شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كراث بن ليمون الفجلي (1)
تحدث القفطي في كتابه عن الأطباء عن هذه الشخصية العجيبة بعد الغلاف الأخير من آخر جزء من مجموعته عن طبقات الأطباء!
والواقع أن هذه الشخصية استهوتني وأعجبتني؛ لا لغرابة أطوارها وشذوذ بداوتها فحسب، ولكن لأن فيها روحاً من المرح والفكاهة يطغى على كل شبه فيها من متشابه الشيات أو متباينها!
ولذلك حسن في عيني أن أقطف [قطائف] (2) من تلك الطرائف في ترجمته البارعة.
أما الاسم فهو عنوان هذه الكلمة، ولكن بني فجل بطن من بطون قبيلة "كزبرة" فهو كزبري علاوة على أنه فجلي مردودة إلى بطنه، وكان متعلماً أحذق تعليم ومربى أروع تربية، وله أشياخ عديدون في كل فن وعلم، ونشئ فوق ذلك تنشئة "الحلية" التي هي في الخصام غير مبين (3) ، بيد أنه كان مبيناً في حرفته الخاصة، وهذه الحرفة موجزها أنه يتحدث في مسائله الخاصة فيبين فيها كل بيان، فيتكلم عن مزارعه وإبله النجيبة وعرسه "الكوكاكولا" الكريمة، ثم ينطق بأسماء شركات وهمية أو حقيقية ليريك أي مدى بلغ نفوذه فيها، وكان مع هذا كله يتكلم عن الطب في الأدب، ويتحدث عن الأدب في الطب، ويفيض عن الصناعة في الزراعة، وهكذا كان صاحب نقائض وأخا مفارقات، ورب متباينات، ولكنه مع ذاك كان ظريفاً حلو المعشر رقيقاً عند الشدة، وشديداً عند الرقة غفر الله زلاته..
وكان يجلس -حفظه الله أيام كان حياً- فيسهب في فنون من القول، وأفنان من الروايات، وكان السامع لذاك ما تنفك أذنه تطبل وتزمر لكل ما يفوه به، ولا يرجع اللسان إلاّ التأمين على كل ما يقوله كراث المبجل الغريب.
وأود قبل كل شيء أن أصحح نطق الاسم منزهاً عن كل تحريف، فكراث تضم كافها وتشدد راؤها مع النصب والبقية مفهومة.. ثم إن هذا الاسم لا ينطبق على البقلة المعروفة بهذا الاسم، ولكنه مشتق من كرث يكرث أو لا يكرث بالفتح والضم على وزن فُعَّال بالضم والفتح مع التشديد كما جاء في القرآن الكريم في "كُبَّار" من الكبر أو من الكبرياء (4) !
ومما يروى عن براعته في الأجوبة المفحمة أنه قيل له مرة: ما اسم أبيك؟ فقال على الفور: اسم أمي، وكان يقصد أن اسم أمه ليمونة، فيكون إذاً اسم أبيه ليموناً.
وقال له عابث ذات يوم: ما فائدة ذيل القطة بالنسبة إلى الأرض السابقة، فقال له فوراً: هل تريد الجواب سطراً أو صفحة أو كتاباً؟
قال: أريد كتاباً..
فقال كراث: سأضعه لك. وألف كتاباً تنيف صفحاته عن أقصى نهاية الأرقام المعروفة، ومع ذلك فلم يذكر فيه إلاّ أربعاً فقط من تلك الفائدة المأمولة وسماه: "الأولى والثانية والثالثة والرابعة في فائدة ذيل القط بالنسبة إلى الأرض السابقة".
وعلى خفة روحه العذبة كانت نسبة عقله تخف كلما اتصل الحديث بعواطفه الخاصة، وكان إلى ذلك لعاباً بالمعاني صواغاً للعبارات، على أنه كان في ذلك لطيف المأخذ خفي المنبذ!
وقد مات -يرحمه الله- في الواحدة والخمسين من عمره المديد -أطال الله عمره- إلاّ يوماً واحداً وساعات خمساً وتسعاً وثلاثين دقيقة وإحدى عشرة ثانية، وكان يوم موته حزيناً جداً.
يرحمه الله كل مرة، فقد خلَّف لنا كتباً قيمة ومؤلفات في منتهى البراعة، وأشار إلى معظمها كتاب "الفهرست" لابن النديم، ومنها ما يلي:
1- رحمة والديك فيما تدفعه برجليك وتأخذه بيديك.
2- واحر قلباه في حرق (الباه).
3- جر الشكل إلى سر الأكل.
4- علاقة المريخ بالفسيخ.. إلى آخر مؤلفاته الرائعة.
أمطر الله عليه شآبيب رحمته في الآخرة، كما أتم عليه نعمته في الدنيا ورحمنا معه وسائر المسلمين.. آمين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :488  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 34 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.