شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
العمل بلا هدف (1) !
ما من عمل جدير بالضياع هدراً مثل العمل الذي لا يوجد له هدف معين.
ونحن في عصر -وإن يكن متقلقلاً- إلاّ أن التوجيه والتركيز من أهم سماته المميزة.
وإذا كانت الدول والشعوب تتفاوت في ذلك بمقدار نصيبها من الوعي والحضارة، فإنا لنحسب أنفسنا صفراً في ذيل الأرقام الضخمة التي تمثلها تلك الشعوب والدول.
إن الأعمال الفردية والجماعية عندنا تتسم في أغلب غالبها بالاضطراب والاعوجاج وانعدام الهدف أو على الأقل عدم وضوحه.
إن الله عندما أنشأ الكون أنشأه لهدف، ورسالات الأنبياء لم تنطلق من السماء إلاّ لهدف، وأعمال المصلحين وفتوحات الفاتحين لم تقع للتسلية والإيناس، وإنما وقعت في جملتها لأهداف محدودة.
ولو لم توجد هناك أهداف في غاية الوضوح لوجب علينا كل الوجوب أن نوجد أهدافاً صحيحة تنتهي إليها أعمالنا وتُناط بها آمالنا.
وليست الأهداف أن تعيش أو تثري أو تنعم فقط ولا تبالي بمن يموت أو يفقر أو يتعذب، فتلك لعمر الله أهداف مخزية شريرة تجعل نفوس أصحابها بعد عمرانها أخرب من بلاقع الصحراء وإن لاحوا لعيون الناس في زينة الطواويس.
إن أمامنا في سبل هذه الحياة المتضاربة سبلاً أبكاراً لم تطمسها أقدام الناس، وفي وسع كل إنسان ولو كان أعمى البصر أن يراها -إذا أراد- بألق بصيرته.
ووراء هذه السبل غايات جميلة نبيلة تنتهي إليها هذه السبل لإِصلاح ما دمر في النفوس، وتقويم ما اعوج من الجبلات، وإنارة ما أظلم من القلوب، وتحسين ما استرذل في الطبائع، ولا أماري في أن الإنسان أياً كان أضعف في قلامة إذا تحكمت فيه شهوات نفسه وكبَّلته نزوات هواه، ولكن حتى هذا الإنسان يستطيع -لو صمم العزم- أن يكون هو السيد الحر النبيل إذا قدر له أن يسيطر على هذه النفس الأمّارة بالسوء بشهادة نبي من أنبياء الله الكرام.
فما العمل على سلوك تلك السبل والوصول إلى تلك الغايات؟
لقد يعيبك أن تأخذ حصاة صغيرة من الأرض، ولا يعيبك لو شئت أن تسلك ذلك السبيل الكريم راسماً لنفسك خطتها وواضعاً لها غايتها.
إن عليك أن تصلح نفسك قبل أن تتولى إصلاح أعمال الناس.
وعليك أن تعدل في خاصتك قبل العدل في عامتك.
وعليك أن تفكر لنفع الناس قبل أن تقدم على نفع نفسك.
وقبل أن تشبع أن تأسى للجائعين، وقبل أن يسعد حظك أن تذكر المحرومين، وقبل أن تكدس أموالك أن تفكر في الفقراء المعوزين، وقبل أن تسعى لإيذاء غيرك أن تذكر أن الذرة الصغيرة التافهة تستطيع أن تؤذيك لو لدغتك في موضع حساس في جسمك، وقبل أن تفرح بحريتك وانطلاقك في الأسواق أن تعرف أن هناك في العالم مساجين ومعتوهين ومسترقين.
عليك قبل كل شيء أن تعتقد جازماً أن كل إنسان مهما ضؤل أمره وخفي مكانه وصغر شأنه أخوك في الدم والرحم ووشيجة الإنسانية القوية التي خلقها الله من نفس واحدة.
هذه هي السبل القويمة الكريمة، وتلك هي الغايات الجليلة النبيلة، فهل أنت قادر على أن تسير؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :428  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 31 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.