شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رد مردود (1)
وقر في نفسي الآن أن الأستاذ العطار لا يقبل لنفسه في الشعر ما هو أدنى -على الأقل- من مكانة المتنبي والبحتري والفرزدق، على أن لكل شاعر في القديم والحديث مآخذ وهفوات فيمتاز العطار إذاً بأنه لا يحب أن يؤاخذ على هفواته.
وما كنت أعلم أنه يتبرم بالنقد أو يضيق به عطنه، ولو كان كذلك لما كان ذلك يعنيني، وأنا أقول الكلمة الصادقة المتزنة التي بها أعطيه ما له، وآخذ ما عليه.
ولست أحب التنفج بحال ولا المباهاة، والذي يمنعني من نشر شعري هو أني لم ألق تشجيعاً من الأدباء المصريين، ذلك لأني لم أهرع للقائهم، ولم أستجد تشجيعهم، ولست أعتقد أن قيمة الشعر الصحيحة في أن يطلب منك فلان أن تنشر ديوانك أو لا تنشره، فتلك مقاييس تافهة لا يعتد بها إلا كبار الأطفال.
وقد رأى القراء رده على نقدي في العدد الماضي، وكيف كان يحاول -بجهد المحتضر- أن يحيل على المطبعة كل شيء، ولشد ما كانت هذه المطبعة المسكينة مظلومة والعطار يحمل عليها ما لا تطيق ولا يمكن أن يخطر ببال أو ينسج له على منوال:
(1) فإذا آدك الدهر بهذا النكال، يستطيع عامل المطبعة أثناء غفوة، أن يقدم الدهر عن موضعه ويضيف إلى الفعل الماضي من آد كاف المخاطب.
(2) جاء إليها ذوو القربى ضحى، كذلك يفعل هذا العامل المأفون، فيذهب يقدم ويؤخر كما يشاء.
(3) ولا يكفيه ذلك فيزدرد "قد" كأنها لوزة محشوة بالقعقع من "سقط الطيار من سربه".
(4) ويتمادى هذا الطائش في غبائه، فيبدل "وفتنة" بلفظة "وفضل" من شطر "وفضل مبسمها الزائن" فأنا إذاً متحامل، أبحث عن الأخطاء في جحور الخنافس، أما هذه المرة فقد فاحت رائحة العطر من مغالطتك أيها الأستاذ العطار، فكان فيها ما يبهج الأنوف.
أما الفتى المتقحم -ولن يكونه العطار بحال- فما رأي القارىء في بيت يقصر لفظه عن معناه قصوراً فاحشاً، فيذهب صاحبه -للتبرير والتعليل- يشرح معناه في أربعة عشر سطراً، وأي معنى هذا الذي يحتاج في شرحه إلى نفخ كنفخ البالون؟ والمتقحم ما يزال في مكانه ينتظر البت في مصيره المرهون بكلمة من شفتي العطار:
فاستبسلوا، فالنصر في أيديكمُ
واستأسدوا، فلأنتم من يحكمُ
إني لا أزال أقول: إن هذا المعنى على تفاهته صيغ صوغاً غير سليم.. لا بارد ولا كريم.. وأؤكد للعطار حتى لا يذهب به الغرور شتى المذاهب أن طارقاً لم ينجح لأن هذا البيت قيل على لسانه كما قال في طفولة عذبة، وقد نجح طارق الذي قيل على لسانه هذا البيت ونجح جنوده البسلاء.
ولا مناسبة مطلقاً لأن يقارن بين بيته الركيك، وبين آية قرآنية مجيدة.
وبعد، فما رأي العطار في هذه الأخطاء الوزنية، فلعلها مطبعية أيضاً، فلن يتحرج من اتهام المطبعة بما شاء!
ص102 (ليست على الصب حراماً يتقى) فقد أدخل بحراً في بحر، و ص128 (فتنة الطليعة تشدو بالحياة) و ص136 (ثم دعني أهيم في جوه الحالم لا أشكو شقوتي أو غبني) و ص136 (فأجاب المليك: ماذا جنينا يا صديقي عليك أجبني) و ص138 (لا أطيق الحياة إلا مع المحبوب مرموقاً بين سفري ودني) و ص140 (عشت حراً أفري عبودية الكبر عزوفاً عن حياة المدن) و ص140 (وانثنى رائحاً فقال له الملك بلفظ مؤنس وصوت أغنِّ) و ص141 (فيها من كل شائق وجميل) و ص144 (واحمر خداه ومد لي يده) و ص144 (لكن دمعاً ناب فانهملا) و ص144 (مرتدياً من نسج الربيع حلى) على أن الحلى لا ترتدى، و ص149 (تخاف كدنيا، وترجى وتتقى) و ص150 (ليس بي إلى اللذات قصد) و ص150 (بالأناشيد، بالعناقيد بالفن -بالشعر بالسنى والكمالِ).
وبعد، فإني أقول للعطار إن في ديوانه -على أنه خير ديوان صدر إلى الآن في الحجاز كما أسلفت- شعراً يغلب عليه الضعف وتهبط به الركاكة إلى دركة سحيقة، ولكني ضربت عنه صفحاً، فإن أراد أن أتناوله بنقد مستفيض، فما يمنعني من ذلك شيء.. وفي ديوانه معان جمة تنتسب إلى آباء صرحاء، وفيه تكلّف لبعض المفردات الفصحى مثل: مشعب، ورمَّازة، وشاجنة وغيرها (2) ، فإنها في عباراتها لكالزئبق ما يكاد يتماسك حتى يتسايل.
ولكن العطار أظهر للملأ من القراء أن أعصابه أوهن من أن تتحمل حق النقد المعتدل الرفيق، فليفرخ روعه؛ فإنه لن نعود إليه مرة أخرى إلا مع الأدباء المصريين ملتمسين منه بغاية الاحترام أن يصدر ديواناً آخر.
والنقد عن الناس نقد، فيه تقوَّم الكتب والمواهب، وتعرف منازلها، وتحدد مراتبها، ويميز به النفيس من الرخيص، ولكنه عند الأستاذ العطار تشهير كما قال في أواخر رده المردود.
وفهم العطار للنقد على أنه تشهير، أقل ما يقال فيه، أنه لا فهم فيه!
وإذا تفضل وحقق رجاءنا مع الأدباء المصريين فأصدر بقية شعره في ديوان آخر، فسوف نتصدى له بالتشهير، أي بالنقد!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :232  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 106 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.