شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
إلى السَّاحر العظيم
ردِّدي يا رياحُ! سخريةَ الها
زل، يَلهُو بها الوجودُ نشيدا
واركبي البحرَ بالمُجون، وبالسُّخـ
ـرِ، صُدوراً -إذا وَنَى- ووُرودا
وأديري عليهِ من جامِكِ المرِّ
كؤوساً، تَشوي المرائرَ، سُودا
فإذا ضاقَ بالحِراكِ، وقد ضَا
ق، فلا تَنفُسي عليه الرُّكودا (1)
يقنَع الخائرُ العزيمةِ بالهُو
نِ، ويأبى الطَّموحُ إلا مَزيدا
* * *
واعبَثي، يا رياحُ، بالبحرِ، إن ثا
رَ، وما ثورةُ الكسيح الحَنيقِ؟
واذهبي فوقَ موجه، مذهبَ الظَّا
فِرِ، يَلهو بضدِّهِ المَعروقِ
واسخَري، يا قيودُ! منهُ، إذا همَّ
حِراناً على الإسارِ، وضيقي (2)
فَهْو ما ثارَ، أو تَطامَنَ، نِكسٌ
يتلظَّى بحسرةِ المَسبوقِ (3)
وسبيلُ المغلوبِ في زحمة الدُّنـ
ـيا، على يأسِهِ، سبيلُ الغريقِ
* * *
فإذا صاحَ أو تخبَّطَ، لم يَدْ
عُ غِلاباً، صريخُه، واضطرابُهْ
فاحترابُ الأمواجِ، حرَّكها العا
صفُ، فِعْلٌ للفاعليه انتسابُهْ
وَهْو إنْ خِيلَ مظهرَ البأس للبحـ
ـر -كِذابٌ، إن ادَّعاهُ عُبابُهْ
فمتى عُدَّ سابحاً راكبُ اليـ
ـمِّ، وقد أسلم الحياةَ إهابُه؟
ولقد تَدفعُ الرِّياحُ جماداً
أفيُدنِيْهِ من حياةٍ وثابُه؟
* * *
إنَّما تُنسَب الفِعالُ إلى الفا
علِ، والبحرُ للرِّياح مَقُودُ
تتولاهُ، كلَّما شاقَها السُّخـ
ـرُ بعَصفٍ، تذوب فيه الرُّعودُ
ولسُخرُ الرِّياح، ويلٌ على البحـ
ـرِ، ثقيلٌ، قديمُهُ والجديدُ
كم يُعاني منه، ويا بئسَ ما عا
نَى من الهَول، مُستضامٌ مَسودُ
شَدَّ ما آدَهُ وطامَنَ منه
أن تُجيدَ الرِّياحُ ما لا يُجيدُ
* * *
آدهُ أن يُعانق الأرضَ. والرِّيـ
ـحُ عليه رُواقُها ممدودُ
ملكَتْ دونَه المسالكَ والجوَّ
لَها، لا لَهُ -العُلا والبُنودُ
ساحباتٍ أذيالَها فوق هاما
تِ أواذِيِّهِ، وهنَّ هُمودُ
وحقيقٌ بالذُّلِّ في موقف الجِـ
ـدِّ وغاياتِه، الضَّعيفُ الحسودُ
والأعاصيرُ للطَّلاقة والفَو
زِ، وللبحر ذُلُّهُ والحدودُ
* * *
إن قَسَتْ طبَّقتْ -ثقالاً- مدى الأُفْـ
ـقِ، وفاضَت على الزَّمان ثُبورا (4)
أو حَنَت -ردَّت الحياةَ نَعيماً
والجَديدَينِ شَعْرَها المنثورا
كامناتٌ فيها قُوًى هَدتِ العِلـ
ـمَ، وألقت على المساتيرِ نورا
زاخراتٌ بالمعجزات، فما يفـ
ـتأ قانونها الرَّويَّ الغزيرا
كم نضَا العلمُ من ستورٍ عليها
فأجدَّت أعقابُهن سُتورا
* * *
الِغير الهواءِ هذا الثَّراءُ الجَـ
ـمُّ، في ذلك الجلالِ الكبير؟
ولِما قد طوَى الأثيرُ، وناهِيـ
ـكَ بما في مُغيَّباتِ الأثير؟
ألِما كان، يا خُضارةُ من جهـ
ـلِكَ تَرمي أسرارَهُ بالنُّزورِ؟ (5)
أمْ لِما فيه من أعاجيبَ للخا
لق، تُزْري بالعَيلَم المسحورِ؟
قد تمشَّت بهنَّ آياتُه اللُّسـ
ـنُ، على مارِن الجَهول الكَفورِ (6)
* * *
الرِّياحُ! الرِّياحُ! مُذ كُنَّ -للغيـ
ـثِ، وللبحرِ، والنباتِ لواقحْ
وَهْي فيما رأيت من قَبلُ، يا بحـ
ـرُ! غوادٍ على حَشاك، رَوائحْ
سانحاتٍ طَوراً، تُطارحُك اللَّيـ
ـنَ، وطَوراً -وإن كرهتَ- بوارحْ (7)
ولدَيها من الألاعيبِ شتَّى، أنـ
ـتَ منه عَيْرٌ، يُقاس بسابحْ (8)
بَيدَ أنَّ العظيمَ يُولَعُ بالسُّخـ
ـرِ، وكم راضَتِ الهَناتُ القرائحْ (9)
* * *
حُجَّةُ العاصِف المُدَوِّمِ يا بحـ
ـرُ! فِعالٌ، تخافُها -ومَلاحِمْ (10)
كلما زدتَها لجَاجاً أذاقَتْـ
ـكَ، نَكالاً يَشفِي السَّخيمةَ، جاحِمْ
سيرةٌ ما تزال تلقاكَ بالويـ
ـلِ غَضوباً، وبالهوان، مُسالِمْ
صيَّرَتْ ظهرَك العَصيّ ذَلو
لاً، وتولَّتك بالبُرَى والشَّكائم (11)
اِنتَصِفْ إن أطقتَ، أو فاخفِض الرَّأ
سَ على ذِلَّةٍ، وأنفُك راغِمْ
* * *
ما أرى جُهدَك الجَهيدَ على هـ
ـذَا التَّسامي إلا فُضولَ جَهالهْ
وبماذا تَروم مَطلبَك الصَّعـ
ـبَ وقد زادك الطِّماحُ ضَآلهْ؟
قد عَداك النَّجاحُ في المُمكنِ الدَّا
نِي، فمَسعاكَ للمحالِ ضَلالهْ
وإذا ضاق دونك المَسلكُ الرَّحـ
ـبُ، فهل يَفسَحُ المَضيقُ مَجالَهْ؟
ما غَناءُ الأحلامِ، وَهْيَ أمانيُّ،
إذا كانتِ النُّفوُس كَلالَه (12)
* * *
لستَ يا بحرُ! في الحقيقةِ إلا
قَطرةً في محيط هذا الهواءِ
أنتَ للنَّقصِ بين جَزرٍ ومَدٍّ
وهْو -رغم الأنوف- للإرباءِ
ولَكَم سامَك الهوانَ، فأغضَيـ
ـتَ، مريضَ الحشا، على الأقذاءِ
تتأسَّى ذلاً بشطآنكَ السّو
ءِ، تأسِّيَ الضَّعيفِ بالضُّعفاءِ
تشتري العيشَ بالضّراعةِ يا بحـ
ـرُ! وبِئسَتْ مِن خُلّةٍ نكراءِ
* * *
إنَّ نفسَ الحقيرِ تأنسُ بالعَو
نِ، وشأنُ العظيم أن يتفرَّدْ
وإباءُ الأبيِّ يُركِبُه الوعْـ
ـرَ، فيلقَى الأخطارَ غيرَ مُزوَّدْ
والجبانُ الهلوعُ يحتملُ الضَّيـ
ـمَ، ويَرضاه للسَّلامة مَقعدْ
وسبيلُ القويِّ أن يفرَعَ الصَّعـ
ـبَ، ولو كانت اللَّهازمُ مَصعَدْ (13)
رُبَّ مَوجٍ يُريكَ ظاهرُه البَأ
سَ، إذا هبَّ عاصفٌ يتبدَّدْ
* * *
والأباطيلُ، يا خُضارةُ! لا تَبـ
ـقى طويلاً، إن أصبح الهزلُ جِدّا
أتَرَى مُرسِلَ الحقائقِ بيضاً
مثلَ من يَقحَم الأكاذيبَ رُبدا؟
والأباطيلُ شأنُ مِثلِك، يا بحـ
ـرُ! وما أوخَمَ الأباطيلَ وِردا
والذي يألف السَّراديبَ لا يَرضـ
ـى، ولو سُمتَه، الطريقَ الأسَدّا
مَنْ عَذيري من كاذبٍ، يدَّعي الصِّد
قَ، ووغدٍ يرى المسَبَّةَ حَمدا؟ (14)
* * *
وضعيفٍ يَنزو، إذا آنسَ الرَّحـ
ـمةَ لكن إذا تخيَّفَ، أكدى (15)
وطباعُ اللئيمِ تصلحها القَسـ
ـوَةُ، والعنفُ بالنَّذالة أجدى
ومتى ضِقتَ بالجهالة ذَرعاً
فسبيلُ الرَّشاد أن تَستبدّا
رُبَّ ذي عنجهيَّةٍ إن رأى الَّليـ
ـنَ تعالى، وإن أُهينَ تردَّى
وإذا اعتلَّتِ النُّفوسُ غروراً
خالتِ الأعينُ الغِوايةَ رشدا
* * *
إن ألظَّتْكَ بالمواجع دنيا
كَ، فغَوِّثْ بأنّة المحرومِ
ما حمتكَ الأمواجُ، والصَّخَب الوا
هنُ، لكنْ مروءةٌ من كريمِ
وقديماً، حماك مَهلكةَ الجُو
ع، فلاقيتَه بفعلِ لئيمِ
ليتَه إذْ أسَا جراحَك لم يُمْـ
ـنَ بشرٍّ، من طبعِك المسموم
أجِنَتْ نفسُك الخبيثةُ، يا بحـ
ـرُ! فباحت بِنَتْنِكَ المكتومِ؟
* * *
الهواءُ الجبَّار، أرجوحة المو
تِ، فجرِّبْ، يا بحرُ، فيها كِفَاءَكْ (16)
وهي أخراكَ، إن تعجَّلتَ، أو كنـ
ـتَ بطيئاً، فما تَزُودُ فِنَاءَكْ
سئِمَتْ هذه النفوس أضاليـ
ـلَكَ، مذ آثر الزَّمانُ انطواءَكْ
وغداً، يَشهدُ الزَّمانُ تَردِّيـ
ـكَ، وتَطوي ذُؤابتاه حِواءَكْ
وتديرُ الشُّطآنُ بَعد ذكرا
كَ، وتجترُّ في لُغوبٍ رثاءَكْ
* * *
شِخْتَ يا بحرُ، والجهالةُ تَحدو
كَ، فهل أنت للجهالة نِدُّ؟
رُبَّ شادٍ يَزهو بمَخبرِه العقـ
ـلُ، وشيخٍ لم يَبلغِ الرّشدَ بَعدُ
والحِجى، والحفولُ، والعمقُ، والقوّ
ةُ، والصِّدق، والمَدى الممتدُّ
تائهاتٌ بمن أذلَّك، يا بحـ
ـرُ، كما تاه بالصّقال الفِرنْدُ
ولك الجهلُ، والضّحولة، والإسـ
ـفاف، والكِذْب، والضَّنى، والوَهْدُ (17)
* * *
الجديدُ، الصّحيح، لا كلُّ ما أز
جاهُ قَرضٌ، أو جال فيه خيالُ
ولَسِرُّ الحياةِ أخفى على العقـ
ـل، ولِلِعقلِ دون ذاك مجالُ
ووراءَ العِيان، ما أعجزَ العلـ
ـمَ، فألْوَى بالزَّاعميهِ الكلالُ
إنَّ في كلِّ ذرَّةٍ عالَماً حيّـ
ـاً حَفِيلاً بسِرِّه يختالُ
وستَمضي العقولُ طولاً وعرضاً
وتَكُرُّ الأيّام والأجيالُ
ومَدى هذه الحياةِ، ومعنا
ها، خفيَّانِ، والمزاعمُ وَهْمُ
والذي أودعَ العناصرَ ما شا
ءَ، له وحدَه، الهدى والعِلمُ
هي مبنى الوجود، والرّوحُ معنا
هُ، ولا ريبَ، والمقاديرُ نظمُ
فإذا أضحت العناصرُ آلا
فاً، فما يَدفعُ الأهمَّ المُهِمُّ
إنّ كَوناً يَعجّ بالنَّاس، قد كا
نَ له والدٌ وحيدٌ وأمُّ
* * *
وثراءُ الهواءِ تعرفُه النَّا
رُ، ويَعنو له الثَّرى والماءُ
وهما دونَه جمادانِ، هذي
عُنصرٌ هامدٌ، وذاك خَواءُ
وَهْو في الماء نبضُه الدَّائمُ السَّيْـ
ـرِ، فإن غاب فالبحار لَغاء (18)
وَهْو مُزجِي عبابِها حيثما شا
ءت تصاريفُه، وشاء القضاءُ
خاضعاتٍ له -على كُرهِها الأيـ
ـنَ، وهل تأنفُ الخضوعَ الإماءُ؟
* * *
إنَّ بَدْءَ الوجود، والخالقُ اللَّـ
ـهُ، هواءٌ مُدَوِّم، وظلامُ
مُدلِجٌ فيهما المَدى، حائرَ الخَطـ
ـوِ، ومن حوله السَّديمُ ركامُ (19)
حين لا بَحرَ، والأديمُ هَباءٌ
لا، ولا ضوءَ، والجواءُ جَهامُ
فسَلِ البحرَ، أين كان؟ وما كا
ن؟ تُجِبْك الفروضُ والأوهامُ
من غريرٍ يَرى الجَسامةَ فخراً
وهْيَ -إنْ تُخْطئ الرَّجاحةَ- ذامُ
* * *
صَغُرَ البحرُ، ما الذي كانهُ البحـ
ـر، إذِ الكونُ جمرةٌ تتلهبْ؟
أطفأتها المياهُ، وهْي بخارٌ
حوَّلتْه عواصفُ الرّيح هَيْدَبْ (20)
وتجاويفُه؟ وهل هي، لولا الـ
ـماءُ، إلا حفائرٌ في سَبسَبْ
أفكانت تكونُ لو تُمسِكُ الريـ
ـحُ شآبيبَها الغنيَّة مركَبْ؟
وبماذا يعتدُّ من عافتِ الأنـ
ـفس غِشيانَه، اصطحاباً ومَشربْ؟
* * *
ذاك، يا بحرُ! مبدأُ البحر في الكَو
نِ، جماداً، وغَيهباً، وأثيرا
كان جزءاً صُلباً من الأرض، يُصليـ
ـهِ سعيرُ النّيران فيها النّكيرا
فإذا ذاب أبردَ الماءُ جنبيـ
ـهِ، أهلَّتْ به الرّياح غزيرا
فأصابتْه بالرَّخاوة، والرِّخوُ ضعيـ
ـفٌ، وإن تعاظم زُورا
فَهْو -ما دام مركبٌ ليِّنُ الظَّهـ
ـرِ، وإن ظنَّه الضّعيفُ عسيرا
* * *
إن حسِبتَ التيَّارَ من صنعة المو
ج، تحدَّاك صمتُه والرُّكودُ
هو للرِّيح خادراً ومُضِيرا
ولأمواجك الوَنَى والجمودُ
أو زعمتَ الشِّطآنَ موئلَك العا
صمَ، أقذاك ركنُها المهدودُ
ذاكراً ما لقيتَ فيها وقد أسْـ
ـخنَ عينيكَ، يومُها المشهودُ
ولأحيائِك الهزيلةِ يا بحـ
ـرُ، بروقٌ، زعمتَها، ورعودُ
* * *
فتحدَّثْ عمَّا وراءَك منها
فَهْي ديدانُك الكبارُ الصِّغارُ
ألصَقَتْها بالقاع ملحمةُ الأمـ
ـسِ، وألْوى بلونها الإعصارُ
فإذا رنَّمتْ فذاك أنينٌ
يتعالى عن خنقِهِ الجبَّارُ
كم ضعيفٍ أقاله ضَعفُهُ المو
تَ، وَدُونٍ تعافُه الأوطارُ؟
كنْ لها مخبَأ وقبراً، فما تقـ
ـوى على العيشِ، هذه الأعثارُ
* * *
ضاق ذَرعاً بكَ التَّشكُّلُ يا بحـ
ـرُ! وهذا دليل ضَعف ثباتِكْ
كنتَ شمساً لولا الظَّلامُ، فبد
راً، يتمشّى الحنوُّ بين سِماتِكْ
ثمَّ بحراً، والبحر ملعبهُ العا
صِف، أوهَى بهَوْلِهِ عزَماتِكْ
ثم ماذا؟ يا ساحرَ الحبلِ العُقـ
ـدَةِ! خَبْخِبْ بمعجزاتِ عَصاتِكْ (21)
أخُواءٌ بعد الثَّقافة، يا قَزْ
مُ، تُرجِي به ختامَ حياتِكْ؟
* * *
نحنُ في دولةِ الحقائقِ والفكـ
ـرِ، فما تُخطئُ العيون الحِبالا
ألقِها ناشراً ضعيفَ ألاعيـ
ـبِكَ، تُضحِكْ خفها الأطفالا
كلما صِحتِ يا ثعابينُ! أو دَمـ
ـدمْتَ زيفاً خَفّوا إليك عِجالا
وأجالوا في قُفَّة السّاحر القَز
مِ عيوناً ترى المَحال مُحالا (22)
قد تولّى الزَّمانُ، يا سلْخُ بالسِّحـ
ـر، وألوَى به الجديدُ فزالا
* * *
وطوت صرخةُ الشَّباب أمانيـ
ـك، وما يُعجِز القويَّ الضعيفُ
دع مجال الجيادِ للنَّفر السُّبْـ
ـقِ، وازحَف فقد عداك الوحيفُ (23)
فوق ما تستطيعُ من سحرِك الأعـ
ـرجِ، سُخْرٌ تغزوك منه صنوفُ
أنتَ منها، كما يكونُ من الطَّوْ
د المُنيفِ الذُّرى، الهزيلُ الخفيفُ
بهلوانيةُ الحِجى غَرضُ الحَمـ
ـقَى، ويَروي ظَما المُقِلِّ الطَّفيفُ
* * *
ليس إلا الحبالُ، يا ساحرَ العُمـ
ـيِ! فأعدِدْ مُغارَها للبرازِ (24)
وتخيَّرْ طُوالَها، تدفَعِ التُّهـ
ـمَة، عنها وعنكَ، بالإعوازِ
فعساها تُعَدّ، إن أفلسَ السِّحـ
ـرُ، دليلَ الحُفولِ، والإعجازِ
لن ينالَ الثَّرثارُ، بالطُّول والإطـ
ـنابِ، شَأوَ البليغ بالإيجازِ
إنَّ بعضَ الإسراف يُشعِر بالعُد
مِ، وبعضَ الكلام مثلُ النُّحازِ (25)
* * *
والقليلُ الفيَّاضُ بالحُسن والرَّو
عةِ، يَعنو له الكثيرُ الحقيرُ
إنَّما توزَن الجواهر بالمِثـ
ـقالِ، والمعدِنُ الخسيس وفيرُ
وتَزِينُ الكلامَ مقدرةُ القا
ئلِ، يَزهو به الحِجى والشَّعورُ
ولقد يؤثَرُ الصّموتُ على القو
لِ، ولا يَبلغُ القليلَ الكثيرُ
ويكونُ الكثيرُ دَحضاً إذا أر
سَلَ آياتِه المِفَنُّ البصيرُ (26)
* * *
أثَرُ الفنِّ في النّفوس نداءٌ
لمعانيه لا تدقّ الطّبولُ
والأُجاجُ المَرير، وهو غزيرٌ،
دونَ ماءِ الغَمام، وَهْو قليلُ
وصنيعُ الفنَّان في الصّورة الصُّغـ
ـرَى كبيرٌ، رغمَ الحدود، مَهولُ
وعسى نبرةٌ ينِدُّ بها الصَّو
تُ، وقد دَقَّ دونَها التّهليلُ
وعسى جملةٌ من اللّفظ ما يَبْـ
ـلُغ تأثيرَها، الكلامُ الطّويلُ
* * *
أيُّها الساحرُ المدمدِم بالشّـ
ـرِ، هزيلاً، وَهو القَمِيءُ الهزيلُ
مُدَّعو السِّحرِ والقريض كثيرٌ
غيرَ أنّ المصدّقين قليلُ
ولبعضُ الكلام والسِّحر، يا بحـ
ـرُ حُواءٌ، وبعضُه تضليلُ
والمعاني على الجميل شُهودٌ
وعلى قُدرة القدير دليلُ
رُبَّ سيفٍ يرتَدُّ في كفِّ ذي الجُبْـ
ـن كَهاماً، وهْو الجُزاز الصَّقيل (27)
* * *
أنتَ من سحركَ الملفَّقِ في دنيـ
ـا خداعٍ، وهل يَرى المخدوعُ؟
وعلى عرشكَ الخياليِّ، مذْ أذَّ
نَ داعيك، هُزْأةٌ مخلوعُ (28)
وحوالَيك، من خَشاش الأناسِـ
ـيِّ، أصولٌ كرهتَها، وفروعُ
ذاك سُورٌ مهدَّم، أنت فيـ
ـه، كلَّ يومٍ، مُرزَّأٌ مفجوعُ
كلّما قلتَ: قام جانِبُه، ما
ل، وخَرَّتْ لي قفاك الصُّدوعُ
* * *
كلُّ دعوى سَبْقٍ يكذِّبها الوا
قعُ، يومَ الرِّهان، دعوى الكسيحِ
وكذا تَسخر الحياةُ، وتلقا
ك، إذا رُمتَها، بوجه المُشيحِ
قد كفَتْه الكفاحَ خيبةُ آما
لكَ، فيها، وآهةُ المقروحِ
أيُّ غاياتِك المقيتةِ لم تَبـ
ـكِ عليها بعَبرة المكبوحِ؟
قَسَماً ما تُصيب من عيشِك المُـ
ـرِّ سوى ما تُصيب كفُّ الطَّليحِ!
* * *
ترَّهاتُ الأوهام، يا ساحرَ القُفَّـ
ـةِ! تغدو فضيحةً لِذويها
وفنونُ الجنون كُثرٌ فهلاّ اعْـ
ـتَمْتَ منها أدقَّها تمويها (29)
قَدُمَت هذه الألاعيبُ، مذ شِخـ
ـتَ، فجدِّدْ طِلاءَها لِتَقيها
وتفتَّقْ عن لعبةٍ، تخدَعُ النّا
سَ، تكنْ بعدَها السَّريَّ -النَّبيها
وتنكّبْ مصارعَ الجِدِّ، فالجِـ
ـدُّ زَبونٌ، يَطيش رأسُك فيها (30)
إنَّ دون الذي تحاولُ، يا لفّا
قُ، بالزَّيفِ والعزائم، صِلاّ (31)
يَلقَفُ الزَّيفَ، والرّعونةَ، والبا
طلَ، والسّحرَ، مكثِراً، ومقِلاّ
بين فكَّيه مصرعٌ فاغرٌ فا
هُ، تلاقِي فيه الرّغائبُ ثُكلا
ينتهي السّحر عنده ظاهرَ الضّعـ
ـفِ، وتجثو بهِ الخوارقُ عُزلا
ينفُض الساحرون باطلَهم فيـ
ـه، ولو خُيِّروا لصانوه بُخلا
* * *
لم يضِق بالنّضال ماضيه والحا
ضرُ، أو أفقُه البعيدُ الرحيبُ
شَغَل الناس صيتُه البارزُ النّا
صعُ، حبّاً، وسطوُه المرهوبُ
وأفاعيلُه بمثلِكَ، لا السّحْـ
ـرُ اتَّقاها، ولا ثَناها اللَّهيبُ
يَرجُف الموجُ دونَها مُرَعدَ العمـ
ـقِ، ويَقَذَى بها الفضاءُ الرّغيبُ
تلك آثارهُ تحدَّى بها العُصْـ
ـمَ، وإن كابرَ الخِضمُّ الكذوبُ (32)
* * *
صاغَها معجِزاً، ورتّلها شِعـ
ـراً، تغنَّتْ بسحره الأيامُ
وأصاب الجَمالُ فيها أمانيْـ
ـه، رُواءً، والفنُّ، والإلهامُ
مِن ينابيعها تدفَّقتِ الفتـ
ـنةُ، سُكْراً، ما تدّعيه المُدامُ
تتغذَّى به النّفوسُ، وتستهـ
ـدي سَناه، القلوبُ والأقلامُ
كُتِبَتْ في صحائف الخُلد، والخلـ
ـدُ لأشباهِها -وقُلّتْ- تُوامُ
* * *
كاثرَتْ بالقليلِ أغنَى المجدّيـ
ـنَ، فما يفعل القَمِيءُ المقِلُّ
الذي يزعُم الإطالةَ في القو
لِ ثراءً، وشأنُه منه ضَحلُ
مطَلَته الذّرى أمانيه، فأقـ
ـعَى ينوءُ طَوراً ويغلو
قلِقاً، ما يَقِرُّ، كالموثَق المجـ
ـهودِ، ألْوى به قويٌّ مذِلُّ
بِمَ يحتال للحياة؟ وهل يَلـ
ـقى مَجالاً بين الغضافِرِ وَعلُ؟ (33)
* * *
مسرَحُ الأسدِ، يا وعولُ! على البعـ
ـدِ، خيالٌ عذبٌ، وحُلمٌ جميلُ
أقبلي، أدبِرِي، حوالَيه، لا يَثـ
ـنيكِ عن وِرده الرَّوِيَّ، نُكولُ
وأريحي السّتارَ عنه، فما تر
هَبُ، ما يَحجب السّتارُ، الوعولُ!
فإذا أيقظَتْكِ رائحةُ الأسـ
ـد تَناءَى بكِ السَّبيلُ الطَّويلُ
والمَدى بينها وبينكِ وعدٌ
شهِدَ الجبنُ أنّه ممطولُ
فاصنَعي بالخيالِ، ما يجعلُ الوا
قعَ كِذْباً، وخِدعةً أو هُراءَ
أتكونُ الحياةُ وَعليَّةَ الطّعـ
ـمِ، إذا الحقُّ، في دجاها، أضاءَ؟
ولذا كانت الوعولُ على الأسـ
ـدِ قياماً، وما تقول افتراءَ
أفما ترسلُ النَّبيبَ طويلاً؟
فهْي أقوى من الضَّواري أداءَ (34)
ذاك من منطقِ الوعول، وهل تبـ
ـلغُ منه الليوثُ إلا مِرَاءَ؟
* * *
فإذا قلتَ: إن زأرة اللَّيـ
ـثِ لهيباً، يذوب فيه النَّبيبُ
ودبيباً يمشِي له الشَّيبُ في الأنـ
ـفسِ، لو كانت النّفوسُ تَشيبُ
ومعانٍ من الصَّلافة، والقوَّ
ةِ، والهَول، دونَهنَّ الخطوبُ
أنكرتْ قولَك الوعولُ، وأدْلَت
بِهُراء يَحار فيه اللّبيبُ
واستجاشَت صغارَها، ومَضَت تُمْـ
ـعِنُ في تيهِ جهلِها، وتَلوبُ
* * *
وتعاوَت، يصيحُ هذا فيتلو
هُ مُسِفٌّ، أو أرعَنٌ مستخفُّ
وأجالَت أذنابَها في مجالِ الـ
أمنِ، والأمنُ للمهازيل سِجفُ
أتَراها تجولُ في مَربَض الآ
سادِ، حيث النّفوسُ تَهوي، وتطفو؟
لا! ولكنَّ في النبيبِ عَزاءً
فليكنْ نبعَها الذي لا يَجفُّ
هي في حُرمةِ الضَّعف والعَجـ
ـزِ، وليثُ الشَّرى قويٌّ يَعِفُّ
* * *
وهْي في مخبأ، تُجانبُه الأسـ
ـدُ، حياءً، أو سَمِّهِ: إبقاءَ
أفما تَفْرَقُ الوعولُ إذا لا
ح خيالُ الشَّرى، فما تَتراءى؟
فلها أن تصولَ بالقَرن والظِّلـ
ـفِ، وأن تملأ الحياةَ هُراءَ
ولكلٍّ مدىً، وقد عرفَ النّا
سُ مَداها، حقيقةً وادّعاءَ
ولِمَن أثخنَتْ صروفُ الليالي
فيهِ أن يُشبِع الصُّروفَ عِداءَ
* * *
ولقد تَصمُتُ السِّباعُ، وفي الصَّمـ
ـتِ أداءٌ من بأسِها وقُواها
ولقد تصرَخُ الوعولُ، وفي ذا
ك معانٍ من خوفها وجَواها
فإذا ما تكشَّفت ساعةُ الهو
ل حَمَت وثبةُ السِّباع شَراها
وطوَت مسرحَ الوعولِ، ودكَّتـ
ـهُ، فأمسى بقاؤُها كَفناها
* * *
وانزوَت تُشبِعُ الظَّلامَ عُواءُ
أو أنيناً، فما تُطيقُ العُواءَ
ولقد يَعصِفُ الهواء بمأوا
ها، فيغدو به الهواءُ هَباءَ
فإذا أقبلَ النَّهارُ اطمأنّت
وأقامت عواصِفاً هَوجاءَ
زاعماتٍ قرونَها أسَلَ الطَّعـ
ـنِ، وآياتِ نصرِها الغُلَواءَ
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :303  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 144 من 169
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الجمعية النسائية الخيرية الأولى بجدة

أول جمعية سجلت بوزارة الشئون الاجتماعية، ظلت تعمل لأكثر من نصف قرن في العمل الخيري التطوعي،في مجالات رعاية الطفولة والأمومة، والرعاية الصحية، وتأهيل المرأة وغيرها من أوجه الخير.