شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أصنام.. وأصنام
قد سمعْناها صِغارا..
وقرأناها كِبارا
فانْفَعلنا، وضحِكنا، وسَخِرنا
من غباءِ القدماءِ
كيف يأبون خضُوعاً لبشرْ
ويوالون إلهاً مِن حجرْ
* * *
إنها قصةُ أجيالٍ مِن الظلمة
ترويها متاهاتُ البوادي
حيث قانونُ الردى
في القمم العصم تمشي، والوهادْ
يُصهرُ الأبطالُ، فوقَ الوعرِ
في نارِ العوادِي
لحياةِ تضفر النورْ
أكاليل خلود، للبطولةِ
كان فيها مَيسمُ المجدْ
عراماً وفحولَة
* * *
قصةُ الأصنامِ في ظلِّ الحياةِ الوثنيةْ
لم تزلْ تُروى لأبناءِ القِفارِ العربيةْ
من كبارٍ ساخرينْ
وصغارٍ ضاحكينْ
إنها قصةُ جهلٍ.. وهراءٍ.. وجنونْ
طوّفت تمعن في ترحالِها
عبرَ القرونْ
من مكانِ لمكان.. وزمان.. لزمانْ
* * *
هي همسٌ خافتٌ
مر ليلاً يتستّرْ
وجمال باهتٌ
كان لِسحر الفن مصدرْ
وخيال صامت ظلَ طويلاً يتعثرْ
إنها قصةُ ماضِينا
على مسرح عبقرْ
* * *
هي نارٌ في الدماء
كلما قيل خبتْ،
ثارتْ لهيباً ودخانْ
وأعاصيرَ إباء
* * *
إنها بأسُ الجبالْ
وانتفاضاتُ الرمالْ
وينابيعُ الظلالْ
إنها فنُ رؤانا البدوية
في إطارِ العبقرية
ذلك الفنُ الذي فجّرَ
أغوارَ الرويَّة
طاقةٌ جبارةٌ تمرحُ في أفقِ السجّية
* * *
إنها قصةُ أحلامٍ ثِقالْ
صاولتْ فاكتسحت كُلّ محالْ
لم يكنْ دونَ مداها ما يُطالْ
إنها عزمُ رجالْ
* * *
إنها قصةُ أصنامٍ تؤلَّهْ
التماثيلُ التي صانعها فيها تدلّهْ
أتُراهُ -ذلكَ الغازِي لأسرارِ الحياة-
كان أبْله؟!
لا. فقد كانَ بصيراً، وطموحاً، وحكيما
مثلما كان ذكياً مُلْهَماً، خَصْبَ المخيلةْ
ثابتَ الخطوِ
يرى المجهولَ -هذا العالم المطوِي-
سراً، من ألوفٍ مثله
عالَجها حتى جَلاها.. ووَعاها
فرآها لعباً مألوفةً
مثل التي هامَ بها.. ثم اجْتَوَاها
فرماها، باحثاً عن غيرِها
يستهدفُ الخبرَة، في عهد الطفولة
* * *
إنه دورٌ مِن القصة
مِن قصتِه الأولى
وتاريخُ صراعِ الفكر
في كشف خفايا الأزلية
مبدأُ الفكرة.. والبحث عنِ الذاتْ
وتمزيق الستورْ.. للعبورْ
إنها وثبةُ قهارِ السهولِ والوعورْ
يضربُ الآفاقَ مشبوبَ الرؤى
بجناحيْ كاسرْ
ينفضُ الأعماقَ جياشَ القوى
بخيالِ الثائرْ
فرأىَ الأجرامَ تَخْفَى
ورأى الأجرامَ تظهَرْ
فتقرّاها.. وفكّرْ..
عَبدَ النجمَ، فلما غَرُبَ النجمُ
تولاّه الفتورْ
بزغ البدرُ فكانَ البدرُ أكبرْ
عَبدَ البدرَ، فلمَّا أفلَ البدرُ تحيّرْ وتعثّرْ.
ورأىَ الشمسَ فقال: الشمسُ أكبرْ
ورآها تختفي كالنجمِ، والبدرْ
فأغضى وتقهقرْ.. يتدبرْ..
كُلُّ شيء يتغير!..
وهو لا يؤمنُ إلاّ بالثباتْ
صفة للمبدعِ الأكبرْ..
باريء الكائناتِ. الذي كانْ؛
خيالاً غامضاً لم تتكشف عنه؛
-بعدُ- الظلماتْ..
فمضَى يهتفُ، أني لا أُحبُّ الآفلينْ
أنا لا أعبدُ ربّاً يتحولْ
* * *
إنها معركةُ الذاتِ.. مع الذاتِ
صراعاً يتململْ
ويقيناً يتجلّى
مِن يقينٍ يتحللْ
* * *
إن هذا الجدليّ. المتحيّرْ
والخيالي المصورْ..
صانع الأربابِ مما يتخيرْ
ليسَ غرّاً.
ليسَ أبلهْ.
إنه عقلٌ يفكّرْ
وانطلاقاتٌ تبشّرْ
وهداياتٌ تعبّرْ
وبراهينٌ تسيطرْ
إنه لا يعبدُ الأصنامَ مِن صُنعِ يديْه
إنمَّا يعبدُ فيها صبواتهِ
أفليستْ عنده معبرَ أشواقِ حياتهِ؟
ومجالِي سَبَحَاتِه
وأحاجِي سباتِه.. ومماتِه
إنها توكيدُ ذاتِه..
في خيالاتِ هواهُ..
في انبثاقاتِ رؤاهُ..
في انتقالاتِ حجاهُ..
في سماتهِ..
* * *
هِيهْ.. ما أروَعها
قصةَ أجدادِي الكبارْ
الأغبياء.. القلقينْ..
الطامحينَ.. الثائرينْ..
الخالقينْ..
صانِعي أربابهمْ
كي يعبدوا أنفسهُم فيها
فإن ثاروا عليها..
حطّموها..
كم سَمِعْنَاها صِغاراً.. فَضَحِكْنا
وقرأناها كِباراً.. فسخِرْنا
والسؤالُ المتوارِي في العيونِ.. يترددْ
ألتلكَ التُرهاتُ.. الجاهليةُ
من بقيةٍ.. يتجددْ..؟
بَعد مَا أشرقَ نورُ الحقِّ
واندكتْ صروحُ الهمجيةْ
وغدَا الربُّ.. جَمالاً.. وجَلالاً.. وكَمالا
وسِباقاً.. وانْطلاقاً.. في ميادينِ الفضيلةْ
وكِفاحاً.. مستحراً..
ضدَ أغلالِ الرذيلةْ
وإباء عربياً..
هو ميراثُ الإباءِ الجاهلي المتحرّرْ
وتراثُ الوثني المتسعّرْ
ذلك الفحلُ.. العنيدُ.. المتحجّرْ
صانعُ الأربابِ من تَمْرٍ.. ومِن طينٍ
وصخرٍ.. وخشبْ..
فهي في الجد مَرايا ذاته العليا
وفي الهَزْلِ لعبٌ..
وهي رهنُ القيدِ في قبضتهِ
بينَ رضاه والغضبْ
يا لهَا من قصةِ خَلْقٍ وابتداعْ
يا لهَا محور شكٍ وصراعْ
يا لهَا معركة فوقَ التّلاعْ
فَاضَ معناها بِمَا هَالَ وراعْ
ذهبَ التاريخُ لا يعقل أو يَحْفَل
معناها المثيرْ..
ومضَى الناسُ.. سُدىً.. لا يحفلونْ
ما انطوى فيها من الروعةْ
والإعجازِ، والرمزِ الجهيرْ
وكذَا التاريخُ والناسُ، وما زالا،
غباء لا يحيرْ.
* * *
إنها قصةُ ماضِينا.. على البعدِ..
صدىً في الحاضرْ
لم تزلْ دفقةُ وحيٍ
في خيالِ الشاعرْ
واندفاعاً عصبياً
في بيان الناثرْ
ودماً مُتقداً
في كل عِرقٍ ثائرْ
* * *
إنها همسُ الجبالِ الراكدة
والرمالُ الهامدة
والنفوسُ الواجدة
والقلوبُ الحاقدة
إنها ثورةُ نارٍ خامدة
إنها صوتُ المواتْ
والسبات، والرفاتْ
وخيالُ الباقياتِ، الخالداتِ، الكامناتْ
في كهوفِ الأبدية
في المغاراتِ الخفية
لم تزلْ أصداؤها
تحتَ سكونِ الصمتِ.. حية
* * *
إنها النارُ التي تنبضُ هوْنا
في الرمادْ
إنها حلمُ المعادْ
إنها صوتُ قُصيّ وإيادْ
إنها صوتُ البطولاتِ الفتيّة
من ظلام الوثنية
وصميمِ الجاهلية
إنها تزحفُ ثاراتٍ صديّة
إنها نارُ الحمية
يوم كانَ الكِبرْ ألا
يعبدُ الإنسانُ إلاّ ما صنعْ
فإذَا شَاءَ تَعَالَى
وإذا شَاء خضعْ
فهو السيدُ في حاليْه
أعطىَ، أو منعْ
* * *
إنها الميراثُ
ما كانَ تهاويلَ خيالْ
لاَ. ولاَ كانْ
أساطيرَ ضلالْ
إنما كان
فروسيةَ قاماتِ طوالْ
حفرت عبرَ الجبالِ الصمِ
للخيلِ مجالْ
فَاغِر الأعماقِ
مجنون الصّدى
خطوة الراكبِ مجراه
نجاةٌ أو ردى
* * *
إنها قصةُ بأسٍ ونضالْ
ضدَ أن يعبدَ إلاّ نفسَه
الإنسانُ في ما قَدْ صنعْ
فإذَا شاءَ تعَالَى
وإذا شاءَ خضعْ
* * *
قد مضَى التاريخُ لا يسألُ عنها
ومضَى الناسُ على سنتِه
لا يسألونْ
السؤالُ المتواريِ في العيونْ
حسراتٌ مستكينة
وخيالاتٌ طعينة
وكراماتٌ مهينة
ورؤي حائرةٌ.. غَير مبينة:
ألتلكَ الترّهات الجاهلية
مِن بقيَّة؟
تنفضُ الظلمةَ عن مسرى
خُطانا الواهية
وتشيعُ الحسَّ
في تلكَ القفارِ الغافية
وتسمّي كُلِّ شيءٍ باسمه
لا توارِي.. أو تمارِى
لا ترائِي.. أو تحابِى
لا تلين.. أو تهونْ
فتهينْ..
لا توارِي الغضبَ المكبوتْ
بل تُطلِقه نارَ عرامْ
لا تمارِي في دواعِي الحربِ جُبناً
لِتُغَنّي بالسلامْ
لا ترائِي الأقوياءَ الغاصبينْ
سلَبوها حَقّها.
لا تحابِي الدخلاءَ الواغلينْ
نازعُوها رزقَها
لا تلينُ لعوادِي البأسِ
للعسفِ، لأسوارِ السجونْ
لا تهونُ تحتَ أقدامِ
الطغاةِ السادرينْ
فتهينُ. ذخَر ماضِيها
إباء.. وصِراعا
دونَ حَقّ الذاتِ في كسرِ القيودْ
وانطلاق الفكرِ حُرا
في مجالاتِ أمانيهِ الرفيعة
يتسامَى مبدعاً، مطرد الخطوِ
قوياً كالطبيعة..
في ظلالِ الصدقِ، والحسِّ،
وتيارِ الشعورِ الآدميِّ،
المهتديِ بقوانينِ الخليقة
منذُ كانتْ نفخةً من روحِ باريها
العظيمِ المتعَالي
فهي منه صورةٌ سامية
كُبرى.. عريقة
وتعيدُ العربيَّ المستكينَ المتعثرْ
ذلك الرازحُ في رَكْبِ الحياةِ المتحدّرْ
المسمّى كل ما أهدرَ مسعاه مقدّرْ
من إذا استقدمه خطبٌ تأخّرْ
وإذا نُوزع عَنْ حَقٍّ.. تقهقرْ
عربياً.. جاهلي الطبعِ.. والسورة
فَحْلاً يتفجرْ...
* * *
إنها القصةُ ما زالتْ حنينا
ورجاءً وأملْ..
وأرىَ مسرَحِها الغارقِ
في صمتِ المَللْ
نظرة تعلق بالماضي
وأخرى تشتعلْ
في أسىً يستعجلُ الساعة
ميلاد البطلْ...
* * *
لم تكنْ قصةَ يأسٍ وزهادة
إنها حريةُ الفكرِ.. وتحقيقُ الإرادة
إنها جهدُ الشقاءِ الحرِّ
خلاّق السعادة
إنها مبدأُ أنّ الناسَ أكفاءٌ
وللّه السيادة
إنها ملحمةُ الإيمانِ بالذاتِ
على نهجِ العبادَةِ..
نبعها نبعُ المروءاتِ القديمةِ
والتقاليدِ الكريمة
وإباء العربيّ الجاهليِّ
الثائرِ النفسِ
على كلِّ القيودِ البشرية
ناكر القيدِ.. ولو كان ثراءً
وسمواً.. وقيادة
إنه العملاقُ.. صيادُ العفاريتْ
حليفُ الذئبِ.. والسعلاة
خوّاضّ المنايا.. حَاسراً
لا يتوقَى الموت
فالموتُ خرافة
من خرافاتِ لياليهِ المليئاتِ
بما سَرّ وساء
* * *
حاملُ المشعلِ في ظلمةِ الغارْ
وجودٌ مظلم الكُنْهِ، سحيقُ الغَوْر
مرهوب العُبابْ..
تزحفُ الأخطارُ والأسرارْ
فيه، لا معراة يراها
بل غيابات ضبابْ
* * *
فيلسوفُ السهلِ والوعرِ
وداعي حكمةِ الأجيالْ
عقلاً وسليقة
ذو الخيالِ الخصبِ
مستظهرُ أسرارَ الحقيقة
ذلكَ الفنانْ
مستوحِي ظلامَ الليلْ..
والبيداءِ.. والخيلْ
أغانيه القوية
إنه مستنطِق "النؤي"
وأطلالَ الديارِ الخُرسِ
والأظعانِ.. ما أعجز
من سحرِ أهازيجَ ندية
وأناشيد الهوى العُذري
قد فَضّ ختام الخُلد عنها
فسقَاها للعَذارى
ملء أهواءِ الجمالْ
في كؤوسٍ ذهبية
هرم الدهر، وما زالْ
على إعطائِه طيب شذاها
وسناها -فتنة رفافة الأزهارْ
في كل ربيع لا يحولْ
* * *
إنه الحُرُّ كبيرُ النفسِ
ما فوقَ أديمِ الأرضِ
من قاصٍ، ودانْ
ملء حسه..
إنه الصانعُ أرباباً
يرجّيها، ويخشاها
فلا يرجو ويخشى غيرَ نَفْسِه
إنه جدي القديم، الوثني الماردْ
ماردُ الصحراءِ.. تاريخُ دُجاها وسَنَاها
الخالدْ
ذلك الواثبُ بالراية
في جيشِ محمدْ..
يحملُ المصحفَ والسيفْ
شجاعاً يتوقّدْ..
لا يهابُ الموتَ، فالموتُ
كما كان بِماضِيه.. خُرافة
مِن خرافاتِ لياليهِ المليئاتْ
بما سرّ وساءَ
وهو اليومُ شهادة
وهو الحُسنى التي أختارَ لها
اللهُ عبادَه..
إنه النهجُ القديمْ
يتلاقَى في ميادينِ العوادي
بالجديدْ
مثلما تدمج بالنارِ حديداً
في حديدْ
إنه أفقٌ مديدْ
إنه غورٌ بعيدْ
إنه الفجرُ العتيدْ..
خلقه أعمدة النور.. من الجنة
من تلك السماواتِ البعيدة
تَتَعالى في غمار الجهدِ
أعياداً وئيدة
وخيالاتٍ سعيدة
إنه سحرُ العقيدة
* * *
ومضَى الماردُ بالقصة
لا يلوي عليها
فهو أيانَ مضَى في الأرضِ
منها وإليها..
الميادينُ مجالاتُ هواهُ الوارفة
وهو حُرُّ مثلما كانَ، يخوضُ العاصفةْ
وكريمٌ مثلما عاشَ، وأوفَى عارفه
صوتُهُ يهدرُ في يومِ السقيفة
راضياً.. أو غاضبا..
سيفهُ يؤذن بالهولِ الخليفة
منذِراً.. لا عاتِبا..
ما عداهُ الأمن عن حقٍ
ولا صدّته خِيفة.
هكذَا عاشَ بماضيهِ
فلم تجحدْ له الدنيا مُرادا
إنه قصتُه الأولى
وجُوداً.. وامتدادا
وإباءً، واعتقاداً، وجلادا
وذكاءً.. وغباءً.. واعتدادا
فِيمَ لا يجهد للمبدأ.. زرعاً وحصادا؟
فِيمَ لا يَحيا على أعصابِه في الحربِ، زادَا؟
إنها قصةُ عهديْهِ.. مصيراً.. وجِهادا
ذاتها.. لم تتغيرْ.
قصةُ السيدِ.. والقائدْ..
يُمْلِي.. ويقررْ..
قصةُ الحُرّ العنيدِ الوثني المتحجّرْ
الذي يهزأُ بالموتِ.. ويلقاهُ خرافة
من خرافاتِ ليالِيه المليئاتْ
بما سَرّ وسَاءَ.
* * *
شَدّ ما أغفلَها تاريخُنا
مصدرُ قوة.
شَدّ ما جانبَها
نبعُ فتوَّة.
شَدّ ما أنكرَها
رمزُ مروَّة.
شدَ ما أفسدَ معناهَا وموَّه
فأنطفيْنا وانطفتْ
وقدتَيْ بأسٌ
وبركانٌ لهيبٌ.. يستجيبْ
كلما هبتْ أعاصيرُ المِحنْ
أو دَهَانَا.. من قريبٍ وغريبٍ
مُسْتَخِفٍّ بِثرى هذَا الوطنْ
مسرح القصةِ.. والأبطالْ..
والأمجادْ.
ميدان النضالِ الحُرِّ
لم تَخْفِضْ له الأيامُ راية
ملعب الفجرِ الذي واكبَ
نور الفنِ من إشعاعه
نور الهدايةِ
مُلتقى القصةَ
بَدْءاً.. واطّراداً.. ونهايه
ما لنَا منها سِوى ذِكرى قَصِيّة
لم تزلْ واهنةَ الصوتِ.. خَفيّة
وسِوى ظلمةِ ماضِي الوثنيةْ
وسِوى أنَّ التماثيلَ التي نعبدُها
صارتْ شُخوصاً آدمية
وهي في واقِعها المغلقْ
أمساخٌ زرية
صورٌ شائهةٌ للحجرِ المنحوتْ
والطينِ المدبرْ
فهما أصلب من تكوينها
الرّخْوِ.. وأطهرْ
إنها آلهةٌ تزْنِي.. وتحتالُ.. وتسكرْ
وتلم الفسقَ.. في ألفِ معسكرْ
إنها تنكرُ أنَّ اللَّه أكبرْ
وتحبُ الصمتَ، فالصمتُ
بما تُخفي ضنينْ
وتهابُ الموتَ.. والموتَى
فلا يعرف قبر.. بدفينْ
وتخافُ النورَ.. والشعرَ
وتخشَى الشعراء
فَهُمو في ظِلِّها بكمٌ
وأنضاءُ شَقَاء
* * *
إنها آلهةٌ تُسْرقُ من أتْباعِها
حتى الرغيفْ
إنها تشرعُ أنَّ الحقَ للقوةِ
تقضِي.. وتحيفْ
إنها تقتلعُ الأكواخْ
كي تبنِي القصورْ
اتخذتْ منها مواخيرَ فجورْ
فهي للعفةِ والطهرِ قبورْ
إنها تَعْصِفُ بالأحرارِ جَهْرا
إنها توسعهم قتلاً وقهرا
إنها تعتبرُ العزةَ نُكْرا
وترىَ الثورةَ كُفرا
إنها تقتلُ مَنْ يؤثرُ عيشَ الطُهر.. صَبْرا
وترابِي، وتبيعُ الناسْ
ما تسرقهُ منهم وتغتالُ الحقوقا
إنها تحتكرُ الأرزاقَ، والأسواقْ
لا تتركُ سوقا
وتبيحُ الرقَّ.. تستثمرهُ مالا
وَكّداً وفسوقا
إنها آلهةٌ تنضحُ كُفراً ومروقا
إنها لا تعرِفُ الماضي
ولا تعبأُ بالمستقبلْ
هَمّها ما يبلغ المنجلْ
في يوم الحصادْ
إنها آلهةٌ فوقَ عروشٍ مِن رمادْ
فمتى تنطلق الريحْ..
مخلاة القيادْ.
إنها ذاتُ عيونٍ من زجاجٍ أسودْ
لا ترَى من خلفهِ إلاّ السوادْ
وقلوبٌ حجرية
وميولٌ بربرية
تتغذىَ باللحومِ البشرية
وهي كالبُومِ تحبُّ الظلماتْ
وتغنِي للخَرَابْ
فترَى الأعيادَ رمزَ المُنكراتْ
ومسرات رعاياها مصابْ
* * *
إنها آلهة تجحدنا حَقّ البقاء.. والأنينْ
وطّأت أكنافَنا للدخلاءِ الغاصبينْ
شوّهَتْ تاريخَنا
طمستْ آثارَنا
قتلتْ أحرارَنا
وَأَدَتْ أوطارَنا
سَلَبَتْ عزتَنا
أوهنتْ عدتَنا
مَزّقَتْ وحدتَنا
نصبتَ في كلِّ رأسٍ وَثَنَا
زَرَعَ الفتنةَ أعراقُ خنى
فإذا العيشُ انتهازٌ وغِنى
وإذا الظلمةُ تغتالُ السّنَى
وإذا الفرقةُ تستشرِي وَبَاء
وإذا القُربى عَداء
والموداتُ رِياء
والتقاليدُ هَباء
وإذا المجدُ ثَراء
وإذا الناسُ عبيدٌ وإماء
وإذا الفاقةُ سجنُ الأكفياء
وإذا العفةُ ذنبُ الشرفاء
وإذا الحقُ حليفُ السفهاء
والخياناتُ مطايَا الأدعياء
وسبيلُ الشرِ أمنٌ ورخاء
وسبيلُ الخير فَقْرٌ وشَقَاء
وإذا آلهةُ الشرِ على أنقاضِنا
تَنْعقُ أمناً وسُرورا
أيُّ قلبٍ في أسَى المحنةِ لم يَغْدُ كَسيرا؟
أيُّ طرفٍ خاضَ، دَيْجُورَ مآسيِها فما أرتَدّ حَسِيرا
أيُّ حُرٍّ في قيودِ الفَتْكِ والإرهابِ تَخْشَى أن يثوُرا
أيُّ فكرٍ لم تكبله، وكِبْرٌ لم تُذله، فما صَدا نكيرا
وأيُّ عظيمٍ جليلٍ ونبيلٍ لم تُبَدّله.. حَقيرا
أيُّ قدسٍ لم تنجّسه، وعرضٍ لم تدنّسه ادعاءً أو فُجورا
إنه عالمُها الهامدُ لم يشعرْ
فهل يخلعَ نيرا؟
هكذَا ضلّلها الوهمْ
وقد ساءَت بما ضلتْ مصيراً
إنها لا تعرفُ الإنسانَ.. أغواراً
وروحاً.. وشعورا
إنها تجهلُ أسرارَ معانيهِ
خفاءً.. وظهورا
وخفوتاً.. وانطلاقا
وهموداً.. ونشورا
جهلتهْ في مدَى تاريخهِ
موقد ثوراتٍ.. وبركان حِمَمْ
جَهِلتْ قدرَته صانعَ أربابٍ
وخلاّق قِيَمْ
فإذَا سالمَ وَالاَهَا
وإنْ ثارَ حَطّمْ
إنها آلهةُ عشواء
لا تُبصر ما فوقَ القِمَمْ
إنها تهزأُ بالقصةِ.. جَهلاً وضَلالا
وترى الممكنَ من أحداثِها عادَ مُحَالا
إنها آلهةٌ حَمْقى فما زالتْ لماضِينا بقية
هي في قصتِنا الفصلُ الأخيرْ
وسنمليهِ على التاريخْ
في ظلِ حراءٍ.. وثبيرْ
ثورة تجرفُ في تيارِها
هذا الكيانَ المتدَاعي
لم يزلْ يصنعُ بالوهمِ علالاتِ البقاء
في دُجى أحلامهِ العَمْياء
هَدْماً.. وَبَناء
غَافلاً عن حينهِ الزاحفْ
في ظلِّ سكونِ القفرِ تيار دماء
وأعاصير فناء.
ينطوِي فيها سلاحٌ وجيوشْ
وقصورٌ.. وعروشْ
إنها معركةُ الساعدِ والزندْ
وراءَ المعولِ الدامي الجروحْ
إنها معركةُ الكف وقد شدتْ
على الفأسِ
معرّاة القروحْ
إنها معركةُ المِخلب والنابِ
على خَطِّ الحياةْ
إنها معركةُ الإنسانِ
في ثورتِهِ ضدَّ الطُغاة
لم يقم فيها على رقعةِ هذي الأرضِ
وَزناً لإله..
إنه الإنسانُ هذَا الكاسرُ الوحشيُّ
لم يفتأ
صدَى صوت السماء.. وقواها
إنه رمزُ القِيمْ
فإذا صُد كَظمْ
وإذا مُسَ احتدمْ
فإذا ثارَ حَطّمَ.. وهدمْ
وغزا آلهةَ الأرض قوياً فطوَاها
إنها سطوتهُ.. تاريخهُ.. فطرتهُ
منذُ خَطَا فوقَ أديمِ الأرضِ
يستجلِي دُجَاهَا
وله في كُلِّ ركنٍ خَاضَ
مِن أركانِها
قصةُ بأسٍ ونضالْ
وطِئتْ أقدامهُ فيها الجَبَاهَا
* * *
فارفَعي رايَتك الحمراءْ
وارمِ بالهولِ سُفوحاً وذُرى
وأعيدي يومَك الغابرْ
يوماً أغْبرا
تسقطُ الأوثانْ
في أغوارهِ السودْ
وُجوداً مُفترى..
إنه صوتُ بلالٍ.. يومُ كبّرْ
إنه بأسُ "إلالٍ" ليس يُقْهَرْ
إنه نصرُك في الآفاقِ نوَّرْ
إنه شارتُك الفذّة في دُنيا النضالْ
ينطوِي في ظِلها عهدُ الضلالْ
خالد المأساة، ملعون المآلْ
ولك الخلدُ،
ولله الجلالْ..
1/5/1985م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :428  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 15 من 169
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.