شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عصر القوة والعلم
نحن اليوم في عصر العلم والقوة والتمدن والمدنية. فكل مظهر من مظاهر حياة الأمم، أو حياة الأفراد ليس عليه شعار المدنية وشعار التقدم فهو مظهر غريب شاذ، يتنافى مع الروح العصرية السائدة، وكل مظهر من تلك المظاهر، لا يكون مبنياً على أساس وطيد من العلم، وعلى دعامة ثابتة من القوة فلن يكون ذلك المظهر جديراً بأي اهتمام! ولن يكون له أي قيمة أو أي نصيب في ميدان سباق الأمم وسباق الأفراد، لأنه ليس إلا مظهراً من مظاهر الضعف والجهل، وليس معنى الضعف والجهل في قاموس الحياة إلا الخمول، إلا قحط الإحساس، وفقدان الشعور! وأي قيمة شخصية في الوجود يا ترى لإنسان يوصف بعدم الإحساس؟ وأي كيان -ليت شعري- لأمة من الأمم ينعتها الناعتون بفقدان الشعور؟!
إنما نحن اليوم في عصر مدهش عجيب حافل بكل العناصر الصالحة للحياة... إنما نحن اليوم في عصر السعي والعمل، عصر البحث والاكتشاف، عصر التطلع والطموح، بل نحن في عصر المجد العلمي، والعظمة العلمية، فالأمة المتعطشة التي تأبى أن تروي ظمأها إلا من خمرة المجد، ومن رحيق العظمة، شعوراً منها بأن لها وجوداً في الحياة وإحساساً منها بأن لها (كرامة) يجب أن تحترم! هذه الأمة الشاعرة بوجودها، الحاسة بكرامتها، لا تنفك تسعى وتكدح، متمشية مع طبيعة الحياة، سائرة في الطريق الوحيد؛ في الطريق الموصل إلى تلك الغاية، في طريق العلم والمعرفة؛ هذه الأمة لا تنفك مستمرة في سيرها تجتاز المرحلة بعد المرحلة، فإذا هي بين عشية وضحاها بين الأمم، الأمة العلمية! ثم هي بعدُ الأمة القوية! ثم هي بعدُ أمة المجد وأمة التقدم، وأمة المدنية، الملحوظة بعين الهيبة والرهبة والإجلال، والتي تخطب ودها الأمم، وتسعى لمسالمتها الشعوب!
وأما الأمة العليلة الواهنة، أما الأمة العائشة في الظلام: ظلام الجهل الحالك، ثم هي بعد لا تريد تغييراً ولا تبديلاً، لقحط الشعور والإحساس لديها، وفقدان الطموح والتطلع من أفرادها، هذه الأمة لن يكون لها إلا الانحلال والتفكك نصيب، والتفكك والانحلال لا يتلوهما شيء إلا ذلك الذي يسمونه الفناء!
وهكذا أيضاً!
هكذا أيضاً الأفراد في الحياة العصرية، المتعلمون منهم، أو عشاق العلم ومتطلبوه والساعون في سبيله.. هؤلاء هم الناجحون، وهؤلاء هم الذين ينتفعون وينفعون، وهؤلاء هم الذين يخدمون أوطانهم، ويقومون في المجتمع بأنبل الأعمال، ويؤدون نحو العالم أشرف الخدمات!
أما غير هؤلاء.... أما الأفراد الجاهلون، أو النافرون من العلم والراغبون عنه، فهؤلاء هم العضو الأشل في جثمان المجتمع الإنساني هؤلاء هم الذين لا تستفيد شعوبهم من وجودهم، بل هم أيضاً لا يستفيدون من هذا الوجود، اللهم إلا أنهم يأكلون ويشربون ويلبسون وينامون، كما يأكل ويشرب ويلبس وينام سائر الناس وليست غاية الحياة هكذا، وما لهذا خلق الناس، بل خلقوا لما هو أجل وأعظم، خلقوا ليمثلوا في الوجود حياة الروح والعقل، وليست الحياة المادية إلا وسيلة وأداة لتلك الحياة.
وبعد فهما نوعان للحياة لا ثالث لهما: مدنية وتقدم ومجد عن طريق القوة والعلم، أو خمول وذل وفناء عن طريق الضعف والجهل، نوعان من أنواع الحياة أوحتهما فلسفة الحياة في العصر الحديث، وأيدهما دستور التنازع على البقاء.
فيأيها القارىء العربي الطموح! قل لي بربك أي نوع من هذين النوعين الوحيدين ترغب وتريد؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :486  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 67 من 72
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.