شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الأستاذ الدكتور حمزة المزيني
من جامعة الملك سعود ))
أود في البداية أن أتقدم بالشكر الجزيل للأستاذ عبد المقصود خوجه على دعوته لي لحضور هذه المناسبـة العزيزة وهذه هي المرة الثالثة التي أشرف فيها بالمشاركة في تكريم أساتذة لي وزملاء في هذا البيت العامر، ولقد دأب الأستاذ خوجه على هذه السنة الحميدة التي تتمثل في تكريم رجل من رجال هذا الوطن للمتميزين من مواطنيه؛ فلا يسع المرء لذلك إلا أن يهنئ الأستاذ خوجه على هذا التقليد الوطني الحميد الذي يتجاوز حدود المحليات والانتماءات الثقافية والفكرية.
بيني وبين الدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك عدد من المشكلات وسوف أشير إلى اثنتين منها، وأولى هاتين المشكلتين أنه يزعم ويكرر هذا الزعم دائماً بمناسبة وبغير مناسبة أنني أكبر منه سناً ولا يمل الأستاذ مرزوق عن تكرار هذا الاحتجاج لهذا الزعم الباطل بأوهى الحجج وأضعفها ومن تلك الحجج الضعيفة قوله: إنني كنت زميلاً لأخيه الأستاذ عقاب بن تنباك في السنة السادسة الابتدائية في مدرسة ذي الحليفة في المدينة المنورة، فيما كان هو حين ذاك في السنة الثالثة الابتدائية وينسى سعادته أنني "حضري"، دخلت المدرسة بعد إكمال السنة السادسة من عمري مباشرة أما هو فكان "بدوياً" ولم يدخل المدرسة إلا في السن الثالثة عشرة ومن حججه الواهية الأخرى احتجاجه بتاريخ ميلاده المسجّل في حفيظة نفوس؛ ويتبين منه أنني أصغر منه سناً لكن سبب تاريخ ميلاده المزيّف هذا أن له واسطة قوية في إدارة الأحوال بالمدينة المنورة ولذلك فقد صلحوها له. انظروا إلى ما يمكن أن يفعله عدو الواسطة الأول؛ أول المستفيدين من الواسطة هو.
والمشكلة الثانية أنني كتبت أولى إسهاماتي في الصحافة المحلية عنه فقد كان هناك نقاش يدور في الصحافة المحلية عن مسألة اللهجة العامية ودراستها؛ وقد شارك وهو ما يزال طالباً في مرحلة الدكتوراه في بريطانيا بمقال نشرته له جريدة "الجزيرة" يهاجم فيه بعنف دراسة اللهجات ويزعم أن الغربيين لا يدرسون لهجاتهم هم وإنما يدرسون لهجات الشعوب الأخرى، ومنها اللهجات العربية لأغراض خفية؛ وكنت وقتها قد عدت تواً من البعثة متخصصاً في اللسانيات. (د. منصور أرجو ألا يأخذ هذه كملاحظة) التي تهتم بدراسة اللغة العامية منها وغير العامية، ولذلك فقد رددت عليه رداً حماسياً بيّنت فيه إسهام الغربيين في دراسة العاميات في لغاتهم هم، وأن دراساتهم للهجات العربية لا تعدو أن تكون تعميماً للمناهج العلمية التي يتبعونها في دراسة أي لغة، لكنني أقول لوجه الحق إن الأستاذ الدكتور مرزوق لم يغضب مني أبداً، إلا أنه على الرغم من قوة الحجج التي أوردتها لبيان خطأ آرائه في هذه القضية لم يغير رأيه ذاك إلى الآن، وقد أخذ الأستاذ الدكتور مرزوق على عاتقه مهمة كبرى هي التصدي لتلك الموجة العارمة التي برزت في السنوات العشرين الماضية، وتتمثل في الاهتمام بما يسمى بالشعر العامي؛ وتحتاج هذه القضية إلى التفصيل حتى يتبين موقف الأستاذ الدكتور مرزوق منها على حقيقته، فينحصر نقد الأستاذ الدكتور مرزوق في نقد ذلك الاهتمام غير المسوّغ بنوع الشعر الذي ساد مؤخراً وهو النوع الذي يمكن أن يكون الاهتمام به طريقاً إلى شيوع الفكر العامي الذي ينشأ من الاهتمام الزائد به، انحسار الفكر المثقف الذي تقوم أسسه على اللغة العربية الفصحى والأستاذ الدكتور مرزوق محق كل الحق في الموقف المبدئي تجاه ما نسمعه ونراه من طغيان ما أسميه أنا "بالكلام المدلع" الذي يصنف زوراً بأنه شعر ولإلقاء المزيد من الضوء على هذه المسألة فإنه يلزمني الاعتراف أولاً بأن أية لغة لا يمكن أن تقتصر في استعمالها على مستوى لغـوي واحـد فالذي تشهد به الملاحظة ويؤيده الدرس العلمي أنه لا يمكن إحصاء الأساليب المتنوعة، التي يستخدمها المتكلمون للغة معينة، وأكثر من ذلك فإن المتكلم الفرد نفسه يمكن أن يستعمل عدد كبير من الأساليب، التي يختلف بعضها عن بعض في المفردات؛ وفي التراكيب النحوية والصرفية وكل ذلك بحسب المقام الذي يجد المتكلم نفسه فيه، كما أن من الطبيعي أن توجد أشكال من الإبداع الأدبي المتنوع ومنه ما يمكن أن يكون مسوغاً بغير اللغة الفصحى ويعرف الأستاذ الدكتور مرزوق يقيناً كما يعرف أكثر المثقفين أنه لم يكن لذواد جزيرة العرب وأريافها وبعض حواضرها إلى ما يقرب من خمسين سنة مضت شيء يدخل في باب الشعر إلا ذلك النوع الذي كانوا يصنفونه هم بأنه شعر، وهو شعر لا ينتمي في تركيبه النحوي من حيث التفاصيل إلى اللغة الفصحى، ولا يمكن للأستاذ الدكتور مرزوق أن يكون ضداً لذلك الشعر ولا للّغة التي يقوم عليها؛ وكيف يمكن للأستاذ الدكتور مرزوق أن يقف موقفاً معادياً لذلك الشعر! وهو الذي يعرف أكثر من غيره تلك النماذج الجميلة منه وتلك القصائد الفخمة التي تتحدث عن الفروسية ومكارم الأخلاق وتصف وصفاً صادقاً دقيقاً بأجمل لغة الحياة في الجزيرة العربية في فترة ما قبل التوحيد وما قبل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الكبيرة الأخيرة، وكيف يمكن للأستاذ الدكتور مرزوق أن يقف من ذلك الشعر موقفاً معادياً! وهو الذي نشأ في مجالس كبار الرواة الذين يذكّرون بالرواة العظام في التراث اللغوي العربي الفصيح وهي المجالس التي كان يستخدم فيها نوع أدبي من اللغة في الشعر والقصص لا ينتمي إلى اللغة اليومية العامية إلا من حيث الإطار العام ومن أشهر الرواة الذين سمع عنهم الأستاذ الدكتور مرزوق تلك النماذج الفخمة من الشعر، الرّاوية الذي يعرفه وهو جازي ابن ربيق العمري الذي كان يحثه أبوه على حضور مجلسه للاستماع إلى سوالف الرجال وغيره ولم يكن جازي ابن ربيق الوحيد بل كان هناك رواة أفذاذ آخرون كانوا وما يزال بعضهم مصدراً غنياً من مصادر تلك الثقافة الجادة فقد وعيت أنا نفسي عدداً منهم في منطقة المدينة المنورة ما يزال بعضهم على قيد الحياة، ومن الأحياء خالي غيث بن فرج الحجيلي وعبيد بن مقبول السراني متعهم الله بالصحة ومن الذين توفاهم الله حيا بن محمد السراني ومحمد الوسيدي وعبد الله بن شلي الرحيلي وسكاكا المحمدي وناهض بن بالود وعلي بن عصيلان الظاهريان وغيرهم، هذا خلاف أولئك الذين توفوا من قبل وما تزال ذكراهم حية مثل محمد علي بن عساف الأحمدي وابن مطلق الأحمدي والقرف الحازمي وابن عاصم الزبيدي ومحمد علي بن سويعد القرافي الحازمي وغيرهم الكثير.
لقد كانت مجالس أولئك القوم مدارس حية لتدارس مكارم الأخلاق ولاكتساب اللغة الجميلة الفخمة التي يصاب بها ذلك الشعر الجميل وتلك القصص الماتعة، ومن أروع ما يمكن أن تستمع إليه في مجالس أولئك القوم تلك اللغة الراقية المُحْكَمة التي يصوغ بها الخصوم في مجالس الاحتكام دعواهم في القضايا التي يحتكمون فيها إلى أولئك الرجال الذين يسمون "بالعوارف" وبالإضافة إلى الشعراء الذين يرتجلون الشعر فيما يسمى "بالمحاورات" وكانت تسمى "بالملاعب" وهو فن يشتهر به ويتفوق فيه بدو الحجاز ويكاد الجيد منه يكون مقصوراً عليه، ويقوم ذلك الشعر على لغة راقية جداً تعتمد المجاز والتورية والتلاعب بالألفاظ لإخفاء المعاني العميقة التي يتبارى المتناظرون في تناولها، وكان من أبرز أولئك الشعراء الذين ما تزال الذاكرة تحتفظ بجميل أشعارهم راضي الرحيلي ورابح الرحيلي وحاسن المطرفي وصالح الجهني ولافي الذبياني العوفي وسليم العوفي وغيرهم كثير، لذلك فإن الأستاذ الدكتور مرزوق ندينه في تكوينه الثقافي، كما أدينه أنا بالشيء الكثير في تلك المجالس العامرة، ولإبداع أولئك الشعراء بل إنني أزعم أنها قد تركت في حياتنا آثاراً لا تمحى، وهي ما تزال توجهنا بصورة غير واعية في تصرفاتنا اليومية ونظراتنا إلى كثير من المثل، بل لا أبعد عن الصواب إن قلت إن أثرها فينا يفوق الأثر الذي تركته الدكتوراه والتعليم الذي مررنا به كله، ونظرة واحدة للدراسات العلمية التي أنجزها الأستاذ الدكتور مرزوق كافية في الدلالة على ذلك الأثر الباقي فقد كتب كثيراً عن مكارم الأخلاق في الشعر العربي القديم كالكرم والجيرة وغير ذلك وليس شيء أحب إلي من الجلوس إلى الأستاذ الدكتور مرزوق أحياناً والاستماع إليه وهو يروي تلك القصائد والمقطعات الجميلة من الشعر البدوي الأصيل وهو بالمناسبة من حفاظه ورواته، لكن الشيء الذي لا يمكن للأستاذ الدكتور مرزوق ومَنْ شاكله في النشأة ولا لمحبي الأنواع الرفيعة من الثقافة أن يرضوا به أو يقروه إنما هو ذلك السيل الجارف من الإنتاج الغث الذي استحوذ على منافذ النشر المذاع والمكتوب كله تقريباً، بل وصل الأمر إلى أن كثير من الشباب لم يعودوا يتذكرون من أسماء الشعراء إلا أولئك الذين ينتجون هذه الأنواع من الكلام الفج، لقد رهن الأستاذ الدكتور مرزوق نفسه لكشف هذا الاهتمام غير المسوغ بهذه الأنواع الغثة من الكلام، وألف كتاباً يعد فريداً في بابه للبرهنة على مدى الخطر المحدِق بالثقافة الرفيعة نتيجة لإعطاء هذا اللون تلك المكانة التي لا يستحقها؛ ويتبين مما قدمت أن الأستاذ الدكتور مرزوق لا يناقض نفسه حين يقف موقفاً نقدياً حاسماً من تلك الأنواع التي تنسب زوراً للشعر البدوي، أما الشعر البدوي الجميل الأصيل الذي كان يسود في بوادي الجزيرة العربية وما تزال بقاياه فيها إلى الآن فنوع رفيع من الإبداع الأدبي لا يمكن لمن يتذوق الإبداع الفني إلا أن يقدِّره ويستمتع به.
إن تكريم الأستاذ الدكتور مرزوق في هذه الليلة تكريم لمثقف ملتزم بقضايا مهمة من قضايا الثقافة العربية، وهو يستحق هذا التكريم وفي الختام أرجو لأخي وزميلي الأستاذ مرزوق بن صنيتان بن تنباك التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عريف الحفل: شكراً للدكتور حمزة المزيني والحقيقة حتى الآن وعلى غير العادة وصلتني أسئلة كثيرة سنطرحها على سعادة ضيفنا الكريم عند ختام كلمته إن شاء الله، وبقي من المتحدثين حوالي ستة متحدثين، فما أدري نتمنى من أصحاب السعادة الاختصار قدر المستطاع رغم أن كلماتهم تزخر بما لذّ وطاب، يكفي المفردات اللغوية التي فيها والتي نستفيد منها الكلمة الآن …
الشيخ عبد المقصود: قبل الكلمة أمامنا أمران إما أن يختار الضيف من المتكلمين ونطرح أمامه أسماء البعض، وإمّا أن نحدد وقتاً ويكون صارماً حتى نترك الفرصة للآخرين.
الدكتور مرزوق: لا... اعذرني.
الشيخ عبد المقصود: طيّب أقول لكم مَنْ المتكلمون حتى يقّدر الإخوان الآخرون الوضع: لدينا الأستاذ الدكتور عوض محمد الفوزي، الأستاذ الدكتور عايد الردادي وكيل وزارة الإعلام المساعد، الأستاذ الدكتور عبد المحسن القحطاني، الأستاذ الدكتور عبد الله المعطاني، الدكتور أحمد الزيلعي، الأستاذ مصطفى عطار، فأمامي لا يزال ستة أسماء.
الدكتور مرزوق: ممكن الاختصار.
الشيخ عبد المقصود: والله إذا التزم الإخوان بخمس دقائق فأنا سعيد أن أترك الفرصة للجميع فأرجو أن يلتزموا بخمس دقائق أو سبع دقائق يا سيدي...
عريف الحفل: الحوار مع سعادة الدكتور الحقيقة شيق...
الشيخ عبد المقصود: الضيف له كلمة ومعه حوار...
عريف الحفل: إذن خمس دقائق لكل متحدث.
عريف الحفل: الكلمة الآن لسعادة الأستاذ الدكتور عوض بن حمد القوزي من جامعة الملك سعود.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :853  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 18 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.