معَ العصافير: في "بروملي" |
صفا ضَميري وثَاب عَقْلي |
عاشَرتُ ألحانها.. سمعيا: |
أميِّزُ النُّطق حِينَ تُملي: |
حزينُها إذْ ينوحُ.. يحكي |
نَوحي. ويبكي الصحَاب مِثْلي |
والوُرْقُ والصُّفْر مِن طيور |
يزجلن في جنحِ كُل ظِلِّ
(1)
|
أتْقَنْتُ أنْغامَها جميعاً |
مِنْ كُلِّ لَون وكُلِّ شكلِ |
حينَ تخافُ الظَلام تَبكي |
نَهارها الضائع المولّي! |
تُطعمني بالرضا وتسقي |
روحي بقَطْر الندى المبلِّ |
فَتَنتشي بالهدى "صَلاتي" |
أتلو تهاجيدها. وأُمْلي |
* * * |
غَيَّرت أسْماءَها: فهذا |
"زيدُ": وذا "الصَّارمُ" المجلّي
(2)
|
وذاكَ حامي حِمَى حقوقي |
والأخضر "الفَيلسوفُ" خلّي |
عَاشرنَني دُونما رياء |
عَرَفْنَ جِدّي، فهمْنَ هزْلي |
فَهْنَّ في غربتي رفاقي |
وهُنَّ قومي. وهن أهْلي |
وهنَّ رَغم الذي أقاسي |
شغلي وفَرضي.. وهُنَّ "نَفْلي" |
* * * |
"معَ العَصافير" في لغاتٍ |
شتَّى خَلَت مِنْ خَنىً، وختَلْ |
نُحاورُ الكون.. وهي تدري |
ماذا بِطَيِّ الفؤادِ يَغْلي! |
وأنني رغمَ ما أُعاني |
أحبُّ أنغامها. وأغلي |
وأنَّ بَعْض الغناء -وَجْداً- |
يَدْخُلُ في مهجتي كنَصْلِ |
وأنَّ ألْحانَهنَّ -شوقاً- |
تُشْعلُ نار الجوى، وتُصْلي |
نُحاورُ الكون دَاريات؛ |
بأنَّ لي كربتي، وشُغلي |
يسمعنه في اضطراب صَوتي |
ولعثماتي، ولَحْن ثكلي؛ |
وكم بكينا، وكَمْ ضَحِكْنا |
وكم سَخرنا بدون دَجْل؛ |
وكم شكا الْبعضُ ما دَهَاهُ |
من"غُربةٍ" أتْعبتْه قَبْلي؛ |
و"الأخْضَرُ" الفيلسوفُ يُصغي |
حيناً، وحيناً يثور يُدْلي: |
بما يُجلّي هُمومَ قلْبي |
وما يُعزي ومَا يُسَلّي! |
* * * |
ومَرةً قال لي بلطفٍ: ما بك؟ ماذَا تُريد؟ قُلْ لي |
قلتُ: أنا هَاهنا "غريبٌ" ولي "ترابٌ" وفيه أصْلي |
فارقْتُه دونما اختيار، ولا ملاَل ولا تخَلّي |
أما ترَى أنَّكم جميعاً.. |
تشْدُونَ بالحب دُونَ غلِّ؛ |
من كلِّ جِنسٍ، وكلِّ شكْل |
تَلْهون في فَرحةٍ. وَوَصْلِ |
فلا بعادٌ ولا اضْطغانٌ |
ولا تَخافونَ أيَّ ذَحْلِ:
(3)
|
فقالَ: مهلاً: فقلتُ: ماذا؟ |
قال: "غريب" أنَا أصِخْ لي |
عن مَوطني قَدْ رحلْتُ يوماً |
في سَفَرٍ مُتعبٍ مُمِلٍّ..! |
في قَفَصٍ فيه عُش طَير |
فراخُه تستَغيث.. مِثْلي |
عرفْتُ مِن ريشها.. بأنّا |
فصيلةٌ تَنْتَمي لأصْلِ؛ |
عَرْوسَتَا "غُربةٍ" وأسْر |
قَدْ صِيدتا عَنْوةً لأجلي
(4)
، |
وكانَ ما كانَ من مَحل |
إلى محلٍّ.. إلى مَحَلِّ.. |
حتّى نَزلْنا حماكَ قَسْراً، |
وابْتَعْتَنَا بغْيةَ التسلي |
وكنتَ برّاً بنا؛ رؤوفاً |
يَحوطنا منكَ كلُّ فَضلِ؛ |
قلتُ: وماذا؟ ألاَ حنينٌ |
إلى محل هناك.. قل لي؟ |
قال: سماءٌ تظلُّ أرضي، |
تسمَحُ لي هَا هُنا بظلِّ! |
والشَّمس كالشمسِ في بلادي |
ولَيلها مُظلمِ.. كليلي |
بِكُلِّ أرضٍ تعيشُ فيها |
مُكرَّماً، دُونَ أيِّ ذُلِّ |
ِعِشْ خالي البال دون حُزن |
ولا تبل: فالزَّمان يبلي؛ |
تُمرُّ سَاعاتُه حِثَاثاً.. |
تُمِرُّ في مَرِّها.. وتُحلي |
والفَذُّ مَنْ عاشها ضَحوكاً |
وسَاخِراً بالحياة.. مِثلي |
أشْعُر أنَّ الوجودَ بيْتي |
وأنَّ كُلَّ الطيور أهْلي؛ |
فَلا تَقُل: مَوْطني وأصْلِي |
ولا تقل شِيعتي وفَصْلي |
الوَحْشُ، والطير والبرايا |
مِن نُجُبٍ قَادةٍ، ورُسلِ |
ومِنْ كريمٍ، ومِنْ بَخيلٍ |
وسَيدٍ ماجدٍ، وفسلِ؛ |
"القَبْرُ" مأوى الجَميع فيهِ، |
نَنتظرُ "البَعث" دونَ مطْلِ؛ |
* * * |
فقُلت: هذا نَشيدُ حُر |
فقالَ: هذا بيَانُ عَقْل؛ |
قلتُ: لي الله، قال "دَعْهَا" |
"تجري سَماويَّةً".. بعَدلِ؛ |
قلتُ: ومَا العَدْل؟ قالَ: حُبٌّ |
لِكل "مَا" عَاش في "بروملي". |