شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
اليتيمة
قصتنا هذه الليلة: (( اليتيمة )) للكاتب الأمريكي المعاصر جورج لوفريدج. ولد جورج لوفريدج عام 1921م، اعتنى بالأدب الصحفي وبالقصة وألف عدة قصص في طليعتها قصة هذه الأمسية (( اليتيمة )) .
الراوي: أقترب موعد دق الجرس إيذاناً بانتباه الدرس الأخير في ذلك اليوم وبدأت التلميذات يتململن ويتهامسن فصاحت المدرسة العجوز ((مس ويليامز)) بصوت جاف لا يخلو من عطف مستور:
المدرّسة: إن الجرس لم يدق بعد والدرس لم ينته ثم إن على التلميذة ((مارتا أنيو)) أن تبقى بعد موعد الانصراف.
الراوي: ودق الجرس فانطلقت الصبايا دفعة واحدة يتدافعن ويتزاحمن إلا ((مارتا أنيو)) التي مشت بخطى بطيئة إلى منصة أستاذتها. كانت ((مارتا)) في الثانية عشرة من عمرها بذات وجه دقيق وشعر أسود وعينين ساهمتين وحين ألقت إليها أستاذتها بذلك التنبيه الجاف لم تفهم مارتا سبباً لذلك.. ولكن المدرّسة قطعت عليها تفكيرها حين بادرتها قائلة:
المدرّسة: ((مارتا)) إنك غير مجدة في دراستك هذه السنة.. وهذا يدهشني.. فلقد سمعت من مدرساتك في السنوات الماضية ثناء عاطراً عليك.. فماذا دهاك؟ هل تجدين صعوبة في فهم دروسك؟
مارتا: كلا..
المدرّسة: إذن ما السبب؟
مارتا: لست أدري؟
الراوي: وراحت المدرّسة تراقب الصبية عن كثب.. إن بها شيئاً لا تستطيع تحديده.. شيئاً يجعلها منطوية دائماً على نفسها.. شيئاً يوحي بأنها غير ناعمة البال.. ترى ما هو؟ إن ثياب الصبية نظيفة لائقة.. فما هي إذن علة ذلك الانطواء والشرود وتحول الوجه، وذلك الطابع الحزين الذي لا يبدو طبيعياً على صبية في الثانية عشرة.. وأخيراً حزمت المدرّسة أمرها فقالت تضرب على وتر آخر:
المدرّسة: ((مارتا)) هل هناك ما ينغص حياتك في البيت؟
مارتا: لا شيء مطلقاً..
المدرّسة: أبداً.. أبداً..
مارتا: أبداً..
المدرّسة: حسناً.. لقد ظننت أن هناك شيئاً. لأن جميع علاماتك في العام الماضي كانت خيراً منها اليوم فضلاً عن أن مدرّستك ((مس هيث)) قالت: إنك كنت من أذكى تلميذاتها، وأنا واثقة أنك ما زلت كذلك لو أوليت واجباتك المدرسية مزيداً من العناية والالتفات.. فهل تعدينني بذلك؟
مارتا: نعم.. أعدك بذلك..
المدرّسة: حسناً جداً.. تستطيعين الانصراف الآن.. إذا حدث لك ما يضايقك فصارحيني فوراً فقد أستطيع مساعدتك..
الراوي: وانصرفت ((مارتا)) من الباب الخلفي بينما وقفت المدرّسة ((مس ويليامز)) بجانب النافذة العليا ترقب ((مارتا)) وهي تعبر فناء المدرسة الكبير حاملة كتبها وحقيبة طعامها.. وظلت ترقبها حتى اختفت الصبية في زحام الماشيين فتنهدت المدرّسة العجوز وهمست لنفسها تقلب المسألة على وجوهها:
المدرّسة: من يدري، ربما لا يكون في الأمر شيء.. وربما يكون في الأمر كل شيء.. فما أخطر ما يدور أحياناً في قلوب الأطفال وعقولهم..
الراوي: وسارت ((مارتا)) في طريقها من حي إلى حي حتى وصلت إلى منطقة المصانع والمباني التابعة لها وهي مساكن متواضعة كساها دخان القاطرات الذاهبة والآتية سواد الفحم.. وفي اتجاه هذه المساكن شقت الصبية طريقها.. وفي رأسها أكثر من فكرة تشغل بالها، فكرت في أن أخاها ((شارلي)) الذي في العاشرة ربما قد عاد من المدرسة ثم خرج إلى الشارع ليلعب مع الصبية بغير أن يغير ثيابه النظيفة. ثم فكرت في العشاء الذي عليها أن تعده لأبيها.. لقد أمضت فترة الدرسين الأخيرين بأكملها في إجراء العمليات الحسابية في ذهنها بخصوص بطاقات التموين، وهل تكفي للحصول على لحم وزبد للعشاء أم لا تكفي. فإن صحف الليلة السابقة كانت قد أعلنت عن إجراء تعديلات في فهم البطاقات الأمر الذي خلق لها مشكلة جديدة برغم براعتها في الحساب.
كان والد ((مارتا)) يشتغل في الليل وكان عمله يبدأ في الساعة السادسة مساءً فكان عليه إذن أن يتناول عشاءه في الخامسة أي بعد عودة ابنته من المدرسة بوقت قصير.. وعندما وصلت ((مارتا)) في تفكيرها إلى هذا الحد أزاحت خصلات شعرها إلى الوراء في ضيق وتبرم..
وأسرعت في سيرها.. وحين بلغت الصف الأول من المساكن المتواضعة لمحت أخاها في الشارع يركل كرة القدم مشتركاً في اللعب مع نفر من أصحابه فهتفت به قائلة:
مارتا: شارلي.. شارلي.. تعالى هنا..
شارلي: لما تريدنني أن أحضر؟
مارتا: أقول لك تعال..
شارلي: كلا، لن آتي..
الراوي: ترددت لحظة بين أن تطارده حتى تمسك به وبين أن تهمل من أمره، فهداها تقديرها إلى أنها لن تستطيع اللحاق به بحال من الأحوال فدلفت إلى البيت من فتحة كسر بابها وخلع منذ زمن بعيد وصعدت إلى سكنها في الطابق الثالث ودست يدها في صدر ثوبها فأخرجت منه مفتاحاً مربوطاً بشريط أحمر وفتحت الباب ودخلت ووضعت كتبها فوق منضدة صغيرة واتجهت إلى غرفتها لتجلب كيس النقود الذي تنفق منه على المنزل فقد كان والدها يعطيها مصروف كل أسبوع.. وفي طريقها وقفت هناك لحظة تتأمل صورة صغيرة لأمها معلقة فوق الدولاب.. كانت ((مارتا)) تعرف كل شيء بل لقد حضرت وفاتها وقال الطبيب يومئذ إنها ماتت، أضناها التعب فأحوجها إلى قسط من الراحة. ثم أردف عبارته بوضع إحدى يديه في رفق على رأس ((مارتا)) واليد الأخرى على رأس ((شارلي)) ورمى أباهما بنظرة ثابتة ذات معنى ردها له هذا في مرارة.. واعتماداً على كلام الطبيب توقعت مارتا أن ترى أمها يوماً ما. حين تصحو من رقادها.. وأيد الأب كلام الطبيب فوعد ابنته وابنه بيقظة أمهما بعد حين. ولم تستطع الجنازة ولا الحفرة التي في الأرض التي يدعونها بالقبر أن تزعزع يقين الصبية في عودة أمها.. فقد كانت ((مارتا)) طفلة تتعثر في عامها العاشر.. وحتى فيما بعد حين عرفت الصبية حقائق الأمور أبت أن تطلق حلمها القديم فقد أحست بغريزة الأطفال شيئاً ينساه الناس عادة حين يكبرون، هو أن الأحلام وحدها هي التي تتحقق لكنها في بعض الأحيان، كحالها اليوم، كان ينتابها ضيق ونفاد صبر. فتحس أنها لن تستطيع تحمل غيبة أمها ساعة واحدة أخرى..
جففت ((مارتا)) دمعها، ثم أخذت كيس النقود وبطاقات التموين ومضت إلى حانوت البقالة.. كانت الساعة قد بلغت الرابعة.. وكان شارلي وأنداده ما يزالون يلعبون في الشارع. فتوقفت عندهم لحظة وأمرت ((شارلي)) أن يعود إلى البيت ويبدل بنطلونه.. فلم يكد زملاؤه يسمعون هذا حتى ضجوا بالضحك والسخرية صائحين:
الأولاد: شارلي.. عد لتغيير بنطلونك.. أختك تقول إنك يجب أن تعود لتغيير بنطلونك هيا غيِّر بنطلونك..
الراوي: وهكذا قطعوا على شارلي سبيل إطاعة أمر أخته حتى لو أراد.. فما بالك وهو لم يرد.. وهكذا صاح ((شارلي)) في وجهها قائلاً:
شارلي: إذهبي من هنا.. إذهبي إلى الجحيم..
مارتا: شارلي.. فكر أني سأقول لأبي..
الأولاد: سأقول لأبي.. سأقول لأبي..
الراوي: ومضت ((مارتا)) إلى البقال منكسة الرأس وضجيج الأولاد وسخريتهم يثقبان أذنها ويتبعانها.. وابتاعت من البقال حاجتها وعادت مسرعة إلى البيت ولم تسلم من سخرية الأولاد وهزئهم في عودتها ولكنها تجاهلتهم وعندما وصلت إلى البيت باشرت في غسل الأطباق وجففتها وجهزت السفرة لهم جميعاً وقامت لتصلح أسرّة النوم حتى يحين وقت العشاء فأحست بعجزها عن الوقوف على قدميها فأرجأت ذلك إلى ما بعد العشاء واسترخت على كرسي المطبخ تستعرض الحياة الكئيبة التي فرضها عليها أبوها.. الحياة الحافلة بالمتاعب، المجرّدة من الملذات.. إن أباها يبخل عليها حتى بجهاز صغير للراديو يؤنس وحدتها، برغم أن ذلك في ميسوره الآن بفضل المرتب الكبير الذي يتقاضاه عن عمله. فقد أوضح لها ولأخيها ((شارلي)) غداة موت والدتهما بصراحة تامة حين قال:
الوالد: إسمعوا يا أولاد.. إني مضطر للبقاء فترة أخرى من الزمن في هذا البيت المتواضع بالرغم من تحسن مواردي المالية لأني أريد أن أدخر ثروة صغيرة للطوارىء، بعد أن علمتني دروس الحياة أن أقدر فيه كل درهم من النقود.. لقد تذوقت مرارة اليتم وأنا في الرابعة من عمري وعلى هذا ستستمر ((مارتا)) في تأدية الأعمال بدلاً من أن أؤجر امرأة تؤدي عنها هذه المهمة حتى تجتمع لنا ثروة مناسبة تقينا غائلة الأيام السود..
الراوي: ثم ابتسم الأب وداعب ابنته ((مارتا)) وسألها قائلاً:
الوالد: هيه ((مارتا)) أتستطيعين القيام بمهام البيت..؟
الراوي: وقد أجابت ((مارتا)) بعقلية الطفل البريء الذي لا يدرك عظم مسؤولية ما هو مقدم عليه.. أجابت..
مارتا: نعم يا أبتاه.. أستطيع.. أستطيع..
الراوي: وربت الوالد على كتفها وقال لها:
الوالد: كنت أعلم أنك فتاة عاقلة..
الراوي: ومنذ ذلك التاريخ صار يعطيها مبلغاً من المال كل أسبوع كي تنفق منه على البيت.. وفي نهاية الأسبوع يراجعان حسابه سوياً فإذا وجد فيه عجزاً أنبها عليه بشدة قائلاً: إنها يجب أن تتعلم كيف تدير الأمور كي تصير زوجة ناجحة في المستقبل.. وأن تذكر مرارة الفقر ومذلته، حتى تحزم أمرها على تجنب الوقوع في مخالبه.
مرت كل هذه الأحداث في خاطر ((مارتا)) الصغير وكأنها فيلم استعراضي ولم تصح من آثاره إلا على صوت أبيها يدخل طالباً العشاء.. وأنتظم شمل العائلة حول مائدة العشاء، وعند الانتهاء منه انصرف رب الأسرة إلى عمله وقامت ((مارتا)) إلى تنظيف المائدة وأطباقها وأدواتها بينما جلس أخوها ((شارلي)) على المقعد المريح الوحيد في البيت يقرأ مجلة هزلية. وفات موعد نومه فطلبت منه ((مارتا)) أن ينهض لينام لكنه أبى أن يفعل إلا إذا قرأت له أخته قصة مسلية فرضخت لطلبه وأحضرت له من درجها كتاب القصص الخرافية، وفيما هي تقرأ قصة بطلتها امرأة سألها ((شارلي)) قائلاً:
شارلي: لم تكن أمَّنا مثل هذه المرأة.. أليس كذلك؟
مارتا: نعم..
شارلي: إنها لن تعود أبداً..
مارتا: من قال لك ذلك؟
شارلي: الأولاد قالوا لي..
مارتا: أنهم لا يعرفون شيئاً..
شارلي: إذن فأنت تعتقدين أنها سوف تعود إلينا؟
مارتا: بالتأكيد..
شارلي: متى؟
مارتا: لست أدري.. هذا ما لا يعلمه أحد..
الراوي: وغالب ((شارلي)) النعاس قبل أن تتم ((مارتا)) القصة.. فتسللت منها في هدوء وأغلقت الباب وشعرت أنها بحاجة إلى أن تخلو بنفسها وسرحت بأفكارها إلى ما هي من حال ثم تذكرت أن عليها ترتق بنطلون أخيها شارلي فنهضت متعبة وأحضرت البنطلون وشرعت ترتقه وهي تفرك عينيها المتعبتين بين الحين والآخر.. وأحست برغبة في البكاء.. إنها لم تستطع بعد أن تتقن حياكة الخروق بحيث يبدو القماش كالجديد تماماً كما كانت تفعل أمها.. آه لو عادت أمها..
ثم عكفت على نقودها تعدها فلما لم تجد بها عجزاً تنفست الصعداء، فأعادتها إلى مخبئها بين صفحات كتاب القصص الخرافية.. ثم مضت تكمل واجباتها المنزلية المرهقة المملة وهي تحس كأنها تؤديها منذ مائة عام على التوالي.. آه لو عادت أمها، إذن لاستراحت من هذا العبء الثقيل الذي ألقى على عاتقها الغض، ولوجدت على الأقل من تتحدث إليه.. إنها لا تستطيع الإفضاء إلى أخيها بمتاعبها ووالدها لا تكاد تراه إلاّ لماماً، وبرغم عطفه عليها وتسميته إياها بالأم الصغيرة فإنه من العسير عليها أن تكشف له دخيلتها.. ولكن كلا إنها ستسأله في أول فرصة عن أمها متى تعود.. ثم قالت لنفسها:
مارتا: والآن جاء دور الدراسة.. عليّ أن أذهب لغرفتي لاستذكار دروسي.. يا للهول، ليست لدي القوة..
الراوي: وسمعت أصواتاً خافتة صادرة من العمارة التي تسكنها ثم سمعت أحدهم يعزف على القيثارة فقالت:
مارتا: ما أعذب سماع الموسيقى.. وإن كانت أنغامها بعيدة ولا تكاد تبلغ أذني..
الراوي: ثم تنهدت وعادت إلى كتبها.. وانطبقت عيناها برمشهما، ففتحتهما ثانية ومضت تقرأ لكنها الليلة لا تعبأ بقراءة التاريخ ولا بحوادثه الهامة فإن صناع هذه الحوادث يمتون إلى حقبة من التاريخ سحيقة بالنسبة لها، وهم ليسوا في أهمية أمها.. ووضعت كتاب التاريخ جانباً ومشت إلى المطبخ.. فجلست إلى نافذته.. في الظلام إنها أحياناً، وهي عائدة من مدرستها كانت تبحث عن أمها بين السحب بعد أن سمعت أنها في مكان لا يمت بصلة إلى السماء وهي تنظر الآن إلى أديم السماء فوق رأسها فترى نجوماً كثيرة.. وتحس أنها قريبة من أمها. وطالت جلستها حيث هي.. وفكرت في أشياء كثيرة.. فكرت أن شيئاً من أحوالها لن يصلح حتى تعود أمها.. فكرت لماذا لم تعد أمها.. لعلّها فقدت أو ضلّت طريقها أو أحوجتها الظروف إلى دليل يرشدها إلى البيت.. لا بد أن الأمر كذلك أو شيء من ذلك وإلا لعادت أمها منذ زمن بعيد وخاطبت ((مارتا)) نفسها قائلة:
مارتا: عجباً.. لماذا لم أفكر في هذا من قبل.. لماذا لا أهجر متاعبي وأذهب للبحث عن أمي التي لا يمكن أن تكون بعيدة عني..
الراوي: ووجدت الفكرة رائعة بحيث ملأت قلبها نشوة وسعادة كالسرور والحبور اللذين شعرت بهما بطلة القصة الخرافية التي كانت تقرأ حوادثها لأخيها.. أجل لقد اهتدت البطلة إلى السر الذي سيخرجها من الغابة الرهيبة..
وفي غرفتها عكفت ((مارتا)) على جمع حوائجها الضرورية في حقيبة كبيرة من الورق.. وضعت فيها ثوبها الآخر، ودمية صينية كانت أمها قد أهدتها إياها في العيد وأصبح أحمر الشفاه الذي اشترته سراً ولم تستعمله قط وصورة أمها التي فوق الدولاب. ثم منديلين ومشطاً وقلم الحبر وشرعت تكتب على ورقة من دفترها.. وكانت وهي تكتب تتوقف برهة لتفكر.. وتسقط رأسها فترفعها وتفرك عينيها وتستأنف الكتابة.
وعاد أبوها في الفجر الأول من عمله فلمح نور غرفة ابنته مضاء فهرع بخطى واسعة فربما تركت الصبية النور عمداً لكيلا تحس خوفاً من وحدتها.. إنها تفعل ذلك أحياناً وهو أمر يضايقه لأنه ينفق مزيداً من الكهرباء.. وقد طالما حاول أن يفهمها ألا تبذر في شيء ولا تخاف من شيء..
وصعد الوالد السلم عدواً ودخل غرفة ((مارتا)) ووقف مشدوهاً.. رآها متكئة على المنضدة ورأسها فوق ذراعيها.. وإلى جوارها حقيبة وقلم حبر فأغلق الباب خلفه بهدوء وفيما هو يهمّ بأن يلمس كتفها لمح كلمتي ((أبي العزيز)) على ورقة تحت يدها. فسحب الورقة في حذر وقرأ:
الوالد: ((أبي العزيز))..
إني ذاهبة للبحث عن أمي فقد ساءت حالي في المدرسة وصرت أحس أني دائماً متعبة، و((شارلي)) لا يطيعني حين أوصيه بخلع بنطلونه الجديد وارتدائه القديم عندما يريد أن يلعب، وقد حاولت أن أرتق قطوع البنطلون فلم أوفق ولم أعد أصلح لشيء لهذا أنا ذاهبة للبحث عن أمي كي تتصلح الأمور..
ملحوظة: حاولت كثيراً أن أجد في عملي مثلك عندما كنت صغيراً، لكني فشلت، وإني آسفة وربما كان السبب أنت كنت ولداً، أما أنا فبنت.. أرجو..
الراوي: وتلت ذلك نقطة من الحبر ثم لا شيء.. وحمل الأب ابنته إلى فراشها في رفق، ونزع منها حذائيها ونظر إلى وجهها الهادىء.. وأطفأ النور ووقف أمام نافذة المطبخ يتطلع إلى الفضاء. كانت النجوم كلها قد انطفأت وذاب الظلام ببطء في تباشير الضياء وعند أقصى الأفق، في قمة برج مراقبة القطارات أخذ الزجاج ناراً من الشمس فاشتعل لونه. على أن والد ((مارتا)) لم ير شيئاً من هذا كله.. فإن العينين اللتين منذ الطفولة لم تهتز أهدابهما إجفالاً من كل مصاعب الحياة، قد تحولتا إلى استيطان أعماق صاحبهما.. والتحديق في جوفه. وصاح في قلبه صوت مباغت:
الصوت: لقد قتلت أمها فهل تنوي قتلها هي أيضاً..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :673  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 16 من 65
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج