شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الاضطراب في مكة
وظل الأمر في مكة بضع سنوات ثم ما لبث أن عاد الاضطراب بين بيوت الأشراف ولعلّ الاضطراب في هذه المرة كان سببه توزيع السلطة بين أمير البلاد وأشخاص غيره كانت أوضاعهم الرسمية تخول لهم مشاركته في النفوذ.
وقد قدمنا أن ترتيبات محمد علي باشا الإدارية بحكم إشرافه الممنوح من العثمانيين اقتضت تعيين رئيس للحامية ثم أضيفت إليه وظيفة ((محافظ)) مكة ليشرف على شؤون الأمن فيها وبذلك تم له من النفوذ ما يضاهي نفوذ الأمير إن لم يزد عليه.
وثمة شخصية ثالثة هي رئاسة العربان التي ولاّها محمد علي باشا أحد الأشراف ((شنبر بن مبارك)) وأعطاه من الصلاحية بالنسبة لعموم القبائل ما لا يقل عن صلاحية أمير البلاد.
وإذا علمنا أن شنبراً كان موضع ثقة محمد علي باشا وأن الصلة بينه وبين رئيس الحامية بمكة كانت على أتمّ ما تكون من الصفاء والود بدا لنا أن كفتي الميزان لم تكن متعادلة لأن إحدى الجهات كان فيها أمير البلاد فقط بينما اجتمع في الجهة الثانية قوة الجيش وإمارة العربان في آن واحد.
ومن الطبيعي أن يحتك النقيضان وأن تصطدم الآراء فيأبى أمير البلاد إلاّ أن يكون صاحب القول بحكم إمارته ويأبى أصحاب القوة إلاّ أن يملوا إرادتهم فينشب النزاع وتتفاقم المشاكل.
ولعلّ محمد علي باشا كان معذوراً عندما وزع المسؤوليات ولم يركزها في مصدر واحد، لعلّه شعر أن الأمراء من الأشراف لا يقيمون أمور البلاد على النحو الذي يريده لها ولكن لا بد من وجودهم في دست الإمارة لأن البلاد ألفت طاعتهم وتقديس بيوتهم فأراد أن يجمع بين المكرمتين، تقليد الإمارة لأصحابها وتزويد البلاد بقوة أخرى تتولى استقرار الأحوال وتشرف على مرافقها فجاءت ترتيباته بغير الغاية المطلوبة لأن الاختصاصات ما لبثت أن اختلطت على أصحابها وراح كل فريق يدعي أحقيته فيما يرى ويأمر.
قتل شنبر: وعانت البلاد من جراء هذا الارتباك كثيراً بضع سنوات ثم ما لبث أن تفاقم الشر في 22 شعبان عام 1242 لأن الشريف يحيى بعد أن صبر طويلاً على مشاركة غيره له في الحكم رأى أنه لا بد من وضع حد حاسم للأمر فعمد إلى أمير العربان الشريف شنبر وهو يصلي المغرب عند باب الصفا فطعنه بسكين في خاصرته ولم يتركه حتى قضى.
وضج الناس في المسجد وعمّ الفزع وانتهى الخبر إلى رئيس الحامية صديق المقتول فاستشاط غضباً وأمر جنده بالاستعداد للهجوم على قصر الأمير يحيى وإلقاء القبض عليه فتحصن الأمير في بيته واستعد للدفاع وكادت الفتنة تقع لولا أن أخّر حدوثها توسّط الشيخ محمد الشيبي وقد طلب إلى يحيى أن ينكر القتل وينسبه إلى أحد عبيده فأبى وأصرّ على القول بأن القتل لم يقع إلاّ بيده وانتهت الوساطة بأن يغادر الشريف يحيى بن سرور مكة إلى مصر من طريق البر وقد غادرها وأصبحت البلاد بذلك تحت حكم رئيس الحامية (1) .
عبد المطلب بن غالب: وما لبث رئيس الحامية أن رأى أن لا قبل له بإقرار البلاد إلاّ بعد أن يولي أمرها أحد الأشراف فنادى بالإمارة أحد أولاد غالب أميرها السابق ((وهو عبد المطلب بن غالب)) واحتفل به في موكب حافل كالمعتاد ومن ثم كتب رئيس الحامية بذلك إلى صاحب مصر محمد علي باشا بطلب الموافقة على ما حدث واستصدار التأييد بذلك من تركيا.
وفي هذه الأثناء كان يحيى بن سرور قد ركب إلى البادية ليظهر ارتحاله إلى مصر من طريق البر ثم ما لبث أن عرج على بدر فاجتمع فيها بشيوخ حرب واستطاع أن يقنعهم بنصرته فأطاعوا له وقبلوا القتال من أجله.
والمظنون أن رئيس الحامية في مكة لم يفكر في تنصيب عبد المطلب إلاّ بعد أن علم بأن قبائل حرب بدأت تجتمع لنصرة يحيى، وكأنه أراد بذلك أن يشعر القبائل من حرب وغيرها أنهم لا يهاجمون في مكة إلاّ شريفاً من أمرائهم تخفيفاً لحدة ثائرتهم.
وبينما كان يحيى يستعد للهجوم على مكة في شهر صفر من عام 1243 إذ ثارت الفتنة في مكة بين أميرها الجديد عبد المطلب ورئيس حاميتها، ذلك لأن أخباراً وصلت من مصر بعدم موافقتها على تولية عبد المطلب وتوجيه الإمارة بدله إلى محمد بن عبد المعين فاضطر رئيس الحامية إلى تبليغ ذلك إلى عبد المطلب فكبر الأمر على عبد المطلب ونادى بالثورة على حامية مصر وإجلائها عن الحجاز فأصاخت البادية لدعوته واجتمعت لديه وأرسل إلى يحيى بن سرور يطلب إليه توحيد الجهود لاحتلال مكة فوافقه يحيى على ذلك وتواعدا على مهاجمة مكة في التاسع من جمادى الأولى لاحتلالها بالاشتراك وإجلاء الجيش المصري عنها وكاد الاحتلال يتم على هذا الترتيب لولا أن أخباراً جديدة وصلت إلى المهاجمين في اللحظة الأخيرة بوصول محمد بن عبد المعين بن عون من مصر ودخوله إلى مكة في اليوم الثامن من جمادى الأولى (2) والشريف محمد بن عبد المعين من أحفاد العبادلة أولاد عبد الله بن الحسن أبي نمي الثاني ويسمونهم ((ذوي عون)).
محمد بن عبد المعين بن عون: وهكذا كان لوصول محمد بن عبد المعين المفاجئ أثر كبير في بقاء الجيش المصري في مكة لأنه ما كادت قدماه تطأ مكة حتى وصل خبره إلى عبد المطلب في المفجر بالقرب من منى فترك الحصار وانحاز إلى الطائف وكذلك كان شأن يحيى في قبائله عند وادي فاطمة فإنه ترك الهجوم متراجعاً إلى الوراء.
واستطاع محمد بن عبد المعين في أول لحظة من وصوله إلى مكة أن ينادي لنفسه بالإمارة وأن يساعد على خروج الجيش المصري من حصاره في القلاع التي تحصن بها وأن يدعو القبائل المحيطة بمكة إلى الطاعة له فتغمد أسلحتها وتمضي إلى تهنئته بالإمارة.
قصر الحكم بالغزة: وقد جلس للمهنئين في بيت الجيلاني بالشامية بجوار مورد الماء إلى أن أمر صاحب مصر ببناء دار له في الغزة وهو الدار المعروف بقصر الحكم (3) ومن ثم انتقل إليه وظل يسكنه بعده أولاده من ذوي عون. ويرى بعض المعاصرين نقلاً عما سمعوه من آبائهم أن الشريف محمد بن عبد المعين هو الذي أنفق على بناء القصر المذكور بعد أن اشترى بعض الخرائب التي بني في مكانها.
واستتب له الأمر ثم بلغه أن عبد المطلب يجهز القبائل في الطائف للهجوم عليه وأنه أغرى بذلك يحيى بن سرور وبعض الأشراف فانضموا إليه فاستعد محمد بن عبد المعين للدفاع وكتب إلى صاحب مصر يستمده العون فأرسل إليه لواء من عسكر النظام وكثيراً من المال، وكان الجيش النظامي قد أحدث في تلك الأثناء في مصر بفضل الجهود التي بذلها محمد علي باشا نحو الإصلاح العسكري والمدني.
وسار محمد بن عبد المعين في جموعه نحو الطائف في شهر جمادى الآخرة من السنة المذكورة عام 1243 فتحصن عبد المطلب فيها ثم اشتبك القتال نحواً من 22 يوماً ضعف في نهايتها عبد المطلب فطلب الأمان وأعلن التسليم ثم ما لبث أن غادر البلاد إلى عسير ثم إلى نجد والعراق ثم سافر إلى تركيا فاحتفى به السلطان محمود فأقام مكرَّماً لديه (4) .
وعندما رأى أن قائد حامية عسكر المصريين لا يتفق مع ميوله طلب إلى صاحب مصر ندب غيره فعيّن للقيادة عابدين بك فظلاّ على وفاق.
وكان محمد بن عبد المعين من محبي العلم والنظام وكان يميل إلى العدل كما كان مجلسه يضم كثيراً من رجال الفضل والأدب وكما كان يشجع الشعراء ويجيزهم بالمكافآت.
وباء قاتل: وفي عهده انتشر وباء فتاك قاتل كان يصيب الناس بالقيء والإسهال ثم يقضي عليهم وقد ظل يعاود الناس الفينة بعد الأخرى إلى عدة سنوات كان أهمها سنة 1246 فقد مات بإصابته فيها خلق كثير في أشهر الموسم واشتدت وطأته في أيام منى حتى غصت الأسواق والطرقات بجثث الموتى وعجز الناس عن دفنهم فاحتفرت الحكومة حفائر واسعة وجعلت تحمل الموتى إليها بالجملة.
ومات في هذا الوباء محافظ مكة وقائد الحامية المصرية عابدين بك فولى محمد علي باشا بمصر مكانه خورشيد بك في أوائل عام 1247 ثم ما لبث أن منحه لقب باشا (5) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :438  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 180 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج