شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رحلـة فـي حُلـم
-1-
حَلمْتُ أنّ مَلاكَ الموتِ وافاني
لَيْلاً ليَحْمِلَني للعالم الثاني
وكُنتُ في مكتبي وحْدي أراجـعْ مـا
قال النُّواسيُّ في خَمْرٍ ووِلْدان
فما انتبهتُ إليه حينَ داهمَني
ولا رَدَدْتُ عليه حينَ حيّاني
ولاحظَ الضّيفُ أني عنه مُنْشَغِلٌ
موَزّعٌ بَيْنَ دِيوانٍ ودِيوانِ
فهزّني مِنْ ذِراعي هِزَّةً جَعَلَتْ
عَيْني إليه وأفكاري وآذاني
رَنا إلىّ بلَحْظٍ غارَ بُؤْبُؤهُ
فازدادَ خوفي، وزادَ الخَـوْف أشجانـي
لكنْ تجالَدْتُ واستَنْكَرْتُ جُرأتَه
ورُحْتُ أنعتُه بالواغلِ الجاني
وقُلْتُ – والرعبُ يَطويني ويَنْشُرني-
أأنتَ مَنْ بَشَر أمْ أنْتَ مِنْ جَانِ؟
إنَّ البيوتَ لها فـي النفـس حُرْمتُهـا
فكيفَ تدخلُ بيتي دونَ إيذان؟
اذهبْ لشَأنـك واحْـذَرْ أن تجادِلَـني
اِذهبْ لشَأنك واتْرُكْـني إلـى شانـي
* * *
-2-
تبسَّمَ الضَّيْفُ في لُطْف وفي أدَبِ
وقال لا تَخْشَ بأساً يـا أخـا العَـرَبِ
إني أتيتُك مأموراً على مَضَضٍ
وكَمْ تخاصَم إخوانٌ بلا سَبَبِ
أبْرَمتَ دُنْيـاك تشكـو مِـنْ نوائِبهـا
فمالكَ الآن تَخْشـى فُرْقـةَ النُّـوَبٍ؟
مَنْ كان في نَصَب ممَّا يُكابدهْ
فالموت جسـرٌ ينجّيـه مـن النصَـبِ
ألستَ تزعم أن الشعر مدرسةٌ
لا خَيْرَ فيها إذا قامَتْ على الكَـذِبِ؟
فكَيْف تَهْرُبُ ممَّا كنتَ تطلُبه
ألَيْسَ خوفُك أقصَـى غايـة الهَـرَبَ؟
ما الفرقُ بين امرئ تحتَ الترابَ ثَـوى
وبَيْن نـاءٍ عـن الأوطـانِ مُغْتَـرِبِ؟
يا شاعري قـمْ بنـا فالليـلُ يَسْتُرنـا
عَنِ العيـونِ وعَـنْ حَيَّاتـهِ الرُّقُـبِ
تركْتُ مركبتي بالبابِ واقفةً
فلا تُخَيَّبْ رَجائـي أو تُهـجْ غَضَـبي
تعالَ نذهبْ فقد طالَ الوقوفُ بنا
وليسَ في الهَذْرِ ما في الصَّمتِ مِنْ ذَهَبِ
* * *
-3-
في الخُلْدِ خَـفَّ يلاقينـا أبـو البَشـرِ
في مَوْكِبٍ ماجَ بالأنوارِ والزَّهَرِ
مجامِر الرَّنْد في أيدي طَلائِعهِ
وفي أواخره ما شِئْتَ مِنْ ثَمرِ
وأقبَلَت خَلْفَه حَوّاءُ يَصْحَبُها
سِربٌ مِنَ الحُورِ، بل عِقْدٌ مِـنَ الـدُّرَرِ
يَرْفُلنَ في حُللٍ مِنْ لُؤلؤٍ وسَناً
تراوَحَتْ بـين فَضْفـاضٍ ومُختَصَـرِ
قالـوا وقُلْـنَ فـلا والله ما سَمِعـتْ
أذناي أعْذَبَ مِـنْ لَحْـنٍ بـلا وَتَـرِ
وأركَبونا على خَيْلٍ مُطَهَّمةٍ
فُضّيةَ الجِلْد ياقوتيَّة الشَّعَرِ
خَبَّت بنا في مُـروج عُشْبهـا ذَهَـبٌ
تَمْتدّ بين روابي الشمسِ والقَمرِ
تطاوَلَتْ حَفْلـةُ الترحيـبِ واتّصلَـتْ
شَهْراً فشَهْراً ولَمْ نَتعَبْ مِـنَ السَّهَـر
ولمْ نَزَلْ هكذا حتى ألمَّ بنا
شيءٌ من الضَّعْفِ في شيءٍ مِنَ الخَـدَرِ
* * *
-4-
وذاتَ يَوْمٍ دعانا صاحبُ الدار
إلى اجتماعٍ لكتّاب وشُعّارِ
يا ألفَ أهلاً وسَهْلاً – قـال – إنكُـمْ
سَيْقي وتُرْسب وأعْوانـي وأنصـاري
دَعَوْتُكم لحِوارٍ في شؤوِنكم
فإنَّ في نَصْرِكم نَصْراً لأفكاري
كونوا يَداً في صُروف الدهْـرِ واحـدةً
فلا فلاحَ لجارٍ كادَ لِلجارِ
إنْ لم تَجُدُّوا إلى تحقيقِ وحْدَتِكم
هَيْهات لَنْ تجدوها عندَ عَطّار
قرَّرْتُ أُجري مُباراةً تَحثُّكُمُ
على عَطـاءٍ كَزَحْـفِ النـورِ مَـوّار
فمَنْ يَفرُّ منكمُ أمْنَحْهُ جائزةً
ماليّةً قَدْرها مليونُ دينار
يزورُ فيها بلاداً لا مَثيلَ لها
فريدة بَيْن أقطار وأمصارِ
لا يَضْحكُ الحُسْنُ إلاّ في مَنابتها
ولا تَموجُ بغيرِ الوَرْد والغَارِ
نَزَّهْـتُ سكانَهـا عَـنْ كـل شائبـةٍ
فهُمْ عَشيرةُ أحْرارٍ وأبْرارِ
* * *
-5-
خَلَوْتُ في غرفـتي أُصْلـي الطواغيتـا
- فيما أدبَّجُ- باروداً وكِبْريتا
ولَمْ أكُنْ أَعْـذَبَ الأطيـار حَنْجَـرةً
بينَ الرفاقِ، ولا أعلاهمُ صِيتاً
لكنَّ شيطانِي العِفْريتَ أنْجدني
فجُزْت في حَلْبةِ القَوْل العَفاريتا
تَرَكْتُ خَلْفي فُحولَ الشَّعْرِ أدهَشَهـم
أني لمَلحَمتي صَبَّغْتُ اليَواقيتا
وأنني - وأنا أوهاهمُ عَضُداً -
أفري السُّيوفَ الصَّقيـلاتِ المَصاليتـا
وقلْتُ "ريتا" هَلُمَّي إنَّ رِحْلَتنا
لَرِحْلةُ العُمُر لـو تدريـنَ، يـا ريتـا
فازَّيَّني والْبَسي للعيدِ حُلَّتَه
وأوْسِعي آلةَ التصويرِ تَزْييتا
إنّا سننزلُ يا ريتا على بَلَدٍ
تَجْري جَداوله شَهْداً و"مرميتا"
وبَعْدَ لأيٍ تراءَتْ جَنّةٌ أُنُفٌ
تَسْبي العقولَ رياضاً أو حَوانيتا
…وعندما أيقظتْني الشَمْس مَنْ حُلُمي
وجَدْتُ نفسي على تلاتِ صافيتا
 
طباعة

تعليق

 القراءات :375  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 494 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.