شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة فارس الاثنينية الدكتور
مرزوق بن صنيتان بن تنباك ))
بسم الله الرحمن الرحيم، أجدني في منتهى الفشل هذه الليلة بحق، لأنني سأفشل في التعبير عما في نفسي وما طرحه عليَّ هذا الحفل الكريم، ممن تكلم وممن حضر وشارك في وجدانه وتعبيرات وجهه عندما تحدث الزملاء الأصدقاء المتحدثون، وأجدني عاجزاً كطبعي دائماً عندما أريد أن أعبر عن عواطفي وأعبر عن ما يختلج في نفسي لمن يُفضِلُ عليَ ويكرمني بكلمة أو فعل أو عمل، وأول هذا العجز أنني فعلاً سأعجز عن شكر صاحب الاثنينية على أنه أتاح لي الفرصة برؤياكم وأن أسمع من أحباب أعزهم ما في نفوسهم نحوي، وأشعر فعلاً في هذه الليلة أنني عيي، ولا أريد أن آخذ من وقتكم أطول وإنما كل ما أريد أن أقوله تعرَضَ له الأصدقاء الأساتذة، أساتذتي وزملائي وأصدقائي، ولا أدعي التواضع وأنا أعرف أن كل من جلس هذا المجلس وسمع هذا الكلام قال إنه لا يستحق هذا الثناء، أنا قد لا أقول هذا لأني لا أريد أن أكذّبَ هذا الحفل الكريم ولا أريد أن أكذب أصدقائي وزملائي الذين تفضلوا وقالوا ما في نفوسهم نحوي، ولا أريد أيضاً أن أقول أنني لا أستحق شيئاً، لكني أشعر فعلاً بأن هذه الاثنينية، هذا الجو اللطيف، هذا الحفل الكريم الذي يتكرر كل أسبوع في هذا المكان هو نموذج لتطوير أو لخلق الكلمة الفاعلة وحشد الرؤية الصالحة لما يحدث في الساحة وإن قل وإن ضعف، والتكريم يعود في الواقع لانطباع هذا الكرم في نفوسكم وفي نفس مضيفِنِا وليس أيضاً في جهودنا أو ما قد نلقيه في هذه الساحة، أنا في بدايتي ظننت أنني سيترك لي كلام، فكنت أريد أن أتحدث عن نشأتي عن تعليمي عن القطاع الكبير الذي كنت فيه وبُعْدِي عن التعليم في زمنه وتلك الظروف التي جاءت، ثم أيضاً أنا ترى إلى حد ما يمكن عندي شيء أيضاً الهوس في الذكر، فأنا كاتب أشياء كثيرة لكن ما قلتوه وسمعتوه وعبرتم عنه أسكتني حقيقة، ولهذا فأنا لن أطيل ولن أقول شيئاً وإنما سأستمع منكم وأستفيد ما لديكم، وإن استطعت أن أجيب عن أسئلتكم فليكن وإن لم أستطع فسوف أعتذر، وأشكركم وأشكر هذه الاثنينية وأشكر صاحبها الأديب ابن الأديب الذي رعى الأدب وهو من أهله، فشكراً لكم جميعاً وشكراً لصاحب هذه الاثنينية وشكراً لحضوركم، وما قلتوه أعتبره في الواقع من عين الرضا (1) عن كل عيب كليلة وأنتم كلكم أهل رضا فشكراً لكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد المقصود خوجه: يا سيدي شكراً لكلمتك العادة في الاثنينية كما سبق وأسلفت أنها تكون للتوثيق، ويبدو أن الوقت سرقنا وبعدنا عن جوهر الموضوع، وكرم أخلاق منك أنك أطرت الموضوع هذا الإطار، ولكن لئلا تفوتنا الفائدة فأرجو أنك تعطينا الأوراق التي لديك ونضيفها عند الطبع ليستفيد منها الإخوان عند القراءة وكنا نتمنى أنك تستطيع إلقاءها ولكن مع الأسف حالت الظروف دون ذلك.
(( كلمة سعادة الدكتور مرزوق بن تنباك التي كان سيلقيها
في حفل تكريمه لولا ضيق الوقت ))
الاستهلال: ليس في تجربتي مع التعليم شيء غير عادي إلا مضيها مع الزمن وما تحقق بعد المرحلة التعليمية الأولى من إمكانات جعلت الفارق كبيراً، وكأن الفاصل الزمني بيننا اليوم وبين تلك الفترة قروناً طويلة إذ منَّ الله على البلاد وعلى هذه الأمة بالخير ومزيد من النعم، وأهمها نعمة الأمن والرخاء، والوحدة التي جمعت أطراف الجزيرة، ثم ما أفاء الله علينا من هبات تفجرت عنها الأرض الطيبة فنمت وازدهرت ولله الحمد.
الدراسة: بالنسبة لحالي الضعيف فأنا من أبناء القطاع الكبير من المجتمع الذين كان التعليم أحد المستحيلات بالنسبة لهم، وذلك أن التعليم في المملكة كان يخطو خطواته الأولى سواء بين الخاصة أو العامة، يضاف إلى ذلك بعد الوسط الذي أعيش فيه عن مراكز الجذب والارتكاز السكاني الذي قد يساعد على الاهتمام بالتعليم ومستقبل الناشئة. إلا أنه من حسن حظ الجيل الذي أنتمي إليه أن جاء عقب الحرب الكونية الثانية وما تركت من آثار غيرت مسار حياة الناس جميعاً. ومن أهم وجوه التغيير التحول الهائل من سكان الريف والبادية إلى المدينة، وتبعاً لذلك فقد تحول اهتمام الناس وقناعاتهم وتبدلت أسباب المعيشة التقليدية التي كانت تقوم على الرعي والزراعة إلى أشياء وأوجه جديدة من أهمها التعليم والحصول على الشهادة وما أدرك ما التعليم وما الشهادة.
البداية: بدأت التعليم في مدرسة ذي الحليفة أو آبار علي كما تسمى اليوم وقد أصبحت حياً من أحياء المدينة المنورة، أما في ذلك العهد فكانت قرية معزولة بعيدة حتى عن المدينة نفسها. وكان طلاب هذه المدرسة فئة واحدة لا اختلاف بينهم، ولا توجد فوارق كبيرة، كالتي توجد بين طلاب المدارس في المدن الكبيرة، وليس بينهم التنوع الذي يحصل مع الكثرة السكانية. وقد وصفت لنا حالنا في مدرسة ذي الحليفة في مقال نشر في اليمامة العدد 788 في 29/4/1404 هـ قائلاً:
"كنا مجموعة من أبناء الأعراب متقاربي الشبه لا يميز بعضنا عن بعض شيء ذو بال، نأتي نطرد كل صباح إلى المدرسة، فنجد الشيخ علياً الكراني قد سبقنا إلى فنائها الواسع يحي الطالب الأول ويثني على تكبيره ثم يرصه في الصف ويقف أمامه بقامته التي لا تميزه عن طلابه يتكئ على جريدة من النخل خضراء ترك في نهاياتها سعفات كقادمة العقاب يهش بها ولا يكاد يستعملها، يهدد من لا ينتظم جيداً في الصف، يرص الأول منا وبعده الثاني والثالث حتى ترتص أجسام هشة من صغار البشر ترتعد برداً في الشتاء القارص وتردد أصواتاً لا تخلو من نشاز: بلادي بلادي فداك دمي". كان عدد طلاب كل صف في المدرسة لا يزيد على خمسة أو ستة طلاب، وكان منهم الزميل الصديق العالم اللغوي حمزة بن قبلان المزيني. قضينا في هذه المدرسة سني الدراسة الابتدائية.
ترك الدراسة: وما كدت أشرف على الانتهاء حتى بدأت عوارض التحدي تظهـر في حياتـي وأهمهـا إصابتي بمرض في عيني كاد يذهب بنورهما، وانتقال والدي من المدينة واستقراره بعيداً عن المدارس والدراسة فكان علي أن أواجه الخيار بين الدراسة أو الانقطاع.
أما المرض فقد كان سبباً معقولاً لترك الدراسة ولا سيما أن جدتي متأكدة أن ما أصابني هو "عين" وأن القراءة والنظر في الكتب والقراطيس والدفاتر البيضاء تزيد المرض وأن العلاج النافع هو الابتعاد عن ذلك كله، مع الكي والحمية.
أما انتقال والدي فكان تأثيره على ترك الدراسة أقل، إذ أنه أصر على أن أبقى مع إخواني في المدينة نتعلم حتى لو كنا بعيدين عنه، فهو يجب أن يرى أحد أبنائه على الأقل كاتباً يقرأ له الرسائل أو يكتب له ما يريد إرساله منها، ولا أظنه يهدف من تعليمنا إلى غير ذلك الهدف. وقد أفتاه فقيه القرية أن الخط ما قرء وما زاد فهو صنعة. وخطي يقرأ والصنعة لا تصلح لمثلي.
أما أنا فكان ذلك لصالحي، إذ شعرت بشيء من الحرية والانطلاق من قيد الالتزام، وأصبحت أنتقل إلى والدي حيث يقيم، أو أعود للمدينة إذا شئت، وقد مضى على ذلك سنوات ثلاث ما زلت أشعر أنني قضيتها في غاية السعادة، وكادت أن تغير مسار حياتي - ومن يدري فقد يكون إلى أفضل - لكن تلك السنوات الثلاث لم تخل من تعليم، فقد كنت أستمع بعد مغرب كل ليلة على ضوء النار درساً من شيخ "عارفه" مجرب يحدثني عن الأعراف والتقاليد و "سلوم" الناس، وبعض قوانين الفترة السابقة والبيئة الماضية، وأشياء أخرى لا يجمعها كتاب وكلها تُنظّر لمكارم الأخلاق وأعراف الناس ومثاليات الحياة، وقد كان حضور هذا الدرس ملزماً يفرضه علينا والدنا ويتأكد من أننا نعي ما يقول الراوي وتطبيقه عند الحاجة.
العودة إليها: لكن ما صرفني عن هذا هو لقائي لأحد الزملاء وقد حقق خلال السنوات الثلاث نجاحاً كبيراً لنا حيث أخبرني أنه دخل معهد المعلمين الابتدائي وكان القبول فيه بعد الابتدائية مباشرة وتخرج فيه وأصبح يقبض راتباً مغرياً لأمثالي ويقتني أفخم وسائل المواصلات الخاصة "موتر سيكل" بينما أتمتع أنا بحرية الانطلاق وفراغ الجيب، ومن تلك اللحظة قررت التنازل عن الحرية وعدت للدراسة وأخبرت والدي في تلك الليلة أنني لن أخرج معه للديرة، فوافق وأوصاني بحفظ القرآن وحضور حلقات الذكر في الحرم، وأشهد أنني حاولت ذلك وإن لم يتحقق كل ما أريد، فقد وجدت أن الحياة ليست سهلة وأن الطريق بدأ شاقاً، وأن مطالبي وحاجاتي قد ازدادت، مما جعلني أجمع بين الدراسة والعمل، فأضاف ذلك عبئاً كبيراً ذهب بوقتي كله، وجعلني أحن إلى تلك السنوات الحرة في حياتي التي قضيتها بعيداً عن الدراسة والعمل.
لقد كانت الوسائل محدودة، والإمكانات قليلة على كل المستويات الاجتماعية، ولا سيما القطاع الذي أنتمي إليه، وقد قضيت سنوات الدراسة حتى الثانوية العامة ولم يدخل منزلنا نور الكهرباء، كما كنت أقطع الأميال مشياً على الأقدام إلى المدرسة وأعود منها ماشياً كذلك.
البحث عن الجامعة: عندما انتهت الثانوية العامة رغبت إكمال الدراسة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة "فهي أقرب، ومن فيها أطيب" إلا أن من نظر في قبولي من المشايخ رأى "أن علامات الورع المطلوبة ليست ظاهرة علي ما يجب، ودعا لي بالهداية من الله وبالتوفيق في غير جامعته". فحاولت الدراسة في جامعة دمشق، وهناك رأى من قابلني أيضاً "أن جامعته لا تستطيع نفض غبار الوهابية الذي رآه بكثافة كبيرة على عقلي". ورجا لي العودة إلى الوطن سالماً، ولم يكن من قابلني بكلية الشريعة بمكة المكرمة بأحسن استقبالاً منهما. وعن هذه المواقف ومواقف أخرى سأكتب إن شاء الله شيئاً يفصل ذلك.
بعد ذلك انتقلت إلى جامعة الرياض، وفي الرياض كانت الأمور غير ميسرة وليست سهلة فالجامعة منزوية في آخر الرياض وليس حولها أو قريب منها حارات شعبية نستطيع أن نجد فيها مكاناً بل إنك لا تجد من يؤجر على غير المتزوجين في أحياء الرياض كلها، ومن يعد سكناً للغراب يضاعف الأجرة، وقد جعلني هذا الأمر أحتاج إلى العمل مع الدراسة وكنت أبقى في الجامعة من السابعة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر حيث تنتهي الدراسة ثم أعمل من الرابعة عصراً حتى الحادية عشرة ليلاً وقد استمر هذا الحال السنتين الأوليين من دراستي، ولك أن تتصور وضع طالب يعمل كل هذا الوقت. مع ما يحتاج من مراجعة ومذاكرة وراحة، ولم ينقذني من هذا الجهد المرهق إلا تخرج أخي محمد في كلية الشرطة حيث أصبح راتبه قسمة بيننا فتفرغت للدراسة كلياً.
المشوار الأخير: وقد قررت أن تكون الجامعة هي نهاية دراستي ولم يخطر ببالي غير ذلك، إلا أنني عند التخرج وجدت نفسي مرشحاً للإعادة في الجامعة فترددت بقبول الترشيح، وشعرت بالخوف وخشيت الفشل وألا يكون الحصول على الدكتوراه سهلاً، وقد كانت صعوبة الحياة في الرياض هي التي قذفت بي إلى الخارج على الرغم من عوامل التثبيط حتى أنني حاولت الإسراع باتخاذ القرار قطعاً للقلق والتردد.
ثم كان مشواري الأخير ثماني سنوات قضيتها في الخارج ولكنها عندي تعادل السنوات كلها في الدراسة السابقة، لأن الصعوبات فيها كانت أقل بفضل الله وبفضل ما يقدم من عون مادي ومعنوي نقر به لهذا الوطن رعاه الله. فقد وجدت أن ما تعلمته مادة خاماً أستطيع أن أستفيد منه في صورة يقتضيها الظرف الجديد الذي أصبحت فيه، فعشت أنظر إلى دوري برؤية الواقع وأستمد تجاربي من خلفيتي الثقافية في المدينة، حيث السنوات الخصبة من التحصيل العلمي فيها، وفي الرياض حيث تعلمت أبجديات المناهج العلمية الأكاديمية الحديثة.
وقد تجدد نشاطي بعد عام ونصف العام للعمل الطلابي وانخرطت في النشاط الذي يقوم به طلاب الجامعات وكأنني أعيش في جامعة وطنية ومع زملائي من بلدي، ومارست ما يمارسه طلاب الجامعات الغربية من نشاط طلابي عام، تم على أثره انتخابي من قبل زملائي في كلية الآداب ممثلاً لطلاب الدراسات العليا الشرقية والآسيوية، وبعاد عام رشحت أيضاً لعضوية مجلس الجامعة الأعلى Senatus لكنني تخرجت قبل موعد الانتخابات بأيام قلائل فانسحبت من الترشيح.
ومن نشاطي الطلابي في جامعتي، كان لي نشاط آخر مع عدد قليل من الزملاء السعوديين حيث قمنا بتأسيس أندية الطلاب السعوديين في بريطانيا وايرلندا لأول مرة، وأصدرنا أول مجلة طلابية ما زالت تصدر حتى اليوم من هناك. وقد شرفني زملائي واختاروني رئيساً للأندية الطلابية ومشرفاً على المجلة التي تصدر عنا حتى عودتي من البعثة.
وكانت إدارة الأندية واحدة في كل المقاطعات البريطانية، وقد استطعنا فتح خمسة أندية في السنتين الأوليين من بدايتنا كانت على مستوى جيد من التنظيم، وكان تمويلها ذاتياً كله من الاشتراكات الرمزية والتبرعات الشخصية، وتقدم هذه الأندية خدمة اجتماعية وثقافية للطلاب السعوديين وعائلاتهم، وكانت متنفساً يجدون فيه روح الوطن، وقد انضم إلى تلك الأندية أكثر من ثلاثة آلاف طالب وطالبة في السنوات الأولى من تأسيسها، فكان العدد هو الرصيد الغالي الذي أضفته إلى حسابي، فأغلب هؤلاء تربطني بهم صلة وصداقة حميمة إلى هذه اللحظة وجلّهم موجودون في الجامعات السعودية وفي القطاعات الأخرى فأينما أذهب أجد صديقاً وزميلاً يشاطرني جزءاً عزيزاً من الذكريات، ولم يحدث أن اختلفت مع أحد منهم ولله الحمد.
النشاط الثقافي: بعد العودة من البعثة حاضرت في الكثير من الأندية الأدبية والحلقات العلمية المتخصصة وحضرت عدداً من الندوات والمؤتمرات الفكرية مشاركاً فيها، وحاولت أن أركز جهدي في مسارين أثنين ثقافي واجتماعي.
أما المسار الثقافي فهو مسار الموروث الفكري للفصحى، وما يتعلق بتراثها وموروثها العلمي، وقد أدركت مبكراً سرعة التوجه العارم إلى الثقافات المحلية العامية والقطرية، وما يصحب ذلك بالضرورة من شوفونية قاتلة، إن استمرت دون رادع أو مانع. فرأيت من واجبي وأمانة العلم ألا أجامل أحداً مهما كان، لما قد يسببه هذا التوجه من ضرر بالغ لوحدة الثقافة ووحدة لسان الأمة، وأوضحت بكل ما أستطيع رأيي وموقفي، وشرحت بوضوح ما يسببه هذا التوجه من انفصام بين الثقافة الفصحى والمحكية، وما سوف ينتج عنه من آثار سيئة ثقافياً وإقليمياً واجتماعياً وذهنياً، وقد تمخض ذلك الاهتمام عن عمل أنجزته في هذا المضمار وهو كتاب "الفصحى ونظرية الفكر العامي" الذي نال تقدير الأوساط العلمية والثقافية ونال الجائزة السنوية لمكتب التربية العربية لدول الخليج عن اللغة العربية وآدابها.
وفي شعبة من هذا المسار تصديت لمحاولة تصنيف الأدب العربي وتقسيمه إلى مذاهب طائفية، وميول فردية، وأغراض شخصية، رغم تلفع هذه المحاولات بثوب القداسة، التي قد تكون مانعاً للحديث عن نقده أو الاعتراض عليه، وقد صرحت برأي وهو أن طائفية الأدب ومذهبيته بدعة جديدة، تفت من قوته، وتوهن شخصيته، وتمسح صورة الثقافة العربية التي عاشها تاريخنا الأدبي منذ إطلالة فجره إلى يومنا هذا، دون تقسيم أو تصنيف وقد شعرت أنني قلت كلمتي دون مواربة أو غموض في هذا الشان، وفندت آراء ما يدعـى جماعـة رابطـة الأدب الإسلامي، رغم ما يربطني بهم من صلات وصداقات شخصية، إلا أن ذلك شيء، ورأيي في تصنيف الأدب وأدلجة الثقافة شيء أخر.
مشروع مستقبلي: والآن أشرف على مشروع ثقافي كبير هو دراسة القيم العربية الخالدة منذ الجاهلية حتى هذا العصر الحاضر وقد اتخذت من التراث العربي والإسلامي مصدراً لهذه "القيم ومكارم الأخلاق" التي زكاها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). ولا شك أن الثقافة العربية رصيد ضخم من مكارم الأخلاق، وثوابت القيم الاجتماعية، وفيها إرث ضخم أبدعته العرب ومجدته بأقوالها نثراً وشعراً وحافظت عليه مع مرور الأيام. وهذا العمل سيكون في عدد من المجلدات هدفها تقريب الثقافة الفصحى بمثلها وفضائلها إلى القراء، بلغة عصرية حديثة تبث فيها الحياة من جديد وتجعلها مفهومة للمعاصرين ومقبولة لديهم، كما تكرس مفهوم القيمة الاجتماعية وأهميتها، متخذة من الشعر والنثر وثقافة الأمة في الماضي والحاضر شاهداً على ما تذهب إليه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :838  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 25 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج