شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مَلْحَمة
الحياة ملحمة كبرى في شتّى مظاهرها المعنوية والمادية، وهل الحياةُ حياةٌ إلا بهذا الصراع بين الموجودات، منظورةً ومُدْركة؟
فهذه القصيدة تمثِّل في ثوب القصَّة.. ملحمةً تخيُّلية بين عناصر الكون (التراب والهواء والماء والنار) تتم فيها الغلبة للعاصف رمز الهواء، على البحر رمز الماء.
والاتجاه الفني في هذه القصيدة مستمَدّ من وقائع الحياة وصميمها، فمن ينكر أن كلَّ شيء في الوجود مسلَّط على كل شيء فيه؟ الحياة والموت، الشباب والهرم، الصحة والمرض، القوة والضَّعف، أليس الصراع بينهما ملحمة تكرّ بها الأيام والليالي؛ لا يخاف أيّهما اللّباب والجوهر، إن اختلفت القشور والأعراض؟ أليس كل ذلك مَظهراً للقانون الإلهي الأسمَى في صور هذه الحياة؟؟
حدَّث اللَّيلُ، والحديث شُجونٌ،
وحديثُ العظيم لهْوٌ وجِدُّ
تتلهَّى به نفوسُ الخِلّيـ
ـنَ، ويُعنَى بلبِّه المستبِدُّ
قال: كانت عناصرُ الكون كالأحـ
ـياءِ قِدْماً، تروح فيه وتغدو
لم يُقيَّد كلٌّ بقانونه الصَّا
رِمِ، والقيدُ حاكمٌ مستبِدٌ
فتلاحت يوماً، وجَدَّ بها الشَّر
وللشرّ.. ثورةٌ ما تُحَدُّ
* * *
وادَّعى كلُّ عنصرٍ قصبَ السَّبـ
ـقِ وأدلى بحُجَّة المتحدِّي
قالت النار: إنني عنصرُ الفَتـ
ـكِ، إذا أورت المطامعُ زندِي
أتلقَّى الحديد بالجاحِم المُو
دِي، وأُردي الصِّلاب إن جَدَّ جِدّي
ويُعيد الأصنام حرَّى رماداً
ويُنير السبيل ضوئي ويَهدي
أنا للكون بدْءُ تاريخه النَّا
بِضِ مذ قلتُ: يا حياةُ استعدِّي!
* * *
فأجاب التّرابُ: هل كان للكوْ
نِ وجودٌ، لو لم أكن فيه أصلا؟
كنت سِرَّ البناءِ فيه، فما قا
مَ بناءٌ، لولايَ أو مَدَّ ظلاَّ
وأنا ناثرُ الحقول، ومَن أطـ
ـلَقَ فيه الحياة، حقلاً فحقلا
صِيغَ منّي الإنسانُ والوحشُ والنَّبـ
ـتُ، وعادت إليَّ وصلاً وفصلا
أتلقَّى أمانة اللهِ بالصَّو
نِ، وما زلتُ للأمانة ثِقلا
وزَها البحر أيدُهُ، فرمى القو
لَ جُزافاً، شأن السَّفيهِ الغَضوب
قال: ماذا؟ ألستُ من يطفئُ النّا
رَ، إذا آذنَت بوَشكِ شُبوب؟
الذي تسكُنُ العناصرُ، إن ثا
رَ، وتَعنو من خيفةٍ ووَجيبِ؟
والذي أغرقَ الشواطئَ، لو شا
ءَ، وجاز الأمداءَ غيرَ هيوبِ؟
وطغَى!.. فانطوَت شواطئُ فيـ
ـهِ، وقد هَمَّ مُقعَد بوثُوبِ!!
* * *
حدَّث اللَّيل، قال: واندفعَ البحـ
ـرُ، يظنُّ الشطآن كلَّ الوجودِ
فإذا اجتازَها فقد بلغَ الفَوْ
زَ، وأربَى، والفوزُ، جِدُّ بعيدِ
مَن له بالجبال تَلقاه بالهُز
ءِ، صنيعَ القويِّ بالمكدودِ؟
شامخاتٍ، إذا تطامن بحرٌ
أو تَنزَّى به عُرام الحَقود
راسياتٍ، لا من ونَى أو لُغوبٍ،
ساكناتٍ، لا من عنًى أو جُمودِ
* * *
مَن له بالنجومِ، بالبدرِ، بالشَّمـ
ـسِِ، أليست بصيرةً وهْو أعمى؟
مَن له بالطيور تسبح في الجوِّ
خِفافاً، مَعنىً، ورُوحاً، وجسما؟
مَن له بالنَّسيم، بالرِّيح، بالعا
صِف، تغزو الحياة حرباً وسِلما؟
حدَّثَ اللَّيلُ، قال: واستقبل العا
صفُ، هذا الطَّاغي الجهول وهَمَّا
هَمَّ، فارتدَّ، فارتَمَى، فطوى الدنّـ
ـيا، حياةً، ومسرحاً، وخِضَماً
* * *
ثار بالبحر ثورةً ردَّد الكَو
نُ، صَداها، وردَّدتْه السماءُ
جابت الأرض، كرَّ الطَّرف، وارتدَّ
تْ، نفاذاً، كما يُحَمُّ القضاءُ
أخرستْ كلَّ ناطقٍ ودهَتْ كلَّ
عَتِيٍّ، فَنَاء منها الفضاءُ
ألبراكينُ ثائراتٌ، أم الشُّهـ
ـبُ تهاوتْ، أم قد أطافَ الفناءُ؟
أم تُراه صدَى الجحيم، وقد جُنَّـ
ـت، به، فيه، ساعةٌ عَسراءُ!
* * *
لفظ البحرُ كلَّ ما اشتمل البحـ
ـرُ، ولاذَت شطآنُهُ بالسُّكونِ
وغدا راجفاً، يميدُ به الهَوْ
لُ، فيهْوي إلى قرار مَهين
وأعاصيرُ ذلك العاصفِ العا
صفِ، تُلوي بمائه والسَّفينِ
أيبيع الحياةَ؟ كلا، ولا عا
شَ شُجاعٌ بالعمر غيرُ ضنينِ
فلْيُسالمْ، وليُعلِن العجزَ، ما عـ
ـضَّ، على عَجزِه، بنانُ الغَبينِ
* * *
حدَّث اللّيلُ، قال: واستنجدَ البحـ
ـرُ فلاناً، فكان طَوداً أشَمَّا
معلِناً ضعفَه، وقد آنَسَ المو
تَ، عِياناً، يدعو الضَّراعة حَزما
وترامى إليه، يلتمِسُ العَو
نَ، وألقى قيادَه، واستَذَما
قال: هيهاتَ! أن يُجيرَ من العا
صف طَودٌ، يَرى غرورَك جُرما
بَيدَ أنّي محاوِلٌ لك، ما رُمـ
ـتَ، وملقٍ على سجايايَ غُرما
* * *
ومشَى الطَّودُ، والمروءةُ تَحدُو
هُ، إلى العاصِف المُشيح.. ونَادَى
هِيهِ يا صاحبي!! ومثلُك مَن لَبَّـ
ـى ندائي، لقد بلغتَ المرادا
عادَ رَهواً، ما كان من قبلُ زَهواً
فعَنا المدَّعي، وعافَ الجهادا
حَسبُهُ منك، ما بلغتَ به الغا
يةَ فيه فما أطاقَ الزِّيادا
ما تَراه قد استكانَ، فما فِعْـ
لُك، فيمن ألقى إليكَ القِيادا؟
* * *
حدَّث اللَّيلُ، قال: ما أكرمَ العا
صفَ، ما أكرمَ القويَّ الرَّحيما
آثرَ العفو، والكريمُ، صفوحٌ
إن تولَّى عدوَّه مهزوما
وسعى البحرُ، صاغراً، يُقصِرُ الخَطـ
ـوَ، ويُغضِي ضراعةً وسُهوما
قال، بل هَمَّ أن يقول، فلم يَقـ
ـوَ، وهل يُسعِد المقالُ عَديما؟
إنَّها سقطةٌ، فهل ينهضُ العفـ
ـوُ، بأمثالِها قويّاً، سليما؟
* * *
ورنا العاصفُ الحطومُ إلى البحـ
ـرِ، فألفاه مُطرِقاً إذعانا
ورأى الضَّعفَ عارياً، ينشُدُ الرحـ
ـمَةَ، هوناً، ويستعيدُ الأمانا
فاستحثَّتْ قلب العظيم دواعيـ
ـه، فلبَّى الضمير والإيمانا
قال: أهلاً بالسِّلم، والوُدِّ، والعِشْـ
ـرةِ، صَفواً، وبالوفاء ضمانا
لك عندي، ما يطلبُ الخُلُق السَّمـْ
ـحُ، مَغِيباً، أصفيكَهُ، وعَيَانا
* * *
حدَّثَ اللَّيلُ قال: وانفتَلَ العا
صفُ، يعتامُ في الطَّبيعة مَسرى
ومضَى البحرُ، يرمُقُ الأفق غَصّا
نَ، فتلهو به الكواكبُ سُخرا
راسفاً، قيَّدتْ خطاهُ قواذ
ينُ السَّوافي والضوءِ، مدّاً وجَزْرا
فإذا وَصوَصَت عيونُ الدَّراري...
أو هَفَت نسمةٌ تلَفَّت ذُعرا
ذلّ من خاف، فالحياةُ غِلابٌ
فازَ فيها الأحَدُّ ناباً وظُفرا
* * *
وغفا الكونُ، بعد ملحمةِ الأمـ
ـسِ، وكانت على الطَّبيعة شَرَّا
وأفاقَ الصَّباحُ، من حُلْمِه البا
سِمِ، يَندَى ويرفَضَّ سِحرا
وتمشَّت أنفاسُه في حواشي الكو
نِ، فاستيقظت روابيهِ سَكْرَى
حدَّث اللَّيلُ قال: وانطلق الضَّو
ءُ منيراً دنياهُ سهلاً ووعرا
فاستفاضَ الحديثُ عن أمسِ يُزجيـ
ـهِ فُضولُ الحياةِ سِرّاً وجَهرا
* * *
وحديثُ الفضولِ يستضحك اللا
هيْ، ويَضوَى بِوخزهِ المَوتورُ
فهْو -إن شئتَه- مُجونٌ مثيرٌ
وإذا رُمتَه -شَماتٌ- مَريرُ
حدَّث اللَّيلُ قال: واحتمَل البحـ
ـرُ مُجونَ الحياة، وهْو عَسيرٌ
مستشيطاً عن الإسار فما يَفـ
ـتأُ يَنزو في قيده، ويَمورُ
فإذا أقبلَ الظَّلامُ تَولاّ
هُ قطوبٌ، لشَجوِهِ -وفتورٌ
* * *
هل يطيقُ النُّهوضَ؟ هل يملك السَّعـ
ـيَ جناحٌ واهٍ، ورُوحٌ أسيرُ؟
القوانينُ للعناصرِ، يا بَحـ
ـرُ! نظامٌ عن قصدِه ما يجورُ
والأمانيُّ، للكُسالى، تَعِلاّ
تُ عَزاءٍ، والعيشُ وهمٌ وزُورُ
وحُدودُ الحياةِ تفسَحُ للأقـ
ـوَى مجالاً، لكنها لا تُجيرُ
* * *
حدَّث اللَّيلُ قال: وانفرد البحـ
ـرُ، يواسيه شاطئٌ مهجورُ
أدبَرَتْ عنهما الحياةُ وأهلُو
ها، فذَا ضاحِلٌ وذا مَنزورُ (1)
قَنعا -صاغِرَين- بالواقع البَخْـ
ـس، ويَرضَى بعيشه المكثورُ (2)
ومضى الدَّهرُ، لا يُثقِلُ رِجلاً
تستوي عنده صَباً ودَبُور (3)
هازئاً بالغُرور والضَّعف والبا
طلِ، والدَّهرُ بالحياةِ بَصيرُ
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :457  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 143 من 169
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .