حدَّث اللَّيلُ، والحديث شُجونٌ، |
وحديثُ العظيم لهْوٌ وجِدُّ |
تتلهَّى به نفوسُ الخِلّيـ |
ـنَ، ويُعنَى بلبِّه المستبِدُّ |
قال: كانت عناصرُ الكون كالأحـ |
ـياءِ قِدْماً، تروح فيه وتغدو |
لم يُقيَّد كلٌّ بقانونه الصَّا |
رِمِ، والقيدُ حاكمٌ مستبِدٌ |
فتلاحت يوماً، وجَدَّ بها الشَّر |
وللشرّ.. ثورةٌ ما تُحَدُّ |
* * * |
وادَّعى كلُّ عنصرٍ قصبَ السَّبـ |
ـقِ وأدلى بحُجَّة المتحدِّي |
قالت النار: إنني عنصرُ الفَتـ |
ـكِ، إذا أورت المطامعُ زندِي |
أتلقَّى الحديد بالجاحِم المُو |
دِي، وأُردي الصِّلاب إن جَدَّ جِدّي |
ويُعيد الأصنام حرَّى رماداً |
ويُنير السبيل ضوئي ويَهدي |
أنا للكون بدْءُ تاريخه النَّا |
بِضِ مذ قلتُ: يا حياةُ استعدِّي! |
* * * |
فأجاب التّرابُ: هل كان للكوْ |
نِ وجودٌ، لو لم أكن فيه أصلا؟ |
كنت سِرَّ البناءِ فيه، فما قا |
مَ بناءٌ، لولايَ أو مَدَّ ظلاَّ |
وأنا ناثرُ الحقول، ومَن أطـ |
ـلَقَ فيه الحياة، حقلاً فحقلا |
صِيغَ منّي الإنسانُ والوحشُ والنَّبـ |
ـتُ، وعادت إليَّ وصلاً وفصلا |
أتلقَّى أمانة اللهِ بالصَّو |
نِ، وما زلتُ للأمانة ثِقلا |
وزَها البحر أيدُهُ، فرمى القو |
لَ جُزافاً، شأن السَّفيهِ الغَضوب |
قال: ماذا؟ ألستُ من يطفئُ النّا |
رَ، إذا آذنَت بوَشكِ شُبوب؟ |
الذي تسكُنُ العناصرُ، إن ثا |
رَ، وتَعنو من خيفةٍ ووَجيبِ؟ |
والذي أغرقَ الشواطئَ، لو شا |
ءَ، وجاز الأمداءَ غيرَ هيوبِ؟ |
وطغَى!.. فانطوَت شواطئُ فيـ |
ـهِ، وقد هَمَّ مُقعَد بوثُوبِ!! |
* * * |
حدَّث اللَّيل، قال: واندفعَ البحـ |
ـرُ، يظنُّ الشطآن كلَّ الوجودِ |
فإذا اجتازَها فقد بلغَ الفَوْ |
زَ، وأربَى، والفوزُ، جِدُّ بعيدِ |
مَن له بالجبال تَلقاه بالهُز |
ءِ، صنيعَ القويِّ بالمكدودِ؟ |
شامخاتٍ، إذا تطامن بحرٌ |
أو تَنزَّى به عُرام الحَقود |
راسياتٍ، لا من ونَى أو لُغوبٍ، |
ساكناتٍ، لا من عنًى أو جُمودِ |
* * * |
مَن له بالنجومِ، بالبدرِ، بالشَّمـ |
ـسِِ، أليست بصيرةً وهْو أعمى؟ |
مَن له بالطيور تسبح في الجوِّ |
خِفافاً، مَعنىً، ورُوحاً، وجسما؟ |
مَن له بالنَّسيم، بالرِّيح، بالعا |
صِف، تغزو الحياة حرباً وسِلما؟ |
حدَّثَ اللَّيلُ، قال: واستقبل العا |
صفُ، هذا الطَّاغي الجهول وهَمَّا |
هَمَّ، فارتدَّ، فارتَمَى، فطوى الدنّـ |
ـيا، حياةً، ومسرحاً، وخِضَماً |
* * * |
ثار بالبحر ثورةً ردَّد الكَو |
نُ، صَداها، وردَّدتْه السماءُ |
جابت الأرض، كرَّ الطَّرف، وارتدَّ |
تْ، نفاذاً، كما يُحَمُّ القضاءُ |
أخرستْ كلَّ ناطقٍ ودهَتْ كلَّ |
عَتِيٍّ، فَنَاء منها الفضاءُ |
ألبراكينُ ثائراتٌ، أم الشُّهـ |
ـبُ تهاوتْ، أم قد أطافَ الفناءُ؟ |
أم تُراه صدَى الجحيم، وقد جُنَّـ |
ـت، به، فيه، ساعةٌ عَسراءُ! |
* * * |
لفظ البحرُ كلَّ ما اشتمل البحـ |
ـرُ، ولاذَت شطآنُهُ بالسُّكونِ |
وغدا راجفاً، يميدُ به الهَوْ |
لُ، فيهْوي إلى قرار مَهين |
وأعاصيرُ ذلك العاصفِ العا |
صفِ، تُلوي بمائه والسَّفينِ |
أيبيع الحياةَ؟ كلا، ولا عا |
شَ شُجاعٌ بالعمر غيرُ ضنينِ |
فلْيُسالمْ، وليُعلِن العجزَ، ما عـ |
ـضَّ، على عَجزِه، بنانُ الغَبينِ |
* * * |
حدَّث اللّيلُ، قال: واستنجدَ البحـ |
ـرُ فلاناً، فكان طَوداً أشَمَّا |
معلِناً ضعفَه، وقد آنَسَ المو |
تَ، عِياناً، يدعو الضَّراعة حَزما |
وترامى إليه، يلتمِسُ العَو |
نَ، وألقى قيادَه، واستَذَما |
قال: هيهاتَ! أن يُجيرَ من العا |
صف طَودٌ، يَرى غرورَك جُرما |
بَيدَ أنّي محاوِلٌ لك، ما رُمـ |
ـتَ، وملقٍ على سجايايَ غُرما |
* * * |
ومشَى الطَّودُ، والمروءةُ تَحدُو |
هُ، إلى العاصِف المُشيح.. ونَادَى |
هِيهِ يا صاحبي!! ومثلُك مَن لَبَّـ |
ـى ندائي، لقد بلغتَ المرادا |
عادَ رَهواً، ما كان من قبلُ زَهواً |
فعَنا المدَّعي، وعافَ الجهادا |
حَسبُهُ منك، ما بلغتَ به الغا |
يةَ فيه فما أطاقَ الزِّيادا |
ما تَراه قد استكانَ، فما فِعْـ |
لُك، فيمن ألقى إليكَ القِيادا؟ |
* * * |
حدَّث اللَّيلُ، قال: ما أكرمَ العا |
صفَ، ما أكرمَ القويَّ الرَّحيما |
آثرَ العفو، والكريمُ، صفوحٌ |
إن تولَّى عدوَّه مهزوما |
وسعى البحرُ، صاغراً، يُقصِرُ الخَطـ |
ـوَ، ويُغضِي ضراعةً وسُهوما |
قال، بل هَمَّ أن يقول، فلم يَقـ |
ـوَ، وهل يُسعِد المقالُ عَديما؟ |
إنَّها سقطةٌ، فهل ينهضُ العفـ |
ـوُ، بأمثالِها قويّاً، سليما؟ |
* * * |
ورنا العاصفُ الحطومُ إلى البحـ |
ـرِ، فألفاه مُطرِقاً إذعانا |
ورأى الضَّعفَ عارياً، ينشُدُ الرحـ |
ـمَةَ، هوناً، ويستعيدُ الأمانا |
فاستحثَّتْ قلب العظيم دواعيـ |
ـه، فلبَّى الضمير والإيمانا |
قال: أهلاً بالسِّلم، والوُدِّ، والعِشْـ |
ـرةِ، صَفواً، وبالوفاء ضمانا |
لك عندي، ما يطلبُ الخُلُق السَّمـْ |
ـحُ، مَغِيباً، أصفيكَهُ، وعَيَانا |
* * * |
حدَّثَ اللَّيلُ قال: وانفتَلَ العا |
صفُ، يعتامُ في الطَّبيعة مَسرى |
ومضَى البحرُ، يرمُقُ الأفق غَصّا |
نَ، فتلهو به الكواكبُ سُخرا |
راسفاً، قيَّدتْ خطاهُ قواذ |
ينُ السَّوافي والضوءِ، مدّاً وجَزْرا |
فإذا وَصوَصَت عيونُ الدَّراري... |
أو هَفَت نسمةٌ تلَفَّت ذُعرا |
ذلّ من خاف، فالحياةُ غِلابٌ |
فازَ فيها الأحَدُّ ناباً وظُفرا |
* * * |
وغفا الكونُ، بعد ملحمةِ الأمـ |
ـسِ، وكانت على الطَّبيعة شَرَّا |
وأفاقَ الصَّباحُ، من حُلْمِه البا |
سِمِ، يَندَى ويرفَضَّ سِحرا |
وتمشَّت أنفاسُه في حواشي الكو |
نِ، فاستيقظت روابيهِ سَكْرَى |
حدَّث اللَّيلُ قال: وانطلق الضَّو |
ءُ منيراً دنياهُ سهلاً ووعرا |
فاستفاضَ الحديثُ عن أمسِ يُزجيـ |
ـهِ فُضولُ الحياةِ سِرّاً وجَهرا |
* * * |
وحديثُ الفضولِ يستضحك اللا |
هيْ، ويَضوَى بِوخزهِ المَوتورُ |
فهْو -إن شئتَه- مُجونٌ مثيرٌ |
وإذا رُمتَه -شَماتٌ- مَريرُ |
حدَّث اللَّيلُ قال: واحتمَل البحـ |
ـرُ مُجونَ الحياة، وهْو عَسيرٌ |
مستشيطاً عن الإسار فما يَفـ |
ـتأُ يَنزو في قيده، ويَمورُ |
فإذا أقبلَ الظَّلامُ تَولاّ |
هُ قطوبٌ، لشَجوِهِ -وفتورٌ |
* * * |
هل يطيقُ النُّهوضَ؟ هل يملك السَّعـ |
ـيَ جناحٌ واهٍ، ورُوحٌ أسيرُ؟ |
القوانينُ للعناصرِ، يا بَحـ |
ـرُ! نظامٌ عن قصدِه ما يجورُ |
والأمانيُّ، للكُسالى، تَعِلاّ |
تُ عَزاءٍ، والعيشُ وهمٌ وزُورُ |
وحُدودُ الحياةِ تفسَحُ للأقـ |
ـوَى مجالاً، لكنها لا تُجيرُ |
* * * |
حدَّث اللَّيلُ قال: وانفرد البحـ |
ـرُ، يواسيه شاطئٌ مهجورُ |
أدبَرَتْ عنهما الحياةُ وأهلُو |
ها، فذَا ضاحِلٌ وذا مَنزورُ
(1)
|
قَنعا -صاغِرَين- بالواقع البَخْـ |
ـس، ويَرضَى بعيشه المكثورُ
(2)
|
ومضى الدَّهرُ، لا يُثقِلُ رِجلاً |
تستوي عنده صَباً ودَبُور
(3)
|
هازئاً بالغُرور والضَّعف والبا |
طلِ، والدَّهرُ بالحياةِ بَصيرُ |
* * * |