة ولا سيما وأنت كهل..

خنيس: أأنا كهل يا أبا بصير وهذا السيف بجانبي..

أبو بصير: أصارم سيفك هذا يا أخا بني عامر؟

خنيس: بلى وأبيك..

أبو بصير: أنظر إليه أن شئت.. فإني أشك فيما تقول..

خنيس: أتكذبني يا أبا بصير. هاأنذا استله وأهزه. والله لأضربن بسيفي هذا في الأوس والخزرج بهما إلى الليل..

أبو بصير: ناولنيه يا خنيس انظر إليه..

خنيس: خذه وأنظره وهزه لترى صدق ما أقول..

أبو بصير: (يأخذ السيف ويهزه ثم يقول الله أكبر.. الله أكبر خذ يا عدو الله سأقتلك قبل أن تصل يداك إلى الأوس والخزرج..

(نسمع صوت خنيس وهو يجود بأنفاسه)..

خنيس: آه.. قتلتني.. ما أغباني.. لقد قتلت نفسي بيدك يا أبا بصير.. آه.. آه..

(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى تصويرية نسمع بعدها صوت هند بنت عتبة تقول):

هند: وهذه مأثرة من مآثر صلح الحديبية يا أبا سفيان..

أبو سفيان: أي مأثرة لصلح الحديبية. أتتهكمين يا هند.

هند: فرار أبي بصير وقتله لخنيس الذي أرسله وليه لاسترداده ألا تعده مأثرة من مآثر صلح الحديبية..

أبو سفيان: إذا كنت تريدين أن تعديه مأثرة من مآثر صلح الحديبية فهذا لك أما أنا فأضمه إلى قائمة المتاعب والمصاعب التي خلقها هذا الصلح.

هند: صدقت يا أبا سفيان. فقد ارتاح محمد بهذا الصلح وأمن طريقه وجانبه وغزو قريش له وانصرف إلى التبليغ برسالته وتوطيد دعائم حكمه..

أبو سفيان: وخلقنا نحن القرشيين الذين سعينا إلى هذا المصير بأيدينا نتجرع كؤوس المحن والمشاكل في كل يوم. إن هؤلاء الفارين بدينهم سيهددون تجارة قريش يا هند وهذه ضربة قاصمة أخرى من صلح الحديبية..

هند: ولكني أعتقد أن محمداً سيساعدنا على تأمين طريق القوافل التجارية فأي تعديات فيها ستكون علينا وعلى محمد.

أبو سفيان: من يدري يا هند فقد يساعدنا محمد أو لا يساعدنا..

هند: أتستخذي قريش إلى هذا الحد يا أبا سفيان. والله إن حدث اضطراب في طريق القوافل التجارية ولم يتعاون معنا محمد في استتباب الأمن فسنقيم الدنيا ونقعدها ونثيرها حرباً شعواء على محمد لا هوادة فيها..

أبو سفيان: أرى أن ما تقولينه يا هند هو النتيجة الحتمية لما يجري الآن ولسوف يأتي اليوم الذي نجد فيه أنفسنا مضطرين لنقض صلح الحديبية وامتشاق الحسام في وجه محمد..

هند: إن هذا اليوم آت عما قريب يا أبا سفيان فأبو جندل وسبعون من المسلمين معه وأبو بصير وشرذمة من الصعاليك وسينضم إليهما كل متشرد وكل فاتك وقاطع طريق من أين سيعيشون؟

أبو سفيان: من النهب والسلب وقطع السابلة..

هند: وهل لهم إلا قوافلنا وقوافل محمد التجارية باب للعيش؟..

أبو سفيان: لا ورب البيت..

هند: إذن فالصراع بيننا وبين محمد وشيك الوقوع. يا ليتنا لم نعقد صلح الحديبية. يا ليت يا ليت..

(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت سهيل بن عمرو يقول):

سهيل:ما وراءك يا مكرز؟ ما هي أخبار أبي جندل..

مكرز: أبو جندل ومن معه من المسلمين التحق بأبي بصير ومن معه وتمركزوا في مكان ما على طريق القوافل التجارية بين الشام ومكة..

سهيل:حقاً إنها لأخبار سيئة يا مكرز. ما العمل؟..

مكرز: أتسألني يا أبا جندل ومنك نستعد الرأي والنهج والطريق..

سهيل:لقد شلت الحوادث المتعاقبة تفكيري حتى بت أخشى على نفسي من الهلاك..

مكرز: ولم كل هذا الاهتمام.. ليس أبو جندل أول عاصٍ ولا آخر ولد عاق..

سهيل:إن اسم أبي جندل العاص وقد أصبح اسماً على مسمى..

مكرز: إذا أصبح ابنك العاص قاطع طريق فلن يشينك هذا فالناس تعلم أنه خرج عن طاعتك وتبع هواه وتردى في هذه الهاوية.

سهيل:دخوله في الإسلام ليس هاوية يا مكرز.. ولكن عمله كقاطع طريق هو الذي يزعجني ويقضي مضجعي لأنه يسيء إلى سمعتي وأنت تعرف جيداً حرصي على سمعتي..

مكرز: إذا تعرضت طرق القوافل التجارية للتعديات فمن واجب قريش أن تتعاون مع محمد في الضرب على أيدي المعتدين.

سهيل:ولكن هؤلاء المعتدين هم من المسلمين. فهل يساعدنا محمد عليهم؟..

مكرز: ليسوا جميعهم من المسلمين بل هنالك شراذم من الأعراب يستهويها النهب والسلب فتشترك مع المسلمين في التعدي على القوافل..

سهيل:يقيني أن محمداً سيتعاون معنا على الضرب على أيدي المعتدين فأي إخلال بالأمن سيعود ضرره على الطرفين.

(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى تختلط بأجراس الدواب ومشي الجمال وأصوات المشائين نسمع بعدها صوت أبي بصير يقول):

أبو بصير: يا قوم وردتني أخبار أن قافلة لقريش ستمر خلال ساعات من هذا الطريق. كن يا أبا جندل في الطليعة وأنت يا عمار في المؤخرة وأنا في الوسط فإذا كبرت فأهجموا هجمة رجل واحد على القافلة..

أصوات: حسناً ما تقول يا أبا بصير.. حسناً ما تقول..

(نسمع أجراس الدواب تقترب ووقع حوافر الخيل تتصاعد وتختلط بموسيقى القافلة وحداء الحادي ثم لا نلبث أن نسمع صوت أبي بصير يقول):

أبو بصير: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر..

(نسمع ضرب السيوف ووقوع قتلى وأنين جرحى تختلط بأصوات التهليل والتكبير ثم صوت أبي جندل يقول)..