جِئْنا تَحُثُّ مَطِيَّنا الأشواقُ |
هَلْ بَعْدَ أفراح اللَّقاء فراقُ؟ |
لا تَسْتَبقْ يـا قَلْـبُ عادِيـةَ النَّـوى |
هَيْهات لَن يتفرّق العُشاقُ |
دَعْنا نَعِشْ في الوَهْـم يومـاً واحـداً |
العيـشُ لـولا الوَهْـمُ ليس يُطـاقُ |
هِبةُ السماءِ… فكـل وَهْـم واحَـةٌ |
رَيًّا تَضاحَك غَيْثُها الغَيْداقُ |
في ظلَّه يَجِدُ المُعَنَّى راحةً |
وَيبلُّ حُرْقَةَ وَجْده المُشْتاقُ |
هَبْني بسـاط الريـحِ، وهْـوَ خُرافـةٌ |
وخُذِ التي بالكَهْرباء تُساقُ |
لولا سَراب الوَهْم لَـم يَـكُ شاعِـراً |
قَيْسٌ، ولم يَكُ مُطْرِبا إسحاقُ
(1)
|
لَوْلاهُ لَـمْ أحَسَـبْ تُرابـي عَسْجَـداً |
ويَطِبْ لأثْمارِ العقولِ مَذاقُ |
دَعْني أقلْ هذا التلاقي سَرْمَدٌ |
أَوَ لَمْ يَحِنْ للأهلِ أنْ يَتَلاقوا؟ |
كَمْ كنتُ في الأحْـلام أهْبِـطُ حَيّكـم |
وأقولُ أسعَد عَبْدَه الرزّاقُ |
أَسْعَى إلى جَناتِكم، وأطير في |
آفاقِكم… يا حَبَّذا الآفاقُ |
حَقَّقْـتُ آمـالـي بطيـبِ لقائِكـم |
شُكْـراً لِربَّي، استَرْوَحَ الأفَّاقُ |
إني لأرْفَعُ هامَتي زَهْواً بكم |
وكَم انْحَنَتْ لـذوي الغِـنى أعْنَـاقُ |
مالي ولِلْقَصر المُنيفِ إذا خَلا |
مِمَّن يَبُشّ، وهَابَه الطُرّاقُ |
دَعْني بعيداً عنه، إني شاعرٌ |
بيني وبَيْنَ العابسين طَلاق |
قَدْ يأكلُ الهمّ المبرِّحُ مُهْجَتي |
لكنَّ وَجْهي ضاحِكٌ برّاقُ |
"غَلْواءُ" لو عَبسَت لقلتُ لهـا اذهـبي |
لم تَنْسَجِمْ ما بيننا الأذْواقُ |
تَشْفي جُروحيَ بَسْمَةٌ زَيانَة |
ويُمِضُّني مِنْ صاحبٍ إغساقُ |
أسْكَرتُمُ روحي بخَمْرة حُبِّكم |
أو لا يَهُزُّ نفوسَكم إشفاقُ؟ |
طَوَّقْتُموني بالبَشاشة والنَّدَى |
لم تَجْل إلا في الهَوَى الأطواق |
ما حاجَتي للمـالِ؟.. أنْتـم ثَرْوتِـي |
هَيْهات يَسْرقُ ثَرْوتي سُرّاقُ |
ستظَلُّ شَمْسُكم تُغَذَّي كَرْمَتي |
ويَظَلُّ نَهْرُكُم هُو الدَّفّاق |
ويظَلُّ صَوْتُكم يثيرُ صَبابَتي |
لا يَسْتوي الغرِّيد والنقّاق |
ويظلُّ ذِكْركُم صَلاةً في فَمي |
أيلامُ في صَلَواته مُشْتاقُ؟ |
أنا لَسْتُ إلا جَدْوَلاً في بَحْرِكم |
ماذا يُفيدُ الجَدْولُ الرَّقْراق؟ |
أنا زَهْرةٌ، لولا شَذَاكم لم يَفُحْ |
مِنْ كُمَّها هذا الشَّذا العَبّاق |
أنا بُلْبُلٌ، لكنْ إذا لم تَطْربوا |
لِشجيِّ ألحانِي فهُنّ نُعاقُ |
في ظِلَّكم أحبُّـو، وتحـتَ جَناحكـم |
يَطأ الثُّرَيّا بَنْدِيَ الخفَّاق |
أوْسَعْتُ صَدْري لـ"الفـداء" فلَيْلُهـا |
ليلي، وفَجْري فَجْرُها الألاّقُ |
وفَتَحْتُ قلبي للذين تَحَلّقوا |
مِنْ حَوْلِهـا وعلـى الـوَلاءِ تَلاقُـوا |
مَرْحَى لأعلامِ الثقافة والهُدَى |
يَرْوي العُقولَ نَداكُم الغَيْداق |
عَزّتْ بكُـم أمُّ اللُّغـات، وصَفَّقـتْ |
لَكُمُ قلوبٌ وانَحَنَتْ أعناقُ |
أخْشَى إذا سَمّيتُكُم أن تَخْجلوا |
إنَّ البَنَفْسَج طَبْعُه الإطْراقُ |
عيدُ "الفِداء" وعيدُكـم عيـدي، فيـا |
فَخْرَ العُلا والمجْدِ نَحْن رِفاقُ |
قلّمتُ أَظْفـارَ الزمـانِ بكـم، فـلا |
يَطْرُقْ جداري بُومُه النَّعَّاقُ |
غَرَّقْتُم قلبي بوابِل فَضْلِكم |
كيفَ النّجـاةُ وغَيْثُكـم غَـرَّاقُ؟… |
* * * |
يا سائلي عَنْهُمْ أتَجْهَل أنهم |
عُرْبٌ على سـن الرمـاحِ عِتَـاق؟
(2)
|
وَرثوا الشهامةَ والَّنـدَى عَـنْ حَاتَـمٍ |
زَكَتِ الفُروع وعَزّت الأعْراقُ |
غَسَّان أنْجَبهم عَمالِقةً، فلا |
تَعْجَبْ إذا بلغَ السُّهَى عِمْلاقُ |
سابَقْتُهم في الجود، فانكَسَـرَتْ يـدي |
كم ذا يَجـور علـى الدَّعِـي سِبـاق |
أخلاقهم روح الربيعِ ورَاحُه |
إن الشعوبَ قوامُها الأخلاقُ |
طابوا كأنفاس الرياضِ سَرائراً |
وكمِثْلِ دَمْعات الجداول رَاقوا |
يَزْهو بهم وَطَنٌ ويَفْخَر مَهْجرٌ |
مَنْ قال يحتكـرُ السحـابَ عِـراق؟
(3)
|
* * * |
يـا إخْوَتي اشْتـاقَ الغريـبُ لِـداره |
أَتَرَى هنالك للغريبِ اشتاقوا؟ |
لَهْفي عليهـم، كلَّمـا قُلْنـا التقـوا |
يتجدّد الإرْعادُ والإبْراق |
عَصَفَ الخِلافُ بهم، فَمَـزَّق شَمْلهـم |
وجَنَى علـى حُلُـم العُصـورِ شِقـاقُ |
رَضَخُوا لأقـزام الـوَرَى وتَصاغَـروا |
وجُدُودُهم سـادوا الملـوكَ وَساقـوا |
ناموا على مِثْل الحريرِ نُعومة |
وعلى أشدِّ من القَتاد أفاقوا |
ليتَ الغِـنى ما فـاض مِـنْ آبارهـم |
خَيْرٌ مِنَ الذهبِ الكثير وِفاقُ |
أسواقُ إسرائيلَ تَشْرب نَفْطَهم |
لهوانهم ما تشرب الأهواقُ |
بُعْداً لأرزاقٍ تُفَرّقُ أهْلَها |
أرزاءُ قومي هذه الأرزاقُ |
الوَحْدَةُ الكُـبْرى الـتي حَلِمُـوا بهـا |
ذَهَبَتْ، ولم يُعْرفْ لها ميثاقُ |
أقسمْتُ لولا "حافظُ" العهـدِ الـذي |
ترنو القلوبُ إليه والأحْداقُ |
الباعِثُ الآمالِ مِنْ أجدائها |
والماسِحُ الآلام، وهْيَ عِماقُ |
والحاملُ الأعباءِ عَنْ أوطانه |
لا جُهْد يُقْعِدُه ولا إرهاقُ |
لَنَفَضْتُ مِنْ أهلي ومِنْ وَطَـني يـدي |
وخَنَقْتُ شَوْقاً بُرْده حَزّاقُ |
ولَقْلتُ يـا فيحـاءُ حُبُّـكِ شاغِلـي |
لكنَّما بينَ القلوب طَلاقُ |
يا "حافـظ" الأوطـانِ مـن أعدائهـا |
للشمس بَعْدَ غيابها إشْراقُ |
حَقَّقْتَ في تشرينَ أحلامَ العُلا |
سَلمتْ يدٌ تحيا بها الأرْماقُ! |
وَفَضَحْت "جيشَ النَّصْرِ" شَرّ فضيحـةٍ |
خَجِلَتْ تخوضُ بوَصْفِهـا الأبـواقُ
(4)
|
أثْنَيتُ فيك علـى الرجولـةِ والنَّـدَى |
مَنْ قـال أفْسـدَ شِعْـريَ الإِغْـراقُ؟ |
أرْضَيْتُ وجْداني، فما همّي إذا |
غَضبَ السَّفيهُ وثَرْثَرَ الوَقْواقُ؟ |
مَنْ لَمْ يميّز صالحاً مِنْ طالحٍ |
فكلامُه – عَفْوَ الكلام – نِفاقُ |
* * * |
يا شـامُ يَشْجيـني فِـراقُ عشيرتـي |
هَلْ يَسْتَعيدُ رجاءَه مُشْتاقُ؟ |
قسَماً لَنَحْمل في القلـوب جِراحهـم |
ونَذوقُ مِنْ آلامهم ما ذاقوا |
لم نَسْلُ رِفْقتهم علـى رَغْـم النَّـوَى |
سِيَّان عندي إخوةٌ ورفاقُ |
نَهَشَ الأسَـى قلـبي، وأفْـرَغَ سُمَّـه |
فيه، فأين الطَِّبّ والتَّرْياق؟ |
لا تَعْجَبوا مِـنْ بَسْمَـتي، لا تَعْجَبـوا |
تبكي السماءُ ووَجْهُها بَرّاقُ |
لا هَمّ إلاّ مِنْ جِراحاتي ارْتَوى |
كأسي بألوان الهُموم دِهاقُ |
لولا هَـوَى "غلـواء" يَغْمُـر بالسَّنَـا |
دَرْبي لضاعَ الشاعرُ الخَلاّقُ |
كرَّسْتُ للوطنِ الحبيبِ يَراعتي |
فَلْيَغْضَبِ العُمَلاءُ والمُرّاقُ |
أنا مِنْ ثراه ذَرَّةٌ، فإذا كَبَا |
لم يُجْدِ أني الفارسُ السّباقُ |
فارَقْتُه لا راضياً، لكن كما |
هَجرَ الرّياضَ هزارها الصّفّاقُ |
أعصَى المدامع في الحـوادثِ مَدْمَعـي |
لكنْ على ذِكْر الدِّيار يُراقُ |
تباً لأوراق سَعْيَنا خَلْفَها |
أصْل البَلَّية هذه الأوراقُ |
لا مَجْدَ يُنْسِينا مراتعَ أُنْسِنا |
ولو أنَّهنّ حَظيرةٌ وزُقاقُ |
* * * |
عَفْواً صحابي إنْ تَلَعْثَم ساجعٌ |
وتَنازع القَمَرَ المنيرَ مَحاقُ |
حَطّت عَلى عتَبَاتكم طَيَّارتي |
كيف اهتدَى للجنةِ السَّواقُ؟ |
إني اختََصَرْتُ الروضَ في قارورةٍ |
وثَفَى صَباباتِ السنينَ عِناقُ |
أحيا لقاؤكمُ زهورَ حَديقتي |
وغَداً يعيد لها الذُّبولَ فِراقُ |
ذِكْراكمُ عندي أعزُّ ذَخيرةٍ |
بإزائها تَتَضاءلُ الأعْلاقُ |
يا ليتكُم لم تَحْتَفوا بأخيكمُ |
خَيْرٌ مِنَ المتشاعر الذَّوَّاقُ |
أوْ ليتَ أبياتي استعَرْن جَناحَكم |
أوْ لَيْتَ لم يُقْعِدْني الإرْهاقُ |
شوقي إليكم هـاجَ شَوْقـي للحِمَـى |
يا قَلْبُ لا انطَفَـأت بـك الأشـواقُ! |