شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفى به أ. د. محمد عبد المنعم خفاجي ))
- بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأستاذ الكريم الشيخ عبد المقصود خوجه راعي الاثنينية، سعادة الأستاذ الكبير السفير المصري في المملكة العربية السعودية، معالي الأستاذ الكبير الدكتور محمد عبده يماني، حضرات أصحاب المعالي والسعادة شيوخنا الكبار وأعلام هذه الندوة ومفكريها وأدبائها وشعرائها ونقادها.
أيها السادة: جئت إليكم من مصر أحمل تحيات جامعاتها ومنتدياتها وجميع هيئاتها الثقافية والأدبية، أحمل إليكم تحيات الأدباء والنقاد والشعراء الذين يتطلعون دائماً بقلوبهم وعقولهم إلى الاثنينية، هذه الندوة الأدبية الرائعة المستوى التي تؤدي رسالة من أعظم الرسالات في تاريخ الأدب الحديث والفكر المعاصر، وأشهد أنني قد لقيت منتديات ولقاءات كثيرة، أدباء في الرباط أو في الجزائر أو وهران أو في تونس أو في ليبيا أو في السودان أو في دمشق أو في المملكة العربية السعودية أو في العراق أو في كراتشي أو في بروماي أو في مختلف أنحاء البلاد التي طوفت بها وأشهد أنني لم ألتق أو أشهد ملتقى مثل هذا الملتقى الكبير الذي تجمعت فيه صفوة المفكرين والأدباء والكتاب والشعراء من أعلام الأدب والفكر السعودي المعاصر.
وقد عشت في السعودية طفلاً وشاباً وأستاذاً، ولكنني عشت فيها بجسمي وبكياني منذ أن كنت أستاذاً في جامعة الإمام قبيل السبعينيات، والتقيت بأدبائها ومفكريها، وكنت من قبل أحرص على الالتقاء بكل أدباء المملكة وشعرائها وكتابها الذين نجدهم في القاهرة وندعوهم إلى ندوة رابطة الأدب الحديث التي يسعدها أن تعقد مؤاخاة أدبية بينها وبين الاثنينية هذه الندوة الرائدة، وشهدت في القاهرة ندوة الشيخ محمد سرور صبان رحمه الله، ندوة حافلة تكتمل مساء كل خميس في قصره في المعادي ثم في مصر الجديدة، ويجتمع فيها كل الأدباء والشعراء والكتاب يناقشون مختلف المسائل الفكرية والأدبية، وكذلك ندوة محمد خليل عناني في بيته بالهرم، وندوة الأستاذ المفكر الكبير عبد الله عبد الجبار في منزله حيث كان كبار أدباء المملكة الذين يفدون إلى القاهرة نجتمع بهم ونلتقي معهم ونشهد الكثير من روائع أدبهم.
والمملكة ليست بغريبة عنا، أدبها، فكرها، ثقافتها، صحافتها، في أعماق مشاعرنا في قلوبنا في أدبنا القديم والحديث كانت غرساً ما نقتطفه من روائع الأدب والفكر، وجميع هذه البلاد المقدسة شهدت أقدم جامعة في تاريخ الإسلام وهي المسجد النبوي الشريف، الذي كان أقدم جامعة منذ جلس النبي صلى الله عليه وسلم في أروقته يبلغ الرسالة ويؤدي الأمانة ويدعو إلى العقيدة المطهرة، وقد كان بعض الأساتذة يناقشون مسألة أقدم الجامعات في العهد الإسلامي، فريق يقول إنه الأزهر الشريف وكنت أنا معهم وفريق آخر يقول إنها جامعة القرويين التي أنشئت عام 245هـ، وفريق آخر يقول كلاماً آخر، وقلت لهؤلاء وهؤلاء إن الأزهر هو الجامعة الإسلامية الأولى في العالم الإسلامي ولكن إذا اعتبرنا قيام الحلقات العلمية الجامعية في مدن بعد قيامه بقليل في عام 389هـ يكون أقدم من جامعة القرويين حقاً لأن جامعة القرويين أنشئت عام 245هـ لكن لم تكن فيها حلقات علمية إلا بعد ذلك بقرنين من الزمان، ومصر شهدت أقدم جامعة في إفريقيا وهي جامعة الفسطاط الإسلامية، الجامعة التي جلس فيها الإمام الشافعي وابن نصير ويزيد بن حميد، وجلس فيها قبلهم عبد الله بن عمرو بن العاص، وجلس فيها أيضاً الكثير من العلماء والفقهاء والمفتين، وجلس فيها أبو تمام متعلماً في شبابه ووفد إليها الأدباء والشعراء والنقاد، وقد قامت هذه الجامعة منذ قيام مسجد عمرو بن العاص في القاهرة عام 21هـ، وعبد الله بن عمرو بن العاص المتوفى سنة 68هـ هو مؤسس هذه الجامعة أو كان يزيد بن حميد الذي كان من بعده بعشرات السنوات، والذي أسس الحلقات العلمية فيها فإن جامعة الفسطاط الإسلامية تُعد أقدم الجامعات في إفريقيا، ولكن يبقى المسجد النبوي الشريف هو الجامعة الإسلامية الكبرى التي قامت منذ تمت الهجرة النبوية الشريفة.
قامت جامعات في القاهرة منذ عام 15هـ، وفي دمشق كان المسجد الأموي الكبير مقراً للعلماء والحلقات العلمية لم تنتظم انتظامها الجامعي، وكانت جامعة الفسطاط الإسلامية هي الجامعة التي سبقت كل هذه الجامعات وأدت رسالتها كاملة، وجلس في حلقاتها المتنبي وكبار الشعراء العرب، وكان للمتنبي حلقة علمية يقرأ فيها شعره، ويستمع إليه الشعراء والنقاد ويناقشونه ويحاورونه حين كان في مصر عام 1346هـ حتى عام 350هـ، الجامعات الأخرى جامعة المدينة المنورة الإسلامية هي الجامعة الأم.
أيها السادة: نعيش بفكرنا وعقولنا وقلوبنا معكم، مع هذه البلاد المقدسة، هذه الأرض الطاهرة الطيبة، هذه الأرجاء الشريفة التي يحن إليها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، ونعيش مع الأدب العربي القديم والحديث الذي نشأ في هذه البلاد، وتحدث عن آمال المسلمين وأحلامهم، وعن حياة الفكر الإسلامي وما كتب فيه وتحدث عن مختلف شؤون العالم الإسلامي، وما أصدق هؤلاء الشعراء الذين عبروا عن هذه الرحاب المقدسة بكل عواطفهم وتجاربهم الشعرية، وعبر معهم كذلك الشعراء في مصر وفي دمشق وفي كل مكان من البلاد العربية عن حنينهم إلى هذه الأرض المقدسة الطاهرة الطيبة، ومن حسن الحظ أن تقوم الجامعات الجديدة في المملكة العربية السعودية تتابع الرسالة وتبلغ الثقافة، ثقافة اللغة العربية وآدابها إلى كل مكان ويأتي إليها طلاب العلم من كل صوب وكل حدب، هذه الرسالة الكبيرة رسالة العربية رسالة الإسلام والثقافة الإسلامية هي التي يعتمد عليها العالم الإسلامي اليوم مهما أنكر المنكرون، ومهما جحد الجاحدون.
في الرباط كانت الأنظار تتجه إلى هذه البلاد الطاهرة تتحدث عن أدبها وفكرها وشعرائها، لا ننسى فضل هذه البلاد العظيمة، التي نحن إليها حنين الأم إلى ابنها وحنين الأب إلى أبنائه، ويحن الناس دائماً إلى جذورهم العربية، إلى أصولي التي أنتمي إليها، أشعر أن جذوري العربية تستقر في هذه البلاد، ثم أراد الله أن أعود إليها واستمد منها الكثير من المعلومات وأقرأ عن أسلافي ابن سنان الخفاجي الأمير صاحب الفصاحة، وابن خفاجة الأندلسي الشاعر الخفاجي قاضي القضاة في العهد العثماني أعلام كثيرة ثم كتبت بعض الكتب في تاريخ قبيلتي العربية التي نشأت في هذه البلاد الطاهرة ثم هاجرت إلى سوريا والعراق ومصر وإلى الأندلس، وكتبت غيرها من الكتب التي حاولت أن أجيب فيها عن تاريخ أصولي العربية.. ثم كانت انتماءاتي الثقافية حافزاً لي على أن أكتب كتاباً كبيراً في تاريخ الأزهر الجامعي منذ قيامه، وقد صدر في ثلاثة أجزاء، ثم عدت إلى أدب مصر وأدبائها منذ عصر الفتح الإسلامي إلى اليوم فكتبت قصة الأدب في مصر وقصة الأدب الحديث وقصة الأدب المعاصر وما إليه، ثم كانت انتماءاتي العربية فكتبت مع الأستاذ عبد الله عبد الجبار قصة الأدب في الحجاز، وقصة الأدب في ليبيا، وقصة الأدب في الأندلس، وقصة الأدب المهجري، والكثير من هذه الكتب التي حاولت فيها أن أستثير الماضي وأستثير أصحابه وأرنو إلى المستقبل.
نحن عشنا في عصر النهضة الفكرية الكبيرة، عصر المدارس والمذاهب الأدبية تتصارع تصارعاً كبيراً في القاهرة، كان هناك صراعاً أكبر بين مدرسة المجددين ومدرسة المقلدين، مدرسة شوقي وحافظ ومدرسة التجوال العقاد وشكري. هذا الصراع أسفر عن قيام الحركة الرومانسية في الشعر المعاصر، التي تدعو لكي يكون الشعر تعبيراً عن الذات لا عن تجربة شعرية أن يبعد عن المناسبات وعن النماذج، كنت مع هؤلاء لسبب واحد وهو أن أكون مع مدرسة تمثلت في الشعر المعاصر. ودعمت نشاط المحافظين وأن شعر المناسبات طارئ ولا يستحق مشاعر الشاعر ولكن كانت أبوللو في بادئ الأمر تحتفي بكل المدارس الأدبية القديمة والحديثة، لا تنكر على المحافظين شعرهم، ولا تنكر على المجددين تجديدهم، وتحتفي بكل قصيدة يبدعها صاحبها من أعماق نفسه ومشاعره ما دامت تعبر تعبيراً صادقاً وأميناً عن نفسه، احتفت جماعة أبوللو بشوقي رائداً فخرياً لها، وفي نفس الوقت تحتفي بأبي شادي رئيساً لها، وفي الوقت نفسه تحتفي بالشعراء كأبي القاسم الشابي، والتجاني يوسف بشير من السودان، ومحمد الحسن إسماعيل، وعلي محمود طه، وبالشعراء الرومانسيين وتحتفي بشعراء الشعر العمودي الرصين، شعر شوقي شعر البارودي، شعر إسماعيل صبري وغيرهم من الشعراء الذين ينظمون القصيدة العمودية، وكنا نتعجب لمن ينكر على شوقي شاعريته، ولمن ينكر على مدرسة المحافظين تجديدها ونعرف أن البارودي أمد الشعر العربي بمواد جددها بالتراث الشعري، وأعاد للشعر عصر العباسيين وعظمته، وأعاد للقصيدة العربية قيمتها الفنية والاجتماعية والسياسية، وجعلها حداء الجماهير في كل مكان، وجعلها أغنية الناس في كل محفل، وكذلك صنع شوقي وكذلك صنع حافظ، وذهبت ميولنا مع أبولو لذلك لأنها لا تتنكر للقديم، وكانت المعركة قائمة وشديدة واستمرت سنوات طويلة، وكان النقاش والحوار فيها على أشده.
ثم قامت معركة أخرى في القاهرة حول الفرعونية والعربية، وهناك فئة تقول يجب أن نعبر عن البيئة المصرية، الدار المصرية، الفرعون المصري، ودافعوا عن كل القيم القديمة وناس آخرون يناقشون ذلك، وكنا نناقش ذلك ونقول إننا بانتمائنا العربي نغذي رسالة الشعر الحقيقية ونؤدي أيضاً ما يجب تجاه ثقافتنا العربية القديمة والحديثة من أصالة وتجديد.
أيها السادة: لقد ولدت في مصر، وشهدت نحو الثلاثين وزارة وبعد الثورة نحو الخمسين وزارة، وشهدت نحو العشرين شيخاً من شيوخ الأزهر وعاصرت المنتديات الأدبية والفكرية والشعرية، وعشت مع معاركها الفكرية سواء بين العقاد وشوقي، أو بين الفكر الرومانسي والوجداني، والكثير من القضايا الفكرية وبين الذين ينتمون إلى الشعر الفصيح والذين يدعون إلى العامية أمثال سلامة موسى ولويس عوض، وبين دعاة الواقعية ودعاة الشعر العربي الأصيل وبين الانتماء الإسلامي والانتماء العلماني، هذه المعارك الكثيرة عشناها وعشنا أيامها واشتركنا في الحوار مع كل الذين ناقشوا القضايا العربية والإسلامية ومع الفكر الإسلامي العربي برؤية عربية، وطروحاتها في كل ما كتبته من كتب ومؤلفات ومقالات، ولم يمض يوم لم أدافع فيه عن الفكر الإسلامي الذي عشت له وكتبت من أجله ودافعت عنه واشتركت في مختلف القضايا وأرجو أن تسمحوا لي بأن نناقش قضايا العقيدة في حوارات الأساتذة الأدباء والمفكرين والمثقفين وشكراً لكم وللاثنينية وراعيها الكريم.
والسلام عليكم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :585  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 58 من 146
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج