شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الاثنينية: احتفائية الثقافة في احتفاليتها الفضية (1)
بقلم: فاروق بنجر
استهلال
جدة ـ بين عرائس المدائن ـ عروس الشاطئ اللازوردي المستلقي على البحر، منساب النسيم، في غوادي الأوقات، وأمواج ورياح السنين. والعروس غدت على الضفاف تفترش أنداء الماء، وتنداح في الفضاء، وتستهوي النفوس الحالمة بالعبير، المولعة بالأقمار والأسمار والأطيار، المشغوفة بالماء والشمس والسفر.
وفي تجلي السنين صارت العروس أفقاً للأشياء ومباءة لاجتلاءات الأيام، وما لبثت ـ منذ خمسين من السنين ـ تنفجر على مباهي المدينة الحديثة، وتنفتح على نسائم ورياح التجديد والتحديث، وطوالع فصول الثقافات والأفكار،وتموجات المتغيرات المدنية والحضارية، فتلامحت إشعاعات تراسل المدن المركزية المتسارعة في اختراق الزمن، واكتظاظ الأطياف والأعباء. وقد هجست الباردة لي بتحيتها في قصيدتي (ترنيمة لعروس الضفاف) ومنها هذه النبرات:
هيا عروس بلادي، أي ملتفت
حلو البراءة في طهر الرياحين!
أطلت.. من فتح الآفاق نافذة
على العبير وأدنى كل مضنون
ومن تنوّر بالقنديل يشعله
لمستضيء ـ وراء البيد ـ مغبون
تلألئي في الضفاف الخضر حانية
على نديّ بزهو الدر ميمون
ودون صفوك من أصباحه زمن
من لؤلؤ ـ في فتوح الوقت ـ مكنون!
وجدة المحروسة بوابة الحرمين، ومرفأ إطلالات أهل الحجاز على الفضاءات الهامسة والهاتفة والصادحة والصاخبة، ومجتلى نوازع الوجدان والنفوس والعقول، حيث تلاقت والتحمت وتبلورت، وتماوج التشكيل والتكوين.
ولقد اتسعت في أحضان جدة مفهومات الأشياء في التكوين الثقافي الشمولي الذي يصعب تعريفه بالحد والماهية حتى استحالت الظاهرة الجدية أو (الجداوية) إلى ثقافة مميزة فالثقافي في جدة من تجليات طبيعة المثير ورد الفعل حين يتماهيان في الظاهرة الاجتماعية ويتجسد (التقليد).
والثقافي في جدة يوشك أن يستحوذ على إلماح البروز في المرأة، في المظاهر أو الظاهرات الحضارية المتجلية. وقد واكبت الظاهرة الثقافية الحديثة في جدة ومكة والمدينة وما لبثت أن تمركزت فيها الروافد والعوامل: الطباعة، والصحافة والإذاعة والمنتديات ومراكز التجارة والاقتصاد والتعليم والعمران والفنون.. وسواها.
الاثنينية
والحضاري الخاص ـ مما غدا في مرايا المعالم الثقافية ـ هذه المنتديات الثقافية التي احتشدت وتعددت وتبادرت بمسميات الأيام والأشخاص، ورفدت حركة الحياة الفكرية في العلم والأدب والثقافة والمعارف النظرية والتطبيقية، وأظهرها وأبرزها (الاثنينية) ـ اثنينية الشيخ عبد المقصود بن محمد سعيد خوجه المكي ـ التي ولدت عام 1403هـ ـ 1982م. وقد رصد صاحبها الشيخ عبد المقصود توقيت الميلاد في افتتاحية الجزء الأول من سلسلة أجزاء الاثنينية (ص4) بقوله:
(وعندما دار الزمن دورته، واستقرت بي أيامي في جدة ـ مدينة الوسط الثقافي ـ احتواني الماضي مجدداً، وتدفق الحب الذي لم يمتن والعشق الذي لم ينطوِ شلالين من الرغبة والعزيمة ونور الحب وسناه، ليلهماني في خطوتي وسط حيرتي وترددي، فكان لقاء الاثنين الذي سرعان ما سمته الصحافة (الاثنينية) وأخذت في تداوله منذ أول لقاء في الثاني والعشرين من شهر المحرم لعام: 1403هـ ـ 8 نوفمبر 1982م).
والاثنينية منتدى احتفائي ثقافي يتمحور على (التكريم) فيستضيف شخصية يحتفي بها من خلال احتشاد جماعي منبري يتم فيه تقديم المحتفى به، والتعريف بدوره أو ريادته في مجاله، ومحاورته في معطيات تجربته وتجليات فكره وإبداعه.
ولقد تكاملت دورة أهلة الأيام حول أمسيات الاثنينية خمساً وعشرين دورة، وها هي تناهز ميقات احتفاليتها الفضية، بعد أن استولت على الأمر، في بوادر الغايات الجليلة النبيلة، وذلك هو الدور الأول من منجزها الذي نال تكريماً فيه ما يشارف وجوه ثلاثمائة شخصية من البلاد المشرفة والآفاق الإنسانية.
ويتمثل الدور الثاني في الإصدارات الموسوعية الضخمة القيمة التي تشكلت في: سلسلة الاثنينية وكتاب الاثنينية، إذ بلغت مطبوعات سلسلة الاثنينية ثلاثة وعشرين جزءاً في ستة وعشرين مجلداً، واستوفت إصدارات كتاب الاثنينية تسعة وستين عنواناً في مائة وخمسة وعشرين مجلداً. والمقبل على دارة أو (قصر الاثنينية) البهية الحفية يعتبق بنشر أريج المساء، ويتنوّر بسنا قمر العشية، في حفاوة قاعة الاستقبال، وبهاء حديقة الاحتفال، وتواشيح إتحاف النظر، واستلهام روحة النفس والقلب والوجدان، وتنال يده شيئاً من هدايا الإصدارات والمطبوعات الجديدة وطار فيها الأنيق، ويتلذذ بغذاء الفكر وموائد العشاء، وليس بعد ذلك إلاّ أن يلهج بصوت الود والثناء.
إن الاثنينية معلم حضاري أنيق البادرة تحتضنه مدينة الوسط الثقافي ومركز الإشعاع الفكري، وقد غدت إصدارات الاثنينية موسوعة معرفية مصدرية في الثقافة الإنسانية، ومن المؤكد أن منجزها هذا ستدور حوله الأبحاث والدراسات العالية في مشهد وسياق تاريخ الحركة الثقافية في بلادنا. وذلك يوليها حقها وحق صاحبها مجداً في السبق والريادة.
وستغدو الاثنينية إضاءة في الذاكرة التاريخية الثقافية ـ عندنا ـ تتوالى بوجهها العتيد، وعمرها المديد، وبوادرها المضيئة. وقد كانت ولي ـ ضمن عناقيد أغصان الحفاوة بالأدباء والشعراء لغته أمسية تكريمية تشرفت بأضواء لمستها مساء يوم (26 شوال 1415 ـ 27 مارس 1995م) وحظيت بإتحاف نشر مجموعتي الشعرية (زمن لصباح القلب) ضمن إضمامات إصدارات كتاب الاثنينية (11) عام 1319هـ/1998م.
فالاثنينية وصاحبها المفضال تجلة العرفان والتقدير والتهنئة باحتفاء واحتفال المثقفين في تآلف وإيناس تراتيل عشية الرابع والعشرين من المحرم 1428هـ تكريماً لرائد الاثنينية مكرّم العلماء والأدباء والمثقفين. ولقد صافحته بتحية شعرية اقتطف من أغصانها هذه الأبيات في نهزة حميمية هذي الأوقات:
أمكرّم العلماء والأدباء
ومكلل الإبداع بالأشذاء
ومبجل الفكر الرفيع تضيئه
قمراً بهذي الدوحة القمراء
باركت أصحاب اليراعة والرؤى
وجلوتهم في بهجة الأضواء
فحففت بالقنديل كل مهذب
صافي نديك زهرة الأبهاء
وشرعت نافذة الوفاء لنخبة
حملت لواء الخير للعلياء
ونقشت من لفتات حسك لمسة
أضفيت لؤلؤها على الأكفاء
فهنا مدار للحوار ومنتدى
للساطعين أحق بالإفضاء
آلفت فيه معلماً ومفكراً
في عقد كوكبة من النبهاء
في محفل أضفى وقار سراته
سبباً لناشد حكمة وسناء
أتراك في هذا الندي مكرماً
وقتاً لنبض الحاذق البناء
أنت المكرّم في الرجال فإنهم
لهجوا بلطفك في حميم جواء
 
طباعة

تعليق

 القراءات :378  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 181 من 203
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج