حَنَّ الغَريبُ إلى ربوعِ الشَّامِ |
أتُرَى يعودُ على جَناح مَنامِ؟ |
ما آبَ لما كان في رَيْعَانه |
أيؤوبُ وهو يَنوءُ بالأعْوامِ؟ |
نبني القصورَ الشامخاتِ لنا ولا |
نَبْني لها إلاّ قُصورَ كَلامِ |
نَصْبُو إليها والفُروعُ تَشُدُّنا |
أنَظَلُّ بين تَجاذبٍ وخِصامِ؟ |
أبداً نعيشُ لها ونَهْتِفُ باسمها |
يَسْلـو الحِمـى مَنَْ عـاش للأرقـامِ |
تبتْ يَدٌ لا تستجيبُ لسائلٍ |
أنا لا أمدُّ لها يدي بسَلامِ |
لا خَيْرَ في غَيثٍ يروّي حَقْلَتي |
إن كان حَقْلُ أخـي وجـاريَ ظامـيِ |
خُدعتْ عيوني بالسَّّـراب فكيـف لا |
يَشْتَدّ في طَلَبِ الشَّراب أُواميِ؟ |
سَبعونَ طـارَتْ مـن يـديَّ كريشـةٍ |
فإذا أنا في آخرِ الأيامِ؟ |
قدْ كُنْْتُ بالآمال أملأ أضْلُعي |
واليومَ أملؤهنّ بالآلامِ |
غلواءُ يا غلْواءُ أنتِ غريبةٌ |
مِثْلي، وقَلْبكِ مثل قلبي داميِِ |
فَهَلُمَّ نَقْتَسِمِ الشُّجونَ، فربما |
هانَتْ إذا انقَسَمتْ إلى أقسامِ |
جمعَ الهـَوَى والشعـرُ روحَيْنـا، فمـا |
أحْلاهما مِنْ كاهِن وإمامِ |
أعْصي أبي، وأعُقُّ سابِغَ فَضْله |
لكنني للحبِّ أخْفِضُ هاميِ |
دلّلتُه، ورَتَعْتُ في مَلَكوته |
مُنْذُ الصِّبا، بَـلْ منـذ عَهْـدِ فِطامـي |
أيعودُ يـا غَلـواء قَيْسُـكِ لِلْحِمـى |
أمْ يَكْتفي بسَفاسف الأوْهامِ؟ |
ما في التَغرّبِ مَغْنمٌ بل مَغْرمٌ |
إني لأحْسُد عيشة الغَنَّامِ |
يَغْفو قَريراً حين يَرْقُدُ غَيْرُه |
مِنْ حِرْصهِ في عِلَّةٍ وسِقامِ |
أنا لَسْتُ أولَ شاعـر حَسِـبَ العُـلا |
والجاهَ عند تزاحم الأقْدامِ |
مِليونُ ساريَةٍ وسارٍ غَرَّهم |
قَمَرٌ، وأغراهم بَريقُ حُطامِ |
ماذا جَنَيْنا مِنْ طَويلِ جِهادنا |
غَيْرَ احتكارِ عِبادةِ الأصْنامِ |
الجاهِليّةُ لا تزالُ أصيلةٌ |
فينا بِرَغْم فضائل الإسْلامِ |
كُنَّا إلى "هُبَلٍ" نُديرُ وجوهَنا |
واليومَ للسفهاءِ والأقْزامِ
(1)
|
لم يَخْتَرعْ وطني السلاحَ مَطِيّةً |
للفَتْك والتَّدْمير والإجرامِ |
لكنَّه اخترعَ المَحَبةَ والنَّدَى |
لتقارُبٍ، ووَسيلةً لِوئامِ |
السَّيْفُ في يده تحوّل مِنْجلاً |
وقَذائفُ الرَّشَّاشِ سِرْبُ حَمامِ |
لولا اجْتِنابُ الـذلِّ لم يـرِدِ الوَغَـى |
إنَّ الكرامةَ قَبْل كلِّ سَلامِ |
غَلوْاءُ يا غَلْواء، قلبي لم يَزَلْ |
رَغْـمَ المشيب يعيـشُ نَضْـوَ غَـرامِ |
الشمسُ تََجْنَحُ للغروب وَشيكةٍ |
قُولي لها تُشْفِقْ على أحلاميِ |
أنا لا أحبُّ الليلَ.. إن ظلامَهُ |
للنائمينَ، ولَسْتُ بالنَّوّامِ |
مَنْ كـان يَسْعَـى للحِمـام، فإنـني |
ألْغَيْتُ كل علاقةٍ بحِماميِ |
أنا لَنْ أمـوتَ… وإن أمُـتْ فَتَتَبَّعُـوا |
خَبَري، فإني راجعٌ للشامِ |