أحببتُ فيها ذًوْقَها الأدَبِي |
وهُيامها بالشَّرْقِ والغَرَبِ |
وَرِثَتْ شمائلَهمَ وما وَرثَتْ |
لَغَة الكتابِ وآيةَ الكُتبِ |
أوْفَتْ على الخمسينَ في نَظَري |
لكنَّها اختصرتْ فلم أُجِبِ |
ماذا الذي بالشرْق يرْبُطُها |
لا بدَّ أن هناكَ مِنْ سَبَبِ |
أيكونُ مِنْ بَيْروتَ والدُها |
والأمُّ مِنْ عَمَّانَ أو حَلَبِ؟ |
هلْ زارتِ الأهرام أوْ بَرَدى |
وتبَرّدتْ في مائه العَذْبِ؟ |
ساءَلْتُها فتضاحَكَت طَرَباً |
هَلْ يَنْطوي ظنَّي على طَرَبِ؟ |
قالت – وقد لَحِظَتْ لساعَتِها |
أنَّي غَريبُ الدار والنَّسَبِ – |
جُرحي كُجُرْحِك لا علاجَ له |
قَيْدانِ شَدَّاني لِمُغْترَبيِ |
بِنْتٌ إلى العِشْرين حابيَةٌ |
وابنٌ خَفيفُ الظَّلَّ مثل أبيِ |
لولاهُما لا شيءَ يَرْبطني |
بحَظيرة الدّولارِ والذَّهَبِ |
كُوخي على بُعْدٍ يعاتبني |
وحَلَفْتُ لولا الجَهْلُ لم أغِبِ |
غادَرْتُه لأؤوب في سَنةٍ |
ثم انقَضَى عُمْري ولَمْ أؤُبِ |
إني ولدتُ بأرض أندلسٍ |
ونَشَأتُ بين نَواطح السُّحُبِ |
بلدٌ ستَخْنقه حضارته |
بدُخانها ولُهاثها الرَّطبِ |
إنسانُه ماتَتْ عواطِفُهُ |
وأكادُ أزعمُ أنَّه خَشَبيِ |
يَغْزو النجومَ وفي جَوانِحه |
أضعافُ ما في عالَمِ الشُّهُبِ |
ظنَّ السعادةَ طَوْعَ آلتهِ |
فَرَمَتْهُ بَيْنَ الويلِ والحَرَبِ |
كانت له عَبْداً فطوَّرها |
فاستَعْبدتْه دونما تَعَبِ |
جَرَفَتْه لم تَسْأله عن حَسَبٍ |
ماذا تُفيدُ عَراقةُ الحَسَبِ؟ |
تبّا لها مَدَنيّة ذَهَبَتْ |
بمكارمِ الأخلاقِ والأدبِ |
في هيرُشيما خلّفَتْ أثراً |
هَيْهات نَنْساهُ مَدَى الحِقَبِ |
مَنْ يَخْتَرعْ للحَرْبِ كان له |
ما شاء مِنْ مالٍ ومِنْ رُتَبِ |
أما الذي لِلَّسلمِ دَعْوَته |
ولِخِِدْمةِ الإنسان فهْو غبيِ |
* * * |
قلُْتُ اسمعي يا أخْتَ أندلسٍ |
غالَيْتِ في التَّجْريح والشَّجَبِ |
لا تأخُذي شَعْباً بحاكمه |
جلّتْ شُعوبُ الأرض عَنْ رِيَبِ |
كم ظالِمِ أغْفَى على تَرَفٍ |
وأفاقَ بَيْنَ مَخالبِ النُّوَبِ |
أوْدَى به مَنْ كان يَظْلِمُه |
وأذَلّه مَنْ كان في الذَّنَبِ |
لا يستوي الحُكامُ مَنْزِلةً |
شَتَّان بين الرَّمْل والذَّهَبِ |
الناسُ عائلةٌ، وما اختلفوا |
لولا دُعاةُ الشرَّ والشَغَبِ |
لا تَكْفُري بِيَدٍ قد انبسَطتْ |
بالخير للمَنْكوب والتَّعَبِ |
عَيْبٌ نشمّ عبيرَ زَنْبقةِ |
ونَجُثُّها لتكون في الحَطَبِ! |
* * * |
غَشِيَ الحياءُ جبينَها ورَأتْ |
أني قَطَعْتُ مسالِك الهَرَبِ |
فتلَجْلَجَتْ،، لكنَّها اعتذَرتْ |
عَنْ غَيْظِها بلسان مُضْطَربِ |
قالت – وقد هدأتْ مَراجِلُهَا |
وتَحَرّرَتْ مِنْ عَقْدة الغَضَبِ – |
لا فُضَّ فُوك!.. ظَلَمْتُ من مَسَحوا |
دَمْعي، وآسَوْني على وَصَبيِ |
شُكْراً لِفَضْلِكَ لا انتهاءَ له |
هذا الوَفَا مِنْ شِيمة العَرَبِ! |